اتحاف الاخیار بغرایب الاخبار

اشارة

نام كتاب: إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار
نویسنده: جعیدی، ادریس
تاریخ وفات مؤلف: 1308 ق
محقق / مصحح: معنینو، عز المغرب
موضوع: شرح حال
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
ناشر: الموسسة العربیة للدراسات و النشر- دار السویدی
مكان چاپ: بیروت- ابوظبی
سال چاپ: 2004 م
إتحاف الأخیار بغرائب الأخبار رحلة إلی فرنسا، بلجیكا، انكلترا، إیطالیا 1876
ithaf ala'khyar bghraa'b ala'khbar rhlah ila frnsa bljika enkltra iitalya 1876
تألیف: إدریس الجعیدی السلوی تاریخ النشر: 01/12/2004
تقدیم: عز المغرب معنینو
ترجمة، تحقیق: عز المغرب معنینو
الناشر: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر السلسلة: ارتیاد الآفاق النوع: ورقی غلاف عادی، حجم: 24×17، عدد الصفحات: 480 صفحة الطبعة: 1 مجلدات: 1

[تصدیر]

«... و استنبطوا عقوبة للسارق، و ذلك أنهم اتخذوا صندوقا مقسوما نصفین، مقبوضا من غاربه بقریقیات، و فتح لوحته العلیا دائرتین نصفهما فی كل نصفی اللوحة الفوقیة، یفتح هذا الصندوق و یدخل إلیه السارق و یسد علی ما فوق ركبتیه، و تغل یداه بین خشبتین منصوبتین فوق الصندوق، ثم یضرب بسیاط خمسین سوطا بین كتفیه، و قد نزعت ثیابه، و صاحب السوط یضرب به بغایة جهده، و صفة السوط قضیب رقیق، طوله یزید علی ذراع یسیرا فی رأسه جلدة ركب فیها تسعة خیوط من القنب الرقیق فیها، عقد طول هذه الخیوط كطول القضیب، قیل كل ضربة به یتفجر منها الدم، و أن من ضرب به خمسین سوطا یموت لا محالة»
نص الرحلة ص 277
«و رأینا فی نسائهم حیاء كبیرا لأنهن یرفعن إلینا من بعد، فإذا قربن و وقع بصرنا علی إحداهن نكست بصرها إلی الأرض.»
نص الرحلة ص 282
«... فبینما نحن مارون بتأن و مهلة إذ رأینا شعاعا عظیما خارجا من كوة عالیة فی جدار مرتفع، جرم تلك الكوة مستدیر فیما یظهر كجرم الشمس و الشعاع كشعاعها، إلا أنه أبیض یمیل إلی الخضرة، و یمكن للإنسان إمعان النظر فیه، و بانتشار ذلك الشعاع انتشر الضوء علی جمیع تلك الخلائق الذین كانوا هناك حتی كأنه النهار، و یری البعید منهم كما یری القریب، و یری ظلال المارین علی الأرض و بالجدران كما تری الظلال بالنهار، و تعجبنا من عقول هؤلاء الشطار كیف تخیلوا و صیروا اللیل كالنهار، و لیس ذلك من قبیل قلب الأبصار و الأعیان، بل هو محقق الوجود ظاهرة للعیان ...».
نص الرحلة ص 355
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 7

استهلال‌

تهدف هذه السّلسلة بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة فی ثقافتنا العربیة، من خلال تقدیم كلاسیكیّات أدب الرّحلة، إلی جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب و رحّالة عرب و مسلمین جابوا العالم و دوّنوا یومیّاتهم و انطباعاتهم، و نقلوا صورا لما شاهدوه و خبروه فی أقالیمه، قریبة و بعیدة، لا سیما فی القرنین الماضیین اللذین شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربیة لدی النّخب العربیة المثقفة، و محاولة التعرّف علی المجتمعات و النّاس فی الغرب، و الواقع أنه لا یمكن عزل هذا الاهتمام العربی بالآخر عن ظاهرة الاستشراق و المستشرقین الذین ملأوا دروب الشّرق، و رسموا له صورا ستملأ مجلدات لا تحصی عددا، خصوصا فی اللغات الإنكلیزیة و الفرنسیة و الألمانیة و الإیطالیة، و ذلك من موقعهم القوی علی خارطة العالم و العلم، و من منطق المستأثر بالأشیاء، و المتهی‌ء لترویج صور عن «شرق ألف لیلة و لیلة» تغذّی أذهان الغربیین و مخیّلاتهم، و تمهّد الرأی العام، تالیا، للغزو الفكری و العسكری لهذا الشرق. و لعل حمله نابلیون علی مصر، بكل تداعیاتها العسكریة و الفكریة فی ثقافتنا العربیة، هی النموذج الأتمّ لذلك.
فقد دخلت المطبعة العربیة إلی مصر مقطورة وراء عربة المدفع الفرنسی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 8
لتؤسس للظاهرة الإستعماریة بوجهیها العسكری و الفكری.
علی أن الظّاهرة الغربیة فی قراءة الآخر و تأویله، كانت دافعا و محرضا بالنسبة إلی النخب العربیة المثقفة التی وجدت نفسها فی مواجهة صور غربیّة لمجتمعاتها جدیدة علیها، و هو ما استفز فیها العصب الحضاری، لتجد نفسها تملك، بدورها، الدوافع و الأسباب لتشدّ الرحال نحو الآخر، بحثا و استكشافا، و تعود و معها ما تنقله و تعرضه و تقوله فی حضارته، و نمط عیشه و أوضاعه، ضاربة بذلك الأمثال للناس، و لینبعث فی المجتمعات العربیة، و للمرة الأولی، صراع فكری حاد تستقطب إلیه القوی الحیّة فی المجتمع بین مؤید للغرب موال له و متحمّس لأفكاره و صیاغاته، و بین معاد للغرب، رافض له، و مستعدّ لمقاتلته.
و إذا كان أدب الرحلة الغربی قد تمكن من تنمیط الشرق و الشرقیین، عبر رسم صور دنیا لهم، بواسطة مخیّلة جائعة إلی السّحری و الأیروسیّ و العجائبیّ، فإن أدب الرحلة العربی إلی الغرب و العالم، كما سیتّضح من خلال نصوص هذه السلسلة، ركّز، أساسا، علی تتبع ملامح النهضة العلمیّة و الصناعیّة، و تطوّر العمران، و مظاهر العصرنة ممثلة فی التطور الحادث فی نمط العیش و البناء و الاجتماع و الحقوق. لقد انصرف الرّحالة العرب إلی تكحیل عیونهم بصور النهضة الحدیثة فی تلك المجتمعات، مدفوعین، غالبا، بشغف البحث عن الجدید، و بالرغبة العمیقة الجارفة لا فی الاستكشاف فقط، من باب الفضول المعرفی، و إنما، أساسا، من باب طلب العلم، و استلهام التجارب، و محاولة الأخذ بمعطیات التطور الحدیث، و اقتفاء أثر الآخر للخروج من حالة الشّلل الحضاریّ التی وجد العرب أنفسهم فریسة لها. هنا، علی هذا المنقلب، نجد أحد المصادر الأساسیة المؤسّسة للنظرة الشرقیة المندهشة بالغرب و حضارته، و هی نظرة التطلّع إلی المدنیّة و حداثتها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 9
من موقعه الأدنی علی هامش الحضارة الحدیثة، المتحسّر علی ماضیه التلید، و التّائق إلی العودة إلی قلب الفاعلیة الحضاریة.
إن أحد أهداف هذه السّلسلة من كتب الرحلات العربیة إلی العالم، هو الكشف عن طبیعة الوعی بالآخر الذی تشكّل عن طریق الرحلة، و الأفكار التی تسرّبت عبر سطور الرّحالة، و الانتباهات التی میّزت نظرتهم إلی الدول و الناس و الأفكار. فأدب الرحلة، علی هذا الصعید، یشكّل ثروة معرفیّة كبیرة، و مخزنا للقصص و الظواهر و الأفكار، فضلا عن كونه مادة سردیّة مشوّقة تحتوی علی الطریف و الغریب و المدهش مما التقطته عیون تتجوّل و أنفس تنفعل بما تری، و وعی یلمّ بالأشیاء و یحلّلها و یراقب الظواهر و یتفكّر بها.
أخیرا، لا بد من الإشارة إلی أن هذه السّلسلة التی قد تبلغ المائة كتاب من شأنها أن تؤسس، و للمرة الأولی، لمكتبة عربیة مستقلّة مؤلّفة من نصوص ثریّة تكشف عن همّة العربیّ فی ارتیاد الآفاق، و استعداده للمغامرة من باب نیل المعرفة مقرونة بالمتعة، و هی إلی هذا و ذاك تغطی المعمور فی أربع جهات الأرض و فی قارّاته الخمس، و تجمع إلی نشدان معرفة الآخر و عالمه، البحث عن مكونات الذات الحضاریة للعرب و المسلمین من خلال تلك الرحلات التی قام بها الأدباء و المفكرون و المتصوفة و الحجاج و العلماء، و غیرهم من الرّحالة العرب فی أرجاء دیارهم العربیة و الإسلامیة.
محمد أحمد السویدی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 11

المقدّمة

الفصل الأول: رحلة الجعیدی نموذج للرحلات المغربیة لأوربا خلال ق 19 م‌

اشارة

إن حقبة القرن 19 علی الصعید المغربی، تبدو إلی حد ما غنیة بالتصورات المبدعة من قبل النخبة المثقفة، اتجاه النهضة الأوربیة الحدیثة، فطبیعة الظروف الدولیة التی كانت قد أحاطت بالمغرب خلال هذه الحقبة و التی تتجلی فی تزاید الأطماع الأوربیة و تراجع مركز المغرب الدولی، نشطت الدیبلوماسیة المغربیة بشكل مكثف صوب أوربا، محاولة التأثیر فی هذا الواقع، فكانت لها مردودیة سیاسیة كما أنها أسهمت فی بلورة العدید من الإنتاجات الفكریة التی اهتمت بتصویر المدنیة الأوربیة الحدیثة،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 12
و یؤرخ هذا الانتاج الفكری لأولی انطباعات المغاربة عن أوربا. و تندرج رحلة الجعیدی فی هذا الإطار كأكبر رحلة سفاریة إلی أوربا، بقیت مخطوطة أكثر من قرن من الزمن قابعة داخل إحدی الخزانات العائلیة السلاویة لا نجد ذكرا لها فی كل الدراسات التی تعالج فترة حكم السلطان الحسن الأول. حتی تفضل حفید صاحب «الرحلة» سیدی محمد الجعیدی مشكورا فزودنا بها، كما أننا لم نعثر علی نسخة أخری للمخطوط، إن وجدت رغم قیامنا بالتفتیش الجدی فی مظان وجود المخطوطات المغربیة، لذلك اعتمدنا علی هذه النسخة الأصلیة التی هی بین أیدینا، و واصلنا البحث داخل خزانة ولده سیدی عبد القادر الجعیدی الكائنة بباب حساین بسلا.

التعریف بالمخطوط

إن المخطوط الذی نحن بصدد تحقیقه و دراسته هو رحلة سفاریة من تألیف إدریس الجعیدی كاتب سفارة الحاج محمد الزبیدی الرباطی إلی أوربا سنة 1876 م، و تبلغ عدد ورقات هذه النسخة 178 ورقة. و بكل ورقة صفحتان واحدة عن الیمین و الثانیة عن الیسار، ما عدا الأوراق التالیة، 3 و 10 و الأخیرتین 177 و 178، بها صفحة واحدة فقط. إذن عدد الصفحات الموجودة بهذه النسخة 256 صفحة، و مقیاس كل ورقة 18* 26 سم و فی كل صفحة ما بین 11 و 18 سطرا، و فی كل سطر ما بین 10 إلی 18
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 13
كلمة، و هی نسخة سلیمة من الخروم، كتبت بخط مغربی رقیق عدلی بید صاحبها بالحبر الأسود فقط، إضافة إلی هذا لاحظنا أن المؤلف قد لجأ فی البدایة إلی كتابة فهرس عناوین رحلته مع أرقام الصفحات دون أن یوظف هذه العناوین بكاملها فی مكانها المناسب أو یكتفی بالإشارة إلیها فی الهامش مما اضطرنا إلی إعادة توظیفها بكاملها كعناوین بارزة تساعد القارئ علی التعرف عن الأحداث التی یتحدث عنها.
تتخلل المخطوط أحیانا نقط مثلثة () یبدو أن الجعیدی وضعها بدل الفواصل و النقط دون الرجوع إلی السطر، و قد حرص علی وضع التعقیبة فی آخر كل صفحة حتی یطمئن القارئ علی تسلسل المضمون. و تتضمن هذه النسخة العدید من الحواشی بعضها من نفس خط المتن و تكون فی اتجاهه، و هی مرتبة بالمتن كتخریجات أو توقیفات أو تصحیحات أو تعلیقات، أدرجتها فی مكانها المناسب داخل المتن بین نجمتین، و بعض هذه الحواشی بخطوط مختلفة تبین لنا أن أحدها خط ابنه عبد القادر الجعیدی، و الثانیة خط المؤرخ ابن علی الدكالی السلاوی. فأشرت إلی كل حواشیهما باسم صاحبها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 14

المتن

وردت فی النص أخطاء لغویة و إملائیة كثیرة، قمنا بتصحیحها و أثبتنا فی الهامش العبارة فی شكلها غیر الصحیح، و إذا تكرر الخطأ نصححه دون ذكر ذلك علی الهامش تلافیا لإثقال النص بالهوامش، أما بالنسبة لبعض الأخطاء الناتجة عن استعمال الكلام الدارج فإننا آثرنا تركها كما وردت حتی لا یؤدی ذلك إلی تشویه النص، و قمنا بشرح بعضها فی الهامش، و إذا تكررت كثیرا أحلنا القارئ إلی ملحق خاص لشرح الكلمات العامیة المغربیة. و قمنا بترك الأشعار الواردة كما هی بدون تصحیح و ذكرنا بحورها العروضیة فقط.
و استعملنا المزدوجتین للآیات القرآنیة و الأحادیث، أما العلامات (//) التی تتخلل النص فقد وضعناها لتشیر إلی المكان الذی تنتهی فیه كل صفحة من صفحات المخطوط.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 15

الصفحات الفارغة من المتن‌

ذكر صاحب الرحلة فی فهرس رحلته و كذلك فی الصفحة/ 125/ «.....» . و فی الصفحة/ 23/ «هذا الفصل سیقدم و یلحق بموضعه المناسب بحول اللّه»، نستنتج من كلامه هذا أن رحلته ما زالت مسودة أی مبیضة و أنه لم ینته بعد من كتابة جمیع أجزاءها.
لهذا توجد بعض صفحات هذه الرحلة بیضاء فارغة و هی حسب الجدول التالی:
1- فهرس العناوین الذی وضع صاحب الرحلة جزءه الأخیر غیر كامل .
2- مقدمة الجعیدی جزءها الأخیر ناقص «... الطالب السید ...» عند الصفحة/ 9/.
3- الصفحات الفارغة فی المخطوط .
4- الصفحة الوحیدة التی یوجد بها بثر فی وسطها بواسطة آلة حادة/ 202/ هی رقم/ 202/.
5- الصفحتان/ 123/ و/ 124/ مكررتان.
6- تنفرد رحلة الجعیدی السفاریة بوجود بعض الرسوم التوضیحیة بحواشی بعض الصفحات، كما أننی طعمتها ببعض الرسوم الأخری تقریبا للفهم (انظر جدول الرسوم بالملحق).
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 16

ترجمة صاحب الرحلة: ترجمة مختصرة لآل الجعیدی‌

ینتمی إدریس الجعیدی السلاوی إلی أسرة شریفة، كانت تستوطن مدینة تطوان، التی یوجد بها ضریح جده الشیخ أبو الحسن علی بن مسعود الجعیدی المتوفی عام 1032 ه. «... و دفن بزاویته الخاصة قرب جامعه الكبیر بحومة العیون، و ما زال ضریحه قائما تقام به الصلوات، و یزوره الناس و یتبركون به، و مسجده من أعظم مساجد تطوان» و قد احتفظ أبناء الشیخ بعد وفاته بكل احترام و توقیر و مكانة هامة.
احتل حفدته مناصب مخزنیة هامة فی الدولة المغربیة أیام السلطان سیدی محمد بن عبد الله، الذی عین عبد السلام بن الخیاط بن علی الجعیدی قائدا بأحواز فاس لحل المشاكل و الدعاوی عام 1198 ه. و تولی محمد الجعیدی قیادة مدینة صفرو و أحوازها أیام السلطان مولای سلیمان عام 1235 ه. و عین عبد القادر بن الخیاط الجعیدی كاتب الدیوان الجهادی بسلا، كما جاء ذلك عند ابن زیدان : «أنه فی سنة 1203 ه أرسل السلطان سفارة مهمة للسلطان عبد الحمید كما جاء بخط كاتب الدیوان الجهادی بسلا فی ذلك العهد سیدی عبد القادر الجعیدی أوائل شعبان 1203 ه ...».
و بالتالی هو أول من استوطن مدینة سلا من آل الجعیدی بسبب الوظیفة المذكورة،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 17
و اتصل إذ ذاك بالقبطان الشهیر الحاج الهاشمی عواد، و انعقدت بینهم المصاهرة التی ما زالت محكمة بین العائلتین و بعد حوالی نصف قرن من استیطان الجعیدیین مدینة سلا، ولد صاحب الترجمة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 18

شجرة آل الجعیدی‌


إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 19

نسبه‌

سیدی إدریس ابن محمد بن إدریس بن عبد القادر بن الخیاط بن علی بن عبد الله بن الوالی الصالح سیدی علی ابن مسعود، دفین تطوان، ابن مسعود حسب وثیقة خطیة .
و یستمر نسب صاحب الترجمة مسترسلا، حسب قعود آل الجعیدی الموجود ب.
خ. ص. بسلا، و المكتوب فی ورقة عدلیة من الحجم الكبیر بتاریخ أواسط جمادی عام 1108 ه.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 20
مسعود بن تكال بن یجعد بن سلیمان بن محمد بن إسماعیل بن عیسی ابن یعلی بن عبد العزیز بن خلیفة بن هاشم بن سمرة بن هلال بن عمر بن كثیر بن إدریس بن إدریس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنی بن الحسن السبط بن علی بن فاطمة بنت مولانا رسول اللّه ... حتی نصل إلی بن عدنان. (رقم الوثیقة 22) و مصادق علی صحة هذا القعدود اثنا عشر من الشهود من أهل مدینة تطاوین بتاریخ رجب 1108 ه.
و قابل هذا القعدود عدلان و شهدا بصحة المقابلة و المماثلة بتاریخ 19 جمادی الأولی عام 1328 ه، كما اطلع علیه عدلان من حضرة فاس یوم 15 شعبان عام 1329 ه.

نشأته و دراسته أما تاریخ ولادة الشریف سیدی إدریس بن محمد بن إدریس‌

عبد القادر الجعیدی، إلی حد الآن لم أستطع أن أضبطها أو أعثر علیها، و إنما أقدرها فقط أوائل الخمسینات من القرن 13 ه. و هی تصادف الفترة التی ولد فیها المؤرخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصری، المزداد بسلا بتاریخ 22 ذی الحجة 1250 ه، الموافق (22 مارس عام 1835 م).
إذن یمكننا أن نستشف و نتلمس من خلال ترجمة سیدی أحمد الناصری- المنشورة بالاستقصا . الجو الثقافی و العلمی و الأدبی الذی كانت تعیشه مدینة سلا، و بالتالی نتعرف علی نشأته و دراسته عن طریق المقارنة و المماثلة، لأن كلا من الناصری و الجعیدی قرینان فی العمر و من أبناء مدینة واحدة.
تقول ترجمة الناصری «... كانت هذه المدینة (سلا) إذ ذاك زاهرة بالعلوم الإسلامیة و العربیة، و فیها جماعة وافرة من العلماء و المدرسین و الأساتذة القراء الذین یعتمد علیهم فی تحقیق الفنون و درس أصول العلوم و المتون».
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 21
و ذكرت الترجمة العدید من الأساتذة و الشیوخ منهم «... الأستاذ محمد العلو السلاوی ... الأستاذ محمد بن الجیلانی الحمادی فی مبادئ علوم قراءة القرآن ...
الأستاذ محمد بن طلحة الصباحی ... الأستاذ عبد السلام بن طلحة ... العلامة محمد بن عبد العزیز محبوبة السلاوی ... العلامة أبی بكر بن محمد عواد السلاوی ...»، و غیرهم.
مما لا شك فیه أن صاحب الترجمة سیدی ادریس الجعیدی، لما یوصف به من شغف بالعلم و حب أهله، أنه درس هو الآخر علی هؤلاء الأساتذة و انتفع بعملهم و استفاد من الجو الثقافی الذی كانت تعرفه مدینة سلا، و كانت «... تصل إلیها بعض المجلات العلمیة و الجرائد السیارة تأتی من مصر و الشام و فرنسا ...». هذا فی ما یخص الدراسة أو الثقافة العامة، غیر أن إدریس الجعیدی اهتم بدراسة العلوم الحدیثة كالریاضیات، و علم الفلك الذی برع فیه كاختصاص.

أهم شیوخه فی علم الفلك‌

كما جاء عند ولده عبد القادر الجعیدی فی إحدی أوراقه المخطوطة بخزانته بباب حساین بسلا «إن والدی رحمه الله كان تبرز فی هذا الفن و غیره، و تمیز تحقیقا و تدقیقا و تنظیرا و استخراج الكنوز الغامضة من قعر معادنها، و قد أخذ هذه العلوم عن عدة علماء ... منهم سیدی الجیلانی الرحالی بمكناس هو الذی صنع رخامات بجامع مكناس ... ثم أخذ والدی أیضا علی الشریف المتفنن سیدی عبد السلام العلمی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 22
و له تآلیف عدیدة و صنع رخامات ...، كما أخذ والدی المقدس عن مولای أحمد السویری قرأ الفنون بأوربة بأمر مولوی، و أخذ عن علماء أربعة قرأ بإیطالیا و غیرها، منهم الحاج ادریس الشاوی برز فی الهندسة و علم الرمایة بالمدافع و غیرها، و عن السید المختار الرغای .
و عن السید أحمد بنانی الفاسی الذی، كلف آخر عمره بمكینة ضرب السكة بفاس، و كلفهم مولای الحسن رحمه الله بتصویر البلدان، و والدی كان یأخذ عنهم و یباشر معهم العمل، و أخذ والدی رحمه الله عن العلامة أحمد بورقیة ، كان یدرس تألیف أقلیدس فی الهندسة برباط الفتح، و إذا أصابه عذر كالمرض یستنیب والدی فی الدروس بالرباط ... و أخذ عن الحاج محمد التریكی الرباطی و هلم جرا، كما أخذ أیضا عن الأحبابی الكبیر الموقت بالقرویین عام 1303 ه ...».
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 23
و قد شهد له بذلك المؤرخ الناصری «... الفقیه الأدیب فلكی العصر و حاسبه الشریف أبو العلاء ادریس بن محمد الجعیدی السلاوی ...».
كما وصفه الأستاذ عبد الله الجراری «... أبو العلاء الجعیدی من المولعین بالریاضیات و الهندسة و التعدیل و الرصد، مع ولوع بالأسفار و التجوال، رحل إلی أوربا و سواها ... له تقیید حافل یقع فی ثمانیة كراریس ...». و بنفس الوصف ذكره العباس بن إبراهیم » ... الشریف الأدیب فلكی العصر ...»، و وصفه الأستاذ أحمد الصبیحی «... و كان رحمه الله بارعا فی الأدب و العلوم الریاضیة إلیه المنتهی فی الهندسة و أحكام النجوم و التوقیت و التعدیل و الحساب و الفرائض و غیر ذلك، مع مشاركة فی فنون شتی و جال فی بلاد الشرق و حج ...» ، أكد هذا صاحب الترجمة فی رحلته المخطوطة: 123 «... فی أواسط شعبان عام 1277 ه كنا نتهیأ للسفر لحج بیت الله الحرام ...».
كما هو معروف و متوارث أن جل من یقصد البلاد الحجازیة من الأدباء و العلماء ... ینتهز فرصة هذا السفر الطویل لطلب العلم و لقاء المشاییخ الكبار و نیل الإجازات و ارتیاد المكاتب المشهورة، فكثیر ما كانت الغایة الدراسیة تتحد مع أداء فریضة الحج، و مما لا شك فیه أن صاحب الترجمة استفاد من سفریته هذه إلی الشرق العربی الناهض. و بعد عودته من رحلته السفاریة إلی أوربا عام 1294 ه، و فد علی حضرة السلطان و مدحه بقصیدة جیدة نشر بعضها الناصری (انظر نصها بالملحق: 2) و بعدها همش من أیة مهمة مخزنیة، حتی عینه السلطان الحسن الأول فی ربیع الثانی من سنة 1297 ه لإحصاء صائر بمراكش بدلا عن الفقیه عبد الله بن خضراء، فمدح السلطان بقصیدة طویلة نشرها الناصری حوفظ فیها علی الأوزان
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 24
الشعریة (نصها الكامل بالإستقصا).
یقول فی مطلعها:
لبیك یا منقذی من لجة العدم‌سعیا علی الجفن لا مشیا علی القدم
فذا أوان سعود كنت أوصده‌و ذی منای كما فی سابق القدم
إلی أن یقول:
مولای أنت الذی تغنی الضعیف إذاما الدهر أفضی به لقبضة الهرم
مولای جد برضاك لی و خذ بیدی‌و احرس جنابی به من سائر الألم

حیاته العائلیة

زواجه الأول كان من السیدة خدیجة الصابونجی عام 1271 ه. حسب عقد الصداق (رقم الوثیقة 1) ب. خ. ع. ص. بسلا.
«عقد بین الشاب سیدی إدریس بن الشریف الحاج محمد الجعیدی، و الطالب الشریف سیدی محمد بن الشریف مولای أحمد الصونجی». الأول عقد علی نفسه و الثانی علی ابنته خدیجة بتاریخ 11 ذی القعدة عام 1271 ه.
السیدة الصابونجی خلفت معه عائشة و مولای محمد و الطاهرة و البتول و زینب و صفیة و مولای محمد، و ماتت نفاسا یوم 6 ربیع الثانی عام 1290 ه، حسب كناشة بخزانة ولده عبد القادر الجعیدی، و كتب صاحب الترجمة بخطه تواریخ ازدیاد أولاده من السیدة الصابونجی.
و بنفس الخزانة عثرت علی تریكة صاحب الترجمة، و التی تذكر أنه تزوج بعد وفاة زوجته خدیجة الصابونجی، بالسیدة فاطمة بنت الأمین الطالب السید الحاج
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 25
محمد بن أحمد عواد و خلفت معه.
- سیدی عبد القادر (صاحب الخزانة بباب حساین بسلا).
- سیدی محمد دعی ابن إدریس، و سیدی أحمد، و زهراء و حبیبة.
و ترك كذلك خزانة مهمة من الكتب الفقهیة و الأدبیة المتداولة فی عصره، بالإضافة إلی العدید من الكتب فی علم الفلك و التوقیت و علم التنجیم، و مجموعة من أدوات الرصد و القیاس (انظر لائحة الكتب و الأدوات بالملحق).

وفاته‌

و توفی- رحمه الله تعالی- فی عصر یوم الأحد الثانی و العشرین من صفر عام ثمانیة و ثلاثمائة و ألف (1308 ه)، و دفن بضریح ولی الله تعالی سیدی علی الملیح- رضی الله عنه- من بلده سلا حرسها الله .
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 26

الفصل الثانی الإطار التاریخی للرحلة

اشارة

عرفت العلاقات المغربیة الأوربیة فی السنوات الأولی من القرن 19 م تقلصا كبیرا بسبب انشغالهم بحروب الثورة الفرنسیة و حروب نابلیون بونابرت، و یتجلی هذا فی ضعف التمثیل القنصلی المتركز بطنجة، و إغلاق السلطان مولای سلیمان جل الموانئ المغربیة أمام التجارة الخارجیة و إبطال سنة الجهاد البحری سنة 1817 م، إلا أن سیاسة الاحتراز التی تبناها المولی سلیمان لم تعد ممكنة فی عهد السلطان المولی عبد الرحمن الذی شعر بخطورة احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 م و التی أخلّت بالتوازن السیاسی و العسكری فی المنطقة» و أرغمت المغرب علی الدخول فی حرب مفتوحة مع فرنسا عند وادی إیسلی سنة 1844 م، فكانت أول معركة عسكریة ینهزم فیها المغرب منذ أزید من قرنین، و قد انهار علی أثرها صیته العسكری، و اضطر المولی عبد الرحمن إلی التوقیع مع فرنسا علی معاهدة سنة 1845 م و التی قسمت الحدود المغربیة الجزائریة من الشواطئ المتوسطیة إلی مدینة فكیك.
كما شهدت هذه الفترة نموا ملحوظا فی المبادلات التجاریة مع أوربا نظرا لحاجتها إلی الأصواف و الجلود و الحبوب و غیر ذلك من المواد الخام، بید أن هذا النمو لم یكن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 27
منتظما و كان مرتبطا بالظروف الدولیة، و ظل المغرب بالنسبة للتجارة الأوربیة سوقا تكمیلیا تلتجئ إلیه فی فترة الأزمات. فی هذه المرحلة كان المخزن ما زال مسیطرا نسبیا علی الموقف فی تعامله مع الدول الأوربیة، و كان التشریع الجمركی سلاحه الفعال فی میدان التجارة البحریة، إلا أن الأوساط الأوربیة المهتمة بالمغرب تضایقت من هذا الوضع، و أمام ضغطها تجندت الدول الأوربیة لإرغام المغرب علی عقد معاهدات تجاریة لترسیخ قواعد التحكم الأجنبی فی التجارة المغربیة، و ربط مصالح الخزینة السلطانیة بمصالح التجارة الأوربیة، و قد تحقق هذا الهدف بعقد ثلاث معاهدات ، الأولی مع أنجلترا سنة 1865 م و الثانیة مع إسبانیا بعد حرب تطوان مباشرة سنة 1861 و الثالثة مع فرنسا سنة 1863 م، غیرت بعمق طبیعة العلاقات المغربیة الأوربیة، لأنها نصت علی تقویة مكانة الحمایة القنصلیة بالمغرب، و التی أصبحت فی تصاعد مستمر، و بالتالی انعكس كل هذا علی مالیة المخزن فأصبحت الحمایة حاجزا أمام كل إصلاح. من هنا ندرك مدی اهتمام السلطان الحسن الأول لإیجاد حل لهذا المشكل الذی اعتبره أصل جمیع الخلافات القائمة بینه و بین أوربا.
فخلال هذه الحقبة الحاسمة من تاریخ المغرب المعاصر، نشطت الدیبلوماسیة المغربیة، بشكل مكثف محاولة التأثیر فی هذا الواقع، و الدفاع عن وضع المغرب الدولی، و مستهدفة فی آن واحد استثمار التناقضات السائدة فی صفوف القوی الأوربیة لمصلحتها.
أوفد المخزن المغربی خلال هذه الحقبة الممتدة من سنة 1845 إلی سنة 1876 م
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 28
أربع بعثات دبلوماسیة. الأولی بقیادة الحاج عبد القادر أشعاش إلی فرنسا علی عهد المولی عبد الرحمن، و الثانیة برآسة إدریس العمراوی إلی فرنسا و الحاج عبد الرحمان العاجی صحبة الكاتب محمد الطاهر الفاسی إلی أنجلترا، أما الثالثة فبقیادة محمد بن عبد الكریم الشرقی سنة 1866 م صحبة محمد بن سعید السلاوی، أما الرابعة فكانت بقیادة محمد الزبیدی الرباطی و الكاتب إدریس الجعیدی و ذلك علی عهد السلطان الحسن الأول إلی فرنسا و بلجیكا و أنجلترا و إیطالیا دون إسبانیا التی حاولت عرقلة سفر الزبیدی و رفاقه إلی أوربا، بقیامها بتحركات عسكریة شمال المغرب، بهدف استفزاز المخزن المغربی و تخویفه من مغبة الإقدام علی ما یتعارض مع المصالح الإسبانیة بالمغرب مما دفع وزارتی الخارجیة لكل من فرنسا و أنجلترا أن تطلب من الحكومة الإسبانیة عن طریق سفیریهما بمدرید توضیحات عن هذه التحركات
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 29
العسكریة قصد منعهم من أیة حملة عسكریة جدیدة علی المغرب، كما أخبر بذلك سفیر إیطالیا بلندن وزارته بروما، بعد حدیثه مع الوزیر البریطانی اللورد دربی الذی أكد له «بكون الحكومة الإسبانیة ستبعث بمجموعة من الجنرالات إلی المغرب لملئ أوقات فراغهم و إشباع رغباتهم و ذلك لعدم إیجاد شغل لهم، و أنجلترا و ألمانیا قد أخبروا بهذه البعثات الإسبانیة و لم تعارض علی ذلك، و لهذا فإن سفارة الزبیدی ستحاول الوصول إلی معرفة رأی الحكومات الثلاث فرنسا و أنجلترا و إیطالیا عن هذه الحالة، و الذی أظن أنه فی صالحنا استمرار استقلال المغرب و عدم احتلاله خصوصا من طرف إسبانیا، و الكونت دربی یشاطرنی هذا الرأی، و الحالة المحتملة هو كون أنجلترا و إیطالیا مع فرنسا یمكنهم عرقلة ما ترید القیام به إسبانیا بالمغرب ... و بهذه العرقلة سنصل إلی رتبة ممتازة لعلاقاتنا التجاریة مع المغرب ...» .
فی هذا الجو من الضغوط العسكریة و الملابسات السیاسیة، توجهت سفارة الزبیدی إلی أوربا فی صیف سنة 1876 م علی متن الفركاطة الحربیةCassard إلی فرنسا ثم بلجیكا و أنجلترا و إیطالیا، بعدما فشل مشروعها الأول سنة 1875 م حیث كانت ستقتصر فی رحلتها علی فرنسا فقط.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 30

المشروع الأول لسفارة الزبیدی‌

عین السلطان الحسن الأول محمد الزبیدی الرباطی، الرجل الخبیر فی المشاكل التی عرفها المغرب منذ بدایة القرن 19 م. سفیرا عنه إلی دولة فرنسا فقط فی البدایة و هی تأتی ردا عن زیارة السفیر الفرنسی طیسوTissot لمدینة فاس سنة 1873 م حسب ما جاء فی الرسالة السلطانیة التالیة إلی نائبه بطنجة محمد بركاش.
«... و بعد، فقد وجهنا حامله خدیمنا الأرضی الحاج محمد الزبیدی بقصد التوجه سفیرا لدولة الفرنصیص للغرض الذی قدمناه لك، فقد حملناه ما یتكلم فیه من المصالح مع الدولة التی تعود بدوام الخیر بین الدولتین، و دفعنا له تقییدا متضمنا لذلك. فلا بد تفاوض معه فیه، و تبین له ما یحتاج إلیه من كیفیة الكلام معهم فیه، و الأمور التی تسهل له التوصل لقضاء الغرض المطلوب، و لا بد. و قد وجهنا معه من یرافقه من الأمناء و المخازنیة المقیدین بالطرة ، و فی الأثر یرد علیكم الكتاب
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 31
الشریف الذی یصحبه معه لعظیم الدولة و السلام». فی 21 من ذی القعدة عام 1292 ه.
بالفعل أشعر بركاش القائم بأعمال فرنسا بطنجة بنیة السلطان الحسن الأول إرسال سفارة مغربیة إلی فرنسا فی شهر غشت عام 1875 م.» إلّا أن بعض الحوادث قد أخرت تطبیق المشروع إذ لم یغادر مندوب السلطان مدینة طنجة إلّا فی السنة التالیة عام 1876».
أما أسباب التأخیر الحاصل فی توجه الزبیدی إلی فرنسا فهی مجهولة ربما نرجعها للوضعیة المغربیة الداخلیة التی كانت تعرف الكثیر من الفتن و الثورات و كذلك إلی الظرفیة السیاسیة التی كانت تعرفها أوربا خاصة دولة فرنسا سنة 1876 م.
كما أن الجعیدی أكد فی رحلته أن الخروج الأول لسفارة الزبیدی كان من
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 32
مدینة مراكش، و لیس من فاس عند الانطلاقة الثانیة لسفارة الزبیدی.
فی نفس التاریخ وجه السلطان رسالة إلی خدیمه الحاج محمد بن سعید السلاوی یخبره بتعیینه الزبیدی سفیرا إلی فرنسا، و یطلب منه مساعدته علی اختیار أحد الكتاب من أهل سلا لمرافقته و هذا نصها:
«... و بعد فقد عینا خدیمنا الحاج محمد الزبیدی للتوجه سفیرا لدولة الفرنصیص، فإن عین لك كاتبا یصحبه معه من خدامنا أهل سلا فامره بالتوجه معه لقضاء الغرض و السلام، 21 ذی القعدة عام 1292 ه ..». و بعد تفاوض الزبیدی مع بعض أعیان الرباط یقول الجعیدی «.. .. أشاروا علیه بصاحب هذا التقیید ...» فطلب الزبیدی من القائد بن سعید أن یرسله عاجلا إلیه «... فتوجهت إلی الباشدور فتلاقیت به ... فأخبرنی بخبر هذه الحركة السعیدة ...».
بسبب العدید من المشاكل تأجل موعد ذهاب سفارة الزبیدی إلی فرنسا من أبریل سنة 1875 م إلی شهر یونیو سنة 1876 م و هذه المرة إلی أربعة دول و هی فرنسا و بلجیكا و أنجلترا و إیطالیا.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 33

المشروع الثانی لسفارة الزبیدی‌

بسبب النشاط الدیبلوماسی المكثف الذی قام به سفراء أنجلترا و إیطالیا إبان هذه المدة القصیرة من حكم السلطان الحسن الأول، ففی أبریل 1875 م، قام ممثل بریطانیا بطنجة دریموند های بمقابلة السلطان بفاس، و عرض علیه مشروع إصلاح الإدارة المغربیة، التی قال عنها أنها أكثر الإدارات فسادا فی العالم، كما أخذ موافقة السلطان علی إرسال 200 جندی مغربی لجبل طارق، و لا یستبعد أن د. های طلب مرور الزبیدی علی أنجلترا، و وعده أن ابنه روبرت سیكون الترجمان المرافق لهم أثناء هذه الزیارة. أما ممثل بلجیكا بطنجة دالوان، فقد طلب هو الآخر إرسال بعثة طلابیة من المغاربة للتدریب علی الأسلحة الحدیثة ببلاده، و كذلك لزیارة العدید من المعامل الحربیة و أخبر المخزن المغربی بتوفرهم علی سلاح خفیف متعدد الطلقات (الرشاش)، كما أبدی رغبة سلطانهم فی تجدید المحبة القدیمة و تعزیز العلاقات التجاریة مع المغرب.
كما استقبل السلطان الحسن الأول السفیر الإیطالی Stefano Scovasso الذی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 34
قدم أثناءه صورة لملك إیطالیا مهداة من صاحبها إلی ملك المغرب، طلب هو الآخر أن تمر سفارة الزبیدی علی بلاده، و غادر فاس یوم تاسع یونیه سنة 1876 م. و قد سجل كاتب السفارة الإیطالیة دی أمیسیس رحلته هذه، و ذكر أن عدد سكان المغرب علی ذلك العهد ثمانیة ملایین و أنه أوسع من فرنسا مساحة ... . لهذا عمل الحسن الأول لمواجهة هذه الهجمة الأوربیة المتسترة وراء الإصلاح علی ضرب سفارة بسفارة أخری، بتغییر برنامج سفارة الزبیدی الأحادیة إلی فرنسا، إلی سفارة متعددة الاتجاهات، مستغلا بذلك المنافسة الدولیة لصالح استقلالیة بلاده، و لإخراج قضیة الحمایة القنصلیة من إطارها الضیق إلی مجال الدراسة و التقنین و من أجل تدویل القضیة المغربیة بأسرها، و الاستفادة من التناقضات التی كانت سائدة فی صفوف القوی الأوربیة لحسابه.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 35

دوافع تسجیل الرحلة

ذكر صاحب الرحلة الجعیدی فی مقدمته أنه بعد تعیینه كاتبا فی سفارة الزبیدی، لم تكن عنده فكرة تسجیل تفاصیل هذه الرحلة السفاریة، غیر أن انتشار خبرها «... . سمع به بعض علماء بلدتنا الغائبین عن حضرتنا ... سیدی أحمد الناصری اقترح علی أن أجعل رحلة فی سفری و استغرق نهاری و سهری، تكون جامعة لكل خبر غریب، و لما نراه فی الأوطان من كل أمر عجیب، إلی غیر ذلك مما لا یخطر بالضمیر ...
فكتبت له مجیبا ... سأجعل بحول الله تقییدا ... و أجبته بضمن ذلك تسلیة لخاطره، من باب الوعد الذی لا یجب الوفاء به ...».
فعلا لم یشرع فی كتابة رحلته عند خروجه من سلا إلی طنجة صحبة الأمین بناصر غنام لمقابلة الزبیدی هناك، غیر أن أمین مرسی طنجة عبد القادر غنام ذكره من جدید بضرورة تسجیل تفاصیل رحلته هذه إلی أوربا، فشرع حینئذ فی كتابتها. و ذكر أنه لقی تشجیعا حتی من لدن الأوروبیین لحمله أثناء تنقله القلم و الورقة و لكثرة الأسئلة التی یطرحها علی التراجمة، غیر أننا نجد السلطان الذی بعث السفیر أحیانا هو الذی یحثه علی كتابة ما رأی و ما سمع فی البلاد التی یرحل إلیها ، و فی حالة أخری یطلب السفیر الإذن من السلطان بالكتابة كما فعل أحمد الكردودی ،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 36
فأجابه بخط یده بما نصه «أصاب، أصاب فیه فلیكمل عمله». أما الجعیدی فإنه لم یتلق أوامر سلطانیة بكتابتها و لم یطلب الإذن بذلك. ربما كانت هذه الأسباب هی التی جعلت رحلته تبقی مغمورة طیلة هذه المدة و متحررة من كل القیود المخزنیة ..
و مما لا شك فیه أنه بعد عودته إلی مسقط رأسه سلا، كشف علی ما سجله فی رحلته لعلماء بلدته و أصحابه و خاصة صدیقه المؤرخ أحمد الناصری. «.. قید صاحبنا أبو العلا المذكور رحلته البدیعة المسماة بتحفة الأحبار بغرائب الأخبار قد اشتملت علی كل نادرة و غریبة، و أفصحت عن صنائع الفرنج و حیلها العجیبة ..» .
و وصفها عبد الله الجراری «.. رحل إلی أوربا و سواها من البلاد التی زادته اتساعا فی معلوماته، له تقیید حافل ضمنه مشاهداته و ما وقف علیه من عجائب و غرائب برا و بحرا، یقع فی ثمانیة كراریس ..» .
و ذكر الأدیب أحمد الصبیحی فی كناشته «.. و له اختصار بعض مقالات إقلیدس فی الهندسة، و كتاب الرحلة المسمی «تحفة الأحبار بغرائب الأخبار» و هی نسختان صغری و كبری اشتملت الصغری علی أخبار سفره من بلاد الغرب إلی بلاد الفرنج و ما شاهده فیها من العجائب و الغرائب و غیر ذلك، و الكبری علی ذلك أیضا و علی أخبار الفرنج من لدن الهجرة النبویة إلی عصر مؤلفها و ضم لذلك أخبار الدولة العلویة من أولها إلی أواسط مدة مولای الحسن- رحمه الله- و كان هذا السفر مع رفقاء بإذن من السلطان لغرض له ..».
الرحلة الكبری و مختصر مقالات أقلیدس فی الهندسة لم أعثر علیهما رغم البحث الطویل الذی قمت به بخزانة ولده سیدی عبد القادر الجعیدی بباب حساین بسلا، كما لا توجد عند حفدته.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 37

منهجیة الجعیدی‌

أبدی الجعیدی فی مقدمة رحلته الخطوط الأساسیة لمذكرة سفره، حیث قسمها إلی أجزاء و أبواب مع تصور للموضوع و تحدید الغایة منه فی تواضع و اعتذار عن عدم استیفائه للمقصود، لهذا فإن منهجیته تعكس مستواه الفكری و العلمی، فتكوینه فی علم الحساب و الهندسة جعلت مكانته بارزة بین أفراد البعثة المغربیة، بل فرض وجوده إلی حد ما علی السفیر الزبیدی فی التعامل مع الأشیاء التی تحتاج إلی الدرایة العلمیة و الإحصائیة و ما أكثرها إذ ذاك فی أوربا الناهضة فی مختلف المجالات.
لهذا فإن منهجیته فی الكتابة تختلف عن منهج التدوین الذی كان سائدا فی عصره عند الفئة المثقفة. لذلك ابتعد من الاستطراد و حشو مؤلفه بكتابة الغیر، فأسلوبه جاء أسلوبا متمیزا بالسرعة و الحركة و التداخل. كما تمیز أسلوبه بالدقة فی وصف الأحداث، غیر أنه اصطدم لغویا كغیره بالحضارة الأوربیة العصریة، خاصة فی التعبیر العلمی باللغة العربیة عن المستحدثات العلمیة، و لمل‌ء هذا الفراغ اضطر الجعیدی كغیره فی القرن 19 م، إلی إدخال المصطلحات الأجنبیة و العامیة المغربیة فی كتابته قصد التعبیر علی ما شاهدوه فی أوربا. و من الناحیة الشكلیة یؤخذ علی صاحب الرحلة كثرة الأخطاء الإملائیة و اللغویة، و یختصر فی الكلام عند حدیثه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 38
عن الأنشطة السیاسیة إلا أن هذا الأسلوب ظل واضحا و مفهوما یتخلله السجع و یستشهد بأبیات شعریة بدون أن یذكر أصحابها و یكتفی بعبارة (كما قیل) بدون إفراط فی ذلك. و طبیعة الرحلة فرضت علی صاحبها تعدد المواضیع التی تشهد له باطلاعه الواسع، لأنه عالج الكثیر من الأمور التی كانت تشغل الفكر المغربی فی ذلك العصر، و كأن الرحلة هی مفتاح لطرحها و وسیلة للتعارف و التعریف.
فأحداث الرحلة فرضت علی الجعیدی ضرورة اختیار منهج علمی واضح، مبنی علی العناصر التالیة: السماع و المشاهدة و الوصف و الوعی و الدرایة. و یتمسك بموضوعیة الرحلة التی تنبغی أن ترتبط أخبارها بالصدق و الجدیة و ألا تكون المعلومات منقولة و إنما مأخوذة من المشاهدة و البحث و الاتصال باعتبار مرتبته العلمیة التی تجعل منه رسول فكر و حضارة و ثقة من حیث كفاءته و شهادته، مع العمل علی التجدید الذی ینبغی أن یبتدئ من الرحالة نفسه، فی تفكیره و تكوینه و تمدنه و تطوره الحضاری، لهذا استطاع أن ینفذ إلی عمق المواضیع الرئیسة التی أجبر علی دراستها و فهمها قصد كشفها و اختبارها لباعثه الذی ینتظر منه الكثیر لیساعده أن یكون فی مستوی اتخاذ القرار الصائب، الذی یعود بالمنفعة علیه و علی بلاده، و بذلك یكون اجتهاده الفكری فی مستوی تطلعات حكامه لتظهر بلاده بالمظهر اللائق بها، و قد نحاسبه إذا ظهر منه تقصیر فی جهده من أجل تجدید فن الرحلة، و یبدو جلیا أن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 39
ظاهرة الاتباع و كثرة النقول و تكرار ملامح من الماضی الثقافی و الحضاری هی التی كانت سائدة فی الرحلات الحجازیة، أما الرحلات السفاریة فهی أكثر تجددا فی الجانب الحضاری و التنظیم السیاسی، و التقدم الاجتماعی و العسكری و الصناعی و العلمی و غیر ذلك. فتمیزت رحلة الجعیدی بهذه المعطیات عن الأصناف الأخری.
خاصة أن الجعیدی یتحدث عن الحضارة الغربیة فی رحلته بلهجة إیجابیة توحی بالتبنی بعیدا عن الانبهار الغیبی، و فی نفس الوقت یعارض من یفتخر بها و یعتبره خارجا عن الطریق المستقیم، فالمؤلف یفرق بین الصنائع المستحدثة من جهة و بین طریقة عیش الأوربیین كالنصاری، و احتكامهم إلی قوانینهم غیر الشریعة الإسلامیة فیستحسن الأولی و یستنكر الثانیة مستعیذا بالله ممن یغتر بهذه الأشیاء.

طریقتنا فی التحقیق‌

إن دراسة و تحقیق «إتحاف الأخیار بغرائب الأخبار» تلاقی عدة صعوبات لعل أولها طریقة التعامل مع هذه النسخة الفریدة و التی تمثل نموذجا لقراءة مغربیة للمجتمع الأوربی، فهی لیست قراءة للمجتمع الآخر أو وصفه بقدر ما هی تعبیر عن مجتمع الجعیدی و تعریف له بالسلب المنطقی، حیث لا یسجل الجعیدی فی رحلته إلا الأشیاء التی یفتقدها فی مجتمعه الأصلی، لیصل فی النهایة إلی تحدید مجتمعه الذی یخطو خطواته الأولی نحو الإصلاح. و یمكننا القول أن الرحلات السفاریة قد ساهمت بقدر كبیر فی الدفع بهذه الخطوات نحو الأمام، كما ستثبته الدراسة، لأن معظم الرحلات السفاریة التی تم تحقیقها و طبعها لم تتطلب من المحقق سوی الحصول علی النسخة الأصلیة أو علی أقرب النسخ إلی الأصل، و هی أدنی درجة من درجات التحقیق لتوزع فی أسواق الكتب باعتبارها كانت مفقودة أو نادرة جدا. أما
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 40
الصعوبة الثانیة فهی تقنیة قراءة النص خاصة أن المؤلف غالبا ما لا یفصح عن أسماء الأماكن التی یزورها و أسماء الأشخاص الأجانب الذین یستقبلهم. و الصعوبة الثالثة تتجلی فی اتساع الرقعة الجغرافیة التی تجری فیها أحداث الرحلة و تعدد و تنوع المصادر و المراجع، و صعوبة الترجمة خاصة بالنسبة للوثائق الإیطالیة.
- فما هی السبل التی سلكناها قصد تجاوز هذه الصعوبات؟
انطلاقا من النص الذی هو عبارة عن مذكرات یومیة و متسلسلة زمنیا شبیهة (بالحولیات) إلا أنها تعالج أحداثا متنوعة و مختلفة. حاولنا أن نخضعه لعملیتی التفكیك و التركیب، قصد توسیع مجال التفكیر حول هذه الفترة و الأحداث التی تعرض لها، علی أساس أن یبقی النص محترما فی هیكله لیحتفظ دائما بقیمته الذاتیة. أما الصعوبة الثانیة فانطلاقا من الوصف الذی سجله صاحب الرحلة اعتمدنا علی ما یقابله فی الموسوعات العالمیة حتی تمكنا من استخراج معظم أسماء الأماكن التی أشار إلیها. و استعنا لشرح التقنیات المیكانیكیة التی أشار إلیها الجعیدی عند زیارته للفابریكات الصناعیة ببعض مصادر تاریخ تطورها. كما اعتمدنا علی ما كانت تنشره الصحف و الجرائد من أخبار عن أنشطة الزبیدی، خاصة الجرائد البلجیكیة و الإیطالیة ، حتی تمكنا من مواكبة تحركات السفارة المغربیة داخل أوربا، و كذلك تعرفنا علی بعض الوثائق الرسمیة الأجنبیة و المحلیة التی تحدثت عنها، حتی استطعنا فی الأخیر أن نسلط الأضواء علی الكثیر من الجوانب الغامضة فی الرحلة، و نناقشها عن مصداقیتها من خلال هذه الوثائق، كما قارناها مع بعض الرحلات السفاریة المغربیة الأخری لنتعرف علی مدی التطور الحاصل فی فن أدب الرحلات خلال ق 19 م، كما حاولنا ربط التوجهات الرئیسیة للرحلة بما عرفه عهد السلطان الحسن الأول من إصلاحات فی شتی المیادین، أثناء و بعد رجوع السفارة المغربیة، خاصة أن السفیر الزبیدی قد بقی یمارس مهامه المخزنیة حتی الأیام الأخیرة من
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 41
حیاته، مع مراعاة الظرفیة السیاسیة الدولة التی كانت تعیشها أوربا بعد حرب 1870 م و قبل مؤتمر برلین.
أما مشكلة ترجمة الوثائق الإیطالیة فقد ساعدنی فیها أخی المتخرج من جامعة بولونیا الإیطالیة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 42

الفصل الثالث الجانب السیاسی و العسكری فی الرحلة:

سیاسیا

انطلاقا من الرسائل الرسمیة التی كان یتبادلها السفیر الزبیدی، إما مع حكومات الدول التی زارها أو مع المخزن المغربی، استطاع المؤرخون التعرف علی بعض الجوانب السیاسیة لمهمة هذه السفارة المغربیة، و تتلخص فی كون السلطان لم یكن یطلب أكثر من احترام المعاهدات و الاتفاقیات التی منحتها الحمایة القنصلیة فی ظروف خاصة، غیر أن ممثلی الدول الأجنبیة كانوا یتجاوزونها أو یتعمدون تأویلها علی غیر حقیقتها و هذه المطالب هی :
1- قصر الحمایة علی المستخدمین مع القناصل، و علی السماسرة الذین یعملون مع التجار الأجانب، علی أن لا یتجاوز عدد المحمیین منهم سمسارین لكل دار تجاریة كبیرة.
2- قصر الحمایة التی یمنحها القناصل علی سكان الموانئ وحدهم دون أن تمد إلی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 43
سكان المدن الداخلیة.
3- إلغاء سكوك الحمایة التی منحها القناصل لبعض سكان الأریاف بحیث لا یجوز منح الحمایة لمن یسكن فی البادیة .
كما تعرض الزبیدی لقضیة الشرفاء العلویین- أولاد السلطان عبد الملك بن السلطان مولای إسماعیل العلوی- المستقرین بقریة تیوت، و هی قریة مغربیة ألحقها الجیش الفرنسی بالجزائر بعد انهزام الجیش المغربی أمامهم فی معركة إیسلی سنة 1844 م و أجبروا علی أداء بعض الضرائب التی كانوا معفیین منها من قبل. و حول هذا الموضوع جرت العدید من الاتصالات التلغرافیة بین وزارة الخارجیة الفرنسیة بباریس، و القیادة العسكریة العلیا بالجزائر العاصمة و وهران، حول كیفیة تسویة المشاكل المتعلقة بقریة التیوت. و فی الأخیر قبل وزیر الشؤون الخارجیة الفرنسیة أن إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 44
یحتفظ للشرفاء بامتیازهم القدیم علی شرط أن یمسكوا عن القیام بأی نشاط سیاسی.
و فی نهایة زیارته لأنجلترا أدرك الزبیدی أن لا فائدة ترجی من وراء مذاكراته مع الساسة الأوربیین حول إصلاح الوضع المتدهور فی المغرب. فأخذ المبادرة بسرعة و كتب رسالتین فی یوم 3 غشت 1876 م. الأولی إلی اللورد إدوارد ستانلی دربی یطلب منه إصدار توصیات إلی وزیره المفوض بطنجة للمساعدة علی تتمیم المذاكرة هنا. و الثانیة إلی الحاجب السلطانی موسی بن أحمد البخاری یخبره بمحادثاته فی لندن و یشیر إلی فكرة نقل المذكرات فی موضوع الحمایة القنصلیة إلی طنجة.
فاقتراح الزبیدی الذی نستطیع أن نجزم أنه صاحب فكرة نقل المذكرات فی موضوع الحمایة القنصلیة إلی طنجة، قد لقی القبول من طرف أنجلترا و السلطان بهدف تدویل القضیة المغربیة. و بالفعل بعد عودة الزبیدی إلی طنجة یوم 22 شعبان عام 1293 ه/ الموافق 12 شتمبر سنة 1876 م، بدأ المخزن المغربی یعد نفسه لهذه الاجتماعات الدولیة و توجیه الدعوة إلی ممثلی الدول الأجنبیة مصحوبة بمذكرة 10 مارس سنة 1877 م. و قد استمرت الاجتماعات ثلاثة أعوام بحضور السید بركاش و الزبیدی الذی ألزمه السلطان «بالرجوع من فاس إلی طنجة لتتمیم المسائل المحالة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 45
علی القناصل و الباشدورات القاطنین هنالك فی حل مبرمها». هذه الاجتماعات تخللتها مراوغات و مناورات و لم تفض إلی نتیجة مرضیة، فكانت الدعوة لعقد مؤتمر دولی بمدرید سنة 1880 م، بإیعاز واضح من أنجلترا هذه المرة.
هنا یتوقف كلام الباحثین عن مردودیة سفارة الزبیدی بأنه «لم یحصل علی طائل و عاد إلی موفده بوعود غامضة ...».

انطلاقا من الرحلة

إن رحلة الجعیدی، التی تعتبر أكبر و أضخم رحلة سفاریة ألفها المغاربة خلال القرن 19 م، تكشف لنا جوانب أخری كانت غامضة إلی حد ما، عن مهمة سفارة الزبیدی و یجعلنا نعیشها من أولها إلی آخرها. و نتتبع مراحلها عن كثب، و التی لم تكن مقتصرة علی الجانب السیاسی فقط، بل تتعداه لتشمل باقی الجوانب الأخری، كالجانب العسكری و المالی و الثقافی و غیر ذلك. الأمر الذی یجعلنا نعتبر سفارة الزبیدی من خلال رحلة الجعیدی، بمثابة أرضیة دراسیة أولیة افتتح بها السلطان الحسن الأول عهد حكمه، و استند علیها كمرجع للإصلاحات التی كان ینوی إدخالها للمغرب طوال النصف الثانی من العقد السابع، و بدایة العقد الثامن من القرن التاسع عشر. بحكم أن الزبیدی أشرف بعد عودته من سفارته الأوربیة علی معظم الإصلاحات التی قام بها السلطان فی الكثیر من المجالات، حتی الأیام الأخیرة من حیاة الزبیدی، كما سیتضح لنا ذلك من خلال هذه الدراسة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 46
أولی الانطباعات السیاسیة التی تبرزها رحلة الجعیدی هی المكانة المرموقة التی كانت تحظی بها الدولة المغربیة فی أوربا بالذات، لاعتبارات تاریخیة و جیوسیاسیة و اقتصادیة، فلقد حظیت السفارة المغربیة بالكثیر من الاعتبار و التقدیر و الاحترام من لدن الأوربیین، خاصة فی بلجیكا الدولة الفتیة التی تسعی إلی ربط المزید من علاقات الود و الصداقة مع السلطان المغربی قصد تنمیة مبادلاتها التجاریة و العسكریة معه، فالجعیدی یصف لنا حرارة الاستقبال الذی خصهم به ملكها «... حتی أنه قال: إنه یرجو اللّه أن یشرح صدورنا لبلده حتی نقیم فیها فی عافیة و راحة و یأذن فی المسیر للفابریكات التی بداخل المدینة (بروكسیل) و خارجها، و زور الأماكن التی تصنع فیها العدة و السلاح. و نستوعب ذلك كله بحول الله ...».
أما فی أنجلترا فقد خصتهم ملكتهم و إمبراطورة الهند، بالتفاتة خاصة، فإبان وصول السفارة المغربیة لمدینة لندن، وجدوا الملكة فكتوریا بنزلها الخاص‌Osborne House التی لها به العدید من الذكریات التی تربطها بزوجها الراحل ألبیرت، و الموجود بجزیرةIsle of Wight جنوب لندن، قصد الراحة و معالجة أحد أبنائها «... و العادة عندهم أنها إذا خرجت من البلاد لا تتلاقی مع أحد ممن یفد إلیها حتی ترجع، و وجدنا هناك باشدورات آخرین من الأتراك و الهند، سبقونا بنحو شهرین، و لم یتلاقوا بها إلی الآن، و كان ساءنا ذلك غایة، و كان ولد باشدور أنجلترا یطلب من الباشدور الإكثار من الخروج للفرجات و الملاقاة بالناس، فكان یمتنع و یجیبه بقوله: إننا لم نات للفرجات و لا للملاقاة مع الناس الأجانب، و لا غرض لی فی ذلك حتی یتم الغرض الشریف الذی أتیت لأجله، و بقی مصمما علی ذلك حتی أذنت سلطانتهم بالطلوع إلیها ...». هذا الموقف یبرز لنا مدی القوة التی كان یتمتع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 47
بها المغرب عند البریطانیین رغم الظروف الصعبة التی كان یجتازها، و نفس الشی‌ء حدث عند وصولهم لإیطالیا التی خصتهم باستقبال حار و كبیر، توج بالاستقبال العظیم الذی خصهم به ملكها الذی قطع إجازته الصیفیة و عاد إلی مدینة طورین خصیصا لاستقبالهم و كلف ولی عهده بالعنایة بهم و تكریمهم بالعودة علی متن أكبر السفن الإیطالیة إلی المغرب.
كما أشیر فی هذه الدراسة إلی اللقاء الهام الذی أجراه السفیر الزبیدی مع ولی عهد ابروسیا آنذاك غلیوم الثانی (1859- 1941) أثناء مأدبة العشاء التی أقامتها الأسرة المالكة ببلجیكا علی شرفیهما، كما جاء فی رحلة الجعیدی دون أن یتطرق إلی تفاصیل هذا اللقاء كعادته فی كل اللقاءات السیاسیة. غیر أن التطورات السریعة للعلاقات المغربیة الألمانیة، بعد عودة السفارة المغربیة تجعلنا نربط بین الحدثین و نستنتج أن الزبیدی لعب دورا فی إقناع ألمانیا القویة برغبة المغرب فی تطویر علاقاته معها، و هذا ما حدث بالفعل، فبعد سبعة أشهر فقط من عودة الزبیدی إلی المغرب، وفد علی السلطان الحسن الأول بفاس السفیر الألمانی الجدید السید تیودور ویبرTheodor Weber یوم 7 مای 1877 م، خلفا للقنصل السابق كولیش Gu ?lich
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 48
و من جملة الهدایا التی رفعها و یبر إلی السلطان ماكینة تصنع الثلج، التی تحدث عنها الجعیدی كثیرا فی رحلته، و فی أعقاب هذه السفارة توجه فی نفس السنة الحاج العربی بریشة لاقتناء كمیة من الأسلحة من معامل دار كروب‌KruPP الألمانیة، ثم أرسل السلطان سفارة مغربیة إلی الإمبراطور غلیوم الأول برئاسة قائد مدینة آسفی الطیبی ابن هیمة فی مای 1878 م.
و كذلك أشیر إلی الحوار الذی فتحه الزبیدی مع زعماء الطائفة الیهودیة بالبلاد الأنجلیزیة، و التی أقامت حفلا خاصا علی شرفه، و الذی بقی مكانه فارغا فی رحلة الجعیدی رغم إشارته فی فهرسته إلی «إكرام بعض التجار للباشدور باللوندریز». و قد سلموا إلیه رسالة رفعوها إلی السلطان الحسن الأول تلفت فیها نظره إلی بعض المشاكل التی كان یعانی منها الیهود المغاربة. و تذكره بالظهیر الذی أصدره سیدی محمد بن عبد الرحمان بعدما زاره السید موسی حییم مونطیفیوری أحد زعماء الیهود ببریطانیا سنة 1864 م.
و كختام للانطباعات السیاسیة الواردة فی رحلة الجعیدی، فإنها تعرفنا علی التقالید الدبلوماسیة العریقة التی أتقن المغاربة فن ممارستها من أجل حسن المعاملة و الذوق السلیم و الارتفاع بمستوی العلاقات الإنسانیة الحضاریة إلی مكانة رفیعة، لأن حقیقة المهنة تتطلب من الممثل الدبلوماسی الناجح أن یكون فعالا. و ینتظر منه الكثیر من أجل البلاد التی یمثلها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 49

الأنظمة السیاسیة

إن انطباعات الجعیدی لم تتطرق لأهمیة الأنظمة السیاسیة و لم یشر إلی الحیاة النیابیة بالوضوح المعهود فیه، یمكن أن یعلل ذلك لقصر المدة الزمنیة التی قضاها فی كل دولة لم تمكنه أن یستوعب تلك الأنظمة المعقدة بسرعة، بالإضافة لكونه موظف فی الدولة و بالتالی یمثل وجهة نظرها فی الأمور السیاسیة علی الخصوص. إلا أننا نجد الصفار یشیر فی رحلته إلی توزیع الاختصاصات بین النواب و الملك عندما زار القمرتین كما سمی مجلس النواب و مجلس الشیوخ، غیر أن الباحثة الأمریكیةS .Miller ، انتقدت الصفار و قالت: انه شبّه جلساتهم بالعرض المسرحی و لم یفهم أیة كلمة من لغتهم، و إنما كان یستعین بما قدمه الطهطاوی من جزئیات عن قواعد الانتخابات بالهیئة المذكورة. علی أن فهم الصفار للحكم السیاسی مأخوذ عن ابن خلدون. غیر أن هذه المقارنة فی نظری غیر عادلة بحكم أن الطهطاوی قد أرسل فی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 50
مهمة ثقافیة و دینیة لمدة خمسة أعوام تعلم خلالها اللغة الفرنسیة و أتقنها و قد أسس عند عودته لمصر مدرسة الألسن و ترجم العدید من الكتب. أما الصفار فلم تتعد مدة إقامته بفرنسا أربعة أشهر، بالإضافة إلی أن حركة الإصلاح فی المغرب كانت تخطو خطواتها الأولی. فقنوات التواصل كانت ممتدة مع أوربا، إلا أن المؤثرات الخارجیة المتسربة عن هذه القنوات كانت محدودة و غیر قادرة علی تغییر الإدیولوجیة القدیمة. فنظام الملكیة المطلقة كانت متجذرة فی العقلیة الشعبیة و المخزنیة المغربیة، حتی مطلع القرن 20 م. نجد مولای عبد العزیز قد جالت فی رأسه فكرة الشوری فأیده سفراؤه بهذه الأفكار، فعجل بإقامة مجلس الشوری أو الأعیان سنة 1905 م فی ظروف سیاسیة خاصة.
فالرحلات السفاریة المغربیة تبدو كأنها تعكس رغبة دفینة فی إدراج هذه الإصلاحات فی النظام السیاسی المغربی ، غیر أنها لا تبقی سوی بوادر أولیة لتوجه دیمقراطی ساد لدی النخبة المثقفة فی مغرب ق 19 م.

عسكریا

قد یعتقد البعض أن مهمة السفارة المغربیة كانت مقتصرة علی الجانب السیاسی فقط، لكن أبعاد سفارة الزبیدی كانت متعددة و هذا راجع إلی تنوع المشاكل التی كان
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 51
یواجهها المخزن المغربی و إلی كثرة حاجیاته لإصلاح هیاكله العتیقة و تقویتها، علما منه أن المواجهة السیاسیة تتطلب دعما عسكریا، و ذلك بتحدیث الجیش المخزنی الذی انهزم مرتین أمام الجیوش الأوربیة، و تزویده بالمعدات الحربیة المتطورة و تدریبه علیها، و إرسال البعثات الطلابیة إلی أوربا قصد التكوین و الدراسة. و غیر ذلك من التجدیدات التی یتطلبها العصر، و التی عزم الحسن الأول علی القیام بها منذ تولیه حكم المغرب سنة 1873 م، غیر أن العروض كثیرة و تتداخل معها المساومات و المراهنات. لهذا كلف السلطان الزبیدی بمهمة التعرف علی المعامل الحربیة الأوربیة و البحث و التقصی عن المعدات و كتابة تقاریر حولها، و نبهه علی الاهتمام و التركیز علی بعض العینات بل طالبه بجلبها إذا أمكن.
فی إطار هذه المهمة العسكریة الصعبة، شرع الجعیدی فی تسجیل تقاریره و ارتساماته بأسلوب علمی ناقد. أولی الأشیاء التی عالجها فی رحلته هی وصفه لأكبر الاستعراضات العسكریة التی شهدتها باریس برآسة المارشال ماك ماهون الذی تولی السلطة سنة 1873 م. مهتما بإعادة تنظیم الجیش الفرنسی الذی انهزم أمام ابروسیا (70- 1871 م)، متجاوزا بذلك معاهدة فرانكفورت، و ذلك قصد إعادة الاعتبار و الثقة لسمعة فرنسا الدولیة، و مرهبا بطریقة غیر مباشرة السفارة المغربیة الممثلة للإمبراطوریة المغربیة و الجارة للجزائر. و قد ركز الجعیدی فی رحلته علی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 52
الجانب التنظیمی لهذه القوات، و كیفیة سیر طوابره، لما كان یعلمه من أحوال بلاده التی تعتمد علی الأسالیب القدیمة و الإمدادات الطفیفة و الأسلحة العتیقة، التی لا ترقی لمستوی التنظیمات العسكریة للجیش الفرنسی الحدیث. غیر أن المهمة السیاسیة قد طغت فی المرحلة الأولی من زیارتهم لفرنسا، علی المهمة العسكریة التی أخذت حصة الأسد عند زیارتهم لبلجیكا بالتعرف علی الأسلحة الحدیثة، و التی تتمیز بخفض الوزن و ذات فعالیة حربیة كبیرة من بینها نجد مدفعا صغیرا متعدد الطلقات المعروف باسم المدفع الرشاش‌Mitrailleux و الذی یمكن حمله بسهولة علی ظهر الدواب و نقله بسرعة إلی الأماكن البعیدة أو المناطق الجبلیة بدون عناء كبیر، لقمع الفتن و الثورات الداخلیة، خاصة أن هذا السلاح أثبت فاعلیة كبیرة فی القضاء علی جماعات بشریة و الخیالة فی الحرب الأهلیة الأمریكیة (61- 1865 م) و حرب ابروسیا مع فرنسا (70- 1871 م) و غیر ذلك. و تتضح لنا هذه المهمة من خلال المراسلات التی كانت قائمة بین الحاجب السلطانی و السفیر الزبیدی ، الذی كان یخبره بتفاصیل عن هذا السلاح الفتاك الذی تعرفوا علیه بمعامل السلاح ببروكسیل، و قد خصه الجعیدی بالبحث و التدقیق و التجریب مع رسم شكل فوهته تقریبا للفهم بما كانوا یعتقدونه أنه یتوفر علی جعبة واحدة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 53
كان یساعدهم فی هذه المهمة سفیر بلجیكا بطنجة السید دالوان الذی سبق له أن أخبر المخزن عن هذا الرشاش، كما أقنع الحسن الأول بإیفاد بعثة طلابیة إلی بلجیكا سنة 1875 م و ضرورة مرور سفارة الزبیدی علی بلاده. غیر أن دالوان عمل جهده علی احتكار كل صفقات الأسلحة التی اشتراها المغرب من بلجیكا بمساعدة السفیر الأنجلیزی د. های. و قد ربح أموالا طائلة من هذه التجارة. كما أوضح ذلك الجعیدی فی رحلته ، «لما استفسر الزبیدی عن ثمنها قیل له إن ذلك عند الباشدور الذی لهم بطنجة»، غیر أن الجعیدی نظرا لخبرته فی هذا المیدان أخذ إحدی البنادق البلجیكیة فی میدان الرمایة الوطنیة ببروكسیل و جربها و تفطن لبعض عیوبها، فوجد نیشان الخزنة ضعیفا جدا لا ینحصر به المرمی و ظهر له أن فورمة المكحلة أعظم من المرمی، و حینما أخرج الطلقة لم یصب الهدف، لهذا فضل علیها المكاحیل التقلیدیة المعروفة بالمغرب، و أشاد بمهارة المغاربة فی الرمی بها، غیر أن المخزن لم یعط لملاحظاته هذه أیة أهمیة و قام بشراء كمیات كبیرة من هذه الأسلحة التی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 54
كانت عاجزة و فاسدة. كما أشار إلی ذلك المؤرخ الناصری «.. إنهم لا یبیعون منها إلا ما انعدمت فائدته عندهم، لكونهم ترقوا عنها إلی ما هو أجود منها، و استنبطوا ما هو أتقن و أنفع ..» رغم أن السلطان كان یتتبع بنفسه هذه العملیات و یوجهها حسب رغبته و حاجیاته، فقد طلب من الزبیدی فی رسالة أخری أن یحضر معه عند عودته كل عینة من العینات المعتبرة الجدیدة و التی لم تصل إلی المغرب، و لا جلبها أحد للآن خاصة من مدینة الیاج المشهورة بمعاملها الحربیة. و قد اجتهد الجعیدی علی التعرف علی طرقهم التقنیة لصناعة هذه العدة و لم ینبهر منها بل اكتشف بعض عیوبها.
كما أشار إلی أهمیة تخزین الأسلحة بكمیات وافرة مع تعهدها بالمسح و الصیانة، كاحتیاط حربی یستغل عند وقت الحاجة، و قد تعجبوا أمام تراكم أكثر من 000، 80 بندقیة داخل إحدی الثكنات العسكریة بمدینة أنفیرس، رغم ذلك كان الجعیدی یتشكك فی ما یقوله الأجانب، و یخضع ذلك إلی تجربته الخاصة بالمعاینة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 55
و التجریب و یخبر الزبیدی بذلك لیكون علی بال. و تعرض لأهمیة تموین الجیوش لیس فقط بالأسلحة و الذخیرة بل بالمواد الغذائیة الضروریة لتحركها و زیادة قدراتها، فتطرق لكیفیة تحضیر الخبز لحوالی ثمانین ألف جندی بواسطة آلات ضخمة لطحن الزرع و عجنه و طهیه خلال یوم واحد فقط، و ذلك استعدادا لأیام الحرب.
و بأنجلترا دولة السفیر د. های الذی كان یدعو المخزن إلی القیام بإصلاحات عسكریة فی النصف الثانی من القرن 19 م، و الذی تحول إلی سمسار لبیع الأسلحة لفائدة بلاده و دول أخری، و الذی بعث ابنه روبرت كترجمان رسمی مرافق لأعضاء السفارة المغربیة، توجه بهم إلی ترسانة ولویش‌Woolwich الشهیرة بصناعة الأسلحة بمختلف أنواعها، جعلت الجعیدی یهتم بما یراه مناسبا لبلاده و تحدث بإسهاب عن كیفیة صناعة رویضات العود أی العجلات التی تركب فی العربات و الكراریط التی تحمل العدة و المدافع، و لا تخفی علینا أهمیة العجلات و دورها فی العمل علی نقل البضائع و المسافرین، خاصة أن المغرب لم یكن یتوفر علی طرق معبدة بمعناها الأوربی، و لا علی قناطر و جسور متینة لربط مدنه و أقالیمه لإخراجها من العزلة، لأن الحمل كان فی الغالب علی البغال و الجمال، و لم یكن یخطر بالبال أن الطرق و وسائل الجر التی تستعمل العجلات ذات منافع اقتصادیة و استراتیجیة، فلم تكن تعرف العجلة إلا لجر المدافع السلطانیة أثناء الحركات العسكریة، لهذا اهتم الجعیدی بكیفیة صناعتها و دقق فی الأمر و تتبع جمیع المراحل بمهارة نادرة.
كما اهتم بالسلاح البحری الخطیر الذی استنبطه المهندس البریطانی‌Robert Whitehead المعروف باسم الطوبیدTorPedo سنة 1866 م و هو صاروخ بحری یخضع لتوجیه مسافی بدفع ذاتی یحمل كمیة كبیرة من المتفجرات یمكن القذف به من البر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 56
أو من باخرة إلی باخرة أخری قصد تفجیرها.
و من اهتمامات الحسن الأول كذلك معرفة كیفیة صناعة الذخیرة الحربیة لهذا تطرق الجعیدی لأسلوبهم التقنی لصناعة الخفیف أی الرصاص و الكور أی القذائف و القنابل داخل أوراش كبیرة تحوی حوالی ستة آلاف من العمال، جعلت السلطان یقتنع بضرورة إنشاء معمل صنع القرطوش بأكدال مراكش بمساعدة فرنسا أواخر عام 1304 ه و معمل آخر بدار السلاح بفاس قصد توفیر الذخیرة الحربیة بكمیة كبیرة محلیا، بدل جلبها من الخارج بأثمنة مرتفعة و تنازلات سیاسیة. و كذلك الحال بالنسبة للمدافع التی اشتراها الزبیدی من أنجلترا نظرا لما اكتسبته من فعالیة عسكریة خلال القرن 19 م، بفضل المدفعیة استطاع الحسن الأول أن یخرج منتصرا فی كل حركات الجنوب و یركز السلطة المركزیة فی الأطلس و الریف و إرهاب القبائل بها دون حرب، غیر أن مسطرة الشراء كانت معقدة بالإضافة إلی عدم وجود جهاز إداری مغربی مختص للقیام بهذه العملیات جعل المغرب یواجه عدة مشاكل من جراء ذلك، لهذا تتبع الجعیدی معظم المراحل التقنیة بدار صناعة المدافع فوصفها و نقل صورا حیة عن عمل صناعها، كل فئة علی حدة، و كان فی وصفه دقیقا و مستقصیا و كأنه یكتب تقریرا مفصلا من أجل بناء مثیلة لها لكثرة التفاصیل التی یوردها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 57
و أثناء عودتهم مرة ثانیة إلی التراب الفرنسی، خصصت لهم الحكومة الفرنسیة عدة زیارات إلی منشآتها العسكریة بعدما علمت أن المغاربة خلال إقامتهم ببلجیكا و أنجلترا اطلعوا علی الكثیر من الصناعات الحربیة، بینما أثناء إقامتهم الأولی بفرنسا اقتصرت زیاراتهم علی المرافق الثقافیة و الاقتصادیة و العمرانیة فقط، لهذا ركزت علی هذا الجانب لإظهار عظمتها فی هذا المیدان و ذلك فی إطار المنافسة الشدیدة بین باعة الأسلحة. فأخذتهم إلی فابریكة صنع رویضة الكراریط من العود، و فابریكات صنع الخفیف و الكور و خزائن العدة مثل ما تقدم بیانه أثناء إقامتهم بلندن، و قد تجنب الجعیدی تكرار الخوض فی ذلك و اختصر ذلك فی سطرین فقط، و تطرق فقط لخاصیة متمیزة تعرف علیه بفرنسا، هی أنهم یتوفرون علی مختبر خاص به عدد من المعلمین المهندسین یوتی لهم بعدد من العینات الجدیدة من المكاحیل التی تظهر عند كل جنس من الأجناس الأخری، لیختبروها و یقلبوها و یخبروهم بما یظهر لهم منها، و ذلك لمسایرة التطور التقنی الحربی، بدل الاكتفاء بشراء الأسلحة الجدیدة جاهزة فقط، حتی لو كانت عاجزة إن فاسدة كما سبق القول. و أكد أن سبب هذا التفوق راجع إلی مدارسهم المتعددة، لتكوین أبنائهم تكوینا ثقافیا عسكریا منذ الصبا، عند زیارتهم «لسكویلة» أی المدرسة العسكریة بباریس. و ذكر «أنهم یأتون إلی هذه الدار فی الساعة الخامسة من صباح كل یوم، و لا یخرجون منها حتی تصل الساعة الحادیة عشرة لیلا، و تبقی لهم من الیوم بلیلته ست سوائع للنوم و الاستراحة ...» و هی إشارة ضمنیة لأهمیة الدراسة المتخصصة و المكثفة.
أما الحكومة الإیطالیة فقد توصلت هی الأخری بعدة تقاریر من سفرائها بعواصم الدول المعنیة عن أنشطة السفارة المغربیة بها، بالإضافة إلی تواجد سفیرهم بطنجة السید ستیفانو سكوفاصو الذی سبق وصول السفارة إلی طورین، كان یغازل المخزن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 58
المغربی بتزویده بالأسلحة الإیطالیة من أجل كسب ثقته، لهذا أقیمت مناورات حربیة بالذخیرة الحیة علی شرف المغاربة، و قد استحسن الجعیدی المدفعیة الإیطالیة الحدیثة التی تعمر من الخلف، و قد وصفها بشكل علمی دقیق ساعدنی علی إدراك شكلها فرسمتها بطرة الصفحة تقریبا للفهم، خاصة أنه تشكك فی أقوال الطبجیة الإیطالیین الذین أخبروهم أن القذیفة قد أصابت الهدف البعید عن أنظارهم، فحین رأوهم علی ذلك الحال طلبوا منهم التوجه إلی مكان سقوط القذیفة لمعاینة الإصابة، ثم أعادوا الكرة بضربها مرة ثانیة، حینئذ تأكدوا من جودة و دقة و قوة هذه المدافع الكبیرة، ثم بین كیف تتم عملیة مسامتة الهدف مع نیشان المدفع بتفصیل ساعدنی علی تصور ذلك فرسمته بطرة الصفحة كذلك. و هذا راجع لمعرفته الكییرة بقواعد الحساب و الهندسة التی كان یلقنها لبعض أصدقائه الذین یتدربون علی فن المدفعیة بسلا، لهذا أعجب بهذه المدافع فتمنی لو كانت فی مراسی المغرب شی‌ء فی أبراجها «.. لكان ذلك من الاستعداد بالقوة الظاهرة فی الوقت بحسب الاستطاعة، لا بحسب العناد بحیث تكون العدة التی عندنا مماثلة للعدة التی عند النصاری كیفیة و عددا، لأن فی ذلك حرجا و مشقة و المولی جل علاه سلك بهذه الأمة المحمدیة مسلك اللطف و الفرج فقال عز و جل: وَ ما جَعَلَ عَلَیْكُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ و إنما أمرنا سبحانه بالاستعداد بحسب الاستطاعة فقال تعالی: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 59
مِنْ قُوَّةٍ و لم یقل: مثل استعدادهم لطفا بهذه الأمة و رحمة بها ...».
من خلال هذا المجهود الذی بذلته السفارة المغربیة فی المجال العسكریة طبقا لتعلیمات السلطان الحسن الأول تظهر لنا الآمال التی كانت تعقد من وراء هذه الرحلة السفاریة.
غیر أن تعدد أنواع الأسلحة و مصادرها، كان یخلق مشكل تعدد أنواع العدة و أنواع قطع الغیار مما كان یجعل إصلاحها مشكلا صعبا، خاصة أن الكثیر منها غیر صالح للاستعمال لأدنی عطب و یجعل تدریب العسكر علی استعمالها صعبا.
فالإصلاحات العسكریة التی قام بها الحسن الأول طوال فترة حكمه و رغم المجهودات التی قامت بها سفارة الزبیدی و غیره لتمهد له الطریق فی التعرف علی المعامل الحربیة بأوربا و أجود العینات، لم تكلل مجهوداته بالنجاح المطلوب لتستجیب إلی حاجیات المغرب بقدر ما كانت فرصة للسماسرة و تجار الأسلحة و المهندسین الأجانب للإثراء السریع علی حساب مالیة الدولة المغربیة. و بهذا تكون الإصلاحات قد فشلت فی تحقیق الأهداف المرجوة، لأنها كانت نابعة و مرتبطة بمصالح الدول الأجنبیة أكثر من كونها نابعة من رغبة محلیة هادفة إلی إصلاح حقیقی.

الجانب العلمی و الفنی فی الرحلة:

البحث العلمی‌

بحكم الثقافة العلمیة التی یتمیز بها الجعیدی عن باقی رفاقه فی میدان الهندسة و الحساب و علم الفلك و الاستكشاف، اهتم كثیرا بالبحث العلمی فی شتی المیادین، محاولا تسلیط الضوء علی أهم المنجزات العلمیة التی توصل إلیها الغرب، و قد سخر لبلوغ هذه الغایة كل قدراته العقلیة و المعرفیة قصد الوصول إلی الهدف. (كما رأینا فی الجانب العسكری) خاصة أنهم تعرفوا علی الكثیر من الدور العلمیة و الثقافیة، كحدائق الحیوان و المتاحف المتنوعة و المعارض العلمیة، و غیرها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 60

علم الحیوان،

اهتم به كثیرا و تتبع فی دراسته أنواعها و أشكالها، و خاصة الحیوانات النادرة أو المجهولة منها فی بلاده سواء منها البریة أو البحریة فیكثر من وصف شكلها الخارجی، كالحمار الوحشی أو الزرد و القنقر الأسترالی و الكركدن و غیرها، أما البحریة فقد تعرف علیها و هی تعیش داخل أحواض السمك Aquariums فی بیئة مصطنعة مصغرة توفر لها شروط الحیاة التی نجدها فی المحیطات و البحار.
أما فی متاحف التاریخ الطبیعی فقد تعرف علی بعض الحیوانات المنقرضة، كالماموث الذی وصف شكل هیكله العظمی و تساءل هل انقرض قبل أو بعد الطوفان الذی أصاب الأرض كما جاء فی القرآن الكریم.

متاحف التاریخ الطبیعی

التی تحفظ و تصنف و تدرس و تحلل عالم الطبیعة بتعاون مع الجامعات المتخصصة.
فقد تعرف هناك علی بعض العینات من المعادن (علم المناجم) و النباتات الطبیعیة أو المجففة (علم النبات) و البقایا البشریة (علم الأجناس البشریة)، إلا أنه تعامل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 61
معها بشكل سطحی نظرا لضعف خرته فی هذا المیدان، و كذلك الحال بالنسبة لمتاحف العلوم التقنیة.

المعارض الصناعیة الدولیة

قد كانت ظاهرة حضاریة اجتاحت العالم الصناعی، بسبب جو التنافس العلمی الذی كان قائما بینهم، و قد برزت أنجلترا فی هذا المیدان بإقامتها أول معرض عمومی (دولی) اشتركت فیه معظم الأمم، و أنشأوا لهذا الغرض الدار الرحیبة المعروفة بقصر البلورCrystal Palace منذ سنة 1851 م، حیث یتلاقی فیه أهل الأبحاث و الأشغال و الملاهی، هذا المعرض الفرید من نوعه خصه الجعیدی بدراسة مطولة، تناول خلالها جل الأشیاء التی أثارت انتباهه و استغرابه، كألعاب السرك و البهلوان، و المحاولات الأولی للغطس تحت الماء بالاستعانة بأجهزة الهواء المضغوط المتصل بالخرطوم علی سطح الأرض، و أجهزة اللعب الكهربائیة، وقاعة عرض الصور الفوتوغرافیة بواسطة آلات علمیة كهربائیة كبیرة، و التی سبقت ظهور السینما الحقیقیة علی ید الأخوان‌Lumiere سنة 1895 م. و من حسن الصدف أنهم تعرفوا علیهم و هم صغار صحبة والدهم السیدAntoine Lumiere عند زیارتهم لورش عمله الخاص بتطویر فن التصویر الشمسی (الفوتوغرافیا) بجبل‌MontPlaisir بضواحی لیون الفرنسیة و غیر ذلك. و بمعرض العلاج و الإنقاذ ببروكسیل وصف لنا فی رحلته بعض الوسائل المستحدثة فی هذا المیدان، نظرا لتضخم المدن، و تطور وسائل النقل، و ذلك بهدف مواجهة الحوادث و النكبات، مثل عمل رجال
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 62
المطافئ و مراكب الإنقاذ و جهاز التلغراف و غیر ذلك. أما بمعرض العلوم بمدینة فرنسی الإیطالیة فقد اهتم بأجهزة الرصد الفلكیة كالإسطرلاب، و أخضع نفسه لتجربة علمیة تتلخص فی تحویل الطاقة المیكانیكیة إلی طاقة كهربائیة. (مثل دینامو الدراجة العادیة) كما أطلعه الأطباء علی علم تشریح الأعضاء و الأنسجة التی تتكون منها الكائنات الحیة (الإنسان و الحیوان و النبات) و علی مراحل حمل المرأة و الهیكل العظمی لجسم الإنسان و غیر ذلك.

اهتمامات الرحالة

الاهتمامات الخاصة التی أثارت فضول الجعیدی العلمی كثیرة و فی شتی المیادین، أخص بالذكر منها، أنه لاحظ وجود الثلج فی أیام فصل الصیف، فسأل أحد ضباط الجیش الفرنسی العاملین بالجزائر و الذی كان یجلس بجواره فی إحدی الحفلات الرسمیة بباریس، عن سبب عدم ذوبان الثلج رغم بقائه فی الهواء مثل ما یحدث فی بعض بلاد المغرب، فأخبره أنهم یخزنونه فی المطامیر و یغطونه بالتبن كما یفعل المغاربة عند خزن الزرع، و عند الاحتیاج یأخذون منه القدر المحتاج بعد غسله، غیر أن الجعیدی لم یكتفی بما سمع، و لم یقتنع حتی اكتشف الحقیقة العلمیة لطریقة صناعة الثلج بعد تزاید الطلب علیه بسبب ضرورة نقل و حفظ المواد الغذائیة و غیر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 63
ذلك. و ذلك أثناء عودته علی متن باخرة إیطالیة إلی طنجة حیث طلب من قائد الباخرة أن یصاحبه لمشاهدة آلة یدویة لصنع الثلج فی مدة قصیرة، فوصف تجربته و رسم شكل الآلة الخارجی. كما تعرف علی قبة الغاز التی تطیر بالناس فی الجو قصد معرفة حالة الطقس ببلادهم و لأسباب عسكریة كذلك. و تتبع معاینة الأسالیب التقنیة المستعملة فی المطبعة الوطنیة الفرنسیة لطبع الكتب و كیفیة خیاطتها و تسفیرها، و تأسف لعدم اشتغال المطبعة العربیة هناك بسبب قلة الطلب علیها.
و خص بالبحث المستفیض ببروكسیل آلیة تغویز الفحم الحجری الذی یستعمل فی الإنارة و الطهی فی المدن الكبری، و یسمی عادة غاز الاستصباح كطاقة رخیصة، بعد حرق الفحم الحجری فی أفران كبیرة، لإزالة غاز ثانی أكسید الكبریت و هو غاز سام ذو رائحة كریهة غیر مرغوب فی وجوده مع الغازات الهیدروكاربونیة، التی توزع بواسطة أنانیب باطنیة علی الدور و الحوانیت التی تتوفر علی عدادات تسجل مقدار استهلاك كل دار أو حانوت خلال الشهر.
اكتفی بهذا القدر لأن رحلته فی الحقیقة علمیة أكثر منها أدبیة.
الجانب الفنی إلی جانب اهتمامات الجعیدی بالفن الهندسی و المعماری، كانت له اهتمامات بالفن المسرحی و الموسیقی، كباقی الرحال العرب إلی أوربا خلال القرن 19 م.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 64
كان تأثیر المسرح علیهم تأثیرا واضحا كفن قائم بذاته. باعتباره الأداة التصویریة الهادئة فی التعبیر عن مشكلات المجتمع الأوربی. و من الطریف أن نسمع رأی الرحالة الصفار فی المسرح الذی زاره لأول مرة فی باریس، و تنبه إلی دوره فی التثقیف و الترفیه، یقول: « .. من محال فرجاتهم، المحال المسماة بالتیاترو أو الكومدیة و تسمی الأوبرا و هو محل یلعب فیه بمستغربات اللعب و مضحكاته و حكایة ما وقع من حرب أو نادرة أو نحو ذلك، فهو جد فی صورة هزل، لأنه یكون فی اللعب اعتبار أو تأدیب أو أعجوبة أو قضیة مخصوصة و یكتسبون من ذلك علوما جمة ..»، و هذا الرأی یقارب ما كتبه الطهطاوی الذی یراه جدا فی صورة هزل، و اتخاذ الجد صورة الهزل إنما مرده استنباط العبرة منها. أما الجعیدی فقد تعرف هو الآخر علی المسرح بدار الأوبرا بباریس و شاهد به بعض المسرحیات و اعتبر مشاهده من الأمور الحقیقیة البعیدة عن الخدعة. «.. أما ما یفعله بعمل السیمیاء المسماة عندنا «بخنقاطرة» فأمرها مسلم مفرز مشهور، رأینا من ذلك فی بعض الدیار ما سأذكره، و ذلك أنهم یرسلون سترا بأحد أرباع الدار، یصیر حاجزا بین جمیع من فی الدار الذین أتوا للفرجة، و بین محل اللعب، حتی یتناولوا العمل الذی یریدون ظهوره، فإذا فرغوا من تهیئه یرفعون الستر فتری ذلك المحل المتخذ للعب قد انبسط و امتد غایة .... و حین
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 65
لعبهم یكون أصحاب الموسیقا مشتغلین بها، و عددهم أظنه یزید علی المائة ...»، كما وصف لنا الجعیدی المسرح الملكی بلندن من الناحیة الهندسیة، و تأسف لأنه لم یسعفه الحظ من حضور إحدی عروضه، و تطرق لأهمیة المداخل المالیة التی تجنیها التجار من كرائهم للمسرح أو حجزهم لعدد من مقاعده. و بإیطالیا شاهد المغاربة بعض العروض المسرحیة و خاصة المتعلقة بفن الرقص المعروف «البالی» لم یذكرها فی رحلته بل أشارت إلیها الصحف الإیطالیة ضمن أنشطة السفارة، و هی التی تولدت علیها المستملحة الفكاهیة التی أشرت إلیها فی الجانب الفكاهی من هذه الدراسة.
أما عن الجانب الموسیقی فی الرحلة، فإننا نجد الجعیدی یشیر فی كل مرة إلی وجود الأجواق الموسیقیة عند كل الاستقبالات الرسمیة، فیصفها و یحاول رصد أوجه الاختلاف فی ما بین هذه الأجواق من حیث اللباس أو الآلات التی یعزفون بها و أحیانا حتی النغمة الموسیقیة. بل یطلعنا فی رحلته أنهم خلال إقامتهم بروما كانت بعض الفرق الموسیقیة تزورهم بمقر إقامتهم قصد الترحیب و الترفیه علیهم «... جماعة من أصحاب الطرب بنحو أربعة عشر رجلا بأیدیهم كثرات و أعواد مثل الآلة التی تستعمل فی الغرب .. و طلع معهم جماعة من النسوة اللواتی كن جالسات فی براح الدار ... و صاروا یخدمون بتلك الآلات بنغم مستعذبة تشبه النغم التونسیة ...»، كما ركز علی الجانب التطبیقی لهذه الأجواق الحدیثة باعتبارها تعزف قطعا موسیقیة مكتوبة علی الأوراق و یسیرها بما یعرف بالمایسترو» ... قدمت جماعة كبیرة من أصحاب الطرب أیضا للدار التی نحن نازلون بها ... و هم ممن یخدمون بالطرنبطات علی أشكال من الهیئة و من الكبر و الصغر و بالمزامیر و غیرها ...
یخدمون واقفین یصنعون دائرة منهم، ... كحلقة المداح، و كل واحد ینصب قدامه ثلاثة أعمدة تجتمع رؤوسها قدامه، فینصب علی رأسها أعوادا رقاقا مربعة الشكل لیضع علیها الأوراق التی تبین له فیها خدمة طبائع الموسیقا التی یخدمون بها، ...
فیتقدم واحد منهم و یقف فی وسط الحلقة، و ینصب ثلاثة أعمدة كذلك قدامه، و یوقد له الضوء و یأخذ بیده قضیبا و یشتعل ...».
نستنتج اهتمام الجعیدی بفن الموسیقی من خلال المؤلفات المخطوطة التی تركها لنا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 66
المؤرخ أحمد الناصری و المسجلة بكتابه ، «الاستقصا»، أنه ترك رسالتین فی فن الموسیقی. إحداهما خاطب بها صدیقه العلامة الفلكی، إدریس الجعیدی السلاوی، و الأخری قیدها فی الموضوع نفسه، و بحث فیهما فی النغمات العربیة و المقابلة بینها و بین الموسیقی العجمیة.

الجانب العمرانی و المنشآت العمومیة و الاجتماعیة فی الرحلة

اشارة

لرحالة الجعیدی میل كبیر إلی فن المعمار كواجهة حضاریة نظرا لتعوده علی مشاهدة روائع العمران فی المغرب من مساجد و مدارس و قصور و سواق و أقواس و أضرحة و غیر ذلك.
بالإضافة إلی معرفته الجیدة لعلم الهندسة و الحساب و اطلاعه علی كتاب أقلیدس الریاضی الیونانی الشهیر فی علم الریاضیات و الهندسة، لهذا أعار هذا الفن باهتمام كبیر فی رحلته هاته. فكان یقف أمام العمران الأوربی بإعجاب یحصی الأعمدة و السواری و الأبواب و أنواع الأثاث و الحمامات و یقیس الطول و العرض و یذكر أشكال الزخرفة و التمویه وسعة الأماكن و یستعمل مصطلحات الحرفیین كالتخریم و القریسة و التشجیر و الدرابیز و السبنیة و التوریق و الفورمة و الجوائز و البارات و غیر ذلك بصفته العارف المتمكن بخبایا هذا الفن.
فمعرفته بالهندسة المعماریة المغربیة التقلیدیة، جعلته یلاحظ التجدید الحاصل فی الهندسة المدنیة فی أوربا، التی أخذت بأسباب العلم و التغییر باستحداث كل ما یجعلها سهلة و منظمة و ممتعة. و بالاهتمام بها هو قدیم و العمل علی صیانته و الحفاظ علیه لحمایته من الضیاع و الاضمحلال.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 67

العمران‌

المدن الحدیثة التی اكتشفها الجعیدی لأول مرة فی حیاته، لا تمت بصلة إلی المدن العتیقة التی تركها فی المغرب، فهی مدن ذات شوارع فسیحة و مبلطة وسطها خاص لمرور العربات و الأكداش و الجانب الأیمن و الأیسر خاص بالراجلین، و مع امتدادها تنتشر أشجار مخضرة مصطفة بقصد استحسان المنظر، و بین كل شجرتین قطعة نحاسیة قائمة برأسها فنار كبیر یوقد لیلا «... لاشتغال أهل البلد بأمور دنیاهم باللیل بكامله كأشغالهم بها بالنهار ...». و لكثرة النشاط التجاری و الاقتصادی و نقل السلع.
«... كأن الحرب مشتعلة بینهم و كل یجری حسب جهده و طاقته ... كأن المحلة دخلت البلاد ...»، و عند الفجر تقریبا تنطلق عملیة تنظیف و كنس الشوارع من روث الخیل و الغبرة بالماء الذی یجری بسرعة، و كذلك الحال عند نزول المطر، لكون الطرق محدبة الشكل تنتهی إلی مجاری المیاه، أما الأزبال المنزلیة فلها أماكنها المعینة و هی مدن ذات بنایات عالیة من أربع إلی سبع طبقات، نوافذها و شرفاتها مفتوحة نحو الخارج بدل الداخل كما كان سائدا فی البناء المغربی، و عند ملتقی الطرق الأربعة توجد النافورات ذات المیاه المتدفقة و بعض التماثیل المستعذبة، و بأسفل العمارات توجد المقاهی و المكاتب و الحوانیت التی تعرض التحف البدیعة،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 68
و بقربها بعض رجال الأمن لتنظیم المرور و حفظ الأمن مع انتشار الحدائق و المنتزهات «... فتخاله كزریبة بدیعة التزویق فی غایة التنمیق، و الصبیان یمرون بها مع أمهاتهم، و لا تری واحدا ینزع شیئا من ذلك النوار إنما یتركون ذلك تحسینا للنظر و مصلحة البصر ...» و بها العدید من المقاعد العمومیة قصد الاستراحة و الاستجمام و غیر ذلك من التنظیمات العمرانیة الحدیثة التی اقتحمت اهتمام الجعیدی و عقله.
كما أعجب كثیرا بعظمة الفنادق الأوربیة باعتبارها تضم أرقی التحف البدیعة و الأثاث المستظرفة و الخدمات السریعة و التجهیزات الحدیثة قصد توفیر الراحة لرواد الفندق، فخصها بالبحث و الوصف الدقیق الممتع حتی قال «... إذا استحضرت ذلك و تأملته و وسعته دائرة خیالك علی تفاصیله المبینة، فكأنك تشاهد ذلك عیانا ...». بل تجاوز ذلك بمحاولته الجادة لكشف شكل فندق مرسیلیا الهندسی رغم عدم اطلاعه علی أصل تخطیطه فی تقریر طویل بلغ حوالی عشر صفحات، و رغبة منه فی تفادی التكرار و الإطناب، اختصر الكلام عن فندق لندن رغم عظمته فی بضعة أسطر فقط. و توسع فی وصفه القصور الملكیة البریطانیة و البلجیكیة و الإیطالیة التی تزخر بالتحف النادرة و المتوارثة عند أسرهم الملكیة أو المستوردة من المستعمرات.
وصف الجعیدی العدید من المنشآت العمومیة و الاجتماعیة بعد أن رتبت لهم الزیارات إلیها من طرف البلد المضیف، فوقف فی رحلته علی وصف العدید من المتاحف باعتبارها المكان الذی تجمع فیه الأشیاء ذات الأهمیة التاریخیة و العلمیة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 69
و التقنیة و الفنیة، بغیة حفظها و عرضها للمتفرجین، كمتاحف العلوم التقنیة التی تبرز الأدوات و الآلات و الأجهزة القدیمة و تطورها، التی بواسطتها یستطیع المشاهد تتبع تطور الاختراعات التی توصلت إلیها العبقریة البشریة فی كل المیادین. ثم متاحف التاریخ الطبیعی و دار الوحوش المیتة و حدیقة الحیوان و متحف الشمع الشهیر ببریطانیا، و متحف لیزانفلید و متحف المعادن الملكی ببروكسیل و مدرج كولیسیر بروما باهتمام كبیر خاصة أن أخباره قد انتشرت عبر المعمور خلال النصف الثانی من القرن التاسع عشر، و كان یعتبر من عجائب و غرائب الوقت فوصف لعبة رقص الأفیال و لعبة الكلاب، و الغریب فی الأمر أنه تعرف علی ثلاثة مغاربة واحد مراكشی و الآخران من سوس، یقومون بألعاب بهلوانیة فوق الخیل من أتباع أولاد سیدی أحمد و موسی بلندن. و قد سبق له أن تعرف علی السرك بباریس و حاول استنباط أنواع الخدعة التی یستعملونها فی حركاتهم فوق الخیل و غیره، «... لیس فی ذلك كبیر مزیة، بل ذلك كله من قبیل الریاضیات و الممارسات، و النشأة فی ذلك من حال الصبی حیث یعتاد ذلك و یصیر ذلك لمتعاطیه طبیعة و عادة ...» و قارنهم بما یقومون به أصحاب البارود فی المغرب من ألعاب الفروسیة التی یتعجب منها «... و لا یأخذون عن ذلك أجری و لا لهم عنه وظیف بخلاف هؤلاء، فإن لهم فیه تجارة كبیرة و صائرا عظیما ..» .
و قد أشار إلی أن العلامة ابن خلدون قد تطرق إلی هذا الجانب فی مقدمته «...
إنها من قبیل المدارك التی یدركها الإنسان بالتدریج و الریاضة ...» . و یقصد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 70
بذلك أن المعارف النفسانیة إما مصدرها الوحی الذی یلقی فی صنف خاص من البشر و هم الأنبیاء و الرسل، و إما مصدرها الریاضة و الاكتساب لا الوحی.
و من أهم الزیارات التی یذكرها زیارته دار المطبعة الوطنیة بباریس و شرحه كیفیة الطبع و التسفیر و غیر ذلك، فی الوقت الذی لم یعرف المغرب إلا المطبعة الحجریة التی أدخلها إلی المغرب قاضی تارودانت من مصر سنة 1866 م، فكان المغرب یتطلع لهذا الاختراع العلمی. ثم زیارتهم للمكتبة الوطنیة الضخمة بباریس. فتحدث عن كیفیة توزیع الكتب علی رواد المكتبة، و أشار إلی وجود بعض المخطوطات العربیة معروضة هناك. فطلب منهم أن یدفعوا له تقییدا بما عندهم من كتب العربیة فوعدوا به، و لم یكن وفاء بهذا الوعد. كما تعرف بروما علی دار المرضی أو المستشفی الخاص بالعمیان تشرف علیه الرهیبات، خاصة أن السفارة المغربیة كانت تقدم الهبات المالیة إلی الكثیر من دور الإحسان و الأیتام و العجزة و المستشفیات الفقیرة فی كل مدینة نزلت بها، و تتلقی عن ذلك العدید من رسائل الشكر و التقدیر، و تترك انطباعات حسنة لدی حكومات و شعوب هذه الدول.
نقل الجعیدی الكثیر عن هذا الجانب و حاول رصد هذه الحركیة القویة التی تهدف التجدید و التغییر و البناء و التطور فی جمیع مظاهره، رغم قصر مدة إقامتهم بأوربا، لم یتعرض لمساوئهم و لا لجوانبهم السلبیة التی تتمثل فی استخدام قوة التطور و الاختراع و المال لإخضاع الشعوب الضعیفة المتخلفة و قهرها و استعبادها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 71

بعض المظاهر الاجتماعیة:

الطعام و المجتمع الأوربی و المغربی‌

القصد من هذه الدراسة لیس نظام الطعام و ترتیبه فی مضمونه المادی فحسب، و إنما فی دلالاته الاجتماعیة و رموزه الثقافیة أیضا. لأن أهمیته كونه وسیلة لتغذیة الجسم بغیة الحیاة. بل أیضا یرتبط بالبیئة و الاقتصاد و بالدین و المعتقدات الشعبیة، و ربما بكافة مظاهر الحیاة الإنسانیة المادیة و الفكریة، و علی هذا الأساس یشكل الطعام مركبا حضاریا فی الفكر الأنثروبولوجی، خاصة أن احتفالیة النظر و الأكل و الشراب تشكل سمة جلیة فی الثقافة العربیة (الكرم، الضیافة ....).
من هنا تأتی الأهمیة التی أعطاها الجعیدی لآداب المائدة عند الأوربیین و التی أكثر الحدیث عنها فی رحلته، خاصة أنهم حضروا العدید من مآدب الأكل الرسمیة بأوربا، فوصفها بدقة متناهیة تنم عن إدراكه التام بطقوسها و آدابها، لهذا حاولت تتبع وصفه لها خطوة خطوة أثناء تحقیق رحلته، فكنت أجد تطابقا تاما بین ما ذكره و بین ما تذكره المراجع المختصة بدارسة التقالید البروتوكولیة لكیفیة الأكل أثناء المآدب الدبلوماسیة. و هی طقوس تطورت مع نمو الطبقة البورجوازیة و ارتفاع مستوی الدخل و المعیشة، و هی مغایرة بطبیعة الحال لما كان سائدا فی المجتمع المغربی و الإسلامی علی العموم، لا من حیث الشكل أو المضمون، و قد انعكس هذا علی سلوك أعضاء
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 72
السفارة المغربیة عندما امتنعوا عن الأكل لاعتبارات دینیة (الأكل الحلال، و الأكل الحرام)، ففی باریس لم یكن هناك مشكل، لأن الحكومة الفرنسیة المطلعة علی أحوال و عادات العرب. استدعت بعض الضباط الفرنسیین العاملین بالجزائر للجلوس بجوار المغاربة لمساعدتهم «... ثم سرنا نحو القبة التی فیها الغداء، فدخلناها فالتفت إلینا كبیر الدولة، و تكلم بلغته، فقال لی رجل من عسكره كان بقربی، إنه یقول لكم مرحبا بكم، و إنه وكلنی بالجلوس معكم لأبین لكم الطعام الحلال علیكم من غیره، و وجدته یحسن اللغة العربیة ...».
أما الحكومة البلجیكیة علی ما یظهر لن تنتبه إلی طبیعة ضیوفها المغاربة المتشبثین بالشریعة الإسلامیة ، و الذین امتنعوا عن مشاركتهم فی الأكل، أثناء حضورهم حفلة غذاء أقامها الملك الیوبولد الثانی علی شرفهم «... ثم أخذوا یخرجون بالطعام و أنواع الحلواء فی أوانی كبیرة، و یطوفون بها علی من بالمائدة، فكل واحد یأخذ منها بمغرفة ما یرید و یضعه فی الطبسیل الذی قدامه ... و هكذا حتی فرغ من الطعام، و نحن تناولنا من ذلك یسیرا من حلواء معقودة علی الثلج مع غیرها من الحلواء
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 73
الطازجة ...»، و نفس المشكل البروتوكولی یتكرر فی إیطالیا «... ثم أخذوا یأتون بأطعمتهم علی عادتهم، فما تناولنا منها إلا الخبز و الزبدة و أنواع الحلواء، و كانوا یعرضون علینا أنوع الطعام التی یطوفون بها علیهم، فكنا نشیر إلیهم بالامتناع منها فیعرضونها علی غیرنا ...»، غیر أن الأمیر الإیطالی تنبه إلی ذلك و اعتذر لهم عن هذا التقصیر «... ذكر أنه رآنا لم نأكل شیئا من طعامهم فی تلك الولیمة، و ألمه ذلك غایة، لكنه سره عدم أكلنا منه من جهة محافظتنا علی شرعنا ...». هذه المواقف دفعت الأوربیین إلی البحث عن أسباب هذا الامتناع. لهذا نشرت الصحافة البلجیكیة تقریرا مفصلا عن نمط عیش المغاربة داخل إحدی فنادقهم ببروكسیل.
«.. .. المطبخ (المغربی) به آلات الطبخ‌Goudin و تنكات مغربیة فی منتهی الغرابة ... إن وجباتهم تتكون من لحم الخروف، و الأرز، و الشای و الحلویات، و الجزار بعد توجیه دعواته للنبی، علی السنة المحمدیة یبدأ فی ذبح و سلخ الخرفان الذكور و الدجاج فی البهو الخلفی، و لا یأكل اللحم إلا مرة واحدة فی الیوم، لا خمرة علی الطاولة، شای، شای دائما ...»، و فی إطار الفضول الصحفی كذلك استطاع أحد الصحفیین الإیطالیین الدخول إلی مقر إقامة السفارة المغربیة صحبة الترجمان‌Bo -sio و كتب التقریر التالی فی جریدته La .Lombardia «... ضیوفنا الأعزاء لا یأكلون لحم الخنزیر و لا مشتقاته، كل ما یطبخ فی المطابخ الأجنبیة غیر المسلمة، و هم یكتفون بأكل اللحوم المذبوحة، حیث یوجه الشاة إلی القبلة أی مكان قبر الرسول،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 74
و یذبح و ینتظر حتی تسیل دماؤها و تسلخ و تقدم مطبوخة، و هذه الطریقة صعبة و لكنها صحیة ...».
كما كانت للجعیدی التفاتة أخری تخص المستوی الرفیع للوجبات الغنیة و الشهیة التی كانت تقدم فی إحدی السجون الأنجلیزیة التی زارها بلندن «... و فیه مطبخة كبیرة یطبخ فیها للمساجین من أزكی الطعام، وجدنا فیها أكوابا ممتلئة حریرة جامدة، رفع منها صاحب المطبخة مغرفتین كبیرتین فی زلافة، و قطع من خبزة طرفا نحو نصف رطل میزانا، و قطعة لحم نحو أوقیتین أو أقل مع إدام یسیر، و قال الترجمان هذا ما یطعم للمساجین كل یوم ...» فی إطار إعجابه بنظام السجون الجدید الذی یهدف الإصلاح و التأهیل بواسطة أسالیب التربیة و التهذیب مثل عقوبة العمل فی الأعمال الزراعیة و الصناعیة بدل تعذیب المحكوم علیه «.... حتی قیل لهم من ضاقت علیه المعیشة منهم فیدخل لهذا السجن فلعله یجده أفضل من محله، فانبسطوا لذلك ...». إن الحدیث عن العمران و المنشآت العمومیة و الاجتماعیة و ما یستنبط منه یحتاج إلی المزید من التحلیل و الدراسة لیزودنا و لا شك بالكثیر من المعلومات و الإیضاحات، لأن وصفه للمجتمع الآخر هو تعبیر عن مجتمع الرحالة و تعریف له بالسلب المنطقی، حیث لا یسجل الرحالة فی رحلته إلا الأشیاء التی یفتقدها فی مجتمعه الأصلی، لیصل فی النهایة إلی تحدید مجتمعه.

المرأة

الحدیث عن المرأة فی الرحلة السفاریة، كما هو الشأن بالنسبة لبقیة القضایا الأخری هو نتیجة انطباعات أولیة، و وصف لمظاهر خارجیة لم یكن الوقت من النفوذ لبواطینها.
و لا ریب أن إسهام المرأة الأوربیة فی الحیاة العامة اقتضی تحررها من تقالید المجتمع القدیم، و تغییر المقاییس الأخلاقیة تبعا لذلك.
و رحلة الجعیدی عموما إشارات إلی مساهمة المرأة الأوربیة إلی جانب الرجل فی العمل داخل الأوراش و الفابریكات «... ثم أوتی بنا إلی محل آخر فیه خلق كثیر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 75
من النساء و الرجال، ینشرون القالب الكبیر من السكر ...» نظرا لحاجة سوق العمل التی تحتاج إلی المزید من الأیدی العاملة. بل یذكر كذلك تواجد الصبیان بكثرة فی المراكز الصناعیة و التجاریة. غیر أن الجعیدی لا یتردد لحظة فی التغزل بسیدات المجتمع الأوربی، فإن هذا الغزل هو و دون شك تجسید لإعجابه بالتطور الذی كانت تمر به المرأة الأوربیة آنذاك، فعند زیارته لإحدی الدور التجاریة الكبری بباریس التی تعرض التحف المصنوعة من البلار، أعجب بإحداهن «.... حین سمع نساؤهن بأننا هناك خرج بعضهن بقصد رؤیتنا لأنهن یستغربن زیّنا و یتعجبن منا، فالتفتت إلینا إحداهن، فتذكرت ما قیل فی مثل ذلك:
بدار الزاج قمرفضحت زین العجم
سلبت عقل رامق‌سلب عقل بمدام
هام من حسنها وجداذو عفاف و كرم
و هی من نور حسنهاتقتبس محو الظلام
قلت جذلی بوصال‌قالت: فاقرأه سلامی
إن بالحل وطنی‌و أنتم أهل الحرم
صدقت فیما نطقت‌و حقا قالت حذام ...»
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 76
فهو یقصد بهذا التغزل إشاعة روح المرح فی ما بین أعضاء السفارة قصد التسلیة و الترفیه . بل نجد فی إحدی قصائده الشعریة یقسم بكل المناظر المكشوفة من المرأة التی أكره علی مشاهدتها و هی ترقص علی خشبة المسرح و هی دعابة أدبیة مقصودة، نظرا لما یتیمز به من روح مرحة.
كما أشار لهذا التحرر من خلال مشاركتها فی الحفلات و السهرات و اختلاطها بالرجل و هی فی كامل زینتها و أبهتها «.. ... و النساء یجررن ثیاب الحریر بنحو ثلاثة أذرع فی الأرض، و غالبها مرصع بالدیمانض، و كذلك فی نحورهن و علی رؤوسهن ... و رأینا فی نسائهم حیاء كبیرا لأنهن یرفعن إلینا من بعد، فإذا قربن و وقع بصرنا علی إحداهن نكست بصرها إلی الأرض، و غالبهن علی هذه الحالة ...».
هذا الموقف یجعلنا أمام حالة ربما نادرة من حالات التكیف السریع مع التحرر الأخلاقی، علی أن المرأة الأوربیة یغلب علیها النبل و الطهر و العفاف، عكس من یصفها بالفجور و الرذیلة، و نحن نعلم وضعیة المرأة المغربیة فی تلك العصور، و ما كانت علیه من الجهل الفكری و التخلف الاجتماعی و الانغلاق، و نعلم أیضا موقف الإسلام من المرأة و ما یوجبه علیها من الأخلاق و الاستقامة مع العلم و الوعی المشاركة فی الحیاة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 77

مظاهر التقدم الصناعی و المالی و الفلاحی فی الرحلة:

الصناعة

قامت أساسا علی القوة البخاریة التی تعتبر أعظم اكتشاف توصلت إلیه أوربا خلال القرن 19 م، و التی فتحت الباب أمام اختراعات لا حصر لها فی جمیع المیادین، فقد حلت الآلات البخاریة مكان الأیدی العاملة فی الصناعة. و انتشرت خطوط السكة الحدیدیة بشكل كثیف فی أوربا، مما شجع تنقل الأشخاص و البضائع، و ساعد علی تنمیة الهجرة القویة و نمو المدن، غیرت معالم العهد القدیم.

الفحم الحجری‌

المصدر الطاقی الوحید الذی اعتمد علیه الاقتصاد الأوربی، لهذا خصه الجعیدی فی «رحلته» بالبحث المستفیض، فوصف لنا طریقة استخراجه عبر آبار عمیقة و متعددة ینزل إلیها الخدمة بالتناوب بواسطة المصاعد التی حاول رسم شكلها الخارجی بطرة الورقة، و تهویة المناجم لاستخراج الغازات السامة، و ضخ المیاه الباطنیة، و غیر ذلك. و إن احتراقه ینتج عنه غاز الاستصباح الذی یخصص للطهی و الإنارة، و یولد كذلك حرارة هائلة داخل الأفران العالیة لصهر الحدید و غیره.
مما لا شك فیه أن التقاریر التی كانت تصل إلی الحسن الأول من الزبیدی، قد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 78
أطلعته علی أهمیة استخراج الفحم بطرق علمیة، فابتداءا من سنة 1878 م وجه السلطان أوامره إلی الحاجب موسی بن أحمد لیستفسر فابتداء من السفیر های عن ذلك. و طلب منه مد المخزن المغربی بالخبراء فی هذا المیدان، و بالفعل توافد علی المغرب العدید من المهندسین المتخصصین منهم البریطانی‌E .Silva الذی تمكن من العثور علی منجم فحمی بالقرب من طنجة بمساعدة المهندس المغربی الزبیر سكیرج و الإشراف الإداری لمحمد الزبیدی، الذی أوضح للسلطان بأن بدایة الاستخراج یمكن أن تتم «... بحفر آبار ثلاثة كآبار السوانی متفرقة لیعرف منها الجهة القریبة للمنفعة فیقع الشروع منها ...» ، كما طلب الزبیدی «التوجیه علی عشرین معلما من أهل تدغة الذین یحفرون الخطاطیر بالحوز یحفرون الآبار بصائر قریب الأجرة ..» بعد أن رفض السلطان استغلاله من طرف المؤسسات الأجنبیة، بل طلب المساعدة فی البحث و التنقیب فقط، لأنه كان یری فی ذلك أداة للتغلغل الأجنبی، كما رفض باقی العروض الأجنبیة الأخری.
وسائل النقل: كان علی رأسها «بابور البر» أو القطار البخاری الذی أثار إعجابه خاصة أنه كان الوسیلة الوحیدة لتنقلهم عبر التراب الأوربی، و وفر لهم الراحة و متعة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 79
السفر و السرعة فی التنقل عبر خطوط حدیدیة قویة تشق الجبال و تقطع السهول و تعبر الأنهار و الودیان بدقة و نظام بدیع. و قد أشار الجعیدی إلی الكثیر من أسماء المحطات التی كانوا یمرون علیها و مدة التوقف فیها.
كما أشار إلی أهمیة المواصلات عبر الأنهار و الحیل التی استنبطوها فی الربط بینها، بواسطة قنوات و سدود صغیرة لرفع أو حفظ مستوی المیاه حسب الحاجة، و یستغلونها كذلك فی صید الأسماك بها، و استغلال میاهها فی سقی المزروعات عند ضفافها.
صناعة السكر: التی لها ارتباط بحاجیات السوق المغربیة الاستهلاكیة، و التی انتشرت عادة استهلاكه بكثرة، و كان دخوله للمغرب أیام سیدی محمد بن عبد الله، و قد خلق عصرئد بعض المشاكل الفقهیة و اضطرابا كبیرا، فالبعض یحرمه و البعض یحلله، مما دفع السلطان مولای سلیمان أن یبعث بمن یثق بدینه و علمه لیتعرفوا عن طرق صناعته «فأخبروا بطهارة أصله و إباحة فرعه»، إنما حرم الجامد منه أی «سكار القالب» نظرا لأنهم یضیفون مادة كحولیة بقدر معین إلی البلورات السكریة و قد تعرف علی ذلك الجعیدی و تظاهر بجهله لها «.... انظر من أی شی‌ء هو ذلك الماء المتخذ للتصفیة ...»، غیر أن هذه النتیجة التی توصلوا إلیها لم تحترم مع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 80
مرور الزمن، بل حصل العكس حیث تزاید الاستهلاك بشكل صاعدی، و كان یكلف میزانیة المخزن مبالغ باهضة، مما دفعه إلی التفكیر فی العمل علی استحداث معمل لصناعة السكر بالمغرب.
لهذا نجد السفارة المغربیة بمجرد وصولها إلی مرسیلیا، تقوم بزیارة لفابریكة السكر، و قد خصه الجعیدی بالبحث المستفیض لما شاهده من عمل الخدمة به، و كیفیة نشره إلی قطع صغیرة علی شكل مربعات صغیرة، و أشار فی الأخیر «.... و سمعنا بأن حكیما هناك التزم علی نفسه أن یخدم السكر القالب و یوجده فی أربع و عشرین ساعة، و أنه لا یضیف إلیه شیئا مما یصفی به الآن (یقصد المادة الكحولیة دون أن یذكرها) ... فقیل له إن القائمین بخدمة المكینة الآن حیث یستوفون مدة «كنطردتهم» یكون الكلام فی ذلك ...» إشارة إلی أنهم قد فتحوا باب الحوار معهم لجلب أحد الحكماء إلی المغرب لدراسة موضوع صناعة السكر الذی أصبح مع مرور الوقت مادة شعبیة.
الصناعات النسیجیة: التی أصبحت تجد فی السوق المغربیة رواجا كبیرا، نظرا لجودتها و ثمنها المناسب، و كان لذلك تأثیر سلبی علی الطبقات الحرفیة التقلیدیة المغربیة لفائدة طبقات من التجار المغاربة و الأجانب الذین یستوردون الأثواب و المنتوجات. و قد أدی ذلك إلی تحطیم الهیاكل الاقتصادیة التقلیدیة الموجودة و تعویضها بغیرها مع تسرب الاقتصاد النقدی و التجاری. لهذا وصف طرقهم المیكانیكیة التی تشتغل لوحدها مع مراقبة من طرف الخدمة من غزل و نسج الصوف و القطن و الحریر و الكتان و الماركان، و تعرف علی بعض الأثواب التی تصل إلی المغرب
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 81
كالموبر البرانیة و الثوب المسوس و الدیباج و البرتك و الملف و غیرها من الأثواب الفاخرة و المشجرة بخیوط الذهب. و الحریر خصه بدراسة خاصة عن كیفیة غسله و وزنه و التفریق بین أنواعه و ثمنه «.... فالثوب الذی وجدناه منسوجا ... ثمنه أربعون ریالا، فإذا قسم هذا المنكب الذی طوله خمسة أمتار، و هی تعدل تسعة أذرع تقریبا، علی قالة و نصف یكون فیه ستة مناكب، و إذا قسمت هذه القطعة نصفین عرضا صارت اثنتی عشرة شقة، طول كل واحدة أزید من خمسة عشر ذراعا، و هو إذن أرخص بكثیر من المسوس المصنوع من الخیط الذی یجلب للغرب ...» إشارة إلی الأرباح الطائلة التی كان یجنیها التجار من بیع بعض الأثواب.
غیر أن ازدهار هذه الصناعة یحتاج إلی احتكار الأسواق العالمیة و مناطق المواد الأولیة، لهذا كانت تسعی الدول الأوربیة فی الحصول علی امتیازات لزراعة القطن بالمغرب مثل ما حصل بمصر و الهند و الولایات المتحدة الأمریكیة، فواجهتهم أولا طبیعة الملكیة الزراعیة بالبادیة المغربیة، و تخوف المخزن من أن یجلب ذلك المزید من الأوربیین إلی البلاد.
صناعة الزجاج و البلار و المرایا : التی لم تكن معروفة فی المغرب، و لم تكن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 82
تشكل طبقة حرفیة بل كانت تستورد من الخارج، لهذا تناول هذا الصناعة انطلاقا من الحرفی الصغیر الذی یشغل فی ورشه الصغیر، و تتبع الخطوات التی یتبعها للحصول علی المصنوعات الزجاجیة، بل دقق حتی فی بعض المواد الأولیة التی یقیمها قصد الوصول إلی العجینة النهائیة التی تتحول بمجهوده الفنی إلی تحفة جمیلة، و نفس الشی‌ء بالنسبة لصناعة المرایات و الثریات الضخمة داخل فابریكات مختصة فی ذلك.
باقی الصناعات الأخری: كالتعدینیة التی أشار فیها إلی كیفیة صنع «الصوانی» و تفضیضها أو تذهیبها و أوانی الطبخ، و مواد البناء، و التماثیل و الفلایل و الإبر، ثم صناعة أدوات البناء من النحاس، إلی أن ینتهی إلی أفران صهر الحدید لصناعة محركات البواخر و القاطرات و خطوط السكة الحدیدیة و غیر ذلك من الآلات الكبیرة، و التی كانت تعتبر من الأمور العجیبة عصرئد عند المغاربة.
عمل الجعیدی أمام هذا التطور المادی الهائل الذی یهدف التجدید و التغییر و البناء كل جهده لنقل نشاط هذه الحركیة التقنیة فی جمیع مظاهرها. یصف أصعب مراحل الصنعة بكل تدقیق و تفصیل و بلغة واضحة یستعمل فیها بعض الكلمات الدارجة للوصول لغرضه، و یطرح الكثیر من الأسئلة عندما تستوقفه بعض الأشیاء المغربیة، و كأنه یجمع المعلومات لغرض معین، فقد استطاع هذا الفقیه الذكی أن یقربنا من الوسط الذی عاش فیه بضعة شهور، فقد بحث و دقق و حقق و سأل و استفاد، و قارن و لا حظ ... یأتی بذلك علی وجه الاستغراب لأنه مفقود فی بلاده المغربیة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 83

الجانب المالی‌

إلی جانب المهام السیاسیة و العسكریة و الاقتصادیة التی كلفت بها السفارة المغربیة من قبل السلطان الحسن الأول، تأتی المهمة المالیة المتعلقة بإعادة تجدید ضرب السكة المغربیة، التی كانت قیمتها فی تدهور مستمر لأسباب كثیرة و متنوعة، أمام السكة الأجنبیة التی كانت تروج بجانبها لاحتیاج المغاربة لها فی شراء حاجیاتهم من الخارج و الداخل. بالإضافة إلی ظهور نقود مزورة و مقلدة للسكة المغربیة، و تهریب العملة الذهبیة و الفضیة إلی الخارج و غیر ذلك. « فانعكس الحال علی التجار و تقاعدوا علی الریال و البسیطة و فاضت الفلوس فی الأسواق حتی صارت معاملة الناس لیست إلا بها، و حصل للتجار من الضرر فی رخص الریال، ما كان للضعفاء فی قلة الفلوس ...» فأصبح المغرب یتخبط فی أزمة مالیة جدیدة جعلت الحسن الأول یبحث عن طریقة مثلی لإعادة تجدید ضرب السكة، و قد اقترحت علیه بعض الحلول من طرف المندوب البریطانی د. های سنة 1875 م ضمن برنامجه الإصلاحی الذی تقدم به إلی السلطان، و ذلك بإعادة ضرب السكة المغربیة وفق معاییر جدیدة تسایر التطورات الحاصلة فی أوربا بدل ضربها بالطرق
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 84
العتیقة التی كانت متبعة فی المغرب، و بكمیات كافیة لسد حاجیات السوق المغربیة.

دار ضرب السكة بباریس‌

بالفعل كفلت سفارة الزبیدی بدراسة موضوع إمكانیة إعادة ضرب السكة المغربیة بإحدی الدول الأوربیة، و تنفیذا لرغبة السلطان زارت السفارة المغربیة بنك فرنسا و دار ضرب السكة بباریس، كما جاء فی «رحلة الجعیدی» الذی سجل لنا تفاصیل هذه الزیارة الاستطلاعیة انطلاقا مما شاهدوه فی معرض النقود القدیمة التی كانت سائدة عند الكثیر من الدول بما فیها المغرب، ثم تناول كیفیة ضرب النقود المعدنیة الفرنسیة من الفضة و النحاس بواسطة آلات میكانیكیة انطلاقا من تذویب المعدن إلی أن یصبح قطعة نقدیة جاهزة، «... فیخرج عنده و قد رقم فی حرفه ما یرقم فی حرف الریال من حروفهم ..»، و قد أبدی الجعیدی إعجابا كبیرا بذلك «... مكینة أخری یرت منا الأذهان و صار كل منا كالحیران الولهان، و هی فی غایة اللطافة و الظرافة و النظافة ...».
مما لا شك فیه أن الزبیدی الذی كان یراسل الحاجب السلطانی باستمرار لیطلعه علی نشاطه هناك، قد أبلغه بالأهمیة التقنیة التی كانت تتوفر علیها دار ضرب السكة بباریس.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 85

دار ضرب السكة بلندن‌

فی نفس السیاق فقد خصت الحكومة البریطانیة السفارة المغربیة بزیارة «لدار البانكة و ضرب السكة» قصد إطلاعهم علی ما وصلوا إلیه من تقنیة میكانیكیة لضرب اللیبرة الأنجلیزیة، و هذا یدخل بطبیعة الحال فی إطار التنافس الذی كان قائما بین الأبناك الفرنسیة و الأبناك الأنجلیزیة لاستقطاب المخزن المغربی لضرب عملته ببلادهم «.. و هی دار عظیمة كأنها مدینة مشتملة علی دیار. و طرق دففها من الحدید ... فسألنا عن عددهم فقیل فی هذه الدار من الكتاب ثلاثة آلاف، و ألف واحد من سائر الخدمة، ثم أوصلنا كبیرهم إلی مطبعة سكة الكاغد ...». العملة الورقیة أثارت فضوله العلمی فخصها ببحث مستفیض و تتبع مراحل الطبع «.....
و حیث رآنی كبیرهم أرصد دوران بعض النواعیر و المجانبة فی یدی، فأخبر أن هذه الدار یطبع فیها فی كل یوم ملیون من الإبرة ... هناك أوقفونا علی بعض الكواغد زورها علیهم بعض من الفرنصیص، و تداولها أناس بالدفع، و عند رجوعها لدار المطبعة تفطن لها الكتاب من جهة النمروس لا غیر ... و التاریخ لا زال لم یخرج من الدار، أخبروا به، وجدوا فی طلب من زوره حتی وجدوه، و حكم علیه بالسجن ثلاثین عاما ...»، و هذا الإخبار یدخل هو الآخر فی إطار المنافسة. كما حاولوا الأنجلیز إبراز أهمیة العملة الورقیة و صعوبة تزویرها و إمكانیة حرقها بعد أن تتقادم بحضور الكتاب و الأمناء ثم إعادة طبعها من جدید و هی تحمل أرقام الأوراق التی تم حرقها بدار المطبعة مرة أخری. و هكذا، كما أطلعوهم علی كیفیة ضرب السكة الذهبیة، غیر أن المغاربة علی ما یظهر استحسنوا السكة المعدنیة التی ألفوها فی بلادهم منذ قرون طویلة، خوفا من جهل العامة للعملة الورقیة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 86
الصراع الفرنسی الأنجلیزی لضرب السكة المغربیة: بعد عودة السفارة المغربیة برز الزبیدی كخبیر فی هذا المیدان نظرا لخبرته الطویلة و كذلك لمعرفته لدور ضرب السكة بأوربا، فأوكل إلیه الحسن الأول مهمة الإشراف علی المفاوضات المتعلقة بضرب السكة المغربیة بالخارج، و أعطاه حریة مفاوضة سفیری فرنسا و أنجلترا، و هذا نص ما كتبه سفیر أنجلترا للزبیدی «... كنا أطلعنا العلم الشریف بالضرر الصادر للعامة فی رواج سكة النحاس القبیحة التی كل واحد قادر علی تزویرها و یسعی بذلك الربح لنفسه ... فقد كنا أشرنا علی السلطان أیده الله بجعلها تضر بفبریكة سكة النحاس فی مدینة برمنكهام ... أجابنی بأنه استحسن نصیحتنا و عزم علی العمل بمقتضی إشارتنا وقت الإمكان، و ذكر لنا إسمكم بأنكم أنتم إن شاء الله مكلفون بتأمل هذه الأمور .. فنطلب منكم رفعه للسلطان ..» یظهر أن السلطان أظهر استحسانه لطلب السفیر دریموند. های لترضیة خاطره، و علق أمر الموافقة النهائیة علی أمینه الحاج محمد الزبیدی و الذی أخبره بضرورة التنصل من ذلك « .. و طلب منك (د. های) أن تتلاقی مع نائب أرباب السلف الذی بطنجة فسوفته. و ظهر لك عدم الملاقاة به، و التنصل إن وجدت السبیل لذلك ... و حین ترجع لحضرتنا الشریفة تشافه بما ظهر لك فی ذلك صار بذلك بالبال و العمل علی ما ظهر لك فی ذلك ...».
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 87

حصول فرنسا علی الصفقة

أصدر السلطان ظهیرا شریفا إلی النائب محمد بركاش بضرب السكة المغربیة بفرنسا بدل أنجلترا « .. و بعد، وصل جوابك بأن السدد الذی ظهر للخدیم الزبیدی فی شأن السكة ... و توجیه تلك السكة لبر النصاری ... لأنها إذا كانت مساویة لسكة الفرنصیص وزنا و عیارا مقبولة بإیالته تكون مقبولة فی إیالات أخری مثل سكته و لم یظهر لكفی ذلك ضرر ... فقد ساعدنا علیه علی نحو ما عمله معهم الخدیم الحاج محمد الزبیدی ..». هكذا تعاقد المخزن مع دار سییرSeillie ?re الفرنسیة لصنع 20 ملیونا من الریال الحسنی، مما أغضب السفیر البریطانی الذی كتب إلی الأمین الزبیدی فیما بلغه من عدم مساعدته فیما أراده من ضرب السكة النحاسیة المغربیة بأنجلترا «... فقد عز بی حیث سمعت أن السلطان لم یساعد لما أشرنا به ... و أرباب فبریكة سكة النحاس (بأنجلترا) یجعلون الفلوس لبلادنا و للطلیان و لعدد دول أخری هذه مدة سنین معددة بدون شكایة من أحد لا من حیثیة المعدن و لا من السكة كما یقع عند الغیر ..».

النتیجة النهائیة

لكن حدث- مع الأسف- ما عكس النتیجة، فإن الدولة التی ضربت هذه العملة بدار سكتها بباریس، لم تستطع أن تنفد التصمیم المثقف علیه بدقة، و لم تجعل العملة المغربیة الجدیدة مساویة للفرنك الفرنسی، و إنما جعلتها تزید علیه خلافا للمتفق علیه، و قد أرغم المخزن المغربی علی قبولها علی علاتها، و من هنا جاءت الكارثة، فصارت قیمتها تنحط شیئا فشیئا.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 88
فقرر الحسن الأول سنة 1888 م الاستغناء مؤقتا عن الضرب بأوربا، و أمر بشراء آلة من بلجیكا لضرب النقد، و لكن دوالیبها لم یكتب لها الدوران، ثم أمر ببناء المكینة بفاس لصیاغة العملة النحاسیة و كانت حتی سنة 1891 م لم تخرج هی الأخری نقودا، و بالتالی عجز المخزن فی التحكم للحد من هذه الأزمة المالیة التی حلت بالاقتصاد المغربی و آلت محاولة الإصلاح إلی فساد. إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار ؛ ص88

الزراعة

كانت للجعیدی التفاتات قلیلة لمیدان الزراعة لاعتبارات بیئیة و اجتماعیة كثیرة، رغم أن النهضة الحدیثة أولت لهذا القطاع عنایة فائقة، لأن أنشطة السفارة المغربیة كانت متمركزة فی المدن و العواصم، فلم یتمكنوا من زیارة الضیعات النموذجیة المتواجدة فی البوادی و القری، لكن الجعیدی شاهد ذلك التطور الهائل فی هذا المیدان من نوافذ القطار الذی كان یمر بهم وسط الأراضی الزراعیة «... ثم أخذ البابور فی السیر .. و نحن بین جنتین عن الیمین و الیسار، و الأنهار جاریة، و أشجار البساتین متقاربة لا متجافیة ...» و هی إشارة إلی استغلالهم المجال الفلاحی بكثافة و نظام متقن.

التسییج‌

الجانب الذی اهتم به الجعیدی كثیرا و أشار إلیه عدة مرات، هو نظام
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 89
التسییج المنتشر بكثرة، و الذی یحیط بالبساتین و المزارع و العراصی باعتبارها ضیعات نموذجیة غیر مفتوحة، علی عكس ما كان سائدا فی المغرب من أنظمة عقاریة معقدة و متخلفة كانت تتأثر بالجفاف و تسلط الجراد، مما كان یؤدی إلی انهیار المحصولات و ارتفاع الأسعار، و بالتالی إلی مجاعات عامة، و تنقلات واسعة لحشود بشریة جائعة، كانت الأوبئة تجد مرتعا خصبا لها، مما یؤدی إلی كوارث اجتماعیة و اقتصادیة، كما حدث خلال كارثة القرن التی دامت زهاء سبع سنوات. من 1878 إلی 1884 م و هی الكارثة التی و اكبت إصلاحات مولای الحسن الأول، علی عكس ما كانت تعرفه أوربا من نمو دیمغرافی، و تطور فی القری و الأریاف .
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 90

وفرة الإنتاج الفلاحی‌

لاحظ الجعیدی ذلك فی رحلته عند وصفه لأسواقهم و متاجرهم الكبیرة و مآدبهم و غیر ذلك، و من المقارنات اللطیفة التی أوردها حول طرق زراعة العنب أو الكرمة فی كل من المغرب و إیطالیا عند خروجهم لمشاهدة مناورات حربیة بضواحی طورین «.. هم ینصبون مع كل ساق دالیة خشبة برأسها أعمدة تنزل علیها أغصان الدالیة، لما یرون فی ذلك من المصلحة لها، فتخلخل الریح و الهواء فیما بین أغصان الدالیة و ما تحتها، و تشرق أشعة الكواكب علیها، بخلاف الدالیة التی فی بعض مدن الغرب، فإنهم یتركون أغصان الدالیة یترامی بعضها فوق بعض حتی یلتئم غالبها، و لا یمكن السلوك بینها إلا بمشقة ... و یبقی غالب عنا قید العنب إذ ذاك منحجبا بین الأغصان و الأوراق عن تمام نفوذ الهواء و الأشعة، و ربما یكون تتولد آفة للعنب من ذلك و الله أعلم ...»، بمعنی تبقی عرضة للحشرات و الطفیلیات التی تقلل من جودة الإنتاج و من مردودیة الحقل كذلك.

الاهتمام بغرس الورود

استحسنه كثیرا و تذوق جمالیة غرس الورود و الأزهار فی الحدائق و البساتین و عند ضفاف الأنهار، و حتی داخل البیوت و الفنادق و الأماكن الآهلة، علما أن زراعة النباتات الصغیرة فی الأوانی أصبحت صناعة رائجة و علما وراثیا یسخران لرفاهیة الإنسان، باستحداث نباتات قادرة علی النمو فی الأماكن المغلقة، و طرق حمایتها أیام البرد.
لكن رغم هذا التطور الكبیر فی الإنتاج الفلاحی، فإن معظم الرحلات السفاریة لم تولیه اهتماما كبیرا یناسب أهمیة هذا القطاع الذی ظل متخلفا و جامدا بالمغرب لمدة طویلة من الزمن، حتی عهد الحمایة التی عملت علی استغلاله و تطویره قصد ربطه بالاقتصاد الأوربی كسوق تكمیلی.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 91

الجانب الفكاهی فی الرحلة

- یتمیز أسلوب الجعیدی فی الكتابة بروح المرح و الفكاهة الأدبیة التی تهدف النقد فی صورة الهزل، و قد أخذ ذلك حیزا لا بأس به داخل رحلته، نستنتج منه بطریقة غیر مباشرة المعاناة التی كان المغاربة یعانون منها من جراء ضرورة تكیفهم مع المجتمع الأوربی المتشبع بالعلمانیة و اللیبرالیة و الحریة، و البعید كل البعد عن بیئتهم التقلیدیة و مجتمعهم المتشبث بالروح الإسلامیة، و بالفعل فقد سایروا الوضع الجدید بدینامیكیة الدبلوماسی العصامی الذی لا یهتز للمغریات و المتشبث بمبادئه الإسلامیة، رغم الفوارق الكبیرة التی كانت بین أفراد السفارة المغربیة من ناحیة السن و الثقافة.

مستملحة

أتحفنا الجعیدی بها و ما هی إلا تصویر جری‌ء و صریح لمعایشة رفاقه، من خلال ما یروج فی دائرتهم، مما یبعث علی إشاعة روح المرح فیما بینهم للتسلیة و التزجیة، و توثق لنا كل ما یحدث له و لغیره علی سبیل الفكاهة الأدبیة، لذلك توزعت علیهم الأدوار فی هذه المستملحة الهزلیة حسبما لهم من خدمة و مكانة و اعتبار، و تتلخص أن الأمین غنام هدد الجعیدی أنه سیشتكیه إلی القاضی لینال من عدالته و یسقط شهادته، بسبب مشاهدته رقص البنات شبه عاریات (البالی) علی المسرح، فدافع الجعیدی عن نفسه بنثر مسجوع و قصیدة شعریة من الإیقاع الخفیف تتجلی فیها قمة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 92
الدعابة المقصودة إذ یقسم الجعیدی بكل المناظر المكشوفة التی أكره علی مشاهدتها.
و الاتهام الثانی الذی وجه إلیه علی وجه المداعبة الأدبیة كذلك أنه سیقال للقاضی أنه یشاركهم بشرب شراب أحمر اللون قان (یشبه لون الخمرة) فأجابهم بقصیدة شعریة مرتجلة مما جاء فیها:
فقلت:
و كیف الصبر و هی من وصفهایسلی بها قلب الكئیب بنظرة
فاملأ الأوانی منها فهی مباحةولی أذن صماء عن ذی ملامة

السرقة التی تعرضت لها السفارة المغربیة

أدرج ضمن أدبیاته الفكاهیة قصة السرقة التی تعرضت لها السفارة المغربیة بإیطالیا و عنوانها «نادرة من نوادر الزمان ترشد إلی اتخاذ الحذر فی بلاد الأمان» تصور لنا كیف اكتشف الأمین غنام سرقة كیس به ألف لویزة ذهب من مال المخزن «...
فطار لبه و اضطرب قلبه و اعترته ألوان، و تقلصت منه الشفتان ......» فتشكك فی رفاقه المغاربة و قال: «.. .. لا بد من تقلیب حوائجكم ظنا منه أن النصاری لا یمدون الید لمثل ذلك ... و قلب بمحضر مقیده (الجعیدی) حوائج الجماعة فلم یجد لذلك أثرا و لا وقف له علی خبر، ثم أخبر بذلك الباشدور ...» الذی دخل علیه الترجمان صدفة و اكتشف الأمر بنفسه، رغم أن الزبیدی لم یكن فی ظنه إخباره
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 93
بذلك، و انتشر الخبر و نشرت الصحف الإیطالیة تفاصیل السرقة، خاصة أن السفارة المغربیة كانت تستعد لاستقبال ملك إیطالیا فی الغد، و قد استطاعت الشرطة الإیطالیة إلقاء القبض علی اللصوص، و أرجعت المبلغ المالی إلی الزبیدی الذی رفض تسلمه، لأنه ظن أن إرجاع الفلوس إلیه ما هو إلا تغطیة من طرف الحكومة الإیطالیة للموضوع، و طالبهم بإحضار الكیس الذی كانت به الدراهم، فأجیب إن الكیس قد ألقاه اللصوص من القطار فی إحدی الأودیة، فوجه الأمین و الجعیدی إلی سجن طورین الجدید للتأكد من حقیقة القضیة. هذه التغطیة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 94
المشوقة لهذا الحدث لم یشر إلیها ابن زیدان فی «الإتحاف» و لا غیره، و التی تظهر بأسلوب مرح مواقف المغاربة المشرفة و التلقائیة أمام المشاكل الطارئة التی تعتریهم أثناء مهماتهم السفاریة.

الرمز كتعبیر ثانی‌

استعمل الجعیدی الرموز أحیانا فی فكاهاته الأدبیة، عندما تحدث عن مقارنة لطیفة بین الجواهر الشقیة و السعیدة عند حضوره حفلة شای مختلطة بلندن، لاحظ خلالها أن النساء الحاضرات متزینات بالجواهر السعیدة فی نحورهن و علی رؤوسهن أما الشقی منها «.. فهو كالأسیر فی طبقات اللظی و السعیر، یطلب لسان حاله الإنقاذ من محنه و أهواله ...» نتحسس منها بعض الرموز التی لم تفصح صاحب الرحلة عنها، ربما یرمز لحال المرأة و المال.

من تهكماته الهزلیة

أولا: علی الأوربیین لكثرة ما یعرضونه من أندر الأشیاء فی متاحفهم أنه لما رأی صورة سیدنا آدم و حواء وصفهما فی رحلته و قال لهم: «... إن من اعتنائهم بهذه الأمور أن تكون عندكم بلغة نبینا آدم فأین هی، قالوا تركها فی الجنة عند خروجه فلذلك لا توجد هنا ..».
ثانیا: و كختام لهذا الجانب بما قاله فی حق السفیر الزبیدی، أنه ذات یوم كانوا یمرون بالعربات قرب رجل مسن بلجیكی «... فحین رءا الباشدور المغربی قفز
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 95
من موضعه و صاح صیحة عظیمة كأنه فاجأه أسدا أو حل به ما هو أشد ...».
و بهذا الجانب الفكاهی من الرحلة نختتم دراستنا لرحلة الجعیدی إلی أوروبا.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 97

دیباجة المؤلف‌

اشارة

/ 1/ بسم الله الرحمن الرحیم
و صلی الله علی سیدنا و مولانا محمد و آله و صحبه و سلم‌

1 [حمدا لمن فضل هذه الأمة المحمدیة علی سائر الأمم ...]

حمدا لمن فضل هذه الأمة المحمدیة علی سائر الأمم، و شرفها باتباع شریعة سید العرب و العجم، جعل فیها فی كل ذ عصر إماما علی هذه الشریعة ثابت القدم، یقاوم من بغی من أهل الملل و یسد ما انخرم، و یحذر عظماءهم مما یرتكبه نوابهم و من فی حماهم من الخدم، من مجاوزة الحدود و رفض العهود، و ارتكاب موجبات التفاقم و أسباب الندم، إخمادا لنار الفتن، و استفادا من أهوال تلك الظلم. نحمده تعالی و نشكره أن جعلننا من خیر أمة أخرجت للناس الذین یأمرون بالمعروف و ینهون عن المنكر، یسعون فی الصلاح و السداد بین الأجناس، فازدادت شرفا علی شرف،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 98
و اشتهر فضلها كنار علی علم. من یهده الله فلا مضل له، و من یضلله فلا راد لما سبق القضاء فی سابق القدم. و الصلاة و السلام علی سیدنا و نبینا و مولانا محمد الآمر علی لسان الشرع للوقوف عند الحدود و الوفاء بالعهود، تبشیرا لمن استسلم، و تحذیرا لمن تعدی و ظلم. و علی آله و أصحابه القائمین بنصرته و إعلاء كلمته، القامعین شوكة من عاند و شتم، صلاة و سلاما تحط بهما عنا الخطایا الكبائر و اللمم، و تجر بركتها عاجلا بتوالی المنن و النعم، آملا بالحفظ من فضل الله من كل الأسواء و النقمذ . و بعد فیقول العبد الفقیر إلی ربه الوجل من عظم وزره، و سوء كسبه، إدریس بن محمد بن إدریس بن عبد القادر الجعایدی الحسنی.
/ 2/ أحسن الله بمنه عاقبته و أدام فی مرضاته و طاعته عافیته، لما أشرقت فی هذا القطر المغربی أنوار طلعة مولانا الأمیر الأفخم، ذی الجناب المهاب الأعظم ناشر لواء العدل فی الأقطار، المتلقی بالطاعة و الاستسلام فی القری و الأمصار، من أتته الإمارة طالبة و بایعته الحواضر و البوادی قاطبة، صاحب المفاخر التی شهد بفضلها الخاص و العام، و المآثر التی ترتفع علی الثریا و تكاثر الغمام القائم بنصرة الدین، إمام الغزاة و المجاهدین، وارث مناصب الإمارة كابرا من كابر، و قد افتخرت بطلعته السعیدة علی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 99
الأوائل الأواخر، السالك سبیل العدل علی أوضح سنن.
الشریف العلوی علامة زمانه سیدنا و مولانا الحسن ، خلد الله ملكه، و جعل الدنیا بأسرها ملكه، و أدام سعادة أیامه، و جعل البسیطة قبضة یده و طوع أحكامه و لا زال لواء عدله المنشور إلی یوم النشور. بادر أهل المودة من الروم بالنهوض و القدوم ، علی هذا الإمام، اللیث المقدام، بتهنئة سیادته باستقراره علی كرسی الملك الموروث خلفا عن سلف و ارتقائه معارج العز و المجد و الشرف، سائلین تجدید عهود تمهید طرق الرشاد بما یعود نفعه علی الدول من الصلاح و السداد، اقتفاء لما أسسه أسلافه الكرام و وصلا لتلك العقود من غیر انصرام، فنالوا المنی من عدله، و بسط علیهم أردیة نواله و فضله. و بعد رجوع كل منهم لأوطانه، و تبلیغه/ 3/ ما كلف به
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 100
لدولته و سلطانه، اقتضی نظر مولانا السدید، و رأیه الموفق الرشید، أن یرسل لهؤلاء الأجناس- الذین وفدوا علی حضرته الشریفة- سفیرا من خاصة خدامه المقربین، و خدام أسلافه المقدسین المنعمین، و یتوجه معه إلیهم كاتب و أمین، و نفر من جیشه السعید من ذوی الوجاهة و التمكین، لیجازی أولئك الأجناس علی ما صدر منهم من الاعتناء بجانبه العالی بالله، كما هی العادة فی ذلك و سعیا فی طاعة مولانا، و لیشرح هذا السفیر لعظمائهم حال بعض نوابهم من نقض بعض العهود، و رفض بعض الشروط التی أسست علی السنن المعهود، فوقع اختیاره أعزه الله علی خدیمه الأنصح، و خدیم أسلافه الأنجح الأملح الفقیه النزیه الذكی النبیه، السید الحاج محمد بن المرحوم السید الطاهر الزبدی الرباطی أصلا، خدیم أعتابه الشریفة و أعتاب أسلافه الكرام، ثبت الله قدمه علی تلك الخدمة الشریفة من غیر انصرام، و لشهرته استغنیت به عن التعریف، إذ التعریف به مع جلیل مرتبته قد یكون فیه تحریف أو تعنیف، و عینه- أعزه الله- لأن یوجهه إلیهم باشدورا و سفیرا، و یحمله أسرارا إلیهم و یكون فی ذلك معینا و ظهیرا لما تحقق لدیه- أیده الله- من أهلیته لذلك، و تقدیمه علی غیره فی هذا الباب ممن هنالك، و فوض إلیه- أعزه الله- أن یعین كاتبا من خدامه أهل سلا، و أمینا من رباط الفتح من أهل المروءة و الیقظة و العلا. ثم إن هذا الباشدور تفاوض- كما قیل- مع بعض أعیان أهل الرباط، و كان ممن/ 4/ لهم فی جنابنا محبة و اغتباط، فی شأن هذا الكاتب الذی یقوم بتلك الكلفة، و یراعی حقوق المعاشرة و الألفة، فأشاروا علیه بصاحب هذا التقیید، و بالغوا فی إطرائه بما
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 101
لیس علیه مزید مع أنه عن هذه الرتبة لبعید، بل هو فی میدانها قصیر و بلید، و لكن حملهم حسن الظن علی تلك الإشارة، فساعدهم فی غیر برهان واضح و لا أمارة، و فی الحین وجه الباشدور كتاب مولانا الشریف لخدیمه الأسعد الأنصح الأنجد، ذی الرأی السدید، القائد السید الحاج محمد بنسعید، بتنفیذ الكاتب الذی یعینه الباشدور من الأهلة و البدور، و عین له الكاتب الذی أشاروا به علیه، و أن یرسله عاجلا إلیه، لیكلمه فی شأن ذلك علانیة، و لیأخذ بالحزم و التأهب و یكون من ذلك علی نیة. فأخبرنی الخدیم المذكور بهذا الخبر، و طالعنی بذلك الكتاب الشریف فقلت أین السها من القمر، فلست من أولائك الفرسان، و لیس لی قلم و لا لسان، و یعرف هذا منی كل إنسان. فقال لا یقبل لك فی هذا عذرا، و المعین أعرف بحالك و أدری، فأجب من دعاك طوعا، فأنت معروف بالصبر و الاستسلام دأبا و طبعا. ثم توجهت إلی الباشدور فتلاقیت به و مخائل السرور علیه تدور، فأخبرنی بخبر هذه الحركة السعیدة، و أنها قصیرة الأمد غیر بعیدة. و دفع لی من الزاد، للتهیئ ما فیه الكفایة و غایة المراد، و أخبرنی أن مولانا- أیده الله-، و أدام مجده و علاه، أمر بصنع كساوی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 102
منتخبة بفاس/ 5/، له و لمن معه من الناس، و أنها تدفع بطنجة لأصحابها، للتجمل بها فی ذهابها و إیابها، فتلقیت منه ذلك الزاد، بالشكر و الثناء كما هو المعتاد، بعد ما أطال معنا فی ذلك الكلام، بما یسرنا و انصرفنا بسلام.
و أما الأمین الذی ارتضاه لهذه المرتبة، و اصطفاه بهذه القربة، فهو التاجر الصادق الحازم الضابط الفائق، الذی فاق فی باب التجارة كل من یدعیها، و سلم له تلك الخاصیة كل من یزعم أنه یحیط بها و یعیها، كیف لا و قد ظهرت علیه أمارات ذلك و هو شاب غلام، و هذا الطالب النجیب السید بناصر غنام، فلمعمری أن هذا الباشدور قد سقط علی الخبیر، و أنه بحاله خبیر بصیر، و لقد أسكن الدار بانیها، و مكن القوس لباریها، ثم لما شاع هذا الخبر فی البلدان، و تواتر حتی لدی الولدان، و سمع به بعض علماء بلدتنا، الغائبین عن حضرتنا، و كان من خاصة أهل محبتنا، علامة الزمان، الأدیب الفرد فی هذا الأوان، قرة ناظری، و إنسان باصری، المشارك المتفنن سیدی أحمد الناصری أحمد الله عاقبتی و عاقبته، و جعلنی و إیاه ممن یخشاه و یراعی مراقبته، اقترح علی أن أجعل رحلة فی سفری و تستغرق نهاری و سهری، تكون جامعة لكل خبر غریب، و لما نراه فی تلك الأوطان من كل أمر عجیب، إلی غیر ذلك مما لا یخطر بالضمیر حتی تكون قائمة مقام الأنیس السمیر/ 6/. فكتبت له مجیبا، إنی لیست راكبا فی هذا المجال حمارا و لا نجیبا، فكیف یا سیدی تلقینی فی هذه الوحلة و تقترح علی تلك الرحلة، و إنی ذو باع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 103
قصیر، و لست أعد من أصحاب هذا الشأن فی عیر و لا نفیر.
لكن سأجعل بحول الله تقییدا، یكون فی بابه مفیدا، یشتمل علی ما یستغرب من الأخبار، و تمیل النفس إلیه من عجائب تلك الأمصار، و أجبته بمضمن ذلك تسلیة لخاطره، من باب الوعد الذی لا یجب الوفاء به، لاعتقادی أنی لا قدرة لی علی ذلك التكلیف، و لقصوری عن رتبة التصنیف، و بمثله اقترحه علینا و نحن بطنجة الأمین الأخیر، الصادق الأطهر، الجامع لأنواع الفضائل و الفواضل فی كل مقام، الطالب الأخیر السید عبد القادر غنام ، فذكرنی ذلك الوعد، و كنت معه ساهیا و كاد یكون عندی نسیا منسیا، و كتب كذلك الآخر یذكرنی خوف النسیان، و یتعاهدنی فی شأنه بعض الأحیان، فتبین أن لا بد من المساعدة، و أن لا محید عن تقیید ما تقتضیه المشاهدة إذ ذاك أولی من أن أولی الأدبار، أو أعتذر أنی لست من أولائك الأحبار، فشرعت إذ ذاك فی هذا العمل، طالبا من الله الإعانة علی بلوغ المنی و حصول الأمل، و جعلت أقید ما أراه علی سبیل العیان، و أدع ما ضاع الوقت عن تقییده فی بعض الأزمان ، و هكذا دأبی حالتی الإقامة و الظعن، مساعدا لطالبه و مستقلا من شتم و طعن، و دمت علی ذلك فی مدن الروم و أمصارها حتی/ 7/ استحسن ذلك الحال الحذاق من الدول و أعیان أنصارها، فجاء تقییدا شاملا لكل غریبة أدناها و أقصاها، لا یغادر كبیرة أو صغیرة إلا أحصاها، و سمیته إتحاف الأخیار
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 104
بغرائب الأخبار و رتبته علی مقدمة و ستة أجزاء و خاتمة. فالمقدمة فی بیان الأجناس الذین وجه إلیهم مولانا- أیده الله- هذا الباشدور و من معه، و ذكر المدن التی دخلنا إلیها من بر الروم و غیرها و مدة الإقامة و السفر من مدینة إلی أخری برا و بحرا. و أما الأجزاء الستة فإن كل جزء منها یشتمل علی أخبار و غرائب و فوائد و عجائب، و الخاتمة- رزقنا الله حسنها- فی بیان معتقدنا فی ذلك، و التبری مما یتحدث به العوام الذین یجولون فی بلاد الروم من مدح أحوالهم و حمد قوانینهم و افتخارهم بذلك، نعود بالله من هذا الاعتقاد و نسأله العصمة و التوفیق إلی سبیل الرشاد، و الثبات علی طاعته و مرضاته و أن یجعلنا من الآمنین یوم الحشر و المعاد.

2 أقوال طالبا من الله الإعانة و بلوغ المأمول ...

أقوال طالبا من الله الإعانة و بلوغ المأمول، كان شروعنا فی هذا التقیید حیث كنا بطنجة و تجددت الكتابة إلینا و الطلب فی شأنه كما قدمنا ذكر ذلك. لكن ینبغی أن نلحق هنا أولا بیان وقت خروج الباشدور من الرباط، وقت خروجنا بعده إلی وصولنا لطنجة، بحسب ما علق بذهنی الآن.
أما خروج الباشدور و نهوضه من رباط الفتح إلی الحضرة الإدریسیة/ 8/، وقاها الله و حرسها من كل بلیة، فكان فی یوم الاثنین السادس من ربیع الثانی عام أربعة و تسعین و مائتین و ألف ، لغرض مولوی هنالك ثم یتوجه منها إلی ثغر طنجة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 105
المحروسة بعنایة الله بوجود مولانا- نصره الله- و كان هذا الباشدور المذكور عین لنا الیوم الذی یكون نهوضنا فیه من العدوتین إلی طنجة لیكون دخولنا معه إلیها فی یوم واحد بحول الله، و تأخر نهوض مقیده مع الأمین المذكور لیوم السبت الخامس و العشرین من ربیع المذكور، و خرجت من بیت سكنای بعد صلاة ركعتی الضحی به و تلاوة ما ینبغی للمسافر قراءته عند خروجه من منزله و هو: «بسم الله الرحمن الرحیم لا تخف دركا و لا تخشی، لا تخف نجوت من القوم الظالمین، إنك من الآمنین. لا تخف و لا تحزن، لا تخف إنا منجوك. لا تخافا إننی معكما أسمع و أری لا تخف نجوت من القوم الظالمین. و الله یعصمك من الناس. إنا كفیناك المستهزئین فسیكفیكهم الله و هو السمیع العلیم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العظیم، لبست ستر الملك العظیم، و تحصنت بإسمك القدیم الأزلی، و تردیت برداء عائشة أم المؤمنین، و تقلدت بسیف علی، و دخلت فی خزائن بسم الله الرحمن الرحیم الحمد لله رب العالمین إلی آخرها».
و كنت تلقیت هذا عن الشیخ الجلیل الشریف الأصیل العارف بالله سیدی محمد الدباغ الفاسی نفع الله به و بأسلافه و ذلك فی أواسط شعبان عام سبعة و سبعین و مائتین و ألف، و كان إذ ذاك بسلا، حرسها الله من كل بلا، و كنا نتأهب للسفر لحج بیت/ 9/ الله الحرام و زیارة قبر نبیه علیه الصلاة و السلام، و كان أفادنی هذا الشیخ الجلیل إذ ذاك أن من تلا ذلك وقت خروجه مسافرا فإنه لا یلقی إلا خیرا، و لا یری
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 106
مكروها فی سفره، فكان الأمر كذلك و الحمد لله. و خرج لوداعنا جماعة من الأخلاء و الأصدقاء و الأحباب من أهل العدوتین و الخاصة من أعیان البلدتین، و ودعناهم بعد مجاوزة الأجنة، و استوهبنا منهم صالح الدعاء و أرسلنا الأعنة، و بتنا اللیلة الأولی و الثانیة عند بعض أحبتنا من أهل قبیلة الغرب. و فی یوم الاثنین السابع و العشرین من الربیع المذكور فی الساعة التاسعة منه. وصلنا لضریح الولی الأشهر سیدی أبی سلهام نفع الله به، فاغتنمنا زیارته كما ینبغی و استرحنا هناك هنیئة، ثم جددنا السیر و كان وصولنا لمدینة العرائش بعد صلاة العصر بقریب، و حین أشرفنا علی الدخول إلیها قدم الأمین التاجر السید بناصر السابق ذكره فارسا بكتابه لعامل العرائش یطلب منه تعیین محل نبیت به اللیلة القابلة، فعینه وجدناه من أشرف الأماكن المخزنیة هناك، و وجه ما لا بد منه من الإكرام، و فی الحین اكتشف خبر قدومنا الأمینان الفاضلان السلویان الطالب السید الحاج محمد بن القاید السید أحمد زنیبر و ابن عمه الطالب السید عبد الهادی بن القاید الطالب السید ...
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 107

نصّ الرّحلة

الجزء الأول:

/ 10/ ذكر الدخول لثغر طنجة و مدة المقام فیها إلی الوصول لمرسیلیة

ففی یوم الأربعاء التاسع و العشرین من ربیع الثانی دخل إلیها الفقیه الأسعد الذكی الأنبل الأرشد خدیم سیدنا المنصور بالله أدام علاه، الباشدور الذی لا زالت ضروب السعادات، و لسیادته تسدی، و علی یده الكریمة أنواع الفتوحات، تظهر و تبدی، أوحد النبلاء سیدی الحاج محمد الزبدی أبقاه الله محفوظا بعین الإجلال و الإقبال ملحوظا بمنه آمین. و كان دخوله للثغر المذكور فی ضحی الیوم المشار إلیه، و حیث أشرف علی الدخول و تحقق بذلك عامل البلد خدیم مولانا المؤید بالله الباشا الأطهر المسن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 108
الأكبر السید أجلالی بن حم أعانه الله و سدده، ركب من معه هناك من الجیش السعید و العسكر الجدید و خرج لملاقاة الباشدور المذكور اهتماما بشأنه، و تنویها بمكانته و قدره، و تلاقی معه هناك خارج البلاد، و دخل مصاحبا له مع من ذكر من الجیش و العسكر السعدیین إلی المحل المعین لنزوله و هی دویرة ریاض قصبة المخزن هناك.
فنزل بها حامدا لمولاه، علی ما خوله من منن العافیة و أولاه. و بعد غروب شمس الیوم المذكور ظهر هلال جمادی الأولی الموالی لربیع الثانی المذكور، فتبین أن دخول الباشدور المذكور لذلك الثغر كان بعد مفارقة جرم القمر لجرم الشمس و انفصاله عنها و شروعه فی الاستمداد من نورها، و فی ذلك من الدلائل الواضحة عند أرباب ذلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 109
الفن الدالة علی السعادة الكبری له فی هذه الوجهة المباركة، و لا یقال أن خروجه من حضرة فاس كان فی أواخر الشهر المذكور، و كان الهلال إذ ذاك مشرفا علی الدخول تحت شعاع الشمس، و ذلك الوقت ینهی عنه أرباب ذلك الفن من الشروع فی الأمور المهمة كالسفر و الزواج و غیرهما لأنا نقول: لیس ذلك أی خروجه من فاس/ 12/ خروجا حقیقیا إنما هو انتقال من محل لآخر علی حسب مقتضیات هذه الوجهة السعیدة، و الخروج الحقیقی كان تقدم قبل ذلك فی الحضرة العالیة بالله بحمراء مراكش- حرسها الله-. و لا شك أن أفعال العقلاء مصونة عن العبث.

دخول الرئیس و مرافقیه لطنجة

رجع. و فی فاتح جمادی الأولی المذكور دخل للثغر المذكور الأمین الأمجد، الحازم الضابط الأنجد، الذی صلحت بفضل الله أحواله و نشأته، و تمیزت بمنه و كرمه مروءته و دیانته و نجدته، ذو الأیادی و الإنعام، و وافر الفضل و الإكرام التاجر الطالب السید بناصر غنام أصلح الله حاله و حالنا فی سائر الأحوال، و كان بجمیعنا معینا و حافظا فی الإقامة و الارتحال، مصاحبا له مقیده تولاه مولانا الكریم الرؤوف الرحیم.
و حین أشرفنا علی الدخول لطنجة أنهض الأمین المذكور فارسا كان معنا بكتاب
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 110
یخبره بإشرافنا إلی الدخول، فطار به و رجع و صادفنا قرب باب/ 13/ المدینة، فرجع معنا متقدما أمامنا و نحن فی أثره قاصدین محل النزول الذی تقدم ذكره، إلی أن وصلنا إلیه سالمین، و لمولانا سبحانه حامدین شاكرین. و بعد هنیهة تلاقینا بالباشدور المذكور مهنئین لسیادته بسلامته و عافیته ، فسر بقدومنا و انبسط، و ارتفع عنه ما كان یتوهمه بتأخیرنا حسبما ذلك مضی و فرط، و وجدناه نازلا بقبة الدویرة المذكورة، و فیها قبالة الداخل إلیها صالة مزخرفة ذات سراجم كبار لها دفف من الساج و أخری من الزاج مشرفة علی الأسد الضاری بغاز البحر الجاری .
و هناك نظرة فائقة، و مسرة للقلب رائقة، فحین رأینا ذلك المنظر البهی و الرونق الشهی، أخبرنا الباشدور المذكور أنه عینه لنزولنا فیه مع أنه مرتفع من مقعده، فكان اللائق بمنصبه أن یكون منزله به لمناسبته لمرتبته العظیمة، و إنما تأخر عنه و رفعنا إلیه رفع الله/ 14/ قدره، برورا منه و واضعا، خلد الله فی الصحائف مآثره الحسنی و ذكره، و أخبرنا رعاه الله أن نائب مولانا المفوض إله المعول فی الأمور البرانیة علیه، قطب العقلاء، و أوحد النبلاء، ذا الرأی السدید و الجد و الإجتهاد السدید، الذی انتعش بتصدره لتلك الرتبة غربنا أتم انتعاش.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 111
الفقیه سیدی محمد بركاش أدام الله إلیها انتصابه، و أبقی له و لأعقابه لتلك الرتبة انتسابه. قدم فی الساعة العاشرة من یوم الخمیس فاتح جمادی المذكورة فی البابور ، لأنه كان تركه برباط الفتح و حین قدم الباشدور المذكور لطنجة و لم یجده بها ضاق صدره لأنه كان متوقفا علیه فی أمور مهمة، و أعظمها غرض مهم یتوقف سفرنا فی البحر علیه و لا یتأتی بدونه، و كان یقال بقدوم الفركاطة للسفر بعد أربعة أیام، و ذلك الغرض متعذر لا بد فیه من مراجعة الحضرة العالیة بالله، و لا أقل فی مدة/ 15/ المراجعة و حصول ذلك الغرض من نحو نصف شهر، و انظر ما یترتب علی مقام الفركاطة التی ترد للسفر جل تلك المدة. و بقدوم النائب المفوض إلیه المذكور دبر برأیه السدید و دهائه الفرید، فی حصول ذلك الغرض من غیر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 112
مراجعة و لا توقف، و ما ذلك بأول بركاته، و لا بنقطة من فیض بحر ذكائه، و هذا من سعادة الباشدور المذكور التی اكتسبها و اقتبسها من سعادة مولانا المنصور، ضاعف الله نصره و تأییده بتضاعف الأعصار و الدهور، و أبقی له و لأعقابه الكرام البررة كمال الاستیلاء و تمام الظهور. و بعد استقرار الباشدور تلاقی بنواب الأجناس و تلاقوا به حكم قوانینهم. و فی یوم الجمعة ثانی جمادی المذكور ، ركبنا معه بعد الصلاة لزیارة ولی الله الأكبر ذی السر الواضح الأشهر و الكرامات الباهرة و الأسرار المشاهدة الظاهر الذی أقر بولایته كل غنی/ 16/ و محتاج العارف بالله تعالی سیدی محمد الحاج أفاض الله علینا من بحره الزاخر، و أمدنا من مدده العمیم الوافر، فزرناه زیارة راغب خاشع، بتدلل و قلب خاضع. و لمقامه قدس الله سره هیبة ربانیة و سطوة عرفانیة، رضی الله عنه مستغنیة عن التعریف. و من یكن فی مقام التعریف ففی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 113
تعریف القاصر مثلی به عین التحریف.

ورود الفركاطة للسفر

و فی عشیة یوم السبت 3 منه قدمت الفركاطة المعینة للسفر، و أخبر بها رایس المرسی أولا فظن أنها غیرها لعدم انصرام الأمد المعین لقدومها، فصرنا شاكین فیها مترددین فی أمرها من عدم إخبار باشدور جنس الفرنصیص بها، و فی ضحی إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 114
یوم الأحد الرابع منه أخبر بقدومها الباشدور المذكور فسأله بواسطة الباشدور المذكور، هل تتهیئون للركوب فیها عاجلا أو لا بد من مقامها شیئا ما؟
فأجاب/ 17/ علی لسانه ترجمانه ، أمر هذه الفركاطة إلیك و حكمها بیدك فإن شئت أن تسافر الآن أو بعد مضی شهر من الزمان فكبیرها مأمور بذلك، و بمساعدتك فی مرادك، و من هنا یعلم اللبیب و یتیقن الفطن الحاذق الأریب، بحصول السعادة العظمی فی هذه الوجهة المباركة الممنونة لفضل الله و كرمه، لأن المعهود فی شأن الباشدور الذی یطلع من الغرب لبعض الأجناس أن یقیم بطنجة عدة شهور حتی ترد الفركاطة أو بابور السفر و شتان ما بین ذا و ذاك، هدانا الله و إیاك، و من باب الفضل دعانی و دعاك، ثم أجاب الباشدور و الترجمان المذكور بعد المفاوضة فی ذلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 115
مع النائب المفوض إلیه، بأن ركوبه فی تلك الفركاطة یكون یوم الأربعاء السابع منه علی الساعة الحادیة عشرة، فبقیت بمحل ترسیتها إلی الیوم المذكور لتهیئ بعض المقتضیات بثغر طنجة و تجدید ما أبلاه السفر فی البر و تبدیله بما یناسب سفر البحر، و فی لیلة الأربعاء أمر الباشدور بحضور كبیر المخازنیة ، فحضر و أعلمه أن یخبر أصحابه بالتیقظ قبل الفجر و خروج الخیل المهدیة شیئا فشیئا كل اثنین منفردان، و نزع صفائحها، و نزولها للمرسی بقص طلوعها للبابور، فأجاب بالسمع و الطاعة، و قام بذلك أتم قیام حتی طلعت الخیل كلها للبابور بل لتلك الفركاطة، و فی الساعة الثامنة من یوم الأربعاء المذكور نزلت الصنادیق التی فیها الأغراض الشریفة، مع صنادیق حوائج السفر المحتاج إلیها، و طلعت للسفر بالفركاطة و ترك الفراش كله ببیت بتلك الدویرة المذكورة مختوم علیه، عدا شی‌ء یسیر من فراش الباشدور فإنه أمر بطلوعه للفركاطة فطلع، و كانت مدة إقامته بطنجة نحو سبعة أیام نسأل الله الإعانة علی التمام بجاه خیر الأنام علیه فضل الصلاة و السلام.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 116

الخروج من ثغر طنجة و الركوب فی البحر إلی الوصول لمدینة مرسیلیة

لما طلعت تلك الحوائج كلها للفركاطة و معها المخازنیة و الخدمة ،/ 19/ المعینین للسفر فی هذه الوجهة السعیدة، أذن للأمین المذكور و كاتبه بالتقدم للمرسی، فتقدمنا فوجدنا بها جما غفیرا من أعیان أهل البلد عامة و خاصة، و من أجناس النصاری خلقا كثیرا فجلسنا هنیئة بنبح المرسی، و إذا بالعسكر السعید قد أقبل متحرفا للبعض مطرفا و لآخرین مرهبا، فمر علی نسقه المعهود، و كل عند حده المحدود. ثم أقبل الباشا الذی تقدم ذكره آنفا، و عرف ببعض أوصافه سالفا و بقی راكبا أحسن جواد، فی وسط ذلك السواد ، و بعده أقبل النائب المفوض إلیه المذكور راجلا و فی حلل سیادته رافلا، فمر علی باب المرسی فقابله الأنام
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 117
بالتبجیل و الاحترام، و لم یكن غیر قلیل و قد أقبل الباشدور ذو القدر الجلیل الذی من الله تعالی برفقته علی مقیده العاجز الذلیل، و هو غیر راكب بل ماش و معه من لیس للعهود و الشروط ناسیا، من قوم الأجناس، الحكماء الأكیاس و العیون ترمقه بالتوقیر و العظیم، و تصافحه الخاصة/ 20/ مصافحة وداع بالتجلیل و التفخیم، فودعه وداع الأخلاء، و شیعوه تشییع الأحباء الأجلاء، و هم بفضله معترفون، و من بحر سیادته و سعادته یغترفون، و قلت فی هذه المعنی سالكا سبیل هذا المبنی.
تبارك من حباك بكل فضل و خصك بالمزایا و بالكمال
فسدت القوم كلهم جمیعاو مأواك بینهم دروة المعالی
و لا غرو أن تسود الكل طراو لیس الأمر من حیز المحال
فإن المولی یختص من یشاءبإنعامه علی مر اللیالی
و لعمری أنه لجدیر بقول من قال و أجاد فی المقال:
فإن تفق الأنام و أنت منهم‌فإن المسك بعض دم الغزال
ثم صعد فلكا جاریة سابحة، و اقتفت أثره أخری ألحقت به جماعته الرابحة قاصدین فركاطة السفر، راجین بفضل الله/ 21/ أمن مخوف و حسن الظفر، فوصلوا إلیها و صعدوا علیها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 118

طلوع الباشدور للفركاطة

فتلقی له الرئیس و الكبراء و الأعیان و النظراء، و فئة من العسكر لابسة آلة حربها مصطفة بناحیتی شرقها و غربها، و الكل یشیر بالترحیب، و العسكر مشتغل بالتحریب، لأن فی ذلك قام مقام سلاحه، عن إفصاحه بكلامه، ثم نزل الرئیس إلی القامرة التی هی بكل زخرف و مستلذ عامرة، و اتبعه بإشارته الباشدور و أمینه و كاتبه خائفا وجلا مما هو كاسبه، ثم بین لكل واحد من القامرة فراشه و وطاءه، فتبین، و عین ما یحتاج إلیه من الضروریات فظهر و تعین كل بما یناسب مرتبته و یلائم مقامه و منزلته، و للكل فی ذلك غایة التوسعة، و مسرة للقلب نابعة، و لما استقر بنا المكان، و كانت الساعة الحادیة عشرة و النصف بإن من الزمان طلبنا من الله الأمن و الأمان. استأذن الرئیس، الباشدور ذا المقام النفیس، هل یسرح الفركاطة/ 22/ للسفر و لا زال معنا من أهل الوداع نفر، فأذن له بالتسریح بإشارة أبلغ من التصریح، و تلا بعد التعوذ و البسملة قوله جل علاه و قال: ارْكَبُوا فِیها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ رَحِیمٌ وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إلی یشركون و غیر ذلك من الأدعیة الواردة فی ذلك، المرغّب فیها عند المرور فی تلك المسالك. ثم أخذت الفركاطة فی السیر كأنها باز خرج من قفاز، قاصدة طریق البغاز ، و البحر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 119
غایة فی السكون و الخمود و الركون، و كان الباشدور المذكور أمر الطباخین بتهیی‌ء مؤنة السفر بما للجمیع فیه تمام الكفایة، كما اقتضت ذلك منه حسن الدرایة، فاشتروا جمیع الضروریات و أتوا علی جمیع المقتضیات مراقبین ما علیهم من الإشراف، متنكبین طریقی الأقتار و الإسراف، فأحسنوا القیام بتلك الكلفة، مع مراعاة آداب المعاشرة و الألفة، جزاهم الله أحسن الجزاء، و ضاعف أجرهم یوم العرض و الجزاء، و تقبل عملهم و بلغ ءامالهم.
/ 23/ هذا الفصل سیقدم و یلحق بموضعه المناسب بحول الله.
رجع، قد یقال إن من القوانین المشهورة و الشروط المقررة المأثورة أن تخرج المدافع برا و بحرا عند ركوب الباشدور.

علة عدم خروج المدافع‌

فما بال هذا المقید لم یعرج علیه، و لا أومأ بشی‌ء إلیه، قلت: لما طلعنا إلی الفركاطة وجدنا مدافعها عامرة، و هی منصوبة فی فرج البوردو بارزة، و المكلفون بها یترقبون خروج المدافع 21 من البر لیجیبوهم علی العادة. لكن كان أخبر الرئیس أنه حین طلعت خیل الهدیة للفركاطة و استقر كل واحد منها بموضعه، سمع بعضها حركة قویة حركت نفسه الأبیة، فتحرك بذلك حركة مرهبة حتی كاد یكسر الصندوق المحیط به، و أنه إن أخرجت المدافع بالفركاطة لا شك فی نفورها نفور ینشأ
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 120
عنه فسا كبیر، إما فی ذاتها أو فی شی‌ء من آلة الفركاطة، و أعلم بذلك النائب المفوض إلیه، و كان الباشدور حاضرا فأذن الباشدور بعدم خروج المدافع من الأبراج، دفعا و سدا لبابی الضیق و الحرج. فهذا سبب عدم خروج المدافع/ 24/. بسطته هنا بوجه لكل ریب و شك مدافع. ثم لم یزل البحر راكضا لا رافعا و لا خافضا إلا شیئا من ذلك قلیلا حصل به مید لمن كان قلبه علیلا، و لكنا أصابه منه ما أصابه، و غیر انتصابه، حتی بلغ حده و نصابه، عدا الباشدور فكان قلبه بفضل الله من المید فی حصون. و هذا من شجاعته و ثبات قلبه زاده الله من الثبات و الرسوخ، ما یصیر به ناسخا غیر منسوخ * و مع ذلك المید كان القوم مواظبین علی الصلوات فی وقتها المعتاد، و ما فاتهم بحمد الله شی‌ء من الأوراد، و الحمد لله علی هذه النعم الجلیلة المقدار، الواجب شكرها بعدم عصیان الرحیم الغفار*. و كانت منا الأفئدة و العیون تراقب و تخشی هول (غلف الیون) إذ شأنه غالبا الهیجان، و شدة الاضطراب و الفیضان. و ربما تؤدی إلی العطب، أو كثیر التعب و النصب، فألقیناه و الحمد لله ساكنا، و هیجانه بمنة الله تعالی كامنا، و بقی البحر علی هذا الحال إلی الترسیة بمرسی مرسیلیة فی الحادی عشر من جمادی الأولی علی الساعة الثامنة من
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 121
النهار، و الناس فی فرح و سرور من السلامة من سطوة الواحد القهار.
...
/ 27/ تنبیه، تقدم أن الفركاطة شرعت فی السفر من طنجة فی الساعة الحادیة عشرة و نصف من یوم الأربعاء السابع من جمادی المذكور، و أرست بمرسی مرسلییة فی الساعة الثامنة من یوم الأحد الحادی عشر منه، فیكون مدة السفر أربعة أیام عدا ثلاث ساعات و نصف ساعة. و فی هذه المدة اثنتان و تسعون ساعة و نصف ساعة.

مدة السفر فی البحر إلی مرسیلیة

و نقل عن رئیس هذه الفركاطة أن قانونها فی السیر من طنجة إلی مرسیلیة ثنتان و سبعون بموحدة ساعة، و هی مدة ثلاثة أیام، لكنه خفف من سیرها محافظة علی تلك الخیل و مراعاة لمن أوصاه بمحافظتها و سلوك سبیل التلطف فی كل ما یرجع إلیها.
فانظر أیها العاقل اللبیب، الفطن الأریب، بعین بصیرتك و نور سریرتك، إلی هذه الخیل حین فارقت برها المألوف، و ركبت هذا البحر المهول المخوف، كیف قیض لها الحی الخلاق و المنان/ 28/ الرزاق من یقوم بما تحتاج إلیه من الماء و العلف، و التبن و الربیع، و سائر الكلف مع مراعاة أحوالها فی جل الأوقات، و تقدیم ما یناسبها فیه من الأقوات، فكیف بك یا مسی‌ء الظن مثلی بربك الحمید الذی تكفل برزقك كما أفصح به القرءان المجید. إِنَّ فِی ذلِكَ لَذِكْری لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَی السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ .
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 123

الجزء الثانی:

أخبار مرسیلیة و باریس‌

ثم لما أرست الفركاطة بمرسی مرسیلیة، و هی مرسی المخزن، لا بمرسی التجار، سمعنا بخروج المدافع و عددها سبعة عشر مدفعا إذ هی قانون ورود الباشدور كما قیل. و بهذه المرسی مبانی هائلة و مخازین عدیدة یمنا و یسارا، فوقها مبانی أخری مشیدة، اختلفت أوضاعها لاختلاف مقاصدها. و كلها فی غایة الإتقان و الإحكام و الاختصار، مع كثرة المرافق بحسب الإمكان، و من هناك امتد البناء و انتشر، و إحصاؤه و تتبعه لیس فی طوق البشر.

/ 29/ طلوع الكبراء من مرسیلیة لملاقاة الباشدور

بادر كبیر مرسیلیة و متولی حكومتها إلی القدوم لتلك الفركاطة، و معه خلیفته
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 124
و الجنرال كبیر العسكر بها، و ترجمان الدولة بباریز، لكونه كان وجهوه لمرسیلیة بقصد الملاقاة مع الباشدور المذكور، و وصل إلیها و بقی ینتظر قدومه مدة من أربعة أیام و هم لابسون ثیابهم الفاخرة، و علی كل منهم سلاحه و نشان مرتبته، و بعد ما طلعوا للفركاطة أخبر الباشدور المذكور، فطلع من القامرة لملاقاتهم فتلاقوا به بأدب كبیر، مظهرین لخضوع كثیر. فهشوا و مرحبوا و سروا بقدومه و أطربوا و جلسوا بإزائه علی الشوالی مراعین مراتب التوالی. و جری بینهم كلام لیس لمقیده به إلمام، لكن مضمنه مع اختصار العبارة المقابلة، فالتعظیم و السرور قضاء الأوطار كما یفهم من الإشارة.

ذكر الدخول لمرسیلیة و المقام فیها و الخروج منها

ثم نهضوا إلی النزول إلی مرسیلیة، فنزل و هم معه/ 30/ من الفركاطة إلی بابور صغیر، و نزل الأمین و مقیده بعده فی غیره، و باقی المخازنیة و الخدمة بعدنا، فحین وصلوا إلی البر بالسلامة، كانت هناك فئتان عظیمتان من العسكر خیل و رماة كل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 125
واحد بسلاحه، و جرابه وراء ظهره علی أكمل الصفات. ثم الطنابریة و أصحاب الموسیقا منهم بعملهم، و انقسم جمیع العسكر فئتین: فئة تقدمت أمام الباشدور و من ذكر معه فی كدش خاص، و اتبعه الرفقاء فی أكداش أخری، و تأخرت الفئة الأخری وراء الجمیع، و سار الكل علی هذه الحالة الموصوفة إلی أن وصلوا إلی المحل المعین للنزول. و كلما مررنا بوسط محج یبقی المحجان اللذان عن الیمین و الیسار فی غایة الازدحام من أهل البلد رجالهم و نسائهم و كهالهم و صبیانهم و هم منا یتعجبون، و من زینا یستغربون، فقلت إذ ذاك فی ضمیری لعدم الكلام إذ ذاك مع سمیری، إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم/ 31/ كما تسخرون.

صفة الدار التی نزل بها الباشدور و أصحابه‌

و أما المحل الذی كان معینا لنزولنا فیه، و هو الذی به نزلنا فیسمی بلغتهم أوطیل مرسیلیة ، و هی دار مربعة الشكل نحو خمسین خطوة طولا و مثلها عرضا، و فیها سبع طبقات، فی كل طبقة عدة بیوت مربعة، تسمی صالات و كل صالة بها سراجم عدیدة، طول كل سرجم أزید من خمسة أذرع، و دفتان بالزاج و أخریان بفتقیات الساج. و علی كل سرجم ستران من خفیف الثوب، مثل طول ذلك الباب من الثوب المعروف بالعدوتین المنقر علیه فی الأبیض، و توریقه فی غایة الرونق و الكمال، و الحسن و الجمال، و الستر الآخر من الكمخة خضراء أو حمراء مثل ذلك الطول المذكور بأعلاه، و بأسفله ترییشان من الحریر علی لونه و بخدی كل سرجم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 126
مسماران علی رأس كل واحد منهما توءمة صفر تملأ كف الید، بها توریق عجیب ذو شكل غریب. و فی كل مسمار مجدول حریر فی غلظ السبابة/ 32/ بطرفیه ، و هما شرابتان من الحریر أیضا علی لون تلك الكمخة، بأعلی كل واحدة توأمات ثلاث متفاوتة. أكبرها خمائل الشرابة و هی أكبر من دائرة الریال، و هما لربط إزار الكمخة فی خدی السرجم، علی كیفیة خاصة اقتضتها صنعة تظفیر المجدول.
و فی كل صالة ماریو عود فوقه مجانة محققة، و تصاویر و حسك بشمعها، و الوقید، و بإحدی زوایا كل صالة بویت صغیر بدفته، فیه ماریو أیضا فوقه غراریف بدیع كبیرة طولها أزید من نصف قالة مملوءة ماءا و طبسیل بدیع كبیر فارغ، و صابونة فی حك مربع بدیع أیضا، و زیوف بیضاء نقیة كما یقال من طی الصابون مطویة، و هی من الثوب المكمخ الأبیض الرفیع، و ذلك عندهم معد لغسل أطرافهم حین یستیقظون من النوم، إذ ذاك عادة أولائك القوم. ثم ماریو آخر صغیر عرضه نحو قالة، و الطول كذلك فی علو الكنابی الآتی ذكره، فوقه رخامة و به مخزنان/ 33/ أحدهما و هو الأسفل به قدح الحاجة لیلا و الآخر فارغ، ثم كنابی للنوم فیه مضربتان صوف من ثوب قطن مشجر، و صوفتهما فی غایة اللیونة، و فیه مسند ینمط علیه و علی المضربتین بالثوب المكمخ، أبیض أغلظ من الملفة، و ینمط فوقه بتنمیطة كمخة حمراء، و یجعل فوقها سبنیة أصغر من المضربتین بشی‌ء یسیر من الكمخة أیضا-
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 127
فوقها سبنیة من البرنتق الأبیض، بترییش محیط بها. و فوق هذا الكنابی كسوة من الكمخة أیضا ممسوكة من فوقه قرب السقف بمربع لعله من ساج مموه بتمویه كالذهب.
و فی كل صالة شوالی معددة، تقل و تكثر علی حسب تفاوت بقاعها، و السراجم التی تقدم ذكرها هی مشرفة علی المحج و الحوانیت المقابلة فی الجهة الأخری، و فی كل صالة أیضا مرءاة كبیرة طولها ثلاثة أذرع و فی عرض نحو الذراعین، و فیها مائدة عود مصبوغ و هی مربعة/ 34/ مرفوعة علی أربعة أرجل مخروطة للأكل، و هذه الأوصاف من صفة الأماكن المعدة لعامة الناس.

صفة الصالة المعینة للباشدور

و أما الصالة التی نزل بها الباشدور المذكور فهی نمر واحد من الطبقة الثانیة من الأسفل، و هی الركنیة من جهة الغرب، طولها ستة و ثلاثون قدما و العرض ثلاثون بقدم مقیدة. و فیها ستة سراجم: اثنان من جهة الجوف، و ثلاثة من جهة الغرب، و واحد مفخم بینهما، كما اقتضاه الوضع، و فی كل واحدة من الجهتین الباقیتین مرءاة عظیمة، أكبر من المرءاة المتقدمة، و بأسفل كل واحدة منهما طبلة من العود المذكور، بإحداهما التی عن یمین الداخل محبقتان فیهما ربیع أخضر یانع، أوراقه أعظم من أوراق الذرة، و تراب المحبقة مغطی بأسلاك من صوف مصبوغة بالألوان. و العلة فی ذلك- و الله أعلم- هو ستر التراب لئلا یقع البصر علی شی‌ء تمجه النفس، و یقابل هاتین المحبقتین فی الجهة الأخری غرافان / 35/ من البدیع، علیهما مشمومان من نوار النبات، بینهما مجانة عن جهتیها تصویرتان
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 128
سوداوتان ، و یقابله أیضا ماریو كبیر فیه موسیقا رومیة تخدم بدس الأصابع، فیها واحد و خمسون نقطا، و فی الوسط طبلة كبیرة دائرة مغطاة بملف أخضر، فوقها محبقة فیها نبات طول أصوله نحو نصف ذراع، و أوراقه كأوراق اللیمون الصغیرة، تنفتح بأعلا أصوله مشامیم كبار من النوار الأبیض، كالیاسمین، إلا أنه لا رائحة له، و الشوالی محیطة بهذه المائدة بالموبر الأخضر، و كذلك بین كل سرجم و ماریو شیلیة كبیرة فی شكل آخر، و فی مقابلة السراجم الثلاث كنابی كبیر یسع جلوس ثلاثة أناس علیه. و علی كل شیلیة من الكبار سبانی من ثوب كالمسوس المغربی. إلا أنه فی ثوب یحیط به ترییش كبیر علی لونه. و سقف هذه الصالة سقف سما بطلاء أبیض به توریق عجیب. و فی وسطه/ 36/ ثریة كبیرة قضبانها من الصفر یجری فیها الغاز، و رؤوس القضبان معكوفة إلی نحو السقف، مغروز فیها فتائل داخل جعب بیض، لا یشك رائیها أنها شمع توقد لیلا، و یخلل هذه القضبان قطع من البلار مثلثة الشكل، مثقوبة منظم بعضها ببعض فی خیوط فی كل خیط استرخاء، كأنه نصف دائرة، و بوسطها كرة من بلار بیضاء، بسطحها دوائر، سطحها مستو، و حولها خمس كرات صغیرة مثلها، و بحذاء المشمومین المذكورین ثریتان صغیرتان من الصفر، كما ذكر. فی كل واحدة منهما نحو ستة قضبان من الصفر، و براح هذه الصالة مفرش بمربعات من العود. لكن كل مربعة مقسومة إلی أقسام مختلفة الأشكال، فعند النظر إلی المربعة بخصوصها أن قسمتها علی تلك الأشكال المختلفة لیس بشی‌ء، و عند النظر إلیها مجموعة مع ما یحیط بها من المربعات یتبین/ 37/
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 129
للناظر وجه قسمة كل مربعة إلی تلك الأشكال لمعاینته لمناسبتها و ترتیبها ترتیبا عجیبا، و العلة فی التفریش بالعود هو- و الله أعلم- حفظ الزرابی من البرودة التی تفرش بها الصالة. هذا ما استحضرته الآن من أوصاف هذه الصالة. و إذا استحضرت ذلك و تأملته و وسعته دائرة خیالك علی تفاصیله المبینة، فكأنك تشاهد ذلك عیانا.
ثم تذكرت الآن ما سأذكره، و ذلك أن بین كل سرجمین لوحا معلقا فیه صورة شخص مكتوب بالعربی علی صورة منها بركش بن سعد قیل هو سلطان اللینجیار ، و الصورة الأخری صور من دخل تلك الصالة من كبراء دول النصاری.
هكذا قیل انتهی.
و قد تقدم أن هذه الدار فیها سبع طبقات، و تقدم مقدار طولها و عرضها فلا بأس أن نبین كیفیة شكلها علی سبیل الإجمال، علی حسب ما فهمته، لأن تفصیل ذلك/ 38/ علی حقیقته لم أحط به علما و لا وجدت لسبیله فهما، لأنه یتوقف علی الإطلاع علی أصل تخطیط أساس الجدران السفلیة، و اختلاف ما بنی فوقها علی حسب تفصیل الأماكن و المنافع، و ذلك مما لم أطلع علیه، لكن حیث تبین الطول و العرض حین یكون الإنسان ببراحها السفلی، لم أجد فی الطول و العرض إلا نحو ثنتی عشرة خطوة. و بهذه الطبقة السفلی مخازن و مواضع للطبخ، محیطة بذلك البراح، و المعارج التی یظهرون علیها بهذه الطبقات تری أسافلها كلها من وسط البراح، و هی ناتئة و بارزة من جدران تربیع البراح، و سقفها یری من أسفل سقف، لها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 130
و لیست مرفوعة علی أكیاش من عود كما فی عرف البناءین عندنا. لكنها- و الله أعلم- موضوعة علی قناطر، و القناطر موضوعة علی السواری، و سقف الدرج ممتد/ 39/ من جدران تربیع البراح إلی تلك القناطیر مجلد علیه من أسفل الدرج، و علی التجلید طلاء أبیض، بسببه یظهر لناظره أن سقف الدرج كذات واحدة غیر متصل بعضه ببعض، و فی كل طبقة ثلاثون درجة، فی كل تربیع عشرة مبسوط مستو لیس فیه درج، و الدرابیز من الحدید دائرة مع الدرج من ابتدائها إلی انتهائها و هی مفرشة بالزرابی، بین كل درجتین قضیب، لعله حدید مموه ممتد علی عرض الدرجة، و هو الماسك للزربیة بأسفل كل درجة. فإذا صعد الصاعد الثلاثین درجة المحیطة بالثلاثة أرباع المذكورة، وصل إلی الربع الرابع المبسوط الذی لیس فیه درج. فإذا سار إلی منتهاه یجد فی الربع الذی عن یمینه ساباط طویل، هو الذی طوله خمسون خطوة، و عن یمینه و یساره بیوت الصالات، و بالركن الیساری/ 40/ أی الذی عن یسار منتهی ذلك الربع الذی لیس فیه درج، باب صالة ركنیة، و الداخل إلیها إذا وصف ببابها یجد بالزاویة التی عن یمینه بابا آخر، و هو مقفول، و لعله إذا فتح یقابل الواقف به ساباط آخر مواز للساباط الذی تقدم ذكره، بینهما بیوت صالات المتقدم ذكرها، و یجد- الله أعلم- عن یساره صالات أخر مقابلة للأخری. و دلیله أننا إذا أسقطنا تربیع (اثنتی عشر) براح الدار من جملة خمسین تربیعا شكلها یبقی نحو ثمان و ثلاثین خطوة بین منتهی البراح و الجدار المحیط بالدار من كل جهة من الجهات الأربع، و إذا أسقطت من الثمان و الثلاثین خطوة عرض الساباط المذكور ثانیا، و هو الحاجز بین الصالات الممتدة یمینا و یسارا قدر عرضه نحو أربع خطوات مع أساس
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 131
الجدار و انظر كم هو ، فالباقی هو مساحة/ 41/ الصفین اللذین بهما الصالات عن الیمین و الیسار، لأن طول كل صالة نحو ثنتی عشرة خطوة، و مثلها هو قدر البراح، و مجموعهما أربع و عشرون خطوة، ثم أربع خطوات عرض الساباط الثانی. و الباقی و قدره ثنتان و عشرون خطوة، هو عرض صف الصالة المظنون أنها كائنة مقابلة للصف المشاهد إنشاؤه، الحاجز بین الساباطین. لكن الثنتین و العشرین خطوة المذكورة یسقط منها عرض الأساسات الأربع أولا، و عرض أساس الجدار الخارج للزقاق، ثانیا:
أساس الجدار المحیط بالبراح، ثالثا و رابعا: أساسا جداری الساباطین، و الباقی هو عرض الصالة المبرهن علی وجودها بما سبق، و سیرسم هنا شكل ذلك بحول الله تقریبا للفهم إن شاء الله./ 42/ و فی طبقة بیت الخلاء یجعلونه بزاویة الطبقة. و إذا صعدت طبقة أخری وجدت بیت الخلاء فوق بیت الخلاء الذی فی الطبقة تحتها، و هكذا تتابعها، و لیس فیه من الماء إلا الماء الذی ینزل فی آنیة قضاء الحاجة لتنظیفها بعد الفراغ. فكنا نحتاج أن نصحب الماء معنا للوضوء. و فیه هناك كلفة من حیثیة التحفظ علی نظافة المحل. و لو كان الماء هناك فی موضع آخر یوخد منه القدر المحتاج إلیه، و فاضله ینصرف فی مصرف آخر، لكان ذلك غایة المراد. و العذر لهم لأن ذلك لیس من عوائدهم. و غایة نظافتهم فی ذلك المحل أنهم یمسحون النجاسة من مخرجهم بالكاغد، و هو معد عندهم هناك مع زیف أبیض معلق أظنه للإستجمار.
فالحمد لله علی هذه الملة السمحاء. و رزقنا الله الثبات علی سبیلها القویم، و عدم المیل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 132
عن صراطها المستقیم.

/ 43/ كراء هذه الدار فی السنة

و هذا الأوطیل الموصوف، قیل إنه مكتری بخسة عشر ألف ریال فی السنة، و فیه من الرجال و النساء خلق كثیر مكلفون بتلك الصالات التی به و بمن ینزل بها، و بما یحتاج إلیه. و فی كل صالة أیضا شی‌ء كالمسمار ناتئ بأحد الجدران فمن احتاج لشی‌ء یدفع ذلك المسمار إلی نحو الجدار، فیسمع للناقوس نقرات متتابعة، فیسمعه المكلف بتلك الصالة، فیأتی إلیها سریعا، لیتكلم معه فیما یحتاج إلیه، و العجب من ذلك فإنه إذا تكلم ناقوس یعرفونه و یقولون: هذا ناقوس صالة كذا فی طبقة كذا لا یخطئه أصلا.
و فی مساء یوم الأحد الذی دخلنا فیه لمرسیلیة بعد صلاة العصر أوتی إلینا بكدشین اثنین یجر كل واحد منهما فرسان بقصد الركوب فیهما للطواف ببعض زقاق البلد علی عاداتهم، بقصد الفرجة و الانبساط، و ذلك من مزید الاعتناء و البرور بما حصل لمتولی البلد بقدوم الباشدور./ 44/ من الفرح و السرور، فنهضنا إلی العربتین أی الكدشین المذكورین، فتقدم الباشدور إلی الكدش الأول و ركب فیه و ركب معه الترجمان الوارد معه من طنجة، و اسمه مونج الفرنصیص و ركب الأمین
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 133
و كاتبه فی كدش آخر. و ركب معه الفقیه السید محمد المصوری الطنجی، و هو كاتب الباشدور نائب جنس الفرنصیص بطنجة ورد فی صحبتنا منها مع الترجمان المذكور، لقضاء أغراضهم.

بعض أوصاف مرسیلیة

و صار صاحبا الكدشین یطوفان بنا بزقاق البلد و بأسواقها، فنری بأبواب حوانیتها من التحف البدیعة و الأثاث المستظرفة العجیبة ما لا یكاد یصفه قلم و لا لسان، و لا تبقی به و بأوصافه عبارة إنسان، و زقاقها فی غایة التوسعة. فالمحج الوسط فیه أربعة طرق، الغالب لمشی الكروصات و الأكداش، و عن یمینه و یساره طریقان آخران لمشی الراجلین من الذكور و الإناث، و عرض كل طریق/ 45/ من هذه الطرق الأربع أزید من ثلاثة أذرع ، و قد یوجد ما هو أعرض من ذلك فی بعض المواضع، حتی أنه یكون فی عرض طرق الراجلین نحو ستة أذرع و أزید، فیظهر من هذا أنه یمكن أن تكون مساحة طرقها تعدل المساحة التی فیها الدیار و سائر الأبنیة، أو تقرب منها و الله أعلم.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 134
و مع امتداد هذه الطرق أشجار مغروسة فی غایة الارتفاع و الخضرة مصطفة، عندما یقرب من منتهی المحجین اللذین یمشی فیهما الراجلون، فنراها مصطفة عن الیمین و الیسار، و ذلك بقصد الزینة و استحسان المنظر. و بین كل شجرتین ست عشرة خطوة، و بین كل شجرتین قطعة نحاسیة قائمة مخروطة بخرط عجیب، طولها نحو ثلاثة أذرع أو أزید، برأسها فنار كبیر. شكله مستدیر، دائرته العلیا أعظم من السفلی بكثیر، و هذه الفنارات توقد كلها لیلا و لا تنطفئ حتی یمضی من اللیل نحو ثلاثة أرباعه،/ 46/ لاشتغال أهل البلد بأمور دنیاهم باللیل كاشتغالهم بها بالنهار، و بعد الفجر بیسیر یأتی أناس من رجالهم، فیفتحون تفاجیر الماء عن الیمین و الیسار بین ملتقی طرق الأكداش و طریقی الراجلین، فتری الماء یجری فی الحدین المذكورین، یحده من جهة طریق الراجلین الرافد المرصف هناك، و من جهة طرق الأكداش الانحداب الذی فی الطرق، لیلا ینبسط الماء من الجهتین إذا كانت طریق الأكداش منبسطة، فیتلاقی ببعضه البعض فیكثر الوحل فی ذلك الطریق. و عند تفجیر الماء و اتصال بعضه ببعض یأخذ البعض من الناس المذكورین فی تشطیب سائر الطرق.
و آخرون وراءهم یجمعون ما یشطبونه، و یجعلونه فی الكروصات، و یرمونه فی مواضعه المعروفة عندهم. و هذا الذی یجمع من التشطیب إنما هو روث الخیل التی تجر الأكداش و الكروصات مع شی‌ء من غبرة الأرض. فإیاك أن تتوهم/ 47/ أنها أزبال ترمی فی وسط الطریق، كلا ما رأینا شیئا من ذلك، فإذا رفعت تلك الأزبال أخذ أناس آخرون یرشون تلك الطرق كلها رشا معتدلا، لا كثیرا و لا قلیلا، تمهیدا و ركضا لغبرة الأرض، و ما ذكرناه من الأشجار و الفنارات و النظافة هو لیس خاصا بطریق واحد أو عدة طرق، بل الطرق كلها كذلك، إلا النادر منها فی أطراف البلد، و دیارها جلها من أربع طبقات و تنتهی إلی سبع طبقات ، و سراجیمها مفتوحة إلی الطرق و طولها علی طول ارتفاع تلك الصالات، و بین السرجم و السرجم من البناء مثل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 135
عرض السرجم أو أزید بقلیل، و إذا فتح السرجم تكون أرض الصالات مستویة مع أرض سقف خارج عن السرجم بنحو ذراعین، یحدها- أی الأرض- دربوز حدید فی غایة الإتقان، ممتد مع امتداد سراجیم الصالات كلها، أو مع امتداد عرض الدار، فیعلم عدد طبقات الدار بعدد السراجیم المرتفع/ 48/ بعضها فوق بعض، و حدود السراجیم الخارجة للطرق بارزة عن الجدار بالراقد المنجور، و نجره فی غایة اللطافة و الإتقان، و فوق كل باب سرجم قوس بدیع الشكل مرونق، و فوق قسی أبواب السراجم مادة تعرف فی عرف البنائین بالسبنیة، بها توریق رفیع، تكفیف لطیف، و البناء جله بالراقد، و یتركونه علی أصله، و لونه رمادی مفتوح، و بواطن الصالات أفضل من ظاهرها لأن ما بین السرجمین أو بعض الجدران من داخل الصالة إما أن یجعلوا له طلاءا أبیض أو یجلدونه بالكاغط المورق المزخرف.
و حیث ركبنا فی الوقت المذكور، بقی یطوف بنا صاحبا الكدشین المذكورین نحو ساعتین إلی أن غربت الشمس، فرأینا فی بعض تلك الطرق زیادة علی ما ذكر من التصاویر الثابتة فی بعض الجدران شیئا كثیرا، منها ما هو علی صورة الآدمی، و منه ما هو رافع یدیه إلی شی‌ء فوق رأسه كلحیة ساریة بنی علیها/ 49/ ما فوقه، و كأنه حامل لما فوقه. فما أعظم كربته، و أخسر صفقته! و منها ما هو علی غیر ذلك من الصفات و الأحوال. و من الصور ما هو علی صورة الأسود كاشرة أنیابها، شائلة أذنابها، و منها ما هو علی صفة البقر و غیر ذلك من الصور المستغربة، و التماثیل المستعذبة فی زیهم و عاداتهم.
و فی یوم الاثنین الثانی عشر من جمادی الأولی المذكورة بعد صلاة العصر، أوتی إلینا بكدشین آخرین، فركبنا كما ذكرنا قبل، و صار بنا إلی ناحیة أخری من البلد، فوجدناها مثل الناحیة التی طفنا بها بالأمس فی البناء و الطرق و الأشجار
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 136
و الفنارات و الحوانیت و التحف، و كنت أری شیئا مبنیا بالطرق علی هیئة المعدة مخروط الشكل، قطر دوره أزید من ذراع، فوقه قبیبة، و ارتفاعه نحو خمسة أذرع، له بویب مفتوح، و هو متعدد فی الطرق، فسألت عنه، فقیل: إن تلك مواضع العساسة من العسكر، فوجدته كذلك لأن بقربه عسكریا / 50/ واحدا أو أكثر فی بعض المواضیع.

هیئة رأس الماء الجاری علیها

ثم انتهی بنا صاحبا الكدشین إلی رأس الماء اداخل للبلد، و لیس هو خارجا عنها بل فی طرفیها، فرأیناه من بعد یخرج من بین حجرین، و مواضع خروجه متعددة متصل بعضها ببعض، و فیها تحدیب حتی صار جمیع الماء الخارج بانضمامه كأنه نصف دائرة، قطرها أظنه یزید علی نحو خمس عشرة قالة . ذ فتأمل فی خیالك هذه النظرة العجیبة عند انصباب الماء علی تلك الحالة منحدرا إلی الأسفل ، لأنه مرتفع فی ربوة، و ینزل هذا الماء فی صهریج أسفله یحده. منه- و الله أعلم- یتفرق علی البلد و هو أحد الأنهار الداخلة إلی البلد ، و حین وصولنا إلیه رأینا علیه قبة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 137
مبنیة مرتفعة علی سوار، فوقها تصاویر منها رجل عظیم الخلق، فی أحد طرفی القبة خارجا عنها بیده شی‌ء كالبوق و كأنه ینفخ فیه ملتفتا إلی یساره لناحیة الجنوب، و آخر مثله ملتفت ببوقه فی فیه، ماسكه بیده إلی ناحیة الشمال، و بینهما صور ثیران باركة، نحو أربع صور فی مواضع بقرب القبة أسفل هذه الصور،/ 51/ صور أسود عدیدة كاشرة أنیابها كما تقدم تحت كل أسد صورة ثور. و الأسد إحدی یدیه موضوعة علی الثور و الأخری علی المحل الذی هو به، ثم رأینا صاحب السر المذكور حیث رأی تلك القبة و خروج الماء من أسفلها علی تلك الصفة- خرج من الكدش قاصدا الصعود إلی تلك القبة، فتبعنا أثره فوجدنا لها معارج عن الیمین و الیسار، ابتداؤها معكوف كأنه نصف دائرة، سببه- و الله أعلم- هو ارتفاع القبة و ضیق المساحة التی بینها و بین الطریق الممرور علیه. فلولا انعكافها لكانت الدرج مرتفعة غیر منبسطة و بانعكافها صارت منبسطة، فارتقینا فیها إلی القبة فأشرفنا علی الماء الجاری الذی یخرج من تحتها و هو واد عظیم عریض غایة. و وجدنا هذه القبة من ناحیة ذلك الوادی محملة علی خمس سوار، و فی رأس كل ساریة صورة رأس آدمی فوق رأسه لحیة حجر منجورة، كاللحیة التی تكون/ 52/ فوق الساریة التی یبنی علیها، و القبة مرفوعة فوق هذه الرؤوس التی تقدم لها هذا العذاب الألیم فی دار الدنیا، فكیف بها بدار المقیم. و رأینا بحافتی النهر المذكور عراصی قابلنا منها من جهتنا أشجار متصل بعضها ببعض، مخضرة أوراقها كأنها هی الزرب، و منها إلی نواحی الطرق بمقدار ثلاثة أذرع كالسیاج لكنه منحدر غایة، و قد غرس فی ترابه من النوار المختلفة الألوان و الأشكال، كل لون فی محل یناسبه. فتخاله كزربیة بدیعة التزویق فی غایة التنمیق، و الصبیان یمرون بها مع أمهاتهم، و لا تری واحدا ینزع شیئا من تلك النوار، و إنما یتركون ذلك تحسینا للنظر و مصلحة للبصر. و بعض العراصی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 138
رأینا بها جدرانا محیطة بها أطول من القامة. و لیس فیها شی‌ء یؤذی. و بعض العراصی بأعلا جدرانها قطع الزاج متقارب بعضها من بعض، بحیث لا یمكن لأحد الصعود إلی أعلا الجدار، و انظر ما سبب ذلك، لأننا كما ذكرنا رأینا/ 53/ بعض العراصی زربها هو تلك النوار التی تقدم وصفها، و بعضها لها جدار لا زاج فیه، و بعضها مرصف بالزاج مع أن هذه العراصی فی طریق واحد، و حیث انتهینا إلی هذا المحل رجع بنا صاحبا الكدشین إلی أوطیل نزولنا علی طریق أخری، فرأینا فیه أسواقا و حوانیت و طرقا كالطرق الموصوفة، حتی انتهی بنا إلی محل النزول.

فابریكة صنع السكر القالب‌

و فی یوم الثلاثاء ثالث عشر جمادی المذكور أوتی إلینا بكدشین أیضا بقصد المسیر إلی رؤیة مكینة صنع السكر القالب، فركبنا فیهما كل بمرتبته كما تقدم بعد صلاة العصر، و سرنا فی طریق آخر فوجدنا، مثل الطریق المرصوف، حتی انتهینا إلی دار تلك المكینة، فرأینا بأسفلها العجب العجاب، ما یتحیر فیه الدهاة من أولی الألباب، فما أكثر ما هناك من النواعیر التی تدور و اختلافها صغرا و كبرا علی نسبها المقرر عندهم المشهور، و النواعیر السفلی بدورانها تدور نواعیرا أخری،/ 54/ فی الطبقة فوقها و الرباط بینهما شی‌ء كالحزام و لعله من القنب، محیط بحرف بعض الرحی السفلی، و ارتفع إلی الرحی العلیا فالتوی بحرفها الأعلی كالحیط الذی علی ناعورة الشراط الممتد منها إلی فلك مغزلها. و هناك آلات حدید متفاوتة فی القدر و الشكل. منها ما تراه یتحرك یمینا و یسارا، و منها ما یكون تحركه من الأعلی إلی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 139
الأدنی ارتفاعا و انخفاضا. و لم أقف علی أصل الحركة الأولی التی ینشأ عنها سائر الحركات.
ثم صعدنا إلی طبقة فوق هذه، فوجدنا فی التی فوقها طناجیر عدیدة عظیمة قطر دائرتها یقرب من خمسة أذرع، و النار توقد تحتها، و فیها شی‌ء ذائب یغلی و یضطرب من شدة النار التی تحته، و حول كل طنجیر برامیل عظیمة، تسع أزید من عشرة قناطیر من السكر الغبراء، و خناشی منها، تدور عدة من الخدمة بذلك البرمیل/ 55/ و یزحلقونه عن محله شیئا فشیئا إلی أن یبقی بینه و بین الطنجیر نحو طول البرمیل، فیفرغونه فیه حتی یقلب فمه علی فم الطنجیر علی أعواد ثابتة علیه، و ما یتساقط من السكر حول الطنجیر یجمع و یلقی فیه، و أوتی بشی‌ء من ذلك الماء
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 140
الذی یطبخ فی الطنجیر فی كأس زجاج، فإذا هو أحمر یضرب إلی السواد، ثم ارتقینا طبقة أخری وجدنا فیها طناجیر كذلك و خدمة أیضا، و أوتی بشی‌ء من ماء هذه الطناجیر، فإذا هو أحمر إلی لون الأتای، و الغبراء التی تصفی من هذه الطناجیر أبیض من التی تحتها، و التی بالطبقة الرابعة أصفی من الثالثة و هكذا. و لم أثبت علی عدد الطبقات لأن فی كل طبقة نارا عظیمة و مكینات تدور كما وصفنا، بل و أعظم بكثیر، و من شدة النار ضاق صدری أن أرجع و أخرج. فلم أثبت علی الطریق التی دخلنا منها لتشابه/ 56/ الطرق و تماثلها إلی أن وصلنا إلی الماء الذی یجعل فی القوالب، فوجدنا ناعورة معلقة كبیرة تدور دوران الجرارة و علیها سلاسیل حدید تنزل فی حفرة كالبئر، و هذه السلاسیل النازلة فی هذه الحفرة بدوران ناعورتها تمسك القوالب الفارغة التی یفرغ فیها السكر، و هی متتابعة بعضها فوق بعض علی هیئة طونس السانیة . لكن القوالب لیست مربوطة فی السلاسل، و إنما فیها فرج یترك الواقف منها فرجة فارغة، و یجعل فی التی تلیها قالبا فارغا، فینزل فی السلسلة إلی تلك الحفرة، فتطلع عامرة من الجهة الأخری، و هناك رجل آخر یرصد طلوع القالب العامر، فینزعه و یناوله لآخر، فیضعه فی حفرة تمسكه فی مكان متسع غایة، مملوء بالقوالب التی تملأ من تلك الحفرة فتبقی هناك زمنا حتی تجمد فعند ذلك یصب فی كل قالب ماء أبیض، یقرب من لون الحلیب، مقدار نصف أصبع، یقال إ هذا الماء هو الذی یصفی لون القالب حتی یصیر أبیض كما/ 57/ یری، و انظر من أی شی‌ء هو ذلك الماء المتخذ للتصفیة. و عندما تجمد هذه القوالب و تبیض یبقی إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 141
برأس القالب أقل من شبر زروقة، كأن هناك ماء، فعند ذلك تنقل تلك القوالب إلی محل آخر كمحلها المذكور، و یوضع كل قالب فی حفرته لتصفیة تلك المائیة الباقیة فیه، لأن فی أسفل كل حفرة إما تقبة أو تقب تنشف القالب و لا تبقی به شیئا من المائیة و الزرقة، و نزع منها قالب بمحضرنا فخرج من حفرته صوت یصفر و لم یخرج منه ریح. و هذا كله و كبیر المكینة أمامنا یطوف بنا فیها، و یطلعنا علی أطوار السكر طورا بعد طور، حتی أتی بنا إلی محل تخرج منه القوالب التی تم تیبیسها و تصفیتها، فوجدنا هناك خدمة عدیدة، و قوالب من السكر مرصفة بعضها فوق بعض كالجبال، و أكثرها القوالب التی من نحو ربع قنطار فی القالب، و أقلها و أضعفها قوالب صغیرة هی التی تأتی إلی الغرب . و هؤلاء الخدمة كل اثنین متقابل علی مائدة بینهما یمسك كل/ 58/ واحد منهما قالبا من ید الآخر، و یضعه بین یدیه فوق رزمة الكاغد المعد للفّه فیه، فیلفّه فی كاغدین كأسرع ما یكون، و أمام كل واحد منهما متعلمان یشدان القوالب فی الخیط بحیث یلف قالبین فی الكاغد، یشدها بالخیط المتعلمان اللذان أمامه، فیمسكه آخران یناولانه لغیرهما حتی یصل لمحل وضعه.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 142

نشر قوالب السكر و تقریضها

ثم أوتی بنا إلی محل آخر فیه خلق كثیر من النساء و الرجال ینشرون القالب الكبیر من السكر كما ینشر العود حتی یصیر القالب الواحد مثلثة علی هیئة المثلث، و كیفیة نشره أن الرجال المكلفین بالنشر جالسون علی الشوالی و أمام كل واحد منهم بقربه ناعورة تدور دورانا سریعا حرفها كالمنشار و الله أعلم. و هی علی قدر ناعورة الشراط، من حدید مهند رقیقة كرقة المنشار. هكذا ظهر لی بحسب الأمارات الدالة علی ذلك، فیعمد هذا الرجل المقابل للناعورة فیمسك رأسه بیدیه، فیجعل طرف القالب من جهة قعره متصلا بتلك الناعورة، أی بحرفها، و یدفعه إلیها دفعة واحدة، فتقطعه الناعورة/ 59/ و عند ذلك یكون متعلم قبالته، و الناعورة بینهما، فاللوحة التی تنفصل من القالب أولا هی أصغر ألواحه، یتلقاها حین النشر ذلك المتعلم، و الباقی من القالب بید صاحب الناعورة، فیعید عمله بأن یقدم قعر القالب إلی الناعورة، و یدفعه إلیها فتشقه أیضا فتنفصل منه لوحة أخری أكبر من الأولی فیتلقاها المتعلم أیضا و هكذا ثالثا و رابعا و خامسا و هلم جرا حتی یتم القالب. و غلظ اللوحات بقدر واحد غیر مختلف لما ستعلمه بعد بحول الله.
ثم إن هذا المتعلم حین یتلقی اللوحة المنفصلة من القالب یدفعها عاجلا من غیر تراخ لرجل آخر، عن یمینه صاحب ناعورة النشر أو یساره جالس كجلسة صاحب الناعورة. فیقبض تلك اللوحة من السكر من المتعلم، و ینشرها علی طولها نشرا مستویا خطوطه، بحیث یدفعها إلی نواعیر صغیرة تدور كأسرع ما یكون، فتخرج تلك اللوحة مقسومة طولا قسمة مستویة، كل قسمة منها كالفتقیة مربعة، ثم تأتی متعلمة أخری و تأخذ/ 60/ تلك الفتاقی، و تدفعها شیئا فشیئا لمتعلمة أخری جالسة علی كرسی، و أمامها مكینة صغیرة تقرض بها تلك الفتاقی من السكر تقریضا مستویا بسرعة، و المكینة تخدمها بید واحدة، و یدها الأخری تناول بها الفتقیة إلی المكینة، بحیث تدخلها فی فرجة و هی تحرك ید المكینة، فتخرج الفتقیة مقسومة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 143
بمربعات صغیرة و مع هذا تخرج الفتقیة مقسومة كما قلنا، و مربعاتها یوالی بعضها بعضا علی سمت واحد، مصطفة، فتأتی متعلمة أخری فتدفع الفتقیة بتمامها فی دفعة واحدة جامعة یدیها علی طرفیها، و تضعها فی صندوق مبطن بكاغد الصرف لكی تزیل من كل فتقیة المربعة الأخیرة التی تكون من ناحیة رأس القالب لأنها لا تكون مربعة فتتركها. و هناك نحو مائة من المتعلمات، و معهن الرجال المشتغلون بالنشر المذكور، و نواعیر النشر كثیرة و إنما وصفت لكل منها كیفیة نشر/ 61/ قالب واحد، و القوالب التی تنشر تجعل فی الصنادیق علی الكیفیة التی ذكرت، و لا یسبق لفهمك أن تلك المربعات المستویة من السكر ترمی فی الصنادیق كیف ما تأتی، بل توضع فیه مصطفة شیئا فوق شی‌ء حتی تملأ الصنادیق و تسمر، و هذا السكر هو الذی یباع فی مرسیلیة و باریس للقهوة و الأتای و غیرهما. و أما تلك المربعات التی تترك من السكر لكسرها فإنها تجمع مع الغبرة التی تسقط حین النشر فیجمع بعضها إلی بعض لبانه، هذا ما استحصرته من أوصاف تلك المكینة.
و أما الطناجیر المعدة للطبخ ففی طولها اثنا عشر مترا. مقدار أربع و عشرین قالة غیر شی‌ء. و هناك كرات نحاس عظیمة قطر دائرتها العظمی أزید من أربعة أذرع، و آلات أخری لا یسع بسطها قرطاس، و لم تبق فی قابلیة إذ ذاك لا یمكن تتبعه و البحث فیه لسخونة المحل، حتی أن بعض الخدمة یخدمون عراة عدا المآزر یأتزرون/ 62/ بها. و سئل عن الخدمة القائمین بخدمة هذه المكینة فقیل إنها تمانمائة من الرجال و مائة من الإناث، و الخدمة لا تفتر و لا تعطل أصلا، و كل واحد یخدم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 144
ثنتی عشرة ساعة. و یبدل بغیره. و سئل عن إقامة المكینة ما ثمنها، فقیل النحاس الذی بالطبقة السفلی ثمنه مائة ألف ریال، فما بالك بما فوقها، و سمعنا بأن حكیما هناك التزم علی نفسه أن یخدم السكر القالب و یوجده فی أربع و عشرین ساعة، و أنه لا یضیف إلیه شیئا مما یصفی به الآن، فقیل له إن القائمین بخدمة المكینة الآن حیث یستوفون مدة كنطردتهم یكون الكلام فی ذلك.
و سمعنا بأن بمرسیلیا ثمان مكینات تخدم السكر مثل هذه.
و حین هممنا بالرجوع وجدنا أنفسنا بنا من العرق كمن فی بحر غرق. فطلب منا محل نجلس فیه بقصد الاستراحة مما جل بنا من التعب و كثیر النصب. فأوتی بنا إلی صالة مستملحة، وجدنا فیها شوالی و مائدة حلاوی و القهوة/ 63/ و بعض تلك الحلاوی معقودة علی الثلج، تناولنا شیئا منها فعن قریب استرحنا مما كنا نجده من العرق و التعب، ثم خرجنا و ركبنا الكدشین و رجعنا إلی محلنا بسلامة و عافیة و الحمد لله، و قد قام كبیر مرسیلیة بضیافتنا مدة إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 145
الإقامة بها أتم قیام و أحسن غایة الإحسان، كثر الله ماله و ولده ذو أطال عمر مولانا أمیر المؤمنین فی عافیة و سلامة، و جعله ممن شید أركان السنة و الدین علی أساس الحفظ و كمال الرعایة بمنه جل جلاله و أطال عمره فی حیاة الدنیا فی سلام و عافیة.

الخروج إلی باریس‌

و فی یوم الأربعاء رابع عشر جمادی المذكور . قبل العصر توجهنا لطریق الحدید بقصد الرحیل لقاعدة باریس، ذات الحسن الفرید، الجامعة لما تشتهیه النفس فی الأرض علی وجه ما تحب و ترید، إذ هی كما قیل جنة الدنیا بلا منازع، و مأوی الحكماء و العقلاء و النبلاء بلا معارض فإلیها تصبو نفوس العشاق، و یحن لوطنها قلب المشتاق، و قلت فیها مخاطبا لها و منبها لمن عنها قد لها:
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 146 أباریس إن كانت علی الأرض جنةفأنت هی المأوی علی رغم حاسد
فما تشتهیه النفس من كل رائق‌كثیر بها لكنه غیر خالد

بعض أوصاف الطریق بینهما

/ 64/ فوصلنا إلی سكة تلك الطریق، مع أحفل مرافق و أجل رفیق، فجلسنا هنیئة بمقعد المكلف بالبابور ذی السعی المبرور، و الفضل المأثور، و أظهر من المحبة و الفرح ما انبسط به الصدر و انشرح، ثم نودی للركوب، و هیأ عربیة أنیقة أجمل مركوب، فصعدناها بعضنا بأقصاها و آخرون بأدناها، و وجدنا بها سباطین مرتفعین و شیلیتین كبیرتین و بها سراجم زاج بستور زرق، ترسل علیها حین الاحتیاج، فجلس
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 147
كل منا فی محل یناسب مرتبته، و یلائم مقداره و منزلته. ثم أخذ البابور فی السیر بلا مشقة و لا ضیر، قاصدا سمته، ما ماد، و لا مال، و نحن بین جنتین عن یمین و شمال، و الأنهار جاریة، و أشجار البساتین متقاربة لا متجافیة، و الأنهار قارة تسیر بمسیرنا، و تارة تعارضنا فنشقها علی قناطیر بطریقنا و تارة تلقانا الجبال الشاهقة، فتری الطریق تشقها كأنها دكتها صاعقة. و كم فی الطریق من المدن و المداشر./ 65/ فیها فابریكات الصنائع، و عجائب المفاخر، و امتدت السكة علی هذا المنهاج الذی فیه غایة السرور و الابتهاج من البدایة إلی النهایة، بما فیه من المصالح فوق الكفایة، إذ لیس تری بعد الجبال الیسیرة و القری، إلا جنات تجری خلالها الأنهار، أو مزارع و صفوف البلنز من الأشجار، عن الیمین و الیسار، تروق المبصرین، و تسر الناظرین، هذه بعض أوصاف هذه الطریق علی سبیل الاختصار، و لیس ذلك منی محضر اختصار، لأننا أدركنا اللیل، و جر علینا من النوم كجر السیل، فحصل لی من الملل و موحیات الكسل ما هو مغروز فی طباعی، و لا قدرة به لساعدی و باعی، و كأن الشأن فی مسیرنا و دأبا فی طریقنا كلما وصل البابور إلی مدینة، یفق یسیرا لقانون مشهور، فیوتی لنا بما هناك من الأطعمة و الأشربة، مستلذة غیر مطربة، فنتناول منها شیئا یسیرا، و منا من یتزود منها قدرا كثیرا، فكانت النعم تصحبنا فی السفر كما كنا نجدها فی الحضر .
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 148
/ 68/ فلیس من سمع كمن رأی، فهی غرة العاجلة بلا نكیر، و بهذا نبأتك و لكن لست بخبیر، فإن كنت من الأعیان، فانهض إلیها فلیس الخبر كالعیان، و إن كنت من العاجزین فاقنع بما أتیتك و كن من الشاكرین. و قد سبق أننا ركبنا فی تلك الأكداش، و كان ذلك علی ید المخزن، فصرنا فیها فی طریق علی سمت واحد خمسا و ثلاثین دقیقة مجانیة .

وصف الدار المعینة للنزول‌

فوصلنا إلی الدار التی عینت لنزولنا و هی دار عظیمة أعظم بكثیر من دار مرسیلیة، إذ طولها مائتان و خمس و عشرون خطوة، و عرضها مائة و خمسة و سبعون، و قد اختلفت أوضاع طبقاتها الخمس بحسب المقاصد، و لم أجد سبیلا لحصر شكلها و ضبطه، إذ فیها سبعمائة صالة كما قیل، و طرق الطبقات متشابهة، و أشكال الأبواب متماثلة، حتی إنی ذهبت مع الأمین ذات یوم للصالة التی بها أصحابنا لتفقد حال أحدهم كان شاكیا، فوجدنا أحدهم من خدامهم فی الطریق التی بها صالتهم متحیرا، یرید من یرشده إلیها بعد ما كان خرج منها قریبا لوطر. و له هناك نحو ثلاثة أیام، و العذر له، لأنه/ 69/ لا یعرف الحساب لیهتدی بها إلی رقم محلهم. و نحن نزلنا فی الطبقة الثانیة فی صالات متعددة، و هی أفضل بكثیر من صالات أو طیل مرسیلیة، إذ الموائد التی توضع علیها الأطعمة و الأشربة مساحة سطحها مورق بالتذهیب مع الألوان، و أرجلها مرصعة بالصفر المورق، و كم فیها من ماریو علی هذه الصفات، و مرآتها أكبر كثیرا من تلك المرآت، و بشوالیها تذهیب و صدف، و فیها أوانی عمل التینة، یجعل لها مقعد متصل بها تقف علیه من الصفر و بحرفها من الأعلی كذلك، و غیر ذلك من الأثاث و التحف و الثریات مما یطول وصفه.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 149

الحمّامات‌

و وجدنا فی الطبقة الثالثة حمامات متعددة فی محل واحد، منها ما فیه الماء البارد فقط و منها ما فیه البارد و الحار، لكل واحد مجاری تخصه، فأما الذی فیه البارد فقط ففیه صهریج صغیر، فی طوله نحو ثلاثة أذرع، و عرضه نحو ذراع و نصف و بسقف هذا الصهریج جعبة نازلة منه مسامتة لوسطه بحیث تكون فوق رأس الواقف فیه/ 70/ فی وسطه، و برأس هذه الجعبة آنیة علی هیئة المكب الصغیر، و هی من بعض المعادن، أضیقها متصل بالجعبة و أعرضها نازل إلی ناحیة الصهریج. فإذا أخذت قنبة هناك بیدك و جذبتها إلی أسفل ینزل الماء فی تلك الآنیة فتلقاه ورقة ملصقة بمحیط الآنیة، و بها ثقب صغیرة، فتری الماء ینزل منها كالمطر الغزیر، یقال إن ذلك یستعملونه لبعض المرضی، و الماء الذی ینزل فی الصهریج ینصرف منه فی مصرف الآخر، و فی هذا المحل أیضا بویت صغیر مستدیر الشكل كهیئة البرمیل الكبیر، أطول من قامة الإنسان بیسیر، و بداخله دوائر مجعوبة متصاعدة بعضها فوق بعض جلها ثقب، فإذا جذب أیضا القنبة التی هناك تری الماء یخرج من الثقب كلها، كل جهة ترمی الماء إلی الجهة المقابلة لها، و ذلك من الأدویة عندهم كما قیل.
و أما الذی فیه الماء الحار ففیه صهریج كالذی وصفته، و فی أعلاه بزبوزان یجری لأحدهما الماء الحار و للآخر البارد فیوخذ منهما القدر المحتاج./ 71/ و هناك زیوف بیضاء و ملابس كذلك إذا أحب الإنسان أن یلبسها أولا بعد الفراغ من الغسل فله ذلك بحیث ینزعها عند الخروج. فدع عنك الطمع، و كن عاقلا و ارفع همتك، و لا تكن غافلا و خذ بحذرك لیلا یزدری بقدرك، و بهذا المحل حمامات عدیدة كما سبق، و السر فیه أنهم جعلوا لها فی بیت واحد طنجیرا عظیما یجری منه الماء الحار إلی المواضع التی یحتاج إلیه فیها. و فی هذه الحمامات سراجم كبیرة من زاج به طلاء، بحیث یدخل الضوء مع وجوده إلی الحمام و یبقی الرجل به مستورا لا یری و لا یری، و فی كل طبقة بیوت الخلاء، كبیوت الخلاء التی بمرسیلیة، لكن بقربه متصلا به بیت آخر، مستقل فیه الماء فی بزبوز یوخذ منه القدر المحتاج. و كنا فی مرسیلیة فی غایة الضیق من فقد الماء علی هذه الحالة، و وجدنا بقرب صالتنا قنوطا طویلا عریضا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 150
مقبیا قریبا من قنوط مرسی العدوتین، له أبواب عدیدة، و مرآة طویلة و سقفه مزخرف بالتمویه. بتوریق أنیق./ 72/ و حین وصلت فی الكتابة إلی هذا المحل، و ذلك فی الساعة السادسة من بكرة یوم الثلاثاء العشرین من جمادی الأولی المذكور ، دخلت إلی هذا القنوط، لكونه كان فارغا لیس فیه أحد إلا رجلان یكنسانه.

أوصاف هذه الصالات‌

فأخذت قلما من مكاتبهم الموضوعة هناك، و قیدت بطرة الورقة یمنته بعض صفاته. أما طوله فخمس و خمسون خطوة متوسطة. و عرضه ثنتا عشرة خطوة، و امتد مع طوله تربیعات سبع كأنها أبواب طول التربیعة إلی ناحیة القبوة نحو سبعة أذرع، و امتدادها أعنی عرضها نحو خمسة أذرع، و هذه التربیعة عمرت بورقات ثمان من زاج، منها أربع كبیرة طولها نحو أربعة أذرع و نصف، و العرض نحو ذراع، و الأربع الأخری فوقها، طولها نحو ذراع و نصف و العرض واحد. و فی الورقات المذكورة فتقیات
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 151
عود المموه، و فی كل باب نصف دائرة سطحها زاج ممسوك بالفتقیات كما ذكر، و هذه التربیعات السبع التی كأنها أبواب تقابلها مثلها فی الجهة الأخری، و الغاربان/ 73/ فیهما الزاج كما ذكر، و بسقفه ثریات ثلاث. بالغاربین مجانتان كبیرتان، و فیه مائة شلیه محیطه به مبطنة بالموبر الأحمر الرفیع منها نحو ثلاثین شلیة كبیرة و الباقی دونها، و بوسطه مائدة كبیرة ممتدة مغطاة بالموبر محیط به ترییش حریر كبیر من لونه، و أربع موائد أصغر منها بالموبر أیضا، كل اثنتین فی طرف، و بأرضه زربیة علی قدر طوله و عرضه، و هو معد عندهم للأكل یأتی إلیه التجار النازلون فی صالات هذه الدار، فی وقت الفطور و الغذاء. و فی اللیل یكون معمورا و لا تسمع فیه كلاما و لا عتابا و لا ملاما، و إنما تری كل واحد جالسا علی شلیته یشرب الدخان و هو مشغول بكزیطته . فما أعظم تولعهم بهذه الكزیطات! و لعلها عندهم من المفرحات المنشطات، و إن كانت هذه من ذلك القبیل، فصن نفسك عنها یا نبیل.

صائر هذه الدار و تحفها

و سئل عن قدر صائر هذه الدار التی بنیت به، فقیل قدره ثمانیة عشر ملیونا من الإفرنك، و فیها ملیونان منه من التحف و الأوانی، و تكری بخمسة/ 74/ عشر ألف
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 152
ریال فی كل شهر.

بعض أوصاف باریس‌

و أما طرقها فهی أعرض بكثیر من طرق مرسیلیة، و الأشجار ممتدة معها من الجهتین، و الفنارات بینها مرفوعة علی أعمدة من النحاس المخروط المورق. من أسفله عریض، ثم یتناقص تدریجیا إلی أعلاه. و كنت أتعجب من استقامة تلك الأشجار بحیث لا تری فی أصولها شیئا من الاعوجاج، حتی وقفت علی العلة فی ذلك فی الأشجار الصغیرة، و ذلك أنهم یتخذون خشبة طویلة مستقیمة و لعلها تغرس فی آن واحد حین غرس الشجرة و یربطونه معها، و یجعلون حائلا رطبا بما یلی الشجرة، و بأصولها دوائر حدید یوصل بعضها ببعض بقضبان منه، و یبقی تحتها فضاء بینها و بین أصل الشجرة، و انظر ما السر فی ذلك، و فی بعض الطرق أماكن فی غایة التوسعة، مغروسة كلها بالأشجار، محدقة بألوان النوار، و بین الأشجار شیلیات، فبعض هذه المواضع یتخذ للقهوة، و یوجد مثله یتخذ أسواقا للخضر و النوار و غیرهما، و تلقی فی بعض الطرق خصات/ 75/ لعلها من رخام أسود علی كیفیة عجیبة، و ذلك أن أصل الخصة یحیط به صور آدمیین سود، بین أرجلهم صورة حوت، ینبع الماء من فیه، یرمی أمامه، و فوق هذه الصور بنحو ثلاثة أذرع بحسب ما یری الرائی من بعد خصة مستدیرة، و فی وسطها بناء مرتفع علی هیئة المظل، ینبع الماء من رأسه، و ینزل فی تلك الخصة. و أمام تلك الصور السفلیة صور آدمیین دائرین بتلك الصور، بینهم بعد أمامهم و هم ماسكون شیئا بأیدیهم قد ضموه إلی صدورهم، و الماء یخرج منه مرتفعا یرمی وراءهم إلی تلك الخصة التی فوقها المظل. ثم صهریج كبیر مستدیر محیط بالجمیع، و تتبع وصف ذلك كله یطول.
و فی الیوم الذی دخلنا فیه لباریس و هو یوم الخمیس منتصف جمادی الأولی المذكور بعدما نزلنا بتلك الدیار، قدم رجل من كبراء الدولة و هو قائد المشور عندهم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 153
إلی الباشدور صاحب السر المذكور، و أخبره أن كبیر دولتهم/ 76/ أرسله إلیه یحمد الله تعالی لسلامته و عافیته، و أنه یقول له: مرحبا بكم و بقدومكم، و قد حصل له فرح و سرور بورودكم، فأجابه بما یقتضیه المقام من حسن الخطاب و لین الكلام ثم أخبره أن كبیر الدولة یأذن له فی الطلوع إلی دار المخزن عندهم فی مساء غد، یعنی یوم الجعة ، فأخبره أن الخیل لا زالت بمرسیلیة، تأخرت هناك بإذن الطبیب بقصد الاستراحة، و كیف تتأتی الملاقاة بذلك. فقال إن كبیر الدولة یعلم بذلك، و مقصوده بهذا الطلوع الاهتمام بكم، و مزید الاعتناء بجانبكم، و حین ترد الخیل تطلعون بها مع الهدیة ثانیا، فوعده بالطلوع.

الخروج لملاقات عظیم دولتهم‌

و فی الساعة الرابعة من مساء یوم الجمعة المذكور، وجه كبیر الدولة كدشه الذی یركب فیه لصاحب السر المذكور، و كدشین آخرین بقصد الطلوع و الملاقاة معه و مع بعض خواص عسكره، فتأنینا حتی دخل وقت صلاة العصر و صلینا، ثم خرجنا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 154
فركب صاحب السر كدشه الخاص، و معه ترجمان الدولة و قائد المشور، و ركب/ 77/ الأمین و كاتبه فی كدش آخر، و المخازنیة الخمسة فی كدیشین بعد، و ذلك بعدما لبسنا الكساوی التی أنعم بها مولانا علینا أنعم الله علیه بخر الدارین، و تقبل عمله و بلغه قصده و أمله، و هی لكل واحد قفطان عجمی، و سروال و سلهام سكری من ملف البحر الكبیر، و فرجیة و قمیص بالحریر و قلنسوة، و شقة حیاتی، و حایك فاسی رفیع. و للمخازنیة مضمات جلد بالحریر، ثم سرنا و صاحب السر أمامنا، و نحن بعده إلی أن وصلنا لدار المخزن، فدخلنا إلی المشور فوجدنا صفین من العسكر محیطین بجدرانه، مع كل واحد آلة حربه، فزدنا إلی القبة التی فیها كبیر الدولة فارتقینا إلیها فی درج بین صفین من العسكر یمینا و یسارا، لم أتحقق بوصف كساویهم لعدم الإلتفات إلیهم إذ ذاك، فدخل صاحب السر أولا و تبعه كاتبه و كان بیده الكتاب الشریف فی غشائه من موبر مرقوم بالصقلی الذی صاحبه معه صاحب السر المذكور لكبیر الدولة، و الأمین قریب منا و المخازنیة/ 78/ الخمسة وراءنا، فوجدنا كبیر الدولة واقفا فی وسط القبة و وزراؤه واقفون خلفه، و رؤوسهم مكشوفة علی عادة أدبهم.
و نحن دخلنا علی زینا و أجنحة سلاهمنا مرسلة. ثم إن صاحب السر كان أراد أن یتكلم دون ورقة بیده، فكن طلب منه ترجمان الدولة قبل أن یكتبه فی ورقة و یأخذ منه نسخة یعربها ، و عند الملاقاة یقرأ تلك الورقة علی كبیر الدولة، فیجیبه فی ورقة یقرأها كذلك، فقرأ تلك الورقة جهرا كبیر الدولة، فلما وصل إلی الكلام علی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 155
ذلك الكتاب الشریف ، إلتفت إلی صاحب السر المذكور، فناولته له باصطلاح ما تقدم، فأخذه من یدی و ناوله لكبیر الدولة فأظهر به فرحا و تعظیما و ناوله لوزیر الأمور البرانیة كان متأخرا عنه عن یمینه، و عند تمام قراءة تلك الورقة عربها الترجمان لكبیر الدولة، بل قرأها، و كانت عنده معربة. ثم أخرج كبیر الدولة ورقة و قرأها كالسر بأدب و انخفاض رأس، و ضمنه ما تقدم/ 79/ من الترحیب و الفرح و السرور.
ثم خرجنا و وصف تلك القبة لم أحط به لعدم الالتفات لذلك. و إذا كانت الأماكن العامة علی الصفة السابقة، فكیف بقبة الأمیر. فخرجنا، فأخذ أصحاب الموسیقی فی عملهم ثانیا حتی خرجنا من المشور، و رجعنا إلی الدار.
و بنفس وصولنا إلیها رجع قائد المشور، و أخبرنا أن وزیر الأمور البرانیة یطلب منا الطلوع إلی داره فی تلك الساعة، فرجعنا ثانیا، و دخلنا إلی القبة الثالثة، فوجدناه واقفا فیها و معه رجل آخر كاشفین رأسیهما و جری بینهما كلام ببعض ما تقدم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 156
عند كبیر الدولة، و ناولنا القهوة بتلك القبة، ثم خرجنا من عنده فتبعه صاحب السر إلی باب القبو الأولی و أعلمه أنه یأتی إلیه غدا. یعنی یوم السبت السابع عشر منه، لكن لم یعین وقت المجی‌ء. ثم عرض لهم مجلس فی ذلك الیوم، و تعذر علیه القدوم، فوجه رجلا معتذرا عنه بسبب عدم مجیئه، و أخبر أنه سیأتی فی الساعة الأولی من یوم الأحد/ 80/ الثامن عشر منه . فقدم فی تلك الساعة و جری بینهما كلام بمضمن ما تقدم ، و أخبره أن كبیر الدولة أمر بإنشاء فرجة مسابقة الخیل عندهم، و ذلك لأجل فرحه بقدومنا. و أن نطلع بقصد الفرجة فیها فی تلك الساعة لمحلها.

فرجة المسابقة

فركبنا فی الأكداش، و صرنا إلی محل بطرف البلد متسع غایة. و إذا به خلق كثیر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 157
وجم غفیر، كأنهم جراد منتشر مهطعین إلی الداع. فدخلنا إلی محل خاص لا یدخله إلا المأذونون لدخوله من أهل القرب و الاختصاص . و فیه قبب مبنیة مرتفعة. فطلعنا إلی إحدی القبب، فوجدنا فیها بعض الناس من خواص الدولة، و إذا بكبیر الدولة معهم. فحین رأی الباشدور صاحب السر المذكور، قام إلیه، و نزع ما كان علی رأسه بشماله، و صافحه بالیمین و مرحب و ما قصر فی البشاشة و التعظیم، ثم زاد معه إلی دربوز مشرف علی تلك الخلائق، و رجع إلینا حیث رآنا بقینا واقفین لم نتبعهما إلی المحل الذی زادا إلیه، و تكلم معنا/ 81/ فقال لنا ترجمان كان هناك/:
یقول لكم إن شئتم فادخلوا معه إلی ذلك المحل الذی دخل إلیه الباشدور، و إن شئتم فاصعدوا إلی القبة الفوقیة، فصعدنا إلیها أدبا مع الباشدور، لأن ذلك المحل كان معه فیه كبیر الدولة و زوجته و بعض خواص الدولة، و حین ارتقینا إلی الأعلی أشرفنا علی جمیع تلك الخلائق، و هم علی فرقتین، فرقة فی الجهة التی فیها قبة كبیر الدولة و لا یدخلها إلا من یعطی قدرا موظفا للمخزن، و هم نحو النصف من تلك الخلائق، و امتدوا یمینا و یسارا، و الفرقة الأخری فی الجهة المقابلة لهم، و هم لا وظیف علیهم، و بین الفرقتین فضاء متسع ممتد بامتداد الفرقتین . فیه تتسابق الخیل، و العرف عندهم فی هذه المسابقة أنه یخرج عدة من الفرسان، و یشرعون فی العدو فی آن واحد حتی یصلوا علامة قبالة القبة التی كان فیها كبیر الدولة، ثم یستمرون علی عدوهم و جریهم إلی منتهی الفرقة التی عن یمینهم فیرجعون و یلوون عن الیمین، و یستمرون
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 158
كذلك و هم یدورون/ 82/ بتلك الفرقة إلی أن یرجعوا إلی المحل الذی كان منه ابتداء مسابقتهم، و یستمرون كذلك حتی یصلوا إلی قبالة تلك العلامة، قبالة كبیر الدولة المذكورة. فمن سبق و وصل إلیها أولا یقبض ستة آلاف ریال من المخزن، و لعلها من الوظیف الذی یوخذ من الفرقة التی فیها قبة كبیر الدولة. و قد وقعت المسابقة عندهم فی ذلك الیوم بمحضرنا ثلاث مرات، فحین كان یعزم أحد المتسابقین إلی تلك العلامة، یسمع ضجیج عظیم من الفرقتین كأنهم یمدحون السابق و یسخرون ممن تأخر. و قد قیل إن مقدار ما قطعته الفرسان فی جریها فی المرة الثالثة هو واحد و عشرون مائة متر . و كنت إذ ذاك أحاول ضبط ذلك القدر، فرصدتهم حین الابتداء فی المسابقة فی المرة الثانیة إلی أن وصلوا إلی العلامة، فكان ما بین صدورهم عنها و رجوعهم إلیها مقدار عشر دقائق. و ذلك فی المرة/ 83/ الثانیة التی قیل فیها إنهم قطعوا فی مسابقتهم اثنتین و ثلاثین مائة متر. فانظر فی ذلك لأنك إذا قسمت هذا العدد علی ستمائة التی هی مقدار أجزاء العشر دقائق مدة مسابقتهم فی هذه المرة الثانیة، كان مقدار ما ینوب الجزء الواحد من أجزاء الدقیقة الواحدة المجزءة إلی ستین جزءا هو خمسة میاتیر و ثلث، و هی مقدار أحد عشر ذراعا عندنا تقریبا.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 159
فتكون تلك الخیل قطعت فی العشر دقائق علی هذا ستة آلاف ذراع و ستمائة ذراع، هی مقدار ثلاثة أمیال و ثلث میل تقریبا، فعلی هذا تقطع الخیل فی جریها فی الساعة الواحدة بذلك الاعتبار ستة عشر میلا و ثلث میل أیضا . فإذا جعلت تلك المیاتیر محیط دائرة كان تكسیرها میاتیر ثمانمائة ألف میتر، و أربعة عشر ألف متر، و تسعون مترا و عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من المتر الواحد هكذا 814090 م/ 84/ قطرها ألف متر و ثمانیة عشر مترا و زیادة، و ذلك قریب من میل واحد، و المحل الذی كانت فیه المسابقة كان بمرأی منا و أرضه مبسوطة، و بینه و بین منتهی البصر بعد كثیر، لهذا استبعدت ما ذكر من عدد المیاتیر 3200 التی قیل إن الخیل قطعتها فی المرة الثالثة. و عند انفصال هذه الفرجة و نزولنا من تلك القبة وجدنا كبیر الدولة فی سقف القبة الوسطی، فتكلم مع الأمین المشار إلیه كلاما عربه مترجمه بقوله: إن كبیر الدولة عزم أن یجعل لكم عزومة، یعنی ضیافة و یحبكم أن تطلعوا لداره یوم الأربعاء قلیلا. فقال له حبا و كرامة. ثم رجعنا إلی محلنا فی الأكداش.

فابریكة أوانی المعدن‌

فی یوم الإثنین التاسع عشر منه، ركبنا فی أكداش المخزن أیضا فی المساء حتی وصلنا إلی دار فابریكة صنع الأوانی و الأثاث المعدنیة، فوجدنا فیها خلقا كثیرا إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار ؛ ص159
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 160
و أوانی و أثاثا مختلفة الأشكال، لا تكاد تحی،/ 85/ فرأینا الأوانی المستدیرة كالصینیات و غیرها تدور فی المخرطة، و كذلك صینیات أتای علی شكل البیضة كذلك تدور فی المخرطة، غیر أنها لیست مقبوضة فی ناعورة المخرطة من الوسط، بل من الطرف. و حین الخرط تراها ترتفع و تنزل فتخرج الدوائر التی بها علی شكل البیضة موازیة لها، من غیر انحراف و لا تفاوت، مع أن شكل البیضة یحتاج فی رسمه إلی عمل هندسی صعب المباشرة، كما فی الشكل العاشر من المقالة الثالثة من كتاب أوقلیدس . و هذا من العجب و الأمر المستغرب. و هذه الأوانی أصلها نحاس أحمر كما شاهدنا. و كلها لها قوالب عدیدة، منها ما فیه نقش، و منها ما لیس فیه نقش. و عند فرغها تدفع لمن یمسحها و یصقلها، و من الأوانی ما یكون مركبا من أجزاء، كبعض برارید المعدن و غیرها. بعد فرغها ثم تضم أجزاؤها/ 86/ بعضها إلی بعض، و تشد بالسلك، و توضع فوق مجمر كبیر مملوء فحما و رجل یقابله، و عن یمینه كیر یمسك جعبته بشی‌ء بیده، و یقابله بتلك الآنیة، و یحرك خیطا عن یمینه فتخرج من فم تلك الجعبة نار زرقاء تلتهب، و یرسلها علی تلك الآنیة التی فوق ذلك المجمر، و علی الفاخر الذی فیه، فیدیر لهبها علی الآنیة یمینا و یسارا، فلم یكن غیر هنیئة إلا و تری تلك الآنیة تلتهب و بذلك تلتئم أجزاؤها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 161

صفة تذهیب بعضها

فإذا أرادوا صبغها بالمعدن یأتون بها إلی صنادیق من نحاس مملوء ماء، طوله نحو ذراعین و عرضه نحو ذراع و نصف، و علوه كذلك. و هذه الصنادیق هناك كثیرة غایة، و علی كل وجه صندوق فتقیات نحاس بها ثقب كثیرة، معقود فیها خیوط من سلك نحاس، فیعقد فی أطرافها الآخر الأوانی، و ترسل فی ذلك الماء الذی فی الصندوق.
و هذه الفتقیات الموضوعة/ 87/ علی وجه الصندوق أعنی موضوعة علی عرضه، و یقاطعها جعبات موضوعة علی طوله، و لعلها فیها كهرباء الصبغة، لأن الأوانی التی تكون فی الماء الذی فی الصندوق لها اتصال بتلك الجعبات بواسطتی السلك و الفتقیة الموضوعة علی الجعبة، و لو لم تكن هذه الجعبات ما أفاد ذلك الماء شیئا فی الأوانی، لكن مع وجود صندوق به ورقات فضة خالصة كما قیل، رأیناها موضوعة فی الصنادیق، فرأینا فی بعض الصنادیق معالیق معلقة فی تلك الفتقیات بالسلك، فتبقی هناك قدرا معلوما عندهم، ثم یستخرجونها بیضاء كالفضة، فتدفع لمن یمسحها و یصقلها، و قیل لنا هناك إنهم إذا أرادوا صنع أوانی یزنوها حتی یعرفوها أی قدر وزنها، و عند خروجها من الصنادیق یزنونها أیضا لیعرفوا قدر ما أخذت من المعدن.
و رأینا فی صهریج عندهم ماء كثیرا، و فی أحد جوانبه حجر أزرق موضوع فی الماء، لعله یذوب/ 88/ فیه. و كبیر هذه المكینة یدور معنا ببشاشة، و یساعدنا غایة المساعدة فیما نطلب منه. ثم انتقل بنا إلی محل آخر وجدنا فیه صنادیق أخر مملوءة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 162
ماء، و الجعبات موضوعة علیها، و تكلم مع بعض الخدمة، فأخذ سكینا صغیرا بیده و عقده فی قطعة سلك و أرسله فی ذلك الماء، و قبض رأس السلك الآخر و حكه فی تلك الجعبة، ثم استخرجها عاجلا فإذا بالقدر الذی كان فی الماء خرج مفضضا حینه، ثم أرسلها كذلك فی صندوق آخر مراعیا لذلك العمل، و ترك منها قدرا مفضضا و أخرجها، فإذا بالقدر الذی كان منها فی ذلك الماء خرج مذهبا تذهیبا جیدا، ثم أرسلها فی صندوق آخر، و أخرجها منه بعدما حك رأس السلك فی الجعبة، و ترك منها قدرا مذهبا، و أخرجها فإذا بالقدر الذی كان منها فی ذلك الماء خرج مذهبا تذهیبا دون الآخر، یضرب إلی الخضرة. ثم رجعنا فی الأكداش إلی محل نزولنا.

الدار التی تباع فیها أوانی البلار

و فی مساء/ 89/ یوم الثلاثاء العشرین منه ركبنا فی أكداش المخزن أیضا، و سارت بنا إلی أن وصلنا إلی محل قیل لنا تباع فیه أوانی الزاج و الثریات و غیرها.
فدخلنا إلیها فوجدنا فی أسفلها صنادیق عود تملأ بالأوانی لتسافر لمحل آخر. فصعدنا إلی طبقة فوجدنا فیها كتابا عدیدین بید كل واحد كناش و مكتبة. ثم صعدنا إلی الطبقة التی فوق هذه فوجدنا براحها متسعا غایة. طوله مائة و سبعون رخامة، كل رخامة طولها أقل من ذراع بقلیل، و عرضها نحو ست و ثلاثین رخامة، و هی مقبیة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 163
بالزاج، و بجدرانها خزائن عود محیطة بها، و بوسطها صفان ممتدان علی طولها فیه خزائن أخری عود. و فی هذه الخزائن من أوانی الزاج ما لا یقدر علی وصفه، و هناك أوانی عمل التینة. و أما الخزائن التی فی الوسط فطولها أقل من قامة الإنسان ، و علی وجهها أوانی و أثاث و محابق النوار/ 90/ مصنوع فیها صور طیور صغیرة أصغر من البرطال. فی ریشها ألوان، فی أسفل كل محبقة مكینة، داخلها تملأ بساروتها و یحرك بعد ذلك شی‌ء بارز قرب فرجة المفتاح، فیأخذ ذلك الطائر یتكلم بصوت الطائر المعروف عندنا بأم الحسن ، و عند تكلمه یدور یمینا و یسارا، و فی المحبقة طائر آخر بارك كأن تحته بیضا، لا یتكلم و إنما یلتفت كذلك عند تكلم الآخر. و هذه المحابق هناك كثیرة بقصد البیع. و هناك ثریات معلقة فی السقف، و هی ثلاثة صفوف منها علی طول ذلك البراح كبیرة و صغیرة مختلفة الأشكال و المقدار. و بالجملة فهناك من أوانی الزاج و الأثاث عمل التینة مصطفة بتلك الخزائن مع طول هذه البقعة و عرضها، فی محیطها و وسطها ما لا سبیل إلی حصره أو وصفه. و هناك كتّاب عدیدون نساءا و رجالا. و حین سمع نساؤهن بأننا هناك خرج بعضهن بقصد رؤیتنا لأنهن یستغربن زیّنا و یتعبن منا/ 91/ فالتفتت إلینا إحداهن، فتذكرت ما قیل فی مثل ذلك:
بدار الزاج قمر فضحت زین العجم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 164 سلبت عقل رامق‌سلب عقل بصدام
هام من حسنها وجداذو عفاف و كرم
و هی من نور حسنهانقتبس محو الظلام
قلت جد لی بوصال‌قالت فاقرأ سلامی
إن بالحل وطنی‌أنتم أهل الحرم
صدقت فیما نطقت‌و حقا قالت حدم
ثم رجعنا فی الأكداش إلی محلنا.

فابریكات صنع الماریوس

فی یوم الثلاثاء العشرین من جمادی المذكور ، ركبت مع الأمین المذكور فی كدش فی الضحی، و انتهینا إلی فابریكة صنع الماریو، فوجدنا بأسفلها معلمین نجارة مشتغلین بنشر العود بالمكینة. و كیفیة النشر هنا مثل كیفیة نشر النشار التی/ 92/ سبق بیانها. فرأینا بید أحد المعلمین قطعا من العود مثل جوازی السقف مخططة طولا بجعل الخیط و هو الخیط المعروف عندنا مسامتا للناعورة، و یدفعه إلیها دفعة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 165
واحدة فتشقه فی لظة علی طولها فی حال دورانها. و بعض هذه الجوائز ینشرها عرضا قطعا صغیرة فتراه كأنه یأخذ الزبدة بالحدید، و بعض المعلمین وجدناه ینشر فتقیات صغیرة مرسومة فیها دوائر و تعریج منشار الدور. و له كیفیة خاصة، و ذلك أنهم یأخذون خیطا من الهند مبسوطا رقیقا، عرضه كحرف الریال، و یفتحون فی أحد حرفیه منشارا، و یصلون بین طرفیه وصلا متقنا حتی لا یكاد یتمیز الوصل من غیره، و یدخلون فیه ناعورتین. إحداهما علیا و الأخری سفلی. ثم یحرك بعضهم آلة المكینة فتدور الناعورتان دورانا خفیفا، و بدورانهما یدور المنشار المذكور، فیأخذ المعلم الفتقیة التی یرید نشر ما رسم فیها من الدوائر و التعریج، و یحادی بها المنشار فیشقها/ 93/ متابعا لتلك الدوائر، ثم صعدنا للطبقة الأولی وجدنا فیها صنادیق كبیرة تسمی ماریو. منها ما هو بالزاج، و منها ما هو بدونه، و وجدنا براح هذه الطبقة مملوءا بهذه الصنادیق. و هناك طبقة أخری فیها صنادیق أیضا علی أشكال كثیرة. و بهذه الدار تصنع أحكاك الباعة الرفیعة، منها ما هو منبت بالحجر النفیس، و منها ما علیه الكتابة بالتذهیب. فمن أحب حكا منها و أراد كتابة شی‌ء علی ظهره یكتب له فیه الإسم الذی أحب، أو حكمة بخط مشرقی رفیع. و أما ثمن كل حاجة من ذلك فیكاد یستبعد.

قشلة مرضی العسكر و قبر نابلیون

و فی مساء هذا الیوم ركبنا فی الأكداش المخزنیة، و توجهنا إلی قشلة فیها المرضی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 166
من العسكر، من وقت حربهم مع ابروسیا ، فوجدنا هناك أناسا كبارا مصفرة وجوهها، و علیها سلاحها و نواشین مراتبها. فتلقوا صاحب السر بالتعظیم و الترحیب، و تكلم معهم بما یناسب الحال، و دخلنا إلی مطبخة/ 94/ عامة العسكر، فوجدناها متسعة غایة، و فیها ثمانیة طناجیر كبیرة، كل أربعة فی تربیعة خاصة، و طنجیر كبیر تطبخ فیه القهوة لهم. ثم فی مطبخة الخواص من العسكر طناجیر أیضا منفصلة عن مطبخة العامة بقریب.

و بقرب هذه القشلة قبر ملكهم نابلیون الأول ، قیل لی إنه أوصی بأن یدفن بتلك القشلة، لأن فیها عسكره، و هم أولاده، و هو أحب أن یدفن بین أولاده، و القبر علی كیفیة خاصة، و هی أنك إذا وصلت إلیه تجد حفرة عظیمة مستدیرة مبنیة بالرخام، ...... و یحیط بها سوار من الرخام، بنی علیها قبة عظیمة، فنزلوا بنا فی درج عدیدة متسعة، حتی أشرفنا علی القبر من دربوز من الرخام محیط بالدارة التی فی وسطها القبر، و فی وسط براحها رخامة سوداء طولها نحو ستة أذرع، فی عرض أربعة أذرع، و علوها نحو ذراع. و فوق هذه/ 95/ الرخامة رخامة أخری طولها

إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 167
نحو أربعة أذرع، و عرضها نحو ثلاثة أذرع، و علوها نحو ثلاثة أذرع أیضا. وفق هذه الرخامة صندوق رخام أسود أیضا، یقال إن نابلیون المذكور فی ذلك الصندوق، و قدام هذه القبة قریبا منها قبة أخری أعلا منها، مقبیة بالزاج، به طلاء كالتذهیب، و الشمس مشرقة علیه، فتحسبها نارا تتوقد فی تلك القبة، و تحتها صورة آدمی مرفوع علی شی‌ء لم أدر ما هو . و من یری ذلك بعین المباهاة و الافتخار، فإنا رأیناه و الحمد لله ببصیرة الاعتبار، و نفوذ حكم الواحد الجبار، لمن الملك الیوم لله الواحد القهار.

صور المحاربین و آلات الحرب فی سالف الزمان

ثم خرجنا من تلك البقعة و أوتی بنا إلی بیوت فیها صور محاربین فیما سلف بنحو ثلاثمائة سنة كما قیل، و هم لابسون الزرد و البیض علی رؤوسهم، لا یری من وجوههم شی‌ء و تلك البیضة مسبلة علی وجوههم، فیها ثقب مسامتة/ 96/ لأعینهم و أنوفهم و أفواههم. منهم من هو راكب علی فرس و لجامه بید الراكب علیه، و الطرادة بیده، و عن یمینه و یساره صور أخری. و هم متتابعون علی هذه الكیفیة، و الدبابیز التی كانوا یقاتلون بها موضوعة هناك، لأن ذلك كان قبل ظهور البارود كما قیل. و وجدنا هناك المكاحیل التی صنعت حین ظهور البارود، و طولها نحو ستة أذرع، و هی غلیظة جدا لها نجش یقال إنهم كانوا یخرجونها بلا زناد، بل كما یخرج المدفع، و هی مختلفة فی الطول و القصر. و هناك صور بعض أهل الهند فرسانا و رماة،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 168
یتخیل للناظر أنهم موتی، و علیهم الكافور، و علیهم السیوف و آلة الحرب، و هناك سیوف عدیدة، و أسلحة كبیرة قدیمة هناك و هی مصقولة ممسوحة تحسبها جدیدة.
و هناك طرادات بالیة متلاشیة، قیل إنها طرارید ما ملكوه من الأجناس عند محاربتهم. و عند خروجنا من/ 97/ هذه البیوت إلی تربیعة كالمشور، فیه مدافع صغیرة و كبیرة قائمة علی قعرها مع الجدرات، قیل إنها أخذت للأجناس عند محاربتهم معهم.

الحضور لتسراد العسكر و كیفیته‌

و فی یوم الخمیس الثانی و العشرین من جمادی الأولی طلعنا بإذن كبیر الدولة لحضور تسراد عسكره، و ذلك فی الساعة الثانیة، فركبنا فی الأكداش المخزنیة، فلما قربنا إلی ذلك المحل و هو المحل الذی كانت تتسابق فیه خلیهم ضاقت بنا الطرق، و ضاق ذلك الفضاء من كثرة ازدحام الخیل و الأكداش المارة لهذه الفرجة، و بقینا واقفین هنیئة حتی ظننا أننا لا سبیل لنا إلی الوصول للمحل المعین لنا، فلم یكن غیر قلیل إلا و قد أتی عدد من العسكر یفسحون لنا الطریق، فبقیت الخیل و الأكداش التی فیها غیرنا واقفة فی محلها حتی مررنا و وصلنا إلی القبة المعینة لنا، فصعدناها و ارتقینا سطحها فأشرفنا علی جمیع ما هناك من الخلائق، عسكر و غیرهم، لا سبیل لحصر عددهم إلا للمتكفل/ 98/ بمددهم، و لم یكن كبیر الدولة فی هذه القبة، لأنه كان راكبا بقصد تسراد العسكر بیده، و إنما وجدنا فیها بعض أعیانه و خاصیته، و كان
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 169
العسكر إذ ذاك مفرقا فرقا فرقا، كل فرقة بمحل فرق الفرسان وحدها، و فرق الرماة وحدها، و هم متتابعون، كل فرقة تلی الأخری. و كان كبیر الدولة و اسمه المارشال قد خرج راكبا فرسه، و معه نحو مائتین من كبراء عسكره، و أتی إلی محل متسع، و الفرق من العسكر وراءه، و عن یمینه و یساره عن بعد منه، بحیث استقر كبیر الدولة بذلك الموضع و هو قبالة القبة التی نحن فی سطحها. أخذت فرق عسكر الرماة تمر أمام كبیر الدولة یتقدمها الطنابریة، و أصحاب الموسیقا و عددهم نحو مائة، یقفون قبالة كبیر الدولة، ثم یتبعهم واحد لا یحلق لحیته، و وراءه عشرة، و وراء هؤلاء العشرة فرسان متتابعون، نحو العشرة، بحیث/ 99/ یقرب الفارس الأول منهم لمقابلة كبیر الدولة فیخفض سیفه إلی الأرض مسلما بذلك علی كبیر الدولة، فیجیبه بالسلم بنزع شمریره من رأسه، بحیث یمر هؤلاء الفرسان یتبعها ثمانیة صفوف، كل صفین متقاربان، و بینهما، و بین الصفین اللذین بعدهما بعد، نحو عشر خطوات یكون فی هذا البعد نحو عشرة رماة، كل واحد فی موضع علی غیر نسق و لا تتابع، و فی كل صف من هذه الصفوف الثمانیة نحو مائة، لأنه لم یتأت حسابها. و بمرور هذه الصفوف أمام كبیر الدولة، یكون الطنابریة و أصحاب الموسیقا ملازمین لمحلهم الذی تقدم ذكره، مشتغلین بعملهم، متابعین لإشارة واحد منهم قدامهم، و یشیر لهم بیده لا غیر، كلما غیر الإشارة یغیرون الضرب متابعة له، حتی تمر الفرق التی هی مضافة إلیهم، و هی إما ثلاث فرق أو أربع أو أكثر. و لكل فرقة طنابریة، و أصحاب الموسیقا یمرون أمام كبیر الدولة علی الكیفیة السابقة/ 100/ بحیث یسلم كبیر الفرقة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 170
الفارس علی المارشال و یجیبه علی الكیفیة المذكورة، و مع كل فرقة طرادة واحدة بید الأخیر من الصف الثانی من جهة الطنابریة لا من جهة كبیر الدولة، و ظهر لی أن كل فرقة فیها ألف واحد من العسكر بحسب الطنابیر و من بعدهم من أول الفرقة إلی آخرها، لأن ثمانیة صفوف بثمانمائة، و نحو مائة من الطنابریة، و أصحاب الموسیقا و الأحد عشر التی خلف الطنابریة مع الرماة الذین بین الصفوف، و عددهم نحو السبعین لأن بین كل صفین نحو عشرة، فتكون جملة كل فرقة تقرب من الألف، لأن ذلك لیس معدودا عندی عدا حقیقیا، و إنما هو تقدیری مع احتیاط عدم الزیادة فی ذلك. و الطرادة الواحدة التی فی كل فرقة تؤذن بأن عددها ألف واحد، و الله أعلم. و حیث تمر الفرق الثلاث أو الأربع التی فی حكومة الكبیر الأول، یشیر صاحب الغزولة الذی مع الطنابریة / 101/ بها فیشیر لهم الآخر بیده للذین هم متابعون له إشارة فیسكتون و یسیرون تابعین الصف الأخیر من فرقهم التی مرت، و عند سكوتهم یشرع طنابریة آخرون فی الضرب مع أصحاب الموسیقا الآتین بعدهم، و یأتون للمحل الذی كان الطنابریة الذین مروا به مع الفرق التی مرت
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 171
و یشتغلون بعملهم كما تقدم، ثم یمر الواحد ذو اللحیة و العشرة بعده و الفرسان، فیسلم كبیرهم علی كبیر الدولة، فیجیبه كما تقدم. ثم تتبعهم الصفوف الثمانیة علی الصفة المتقدمة. هكذا كان دأب هذه العساكر الرجلیة فی التسراد. و عدد الفرق التی مرت علی هذه الصفة أربعون فرقة. فهی مشتملة- و الله أعلم- علی أربعین ألفا. ثم تبعتهم فرسان یجرون الكراریط حاملة صنادیق مقفلة، قیل فیها الشواقیر و غیرها من الآلة المحتاج إلیها فی السفر، و عددهم نحو ألفین، ثم أتت فرسان العسكر و معها الطنابریة و أصحاب الموسیقا و مروا صفا بعد صف/ 102/ و هم خمس فرق، و فی كل فرقة نحو ألف كما تقدم، و مرت بعدهم أربعون فرقة من الخیل تجر المدافع، فی كل فرقة ستة مدافع، كل مدفع یجره خمسة من الخیل، و العسكر راكب علیها، و علی كل كریطة مدفع أربعة من العسكر. و عدد الفرق التی مرت علی هذه الصفة أربعون فرقة، ففیها أزید من ألفین، لأن بعض الفرق كان یمر فیها صفان من المدفع صفا إثر صف، فعلی هذا یكون جملة العسكر الذی حضر التسراد فی ذلك نحو خمسین ألفا بین فرسان و راجلین، و من الناس من كان یقول إن ذلك العسكر قدره خمسة و ستون ألفا، و منهم من كان یقول ثمانون ألفا، و انظر ما مستندهم فی ذلك.
و قیل إن ذلك العسكر الذی حضر التسراد هو عسكر باریس لا غیر.

ضیافة عظیم الدولة للباشدور مرحبا به‌

و فی یوم الأربعاء الواحد و العشرین من جمادی الأولی ركبنا فی الأكداش/ 103/ المخزنیة فی الساعة الرابعة غیر ربعها للطلوع لدار كبیر الدولة بقصد الضیافة، لأنه كان تقدم أنه أعلمنا بذلك یوم المسابقة و لم یكتف بذلك. بل فی یوم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 172
الثلاثاء بعده وجه لنا ثلاث ورقات، عین فی كل ورقة منها اسم من یطلع منا لهذه الضیافة. منها ورقة للباشدور صاحب السر المذكور، و الورقتان الباقیتان للأمین و الكاتب. فتوجهنا لداره، و هی خارجة عن البلد بنحو ساعتین بسیر خیلهم بالأكداش، و كان عین لنا أن یكون وقت قدومنا علیه فی الساعة السابعة و نصف قبل الغروب بأزید من نصف ساعة. بحیث قربنا من الدار، نزلنا و طلعنا لصالة و سرنا حتی وصلنا إلی دار كبیر الدولة، فتقدم صاحب السر المذكور و نحن فی أثره و دخلنا إلیها فی وسط ملإ من العسكر و الأعیان،/ 104/ فتلاقی به صاحب السر المذكور، فرأینا به سرورا كبیرا، و فرحا عظیما ظاهرا علیه و علی خاصته. ثم سرنا نحو القبة التی فیها الغذاء فدخلناها فالتفت إلینا كبیر الدولة، و تكلم بلغته، فقال لی رجل من عسكره كان بقربی : إنه یقول لكم مرحبا بكم، و أنه وكلنی بالجلوس معكم لأبین لكم الطعام الحلال علیكم من غیره، و وجدته یحسن اللغة العربیة، فجلسنا علی الشوالی المحیطة بمائدة الطعام، فجلس صاحب السر المذكور عن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 173
یمین كبیر الدولة و جلسنا نحن قبالتهما منحرفین عنهما یسیرا إلی جهة یمینهما، و جلس مع الأمین المذكور عن یمینه عسكری آخر یحسن العربیة، فكان یبین لنا ما یحل أكله لنا، و مع ذلك فما تناولنا من تلك الأطعمة العدیدة إلا یسیرا من الخبز بالزبدة، و شیئا من الأرز مطبوخا فی الزبدة، و شیئا من الحلوی معقودة علی الثلج لا غیر، مع أنه حضرت أطعمة عدیدة، و أنواع/ 105/ كثیرة، و حضر علی هذه المائدة ما یزید علی الأربعین من كبراء الدولة كل واحد علی شلیته و قدامه زیف أبیض من المكمخ یضعه علی حجره وقت الأكل. و قدامه أیضا طبسیل فارغ و كأس للماء، و جنوی و فیجكة، و عند دفع الطعام یخرج رجال بیدهم طباسیل من المعدن كبیرة مملوءة بالطعام ، فیمرون بها علی الجالسین علی المائدة، فكل واحد منهم یأخذ مما فی ذلك الطبسیل بمغرفة القدر الذی یریده، و یضعه فی الطبسیل الذی قدامه، و حین یوتی بطعام آخر ترفع تلك الطباسیل الصغیرة من بین أیدیهم، و توضع غیرها. و یدور صاحب الطعام الثانی علیهم جمیعا فیأخذون منه كما ذكر، ثم یأتی طعام ثالث و رابع و هكذا حتی مرت ستة عشر شكلا من أنواع الطعام كما هی مبینة عندهم فی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 174
ورقة بكتابتهم دفعوها لنا عند الشروع فی الأكل، و هم مع ذلك یخللون الأكل بالشرب، و نحن/ 106/ یجعلون لنا الماء الصرف فی الكؤوس التی قدامنا و یجعلون فیها حجرا من الثلج كأنه حجر الشب، فقلت للذی كان بقربی هذا الثلج شأنه أن یذوب عند بقائه فی الهواء، فما باله لم یذب إلی الآن فی بلدكم، و نحن حین ینزل بقرب بلادنا شی‌ء منه یذوب عاجلا، فقال لی إننا نخزنه فی الأرض كما تخزنون الزرع أنتم فی المطامیر فلذلك نحن نجعل المطامیر و نفرش له التبن، و یوضع فیها و یوضع فوقه التبن أیضا و یغطی بالتراب، و عند الاحتیاج یدخل إلیه من محل آخر ، و یوخذ منه القدر المحتاج، و إن نزل علیه تراب یغسل، و كان فوق هذه المائدة ست ثریات موضوعة علیها فی كل ثریة عشرون شمعة. و فی كل ثریتین محبقة فیها من ألوان النوار المصنوعة، و لیس علیها زاج، یحسبها الرائی أنها مشموم التقطت له تلك النوار/ 107/ و رتبت فیه ببدیع الاختیار. و بسقف هذه القبة ثلاث ثریات كبیرات من الزاج موقودة كلها بالشمع، ثم أخبرنی هذا الذی كان بقربی أنه تقدمت له حروب كثیرة مع أولاد سیدی الشیخ و أنه یعرف تلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 175
المواطن و سكانها، و شرع یعدها. فقلت له ما اسمك؟ فقال اسمه شلطون و أنه كبیر علی ثلاثة آلاف من العسكر، لأنه كان استفهمنی عن اسمی فبینته له. و أخبرنی أن زوجة كبیر الدولة تكلمت معه فی السلك فی الساعة العاشرة لیلا من أمسه، لأن السلك مركب من دار كبیر الدولة إلی دور الكبراء و الأعیان، كما أخبرنی به. و قالت له ما مضمنه: إننا نستدعیك للحضور عندنا غدا لیلا، لأن باشدور سلطان مریكوا یأتی لدارنا، ثم قال كیف جاءتك بلدنا، فقلت: ما رأیت أحسن منها نظافة و تزویقا، و صنائع و عجائب لم أرها فی غیرها. فقال لی أنتم معشر العرب لكم ألسن كالعسل/ 108/ ما أحسنها لو كانت مثل قلوبكم، فقلت له الناس لیسوا علی صفة واحدة، و طبیعة متحدة، بل هم كما قیل:
الناس كالأرض و منها هم‌من خشن الطبع و من لین
نجندل تدمی به أرجل‌و إثمد یجعل فی الأعین
و فهمته فی مضمن البیتین حتی فهمهما، فقال حقا ما تقول، و لكن الكثیر من الناس علی ما ذكرت لك، و حین فرغوا من الأكل خرجوا لقبة أخری فیها شوالی عدیدة ، و كنابی كثیرة كلها بالموبرة الحمراء و صاروا واقفین كل اثنین أو ثلاثة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 176
منفردین فی محل، و جلس صاحب السر علی شیلیة، و بقی معه من یحسن العربیة، و جلسنا نحن قریبین منه، و جلس معنا من یحسن لغتنا أیضا، فأخبرنا أنه یحب العرب لأنه نشأ فی بلادهم، و مهما رأی رجلا من العرب ینشرح له صدره غایة، و أنه تقدمت له الخدمة فی العسكر فی قسنطینة أربعة عشر عاما/ 109/ مع أنه صغیر السن یمكن أن یكون سنه نیفا و ثلاثین سنة و الله أعلم. و بقی المارشال أی كبیر الدولة، واقفا یتكلم مع كل واحد من الكبراء الذین كانوا علی المائدة واحدا بعد واحد. ثم دخلت زوجته و صارت تكلمهم أیضا كذلك مع طلاقة وجه و بشاشة، و دخل بعدها نساء أخر إما أربع أو خمس، و صرن یتكلمن مع البعض دون البعض و هن یتعجبن من زینا و لباسنا، و كان من جملة ما تكلم به كبیر الدولة بواسطة ترجمانه مع صاحب السر المذكور: أن هذه الضیافة جعلتها فرحا بقدومكم تعظیما لجانب سلطان المغرب، سیدی الحسن نصره الله، فأجابه بما یقتضیه المقام من حسن الكلام، ثم انصرفنا إلی محلنا فی الأكداش، و وصلنا فی الساعة الحادیة عشرة و نصف من اللیل، و تذكرت ما كان تكلم معی به بعض من له صلة بهذه الدولة حین طالع الأبیات .

الطلوع بالهدیة لعظیم الدولة

و فی یوم الجمعة الثالث و العشرین من جمادی الأولی المذكور ، طلعنا لحضرة كبیر الدولة مع الخیل و الهدیة، بعدما ركبنا فی أكداس المخزن علی العادة، و جعل علی تلك الخیل جلالاتها المرصعة بالذهب، المصنوعة بحضرة فاس الطیبة الأنفاس
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 177
حرسها الله و وقاها من كل باس، و تقدمت قبلنا بقریب لأروی دار المخزن هناك یقوم بها العساكریة، فحین وصلنا لتلك الأروی وجدناها لا فرق بینها و بین دیارهم فی البناء و النظافة، و وجدنا العساكریة هناك واقفین مع الخیل، ماسكین رصنها و هم معها فی غایة التعب، لكونها كانت تأبی الانقیاد إلیهم، و تتأخر و تصهل و ترفع أیدیها علی عادة عتقاء الفرسان و الأحرار منها. فما أوصلوها لباب قبة دار المخزن إلا بجهد جهید، و كان كبیر المخازنیة یروم أن المخازنیة و الأعوان الذین معنا هم یقودون الخیل ، فنهاه صاحب السر المذكور عن/ 113/ الخوض و التكلم عن ذلك و زجره، فسكت طالبا من سیادته الصفح عن ذلك. ثم ذكر الترجمان إذ ذاك أن المقصود من كون العسكر هو الذی یتولی قیادة الخیل هو استراحتهم من ذلك التعب، و ملاحظتهم بعین الوقار و عدم استعمالهم فیما یشق علیهم، هذا مضمن ما ذكره الترجمان.
و حین وصلنا إلی دار المخزن أذن لنا بالدخول للقبة الثالثة، فدخلنا إلیها، فرأینا فیها من الزخاریف ما لا أحصره، لأن المقام لم یقتض إمعان النظر فی جهاتها و كثرة الالتفات. لكن هناك شوالی كبیرة و كنابیس عدیدة، كلها مبطنة بالموبر الأحمر، و فیها أبواب كبیرة كأبواب البیوت عندنا عند نزع دففها، و دففها بالبلار، و العود المحیط بها مذهب، و سواریها مورقة بالتذهیب، و فیها ثریات عظیمة من البلار إلی غیر ذلك مما لا یكیف. فلما دخلنا إلی تلك القبة قام الأمین المذكور و فتح صندوق الهدیة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 178
و أخذ من هناك من كبراء الدولة/ 114/ ینقلون تلك التحف و یضعونها علی الشوالی كل عینة من تلك التحف فی جهة منفردة، فازدادت تلك القبة بها ضوء و إشراقا و سناء، فعند ذلك دخل علینا كبیر الدولة من باب مقابل للمحل الذی كان مقابلا للباشدور صاحب السر المذكور، فتلاقینا و ما قصر فی إظهار الفرح و السرور و الترحیب و البرور، و جری بینهما كلام فیما یناسب الحال و المقام، ثم تقدم كبیر الدولة إلی تلك التحف، و صار یمعن النظر فی كل حاجة منها بخصوصها، فاستحسنها غایة الاستحسان، و رآها من أجل ما تقربه عین الإنسان، ثم خرج لباب القبة، و كانت الخیل مجللة مصطفة عن یمین باب القبة بید العساكریة فأخذوا یمرون بها واحدا بعد واحد، و بعضها یصهل، و البعض یجیب، و كلها علی ذلك الرونق الجمیل و الشكل الغریب. و حین تم مرورها، و أمعن فیها النظر أمیرها، تكلم مع الترجمان بلغته/ 115/ فأخبر أنه شرّبها و أنها من غایة منائه و بغیته، بكلام هذا مضمن تصریحه، الكامن فی تلویحه، و علی ذلك انفصل ذلك المجلس الذی عم نواله الصغیر و الكبیر السالم عهوده بمن الله و فضله من التبدیل و التغییر، فحمدنا الله تعالی للاستراحة من عهدة هذا الكلفة، و رجعنا إلی محل النزول و الألفة.

جنان الوحوش‌

و فی یوم السبت الرابع و العشرین منه خرجنا لجنان الوحوش ، و هو بعید عن إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 179
المحل الذی كنا فیه بنحو ثلثی ساعة، و لیس هو جنانا حقیقیا، بل هو موضع من غابة عظیمة، و الطرق الموصلة إلیه فی وسط هذه الغابة واسعة عریضة جدا، و فیها من یقوم بكنسها ورشها من المساء إلی الصباح، كغیرها من الطرق، و فی هذه الغابة مواضع محوطة بقضبان من حدید، امتدادا أو ارتفاعا، و السلك الرقیق ممتد معها فی التربیعات الناشئة من تقاطع قضبان الحدید، و هذه المواضع مختلفة فی الكبر و الصغر علی مقدار/ 116/ یناسب الحیوان الذی فیه، و فی هذه المواضع طرق عریضة طولا و عرضا، فحین دخلنا لهذا الجنان وجدنا فی مدخله بیتا فیه أقفاص صغیرة و كبیرة.
فیها أنواع من الطیر شتی، و به من هو مكلف بها یأتیها بالحب و الماء فی الوقت المعین. و هی تتوالد هناك، و وجدنا فی بعض الأقفاص طیرین صغیرین أصغر من البرطال بكثیر، و هما متلازمان و كلما طار أحدهما یتبعه الآخر، قیل إن هذا دأبهما لا یفترقان أبدا. و عند دخولنا لهذا البیت رأینا عربة یجرها حیوان دون البغل و أكبر من الحمار، و هو علی صورة الحمار، و ذاته مخططة بخطوط سود مستدیرة ، بینها كذلك خطوط بیض، قیل هو من حمر الوحش، و هو فی غایة ، و أنه قبض من الغابة، و وكل به من یحرسه و یباشره حتی ألف و استأنس، و صار یجر الأكداش، ثم دخلنا لبیت آخر فوجدنا فیه أقفاصا من عود كبیر مستدیرة، طولها نحو خمسة أذرع، و قطر دورها نحو أربعة/ 117/ أذرع، و فی كل قفص طبقات بعضها فوق بعض، فی كل طبقة أبواب صغیرة، مربعة فی محیط القفص، قدر ما
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 180
تدخل الدجاجة، و فی كل طبقة دجاج قدر ما تسعه الطبقة. و وجدنا رجلا جالسا بین قنبتین ممسوكتین فی جرارتین فی السقف، و أمامه شی‌ء كالزق مملوء بدقیق مختلط بالماء، و هو یدیر هذا القفص، لأنه غیر ثابت، فتقابله دجاجة من الطبقة المسامتة لیدیه، فتخرج عنقها إلیه، فیدخل فی فمها قطیعا من البلار، طوله نحو شبر، و هو متصل بذلك الزق المذكور، بواسطة بینهما كالمصران فتشرب الدجاجة من ذلك السویق بواسطة القطیع ما فیه الكفایة لها. ثم ینزع القطیع من فمها بسرعة، و یدیر القفص، فیجد دجاجة أخری فی الباب الموالی لذلك الباب مخرجة عنقها، فیطعمها كذلك حتی یأتی علی جمیع الأبواب التی فی ذلك الصف، فإذا أراد أن یطعم الدجاج الذی فی الطبقة التی فوق، أطعم دجاجها،/ 118/ یمسك القنبة التی هو جالس علیها بعد ما یفك ما كانت متقفة به، فیرتفع مقعده إلی الطبقة الأخری، فیطعم ما فیها من الدجاج كذلك، و هكذا حتی یأتی علی جمیع ما فی ذلك القفص من الدجاج، و ذكر لنا أن الدجاج الذی یدخل لهذا القفص حین تمر علیه ثمانیة عشر یوما یصیر وزن ذاته ضعف ما كانت علیه حین الدخول لذلك القفص. ثم خرجنا منه أی ذلك البیت، فوجدنا تربیعا كبیرا محوطا بالحدید و السلك كما ذكر، و فیه قرود عدیدة صغیرة و كبیرة و هی تطلع و تنزل فی ذلك القفص، علی عادتا، و لها فیه بیوت، بعضها فوق بعض من عود، تأوی إلیها یلا، ثم فی آخر طیور بلارج المعروف فی بلادنا. و طیر البقر و طیور علی هیئة بلارج،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 181
و هی أعظم منه بكثیر، و لونها رمادی و فیها ألوان أخری ، ثم طیور النعامة المعروفة عندنا. ثم طیور ریشها كله أحمر. ثم طیر النحاف المعروف، و هی طویلة بیضاء، طول عنقها نحو ذراع./ 119/ ثم دجاج الماء فی برك من الماء هناك. و طیور فیها ألوان، طویلة الأذناب، تشبه الطاووس، و طیور رمادیة اللون، تشبه الدجاج، فوق رؤوسها ریش طویل، و طیور أخر طویلة الأذناب یزید طول أذنابها علی جرم ذات بأزید من ضعفین ، و فی ریش أذنابها دوائر ملونة خضراء و زرقاء و سوداء كالدوائر التی فی جلد النمر، و من شدة طول أذنابها حتی أنها تجر فی الأرض، ثم الحمام المغربی البری و غیره، ثم طیر الباز. رأینا واحدا منه لا غیر، بید رجل یده مجلدة. و وجدنا فی هذا الطریق ثلاثة أفیال، أصغرها قدر البقر مربوط، و أكبرها أعظم من الجمل بكثیر، علیه سرج، و فوقه أربعة راكبون علیه، و هو یمشی بهم، فقربنا منه، فنزل الراكبون علیه، و صعد علیه رجل كان معنا، و نادانی تعال، فاركب معی. فقلت أنتم ألفتموه و ألفكم و نحن لا ألفة بیننا و بینه، ثم حیوان علی صورة الغزال، رجلاه أطول من یدیه بكثیر ، و هو یمشی علی رجلیه فقط، یقفز كالغراب، و إذا وقف/ 120/ یستند علی یدیه، و مما یستغرب أننا رأینا فی بطنه جرابا من خلقته، و من لها من هذا الحیوان مولود صغیر، فحین یری الآدمی یصعد إلی ذلك الجراب و یتواری فیه، بحیث لا یبقی یظهر منه إلا رأسه بأسفل بطن أمه، حتی یتخیل لمن یراه بدیهة أن ذلك الحیوان له رأسان. ثم الغزال المعروف رأینا منه هناك عددا كبیرا، و یعدو و یجری فی مكان متسع، محوط بما ذكرناه، ثم البقر الوحشی، لونه رمادی، ثم جمالا لكل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 182
واحد حدبتان فوق ظهره، بینهما من أعلاهما نحو ذراع. ثم نعامة تجر كروصة، ثم فرسین قصیری القامة قیل إنه ولدتهما بغلة زرقاء ... ثم اللین فوق رأسه قرون مشتبكة أكبر من العجل، و فی قده أیضا. ثم حیوان بحری فی صهریج مستدیر، ینزل إلیه الماء، رأسه كرأس الكلب ، و عنقه أغلظ من عنق الكلب، و ذاته كذات المعز، له ذنب كذنب الحوت،/ 121/ الشابل إلا أنه أی الذنب أعظم، بین ریشتی ذنبه ذنب قصیر كالأصبع، و بین منتهی عنقه و صدره ریشتان قصیرتان، و لا قشور فی ذاته، بل جلده رطب إلی السواد كلون الفرخ الذی یصطاد من بعض الأودیة، رأینا منه فی هذا الصهریج خمسة و هو یسبح فیه و یغوص، فبینما نحن نراه إذ وقف رجل یقابلنا علی ظهر الصهریج، و بیده حوت بل كوب فیه حوت رقیق كالحوت البوری، فعندما رآه هذا الحیوان، بعضه صعد فوق تلك اللوحة، و صار یصیح كصیاح العجل، و البعض منه طلع علی ظهر الصهریج یمشی علی ذنبه مع تلك الریشتین حتی وصل إلی ذلك الرجل، فصار تارة یرمی من ذلك الحوت إلی الذی فوق تلك اللوحة فیلتهمه بفیه لا یخطئه غالبا. و إذا أخطأ غاص علیه. و تارة یناول منه بیده للذی طلع/ 122/ منه إلیه. و العجب من هذا الحیوان أنه یفهم الإشارة من ذلك الرجل الذی یطعمهم، فإذا أشار إلی الذی فوق اللوحة بالإتیان إلیه، فینزل منها إلی الماء، و یطلع إلیه، و إذا أشار إلیه بالنزول ینزل، و یعلو تلك اللوحة.
ثم دخلنا بیتا طویلا مظلما، فی جداره من جهة الیسار صنادیق من زاج مملوءة بالماء، و بسببها یری الضوء فی هذا البیت، و فیها من أنواع الحوت عدد كثیر، و فی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 183
الصنادیق مع الماء بأسفله صم رقیق، و فی بعضها حجر كأنه طین، و فی بعض الصنادیق عكرایشة التی توجد عندنا بساحل البحر، و فی بعضها حیوان ملتصق بالحجر، یوجد بالساحل عندنا أیضا، و ذاته منتشرة، و فیها شی‌ء ناتئ كشوك القنفود، إلا أنه أحمر . فأتی رجل من وراء البیت و نزع لوحة الصندوق و ناول هذا الحیوان ما یأكله بواسطة قضیب طویل، بحیث جعل له ما یقتاته فی رأس ذلك القضیب و أدلاه إلیه حتی وصله،/ 123/ إلی وسط بطنه، فانكمش علیه، و نزع القضیب لا شی‌ء فیه ثم طعم آخر كذلك، فسبحان الملك الخلاق المنعم الرزاق.
كیف أوصل إلی هذا الحوت ما قدر له من القوت، علی ید بعض البشر، حیث ضاق عنه محله المنتشر، فلا إلاه سواه، و لا معبود بالحق إلا الله، و فی بعض الصنادیق الحوت البوری، و حوت موسی فی أسفل صندوقه الرملة یغوص فیها، و فی بعض الصنادیق الفرخ الذی ذكرناه یلتوی خلال الحجر هناك، ثم حوت قصیر أسود اللون له أید و أرجل یشبه فارة الخیل، و حوت الهند فیه ألوان، فی ذنبه ریش، به استرخاء، و وجدنا بركة ماء فیه حوت واحد طویل، قیل أصله من بلاد الموسكو! و وجد بواد باریس، فقبض و أتی به إلی ذلك المحل، و طوله نحو ذراعین و نصف، فی جرم الشابل، و لونه إلی السواد. و وجدنا قبة مبنیة، و مستدیرة كالصومعة أو أطول، فیها حمام، قیل إنه الذی یسافر بالرسائل . ثم حیوان كالغزال إلا أنه بلا قرون/ 124/ لكن الذكر منه له قرون مشتبكة، ثم قفص كبیر محوط بقضبان الحدید و السلك كما ذكر، و فیه كلاب الصید عدیدة، و كل اثنین منها بیتان من عود
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 184
یخصهما، یأویان إلیهما لیلا، و بینهما و بین غیرهما حائل من الحدید و السلك، بحیث لا یدخل علیهما غیرهما، و لا یخرجان إلی غیرهما لیلا یعدو بعضهما علی بعض. و لها أناس موكلون بها، یدخلون إلیها من أبواب تخصهما، و أما الطیور التی تقدم ذكرها، فلكل نوع منها قفص یخصه، فی وسطه خصة صغیرة، قدر طبلة الأتای الصغیرة، ینبع الماء فیها بقدر یسیر، و أما الحیوان الذی یرعی النبات فمرعاه خصب أخضر یانع، لا ینقطع الماء عنه، لأنهم یركبون فی مواضع منه جعبة الطرنبة، قائمة مقدار نصف القامة، و یركبون فی رأسها جعبة حدید، فیها ثقب كثیرة، و الماء یخرج منها، و هی تدور بسرعة ، فینفصل الماء عنها و ینزل ممتدا نزوله منها إلی مكان بعید، فنری/ 125/ ذلك الماء ینزل كنزول المطر، فبسببه یكثر النبات هناك، و لا ینقطع، و ذكر لنا أن هذا الجنان أحدث فی ذلك المكان هذه مدة من سبعة عشر عاما. و فیه رجل مسن ذو سمت حسن، هو كبیر القوم هناك، و أخبر أنه كان من كبراء الدولة فی أیام نابلیون قبل، و أنه الآن أخر من مرتبته و وكل بما و كل به فی هذا الجنان، و طلب من الباشدور أن یتكلم عنه فی ذلك فأجابه بما یسلی خاطره، انظر حال من كان فی رتبة و ساء فیها الأدب كیف أدب بالرد إلی سیاسة الدواب. اللهم من علینا بحسن الأدب معك و مع عبادك، و لا تكلنا إلی أنفسنا طرفة عین و لا أقل من ذلك، و دبر لنا بأحسن التدبیر، و كن لنا ولیا و نصیرا، فأنت نعم المولی و نعم النصیر. و أما غیر هذا من الوحوش كالسباع و غیرها، فقیل أنها فی جنان آخر یخصها أبعد من هذا، فاقتصرنا علی ما رأیناه منها فی هذا الجنان حیث لم یبق/ 126/ عندنا شك و صار الخبر كالعیان، فلم یسعنا إذ ذاك إلا الرجوع لوطننا الرحیب، و كیف لا و قد كادت الشمس أن تغیب.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 185

بعض أوصاف دور السكة

و فی یوم الاثنین السادس و العشرین من جمادی الأولی المذكور توجهنا إلی دار ضرب السكة ، و حیث وصلنا إلیها تلقانا كبراؤها بالفرح و التعظیم فأدخلنا إلی صالة كبیرة وجدنا فیها تنتی عشرة مائدة مصطفة فی براحها، كل مائدة مرفوعة من الأرض نحو نصف القامة علی ست أعمدة من عود، و جعل علی كل طبقة غطاء مثلث، قاعدته فی وجه الطبلة، و ضلعاه من ورقات الزاج، ممسوكة بین فتقیات من عود، فی كل ضلع ست ورقات زاج تقابلها ست أخر فی الضلع الآخر، و هذه الورقات من الزاج تحتها ورقات من الكاغد الغلیظ، فیه دوائر متفاوتة، نزع من هذه الدوائر مقدار من الكاغد من جمیع مساحة الدوائر، و وضعت فیها أنواع من/ 127/ من السكة القدیمة لجمیع الأجناس من الذهب و الفضة و النحاس، فصار المأخوذ من الكاغد من مساحة تلك الدوائر بمقدار جرم السكة الموضوعة فیه، فیصیر جرم السكة تحیط به مساحة الدائرة التی وضع فیها بعدما نزع منها بقدره الكاغد، و هذه الموائد كلها علی هذه الكیفیة، و هی محفوظة عندهم ملحوظة غایة. و وجدنا فی بعضها ریالات ثلاثة من الریال ذی شعب أربع المسمی عندنا بالریال المقنت ، من سكة مولانا السلطان سیدی محمد بن عبد الله تغمده الله برحمته و أسكنه بمنه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 186
فسیح الجنان. فی أحدها تاریخ 1189 و فی آخر تاریخ 1190 و فی الثالث تاریخ 1191.
ثم نزلنا إلی محل خدمة السكة، فوجدنا فی موضع منها مكینة عظیمة مثل مكینة البابور بل أعظم بكثیر باعتبار ما یدور بسببها من مكینة الخدمة. إذ لكل عاملها مكینة تخصه بالخدمة فی غایة الاجتهاد، الخدمة فی كمال الراحة و الصدق و الانقیاد/ 128/ و حین دخلنا إلی ذلك المحل الذی فیه المكینة الكبری دخلنا منه إلی بیت آخر، فیه بیوت النار كبیرة علیها أوانی كبیرة الجرم منصوبة علیها، و النار توقد تحتها، و بید رجل مغرفة یغرف بها الفضة من تلك الآنیة، و یفرغ فی القوالب، فأفرغ بمحضرنا ثلاث غرفات من كل مغرفة، فی ثلاثة قوالب، ثم فتح ألواح القالب، فتساقطت سبائك الفضة، أخذ بعضها بلقاط و أدخله فی آنیة ماء، و أخرجها و مسحها فإذا هی سبكة فضة، طولها مقدار ذراع واحد، و عرضها یزید علی عرض الریال بیسیر، و غلظها قریب من الأصبع ، و عند فرغ هذه السبابك یأخذها أناس آخرون، فیأتون بها لمكینة أخری، یدخلون رأس كل سبیكة فی فرجة مربعة علی قدرها بل أصغر منها. فتجر هذه السبیكة بالمكینة كما یجر الصواغ السلك فی المزرة فتخرج أرق مما كانت و أطول. و لا یزالون معها بهذا العمل حتی یصیر حرفها فی الرقة كحرف الریال، و تطول حینئذ،/ 129/ و لا تقع زیادة فی عرضها- و الله أعلم- بل تبقی علی عرض الریال، فعند ذلك یأخذها آخرون، و یضعونها أمام رجال بین أیدیهم مكینات صغیرة خارجة فوق مائدة مبسوطة، مرفوعة بمقدار نصف القامة، و هی أی المكینة الخارجة فوق هذه المائدة، تشبه الزیار، فیقبض الرجل الجالس قبالتها تلك السبیكة التی صارت فی رق الریال، و یدخل رأسها أسفل المكینة، و یحرك إحدی رجلیه، و یصیر یدفع هذه السبیكة و یخرجها من أسفل المكینة، فتصیر ترتفع و تنزل بسرعة علی السبیكة، و كلما نزلت علیها ارتفعت عنها ینفصل منها ریال مستدیر، و تبقی تلك السبیكة فیها دوائر الریال الذی سقط منها، فترد إلی النار و عند خدمة هذه المكینة فتحت مجانة كانت عندی، و رصدت مقدار ما تقطعه هذه المكینة من الریال، فوجدتها قطعت خمسة عشر ریالا فی ربع دقیقة. و هناك رجال
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 187
متعددون، هذا عملهم. و عند خدمة تلك المكینة نری الریال/ 130/ یتساقط من أسفلها متوالیا بسرعة كما بیناه. و هذا الریال الذی یتساقط لیس فیه حینئذ نقش و لا طابع، و لا بحرفه شی‌ء. ثم یجمع هذا الذی یتساقط و یوضع فی أیدی رجال آخرین یجعلونه فی جعبة علی قدره، بل هو أكبر و یخدم المكینة فیتساقط من أسفلها و قد أخذت من دائرة حرفه شیئا یسیرا، كأن لا عبرة فیه فی رأس العین، قبل مروره فی هذا المكینة. و هذه المكینة تصفی حرفه، و تتركه متساویا فی الوزن، ثم یجمع و لا شی‌ء فیه من النقش، و یوضع فی وسط زنبیل كبیر، طوله نحو ذراعین، و قطره نحو نصف ذراع. و فیه ثقب كثیرة، فإذا ملئ هذا الزنبیل أو قرب ملؤه یسد و یرفع بین حافتی صندوق. و یخدم المكینة فتراه یدور كما یدور الراقد الذی علی بئر السانیة. إلا أنه أی الزنبیل أسرع دورانا منه، و بدورانه یدخل إلیه ماء من ذلك الماء المملوء به للصندوق، فتری الماء یضطرب فی الزنبیل بین الریال، و ذلك/ 131/ الماء مشوب- و الله أعلم- بما تشبب به الفضة و یبیضها، فیتركه یدور فی ذلك الصهریج نحو دقیقة مجانیة أو أزید بقلیل، ثم ینزعه و یفتحه و یفرغه، فیخرج الریال أبیض فیجف و یمسح و یدفع لصاحب الطابع، و هو بین یدیه مكینة، و هی دور من حدید كدور السانیة، مرفوع من وسطه علی قطعة حدید طویلة مستدیرة، یدیر بها و شك محفور فیها، فیأخذ الریال واحدا بعد واحد و یضعه علی طرف من حدید بارز قدامه، و یحرك المكینة بین دفتی ذلك الدور نازلا یدور كدوران الرحی حتی ینزل ذلك الدور بقوته بطرف القطعة التی فی وسطه علی الریال، و یضربه ضربة واحدة، ثم یحرك المكینة فیصعد الدور مرتفعا، فیرفع الریال و قد نقش من وجهین، ثم یأخذ من بین یدیه، و یوضع فی جعبة مكینة أخری علی قدر دوره، و یملأ تلك الجعبة ریالا، و یحرك المكینة فیأخذ یتساقط من أسفلها واحدا بعد/ 1312/ بعد واحد و كلما سقط واحد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 188
من تلك الجعبة تخطفه حدیدة أخری رأسها مستدیر، بقدر نصف دور الریال، و تجذبه إلی محل آخر، فیسقط فی داخل ثقبة هناك، و ینزل إلی الطرف الموضوع لجمعه، فیخرج عنده و قد رقم فی حرفه ما یرقم فی حرف الریال من حروفهم. و بهذا یتم عمله.
و لم نر فی ذلك الوقت خدمة اللویز ، لكن رأینا أناسا یخدمون من النحاس علی قدر اللویز، و خدمته كخدمة الریال، لا فرق. و الله أعلم. و وجدنا رجلین قدامها أوانی مملوءة لویزا ذهبا، و آنیة أخری كالصقعة فیوسطها صم، و هو یأخذ اللویز من ذلك الطرف، و یرمی به واحدا بعد واحد علی ذلك الصم، فإذا وجد واحدا طنینه ناقص علی طنین الذهب المعهود یجعله فی مكان وحده و ذلك إما لتشعیر به أو شبهه، قیل إنه یرجع إلی محل تدویب الذهب، و هذا اللویز الذی یقلبه هؤلاء، و یعزلون/ 133/ الجید منه لا یكتفی بهذا التقلیب، بل یجمع هذا الجید و یوزن فی مكینة أخری حیرت منا الأدهان، و صار كل واحد منا كالحیوان الولهان، و هی فی غایة اللطافة و الظرافة و النظافة أجزائها من صغر لطیفة، و صورة ما شاهدته منها أنهم اتخذوا طبلة مربعة من عود- و الله أعلم- قائمة علی أربعة أرجل أزید من نصف قامة الإنسان، و فی وسطها ناعورة من صفر، فی حرفها مسمار بل مسامیر ناتئة منه، بعضها صغیر طوله قدر حرف اللویز، و هی فی صف واحد بل صفوف محیطة بحرف الناعورة، و المسامیر الأخری أطول من الصغیرة بیسیر. و تحت الناعورة صندوق مربع من صفر، لكن شكله كقطعة دائرة رأسه الذی أسفل الناعورة لا یری و هو- و الله أعلم- رقیق قدره ما یخرج منه خمسة من اللویز، مصطفة مبسوطة من الیمین إلی الیسار، و طرف الصندوق الآخر مرتفع منفرج، فیوتی باللویز، فیوضع/ 134/ فی المحل المنفرج من الصندوق المرتفع، فتلقاه الناعورة و مسامیرها، لأن حرف الناعورة فیه ستة صفوف من المسامیر الطویلة، بین كل صفین منه قدر قطر اللویز، و بین كل صفین من هذه الصفوف صفوف المسامیر الصغیرة، و قد ظهرت لی علة ذلك- و الله أعلم- كما
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 189
سأصفه لك بحول الله. و ذلك أنهم حیث یفرغون اللویز فی المحل المذكور، لیرجع للمكینة، فتری الناعورة تدور بالمسامیر الطوال، بدورانها تحرك اللویز و تدفعه قدامها لینحدر اللویز شیئا فشیئا و كلما وصل إلی محل أضیق من الذی كان فیه، تحركه المسامیر الطوال حتی یصل إلی المحل الذی تماس فیه رؤوس المسامیر الكبیرة لوحة الصندوق السفلی. فعند ذلك تكون رؤوس المسامیر الطویلة مماسة كلها للوحة الصندوق، و حیث تكون علی هذه الكیفیة تكون تلك المسامیر الصغیرة التی بین الكبیرة و بین رؤوسها و بین/ 135/ اللوحة التی ینزل علیها اللویز مصطفا كما ذكر، مقدار حرفه فی العلو. فإذا نزلت هذه الخمسة من اللویز مصطفة كما ذكر للعلة التی بینا، تأتی لوحة أخری من رصاص أو شبهه رقیقة كرقة اللویز، عرضها مثل عرض خمسة من اللویز. و حرفها فیه أنصاف دوائر مثل أنصاف دوائر جرم اللویز، فیدخل كل لویز منها فی نصف دائرة من أنصاف دوائر حروفها و ترفعها بلطافة إلی صنجیات صغیرات قدر اللویز، كل واحدة ممسوكة وحدها، و هی مصطفة فینزل كل لویز فی كل صنجة، فتقف هنیئة، ثم تنحدر إلی أسفل، فیتساقط منها اللویز و ینزل منحجبا عنا، و تخرج الخمسة من اللویز من مخارج ثلاثة، كل مخرج تحته آنیة، فالآنیة الوسطی لا ینزل فیها إلا المعتدل الذی صفا وزنه، و لا زیادة فیه و لا نقصان، و لو كان هذا المعتدل فی أحد الصفین الطرفین و الآنیتان الأخریان، لا ینزل فی أحدهما إلا الناقص الوزن، و لو/ 136/ كان فی الجهة المقابلة للآنیة التی ینزل فیها الخفیف و الأخری لا ینزل فیها إلا الخفیف و لو كان مقابلا للآنیة التی ینزل فیها الناقص أو المعتدل، و هنا تعجبت عقول الحاضرین من ذلك، و هناك مكینتان أخریان لكن یوضع فی كل واحدة منهما اللویز فی جعبة علی قدر دائرة جرمه، فیخرج من أسفلها إلی صنجة واحدة، ثم یسقط منها فینزل فی إحدی الأوانی الثلاث، المعتدل فی آنیة و غیر المعتدل فی محلین ، ذو ذكر أنه یطبع فیها فی كل یوم ثمانمائة ألف ریال منها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 190
مائتان ألف ریال لجنس الفرنصیص و باقیها لأجناس أخری هناك، و یدفعون عنه وظیفا للمخزنذ. و كان هذا آخر ما رأینا بهذه الدار.

دار المطبعة

و فی یوم الثلاثاء السابع و العشرین من جمادی الأولی المذكور خرجنا لدار المطبعة فدخلنا لبیت منها وجدنا فی وسطه تألیف الإمام سیدی خلیل بخط المطبعة بالعربی، و القاموس . لكنه ممیز بخطهم، و هذا البیت مربع یحیط به
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 191
خزانات عدیدة، قیل إن جمیع الخطوط التی تقدمت فی سالف الدهر، مع الموجود منها الیوم، كلها مقیدة محفوظة هناك حتی الخط السریانی، و سموا لنا خطوطا كثیرة ما سمعتها قط، و عددت هناك ما یزید علی العشرین خطا، فما استوعبت نصفها.
و خرجت تابعا لأصحابنا، فدخلنا لدار المطبعة، و هی دار عظیمة فی أسفلها طرق كثیرة یوصل بعضها إلی/ 137/ بعض، و الداخل إلیها وحده ممن لا خبرة له بها إذا توسطها لا أظنه یهتدی إلی طریق الخروج منها، لشدة كبرها. و مع ذلك فهی مقبیة بالزاج فی غایة النظافة، لا تری فیها غبراء و لا بها شیئا یستقدر، و فی هذه الطبقة السفلی أناس كثیرون، بیدهم الألواح، و أمامهم الحروف فی صنادیقها، و هم یركبون الحروف فی الألواح و یصففونها فی سطور و یجعلون بین كل سطرین فتقیة حدید تمسك الحروف، هذا شغل هؤلاء الناس، و هناك آخرون، و هم قلیلون، بین أیدیهم رزم من الكاغد الأبیض یضعونه فی صهریج ماء و یخرجونه لیصیر قابلا لطبع الحروف فیه، و هناك مكینة حدید عظیمة، بها تتحرك جمیع المكینات التی فی الطبقات، ثم صعدنا الطبقة الثانیة، فوجدنا فیها الأناس المشتغلین بالطبع فمنها مطبعة الحجر، لكن لم نجد واحدا منهم یطبع بها، و إنما هناك أناس مشتغلون بنقش الحروف فی الحجر و هو حجر صلب أظنه رخاما - و الله أعلم-، و منها ألواح كبیرة علی قدر صفحة الكاغد الكبیرة، یأخذ رجلان الصفحة و یضعانها علیها و ینزلان فوقها، لوحة حدید علی قدرها، و یدفعها المقابل للمكینة فتنزل علیها بلطافة و ترتفع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 192
فیقربها/ 138/ إلیه ذلك المقابل لها، و یفك تلك اللوحة التی فوق الصفحة و ینزعها فتخرج مكتوبة كلها لا نقص فیها، ثم یرفع الآخر طرفا من عود- و الله أعلم- مستدیر، طوله كعرض صفحة الكاغد، و له یدان بطرفین خارجتین، و هو مبطن بشی‌ء لین، و یمر به علی المداد الذی فوق رخامة أخری أمامه، و یمر به فوق الحروف، ثم توضع صفحة أخری فوق لوحة الحروف و هكذا كما تقدم ، و كلما طبعت صفحة یقبلها آخر من الخدمة و یضعها فوق أخری و الخدمة هناك علی هذه الكیفیة كثیرون.
و منهم خدمة آخرون یطبعون بالكیفیة الأخری، و الفرق بینهما و بین الأخری أن هذه لوحة حروفها قائمة قبالته فحین یوضع علیها الصفحة، و تشد تنحدر قدامه، كأنها ترید النزول، فتلقاها المكینة، من أسفلها و من فوقها بلطافة، ثم ترسلها فترجع إلی الذی هو مقابل لها، فینزع هذه الصفحة مطبوعة كلها، و أما الأولی فإن لوحة الحروف مبسوطة أمام المقابلین كما تقدم، و هناك مطبعة علی كیفیة أخری ، و ذلك أنهم اتخذوا حرفا من حدید مستدیرا، طوله كعرض الصفحة التی تطبع فیه، و محیط دائرته/ 139/، بقدر طول السطور التی تكتب فی تلك الصفحة، و بأسفله جرم آخر مثله طولا و عرضا، و هما متسامتان، أعنی أحدهما فوق الآخر، بینهما من الفضاء مقدار حرف الكاغد الذی یطبع بهما. و هذان الجرمان سطحهما مغروز بالحروف كسطح لولب الموسیقا المعروف بمسامیر خدمتها، و هما یدوران فیوضع رأس الصفحة بین ذلك الجرمین، فیجذبانه إلیهما، فتراها خارجة من الجهة الأخری بسرعة مطبوعة من كلتا الجهتین، فیمسكها آخر واقف هناك، فلا ینزل ورقة علی أخری إلا و یرفع ذانك الجرمان صفحة أخری مطبوعة، و هذا شغله لا راحة له لسیر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 193
تلك الخدمة، و الخدمة هناك كثیرون هذا عملهم بسبب تعدد المكینات، ثم صعدنا طبقة أخری فوجدنا فیها نواعیر تدور، كل ناعورتین تدوران علی رابط بینهما كالحائط، یدور علیهما منشور و تدور بدورانه صفحات الكاغد المكتوبة، بل المطبوعة.
قیل إن بدورانها یصفیها الهواء فیتم یبسها، و لعلها أن بمرور الصفحة بین الناعورة و الحدید ترتدع الحروف التی تكون بارزة فی الكاغد، و تنبسط، ثم یصیبها الهواء، و بمرورها یقبضها خدمة آخرون، فیدفعونها/ 140/ لنسوة فیشتغلن بطیها و یضعنها بعضها فوق بعض علی حسب توالیها و تتابعها. و هناك نسوة أخر یفصلن الورقات، و یضعن كل ورقة فوق أخری علی حسب تتابعها أیضا، ثم صعدنا طبقة أخری فوجدنا فیها نسوة یخدمن الكتب بالمكینات، بحیث یجعلن حروف الكتاب أسفل حدیدة و یرسلها علیه فتمر علیه بسرعة، فتأخذ منه قدرا، و تترك ذلك الحرف فی غایة الاستواء.
و فی الطبقة التی فوق هذه المسفرون ، و الكتب موضوعة أمامهم مصطفة من الأرض إلی السقف، ممتدة مع طول هذه الطبقة. فمنهم من هو مشتغل بوضع التذهیب فی ألواح الأسفار، و منهم من هو مشتغل بخیاطة الكتب، و سئل عن عدد الخدمة الذین بهذه الدار، فقیل ثنتا مائة خدام، بین رجال و نساء، و هذه الكتب تفرق فی سائر الأقالیم، و یطبع فی هذه الدار بجمیع الأقلام الموجودة فی الوقت عدا القلم العربی ، فلم نر مطبعته هناك، و إن كانت موجودة هناك فلم نصادف وقت الطبع بها، و لعله لقلة طالبها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 194

دار الكتب المطبوعة

و فی یوم الأربعاء توجهنا للدار التی/ 141/ فیها الكتب المطبوعة فوجدناها فی الكبر مثل دار المطبعة أو تقرب منها، و هی مع عظمتها و كبرها مقبیة بالزاج، لا تدخلها غبراء، و هی فی غایة النظافة و المحافظة. و فیها طبقات بعضها فوق بعض، و سقف هذه الطبقات أشراك من حدید لنفاذ الهواء فیها من الأسفل إلی الأعلی.
و یرتقون للطبقة العلیا فی معارج عدیدة هناك من حدید، و هناك أناس قائمون بأمر كتبهم، لأننا وجدنا فی بعض الطبقات أناسا مشتغلین بالمطالعة ، فمتی احتاج أحدهم كتابا یأخذه من القیمین هناك، فیقتضی منه غرضه هناك، و لا یخرجه بل عند خروجه یرده له. و القائمون بالكتب الذین فی الطبقة العلیا عندهم هناك ظرف كالكوب، یمسك بقنبة طویلة من یده و یرسله إلی أسفل، بین مخازین الكتب، فتراه كأنه نازل فی بئر، فیضع الذین كانوا یطالعون فیه الكتب التی كانت عندهم فی وقت واحد و یخرجون، ثم یصعد ذلك الكوب إلی الطبقة التی یرید القیم وقوفه بها، فیقف فیرد الكتب التی فیه لمواضعها، و ذكر لنا أن هذه الدار عندها من الكتب العربیة القدیمة ألفا كتاب، و إنما أوتی لنا منها بمصحف/ 142/ من القرءان العظیم،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 195
بقلم كوفی ، و طوله نحو ذراع و ربع، و عرضه یقرب من ذراع، و آخر یقرب منه كذلك، ثم أوتی لنا بمصحف بخط من خطوط الجزیرة، و بآخر صغیر جدا، عرضه نحو أصبعین، و طوله كطول السبابة، بحروف دقیقة متداخلة، و وجدنا هناك سفرا كبیرا، مثل المصحف الأول، فی ترجمته هذه المقالة الأولی من كتاب أرسططالیس ، و هو سفر ضخم، ثم سفر الإحاطة فی أخبار غرناطة بقلم مشرقی، و طلبنا منهم أن یدفعوا لنا تقییدا بما عندهم من كتب العربیة فوعدوا به، و لم یكن وفاء بهذا الوعد، و ذكر أن بتلك الدار من كتبهم ملیونین اثنین من عدد الكتب الخاصة بهم.

بعض صفات دار الفرجات‌

و فی بعض اللیالی السالفة لنا فی باریز كان كبراء الدولة یتخذون لنا المواضع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 196
الخاصة، المنتخبة بدیار الفرجات عندهم، المسماة عندهم بدیار الطیاطرو . و یرون ذلك من وجوه المبرات بنا و الإكرام لنا، فكنا نتوجه إلیها مساعدة، و هی ذات أشكال بدیعة مشتملة علی قبب رفیعة، مرفوعة علی سوار من رخام، فی وسطها ثریات تشغل بالغاز مع لانبات منه / 143/ فی أماكن محیطة بداخل الدار، و من العجب أنهم إذا أرادوا إطفاء الثریات و غیرها من جمیع الضوء الذی فی الدار، فیدار لولب واحد فتنطفئ كلها دفعة واحدة، و أحسن ما یبین هنا من هذه الفرجات أن عند أرباب بعض هذه الدیار حیلا معلمة، تعلم اصطلاح نقر طنبور العسكر و موسیقاه، و عددها ثمانیة، تخرج إلی وسط الدار فمهما تكلم الطنابری الذی هناك مع صاحب الموسیقا بشی‌ء تجیبه العسكر من الآدمی، فتراهما فی بعض الأوقات تقبل واحدا بعد واحد مع تتابع أیدیها و أرجلها فی الخطی، و حیث یتغیر نقر الطنبور و الموسیقا تراها تصطف و تقبل فی صف واحد، و تارة یدور بعضها علی بعض كما یفعله العسكر فی بعض الأوقات، و تارة ترفع أیدیها و تقف علی أرجلها، و تقبل فی صف واحد، ثم ترجع إلی مرابطها عندما یؤذن لها بذلك. و فی بعض الأوقات خرج منها فرس واحد مسرج و تبعه صبی صغیر السن نحیف الجسم لا أظن سنه یبلغ ثمانیة أعوام، و هو عاری الجسد عدا عورته مستورة فعمد إلی ذلك الفرس و قفز قفزة واحدة، فإذا به فوق ظهره، فصار الفرس یعدو به دائرا مع محیط الدار/ 144/ حتی دار به نحو ثلاث مرات، ثم قفز فوق ظهره فإذا به واقف، فصار ینقلب فوقه، تارة أمامه، و تارة وراءه، و تارة تراه یرقص فوق الفرس، و تارة تراه فی حال قیامه مائلا إلی جهة إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 197
البراح، فیكون بین قدمیه و ظهر الفرس زاویة منفرجة، و تارة ینصبون فی وسط هذه الدار عصا قائمة و یربطون فی رأسها أطراف ثیاب طویلة كالعمائم عندنا، و یمدونها من العصا إلی محیط الدار، و عددها أربعة، كل عمامة فی ربع، فیصیر الفرس یجری تحتها، و هذا الولد یقفز علیها عند وصوله إلیها، و هو مع ذلك بین كل عمامتین إما ینقلب أماما أو وراء علی ظهر الفرس، أو یرقص مع شدة قرب ما بین العمامتین، و كأنه یفعل ذلك علی شی‌ء لا یتحرك، و تارة یقف أناس آخرون بین هذه العمائم، و یمسك كل واحد منهم قضیبا مستدیرا، قطر دائرته نحو ذراعین و نصف، و اتخذت ورقة كبیرة من كاغد رقیق أرق من العنكبوت./ 145/ و وضع هذا المستدیر علیها و مسكت علیه، و جعل فی هذه الدوائر، فی كل واحدة منها ید خارجة عنها من عود أو حدید، فیقف أربعة رجال بین تلك العمائم، كل واحد ماسك لتلك الدائرة المجلدة بذلك الكاغد، فیأخذ الفرس فی جریه مع محیط الدار و الصبی واقف علی ظهره، فإذا عارضته العمامة قفز فوقها، و إذا لقیته تلك الدائرة المجلدة قفز و خرقها برأسه، و یتمزق ذلك الكاغد، و یخرج منه منقلبا، و یأتی واقفا علی ظهر الفرس، فتلقاه العمامة الثانیة فیقفز فوقها، ثم الدائرة المجلدة ثانیا فیخرقها كما ذكر، و یصیر واقفا علی ظهر الفرس، و هكذا حتی یخرق الدوائر الأربع، و یقفز علی العمائم الأربع فی دورة واحدة، و تراه فی هذه الحالة كالبرطال، لا یكاد یثبت علی ظهر الفرس، لأنه كلما استوی علیه تعرض له العمامة أو الدائرة. و هذا یكاد أن یستغربه السامع لكنی تأملت فی أحوال الماسكین للعمائم مع تلك الدوائر، فرأیتهم یرتكبون ما یسهل/ 146/ العمل علی ذلك الصبی، لأنه إذا وصل إلی صاحب العمامة یرخیها یسیرا من یده حتی تقرب من سرج الفرس، فیسهل علیه القفز علیها، و كذلك صاحب الدائرة المجلدة بالكاغد، إذا وصل إلیها تری الماسك لها كأنه یضرب رأس ذلك الصبی بالكاغد المجلد بها تلك الدائرة، و فی وسطه تمزیق یسیر، و ذلك كله تسهیل لخرق الصبی ذلك الكاغد و الخروج منه بسرعة، عند الوصول إلیه، و لیس فی ذلك كبیر مزیة، بل ذلك كله من قبیل الریاضات و الممارسة، و النشأة فی ذلك من حال
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 198
الصغر حیث یعتاد ذلك و یصیر ذلك لمتعاطیه طبیعة و عادة. نعم، لو كان كل فرد منهم كبیرا و صغیرا یفعلون ذلك لكانت لهم به مزیة و خصوصیة، و لكنه فی أفراد نادرة قلیلة جدا. كما یوجد عندنا فی بعض الأفراد الذین یركبون الخیل، فإنهم یقفون علیها و یلتفتون إلی الوراء یخرجون البارود، و منهم من یدور علی بطن الفرس، و منهم من یرفع/ 147/ شیئا من الأرض توضع له، كالعمامة توضع له علی الأرض ممتدة علی طولها، فیأخذها من طرفیها معا إلی غیر ذلك من الأعمال التی یتعجب منها. و لا یأخذون عن ذلك أجرة، و لا لهم عنه وظیف ، بخلاف هؤلاء فإن لهم فیه تجارة كبیرة و صائرا عظیما. و لو كان الفرسان المسلمین جعل عن ذلك لشوهد منهم العجب الكبیر، و لكن الشجاعة الغریزیة هی التی تحمل بعضهم علی استعمال ذلك. و هذه الریاضة الموصلة إلی هذه الخفة علق بذهنی أن ابن خلدون تكلم علیها فی المقدمة، و أنها من قبیل المدارك التی یدركها الإنسان بالتدریج و الریاضة ، حتی إن بعض أصحاب الریاضة من ذلك یمشون علی الحبل الرقیق المنصوب فی الهواء، و لا یخشی سقوطا، كأنه یمشی علی الأرض، و تنفی عنه مادة و هم السقوط، فلا یبقی بخیاله شی‌ء من توهّم السقوط، ذكر ذلك- و الله أعلم- فی الكلام علی الوهم و أثره فی الإنسان، فراجعه إن شئت ، و منهم رجال یقف بعضهم فوق بعض، و ینقلبون إلی وراء و أمام، كما یفعله بقربنا أولاد سیدی/ 148/ أحمد و موسی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 199
- نفع الله به- و أما ما یفعله بعمل السیمیاء المسماة عندنا بخنقاطرة فأمرها مسلم مغرز مشهور .
رأینا من ذلك فی بعض الدیار ما سأذكره، و ذلك أنهم یرسلون سترا بأحد أرباع الدار، یصیر حاجزا بین جمیع من فی الدار الذین أتوا للفرجة، و بین محل اللعب، حتی یتناولوا العمل الذی یریدون ظهوره، فإذا فرغوا من تهیئه یرفعون الستر، فتری ذلك المحل المتخذ للعب قد انبسط و امتد غایة، حتی تری منه دائرة الأفق كأن بها بحرا فیه سفن كبیرة، و الفلك محیط بالبحر، و فیه سحب حمر و غیرها، و تارة حین یرفعون الستر تری جبالا شاهقة، و تارة تری أشجارا عظیمة كأشجار الغابة، فیخرج عند ذلك من كهوف الجبال رجال لابسون لباس العسكر، لابسون السلاح و یأتون معه مصطفین صفا بعد صف، و كل فرقة منهم تباین الأخری فی الزی و اللباس.
و هم یحكون بذلك محاربة أهل الهند لهم، و لیس هذا العسكر من قبیل السیمیا/ 149/ بل ذلك حقیقة من تمام فرجتهم و تارة حین یرفع الستر تجد بابور النار حقیقة لا سیمیا مارا، و صاحب الصفارة یصیح بها، و هو یجر عربات و كل ذلك معد عندهم بهذه الدار بقصد الفرجة، و عند مرور العربات یخرج الناس من كهوف تلك الجبال و یأتون إلی العربة الأخیرة، یفصلونها من العربیة التی تجرها، فیسافر البابور و تبقی تلك العربة بأیدیهم، فیأخذون منها ما شاءوا، و تارة یكون بها أناس كالمسافرین، فیخرجون إلیهم منها فیخرجون فیهم كوابیس البارود خروجا حقیقیا، لكنه لا یصیب
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 200
الذین خرجوا من الكهوف، لكنهم عند خروج البارود تراهم یتساقطون علی الأرض، و كأنهم أصابهم البارود و ماتوا به، فلا تری أحدا منهم یتحرك، فعند ذلك یرسلون ذلك الستر، و یشرعون فی أعمال أخر لا حاجة إلی ذكرها، و مع هذا حین لعبهم یكون أصحاب الموسیقا مشتغلین بها، و عددهم أظنه یزید علی المائة، و لم أدر هل كل واحد منهم بیده آلة / 150/ مغایرة لغیرها، أو تتعدد آلة الطرب عندهم، و هذه الدیار متعددة فی باریز، فی كل حومة منها عدد كثیر و مبدأ الفرجة عندهم من الغروب و كان عنهم فی الوقت الذی كنا فیه یزید علی الساعة الثامنة بخمس دقائق ، و هی الغایة عندهم، و تمتد الفرجة إلی ثلاث سوائع أو أربع أو أقل.

صفة طرق باریس و أحوال الخدمة

و أما طرق هذه المدینة فیبیت الضوء مشعولا فی فناراتها المنصوبة فی الطرق إلی الشروق. و أما الخدمة أصحاب الأكداش الذین یحملون السلع من البابورات إلی المدینة، و ینقلون السلع منها إلی البابورات، فلا تفتر خدمتهم لیلا و لا نهارا، و إنما تقل الخدمة قرب الفجر لا غیر. و أما فی وسط النهار و منتصف اللیل، فتراهم بین غاد و رائح، كأن الحرب مشتعلة بینهم و كل یجری حسب جهده و طاقته، و إذا نظرت إلی الطرق من الأعلی تری كأن المحلة دخلت البلاد، و بعضهم یجری علی بعض، و عند
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 201
تزاحم الأكداش تسمع لمرورها صوتا هائلا كالبحر عند هیجانه، أو صوت الرعد.
و عند مرورنا فی الأكداش بینهم إذا لم تتكلم بغایة جهدك مع الجالس معك لا یسمعك نطقا، و مع هذا كله، فالمكلفون بتنظیف الطرق بالكنس و الرش قائمون بذلك لیلا و نهارا لا یفترون، فأصحاب الرش یركبون الطرنبات فی تفجیرة مع ردیف الطریق، و هی أی الطرنبة جعبة طویلة، بل جعبات طویلة، و كل واحدة نحو خمسة أذرع، و یوصل بین كل جعبتین بجعبة من الجلد. و یجعل عند الملتقی جرارتین كأنهما رجلان، تمشی علیها الطرنبة، و الماء یخرج من فم الطرنبة فینصب علی الطریق مقدار عشرة أذرع طولا و قربها عرضا، ففی المدة القریبة تراه یرش سطحها/ 151/ عظیما، و إذا لقیته أكداش ینقص من طول رمی الماء لیلا یصیب منه المارین. و تجد وراء هذا الذی یرش بهذه الطرنبة رجلا آخر بیده طرنبة أخری تابعا له یرش المواضع التی أخذت فی الجفاف و الیبس، و آخرون وراءه علی هذه الكیفیة، و الطرق كلها هكذا. و إذا نزل المطر- و نزوله كثیر عندهم- لا یبقی من مائه شی‌ء بوسط الطرق، لأنها محدبة فینحدر الماء إلی الردیفین یمینا و یسارا، فیأتی أناس كل واحد بیده
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 202
شطابتان من شعر علی هیئة الشیطة التی یمسح بها الملف، و هما أكبر بكثیر، و یجعل كل واحد برأس عصا و یدفع بهما الماء و هما منصوبتان أحدهما بجنب الأخری طولا فتری الماء یجری قدامه، و إذا كان كبیرا و خرج منه شی‌ء و بقی وراءه یتبعه آخر یدفعه بشطابتین كذلك، و لم أدر هل یوصله إلی مصرف خاص به أو إلی غیر ذلك، و إذا ارتفع المطر و أخذت الأرض فی الجفاف یرجعون إلی الرش و التنظیف فی یوم واحد مرة أو مرارا، و هذا دأب هؤلاء لیلا و نهارا. و قیل لی ذات یوم إن الذباب لا یوجد فی مدینة باریز، فقلت له و هل یتركون له شیئا من القاذورات التی ینزل علیها، مع أن براح دیارهم و غالب أسواقهم مقبیة بالزاج، ثم تتبعت ذلك فلم أر شیئا منه فی الدار التی كنا فیها، و لا فی محل الطبخ، و لا فی الزقاق، مع أن الوقت فی نهایة الحرارة، عدا یوما واحدا رأیت فیه ذبابة واحدة فی حانوت جزار، ما أنظفها و ما أظرفها، و براحها كالكاغد المورق بالألوان، و اللحم الذی یباع فیها یابس لا شی‌ء فیه من البلل، و حین نقله من محل/ 152/ الذبح إلی الحوانیت یجعل فی الخناشی كالسراویل، محافظة علی النظافة، و الحوانیت التی یباع فیها اللحم، رأینا فی حومة واحدة فندقا عظیما مربعا فی طول ربعه أزید من مائتی خطوة، و له أبواب كثیرة فی كل ربع. و یقابله فندق آخر مثله لبیع اللحم أیضا، و ما عرفنا فیها شیئا من النعم المأكولات و المشروبات لأن كبیر الدار التی كنا نازلین بها، مأمور بأن یأتی إلینا بجمیع ما نطلبه منه من ذلك. و أصحابنا الذین فی المطبخة یذبحون كل یوم شاة من الضأن و یوتی لهم بالدجاج كل یوم و الحوت، و ما یحتاجونه من الإدام، و یوتی لنا فی كل صباح بالقهوة و الحلیب و الزبدة و غیر ذلك من الأشربة، كشراب اللوز و شراب أحمر قان یضاف مع الماء بنحو الثلثین منه و الثلث من الماء، و حضر هذا الشراب ذات یوم، فحین تناولت منه قیل لی سیقال للقاضی إنك تشرب معنا هذا الشراب، فقلت أو لیس فیه من بأس أو یشمله شی‌ء من الالتباس، و تذكرت قول القائل:
فعندی میزان یفرق بینهاو بین ذوات السكر لست بزاهق
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 203
و قلت فی ذلك ارتجالا :
كؤوس الصفا دارت من بین الأحبةفهمت لها شوقا لتفریج علتی
نهانی عنها لائم متداعباأخ لی نصیح صادق فی الأخوة
/ 153/ و أوعدنی أنی إذا ما شربتهایوضح للقاضی النزیه ضلالتی
فقلت: و كیف الصبر و هی من وصفهایسلّی بها قلب الكئیب بنظرة
فخذها جهارا لا تراقب من الوری‌قضاة. و لا شیئا فأنت فی ذمتی
فأمل الأوانی منها فهی مباحةو لی أذن صماء عن ذی ملامة
و هذا الشراب قیل إنه یتخذ عندهم من ثمار یشبه ساسنوا الذی بالغرب عندنا، و یضیفون له شیئا من السكر، و لم أر فرقا بینه و بین الماء الصرف إلا فی الحلاوة و شدة الاحمرار لا غیر.
و فی یوم الخمیس التاسع و العشرین ، قدم ولد باشدور أنجلیز بطنجة علینا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 204
لباریس، ففرحنا لقدومه لأن والده المذكور، كان وعد بأن یرسله معنا لدولتهم الفخیمة، بقصد أن یترجم هناك، و هو رجل ذو عقل و مروءة، و ذو سمت حسن، فتلاقی بالباشدور صاحب السر المذكور، و سر بقدومه سرورا كبیرا.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 205

الجزء الثالث‌

الإكرام الذی وجهته الدولة للباشدور و أصحابه‌

و فی یوم الجمعة متمه ، و جهت الدولة الفرنصویة للباشدور المذكور الإكرام لسیادته و كذلك للأمین و كاتبه، و للمخازنیة الخمسة الذین معنا، كل واحد بما یناسب مرتبته فتلقی ذلك منهم بالقبول و السرور، و جازیناهم بالشكر و القول المبرور، فعند ذلك كتب الباشدور المذكور لوزیر الأمور البرانیة بهذه الدولة، یعلمه بأنه عزم علی النهوض و السفر إلی دولتی بلجیق، و أنجلترا فی یوم/ 154/ الاثنین، ثالث جمادی الأخیرة و یطلب منه التسریح للسفر و المساعدة علی ذلك،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 206
فأجیب إلی هذا المطلب فأخذ یتهیأ للسفر إلی مدینة ابروكصیلا، و هی دار الملك عند جنس بلجیق لأن سلطان هذا الجنس حین سمع بخروج الباشدور المذكور، لبعض الأجناس دونه مع أنه مكتنف بینهم، اقتضت محبته القدیمة أن طلب من الحضرة العالیة بالله بواسطة بعض نوابه المرور علیه، و الدخول لبلدته المذكورة، بقصد النزول و الاستراحة و الضیافة و كمال الراحة، فأجابته أدام الله عزها- إلی قصده، و أذنت بالدخول إلیه، و المقام فی بلده.

الخروج من باریس إلی جنس البلجیق و ما رأیناه فی بعض مدنهم‌

و فی یوم الاثنین المذكور و جهت لنا الدولة الفرنصویة الأكداش المخزنیة بقصد الركوب فیها إلی السكة الموصلة لمدینة بلجیق المذكورة، فركب كل منا فی تلك الأكداش و ركب مع الباشدور المذكور فی كدشه ترجمان هذه الدولة، بقصد وداعه و تشییعه، حتی یوصله إلی حكومة جنس البلجیق، و هو الذی كان طلع للبابور لملاقاته حین وصلنا لمرسیلیة. و من الأكداش ركبنا فی عربیة منتخبة من عربات سكة البابور، و كان ابتداء السفر فی الساعة السابعة و زیادة ثلث/ 155/ ساعة أخری من الثامنة، و هذه الطریق من باریس إلی مدینة جنس بلجیق هی كالطریق التی تقدم وصفها من مرسیلیة إلی باریس فی المزارع التی فیها و البساتین و الأنهار و القری و المدن و الأشجار، و كان البابور كلما وصل إلی مدینة له فیها غرض یقف یسیرا نحو
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 207
خمس دقائق فأقل، فوقف أولا فی بلدة تسمی اكرای ، و فیها فابریكات بعض المصانع، و بقی واقفا خمس دقیقات، و وقف فی أخری دقیقة واحدة، تسمی الوریورا ، ثم فی شولی دقیقتین، ثم فی بلدة طرنی ثلاث عشرة دقیقة، و وقف فی خمس مدن أخری لم أدر ما اسمها ثلاث عشرة دقیقة، فجملة وقوف البابور فی مدن الدول الفرنصویة أربع و ثلاثون دقیقة، و فی الساعة الثانیة عشرة و خمس دقائق بعدها وصل البابور إلی الحدادة، التی بین الدولتین المذكورتین، فی بلدة لجنس البلجیق، تسمی كیفی ، فعند ذلك ودع ترجمان الدولة الفرنصویة الباشدور المذكور، و رجع لباریس، بعدما كان طلع إلینا للعربة من تلك المدینة ولد وزیر الأمور البرانیة ببلجیق ، و استدعانا للدخول لبلدهم و هو فی أحسن زی، لابس أجمل ثیابه. و رأینا من أدبه و تواضعه و تلطفه ما لیس فوقه مزید، و أنشدنا لسان حاله .
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 208 / 156/ عرج علی روضنا الأنیق و عج به‌فأولوا العقول تحیرت من عجبه
و انظر حدائق بهجة ما أجّلهایسلو بها قلب الكئیب من كربه
و اقطف ثمارا دانیات قطوفهافلك الهنا یا واردا لمحبه
فأنتم وفود علی مدینة بلجیق‌أكرم بهم من وافدین لبابه
فلكم هنا كل المقاصد و المناأهلا بذی الوفد الزكی من غربه
ثم دعانا ولد الوزیر المذكور إلی النزول إلی بلدة الحدادة المذكورة بقصد الملاقاة مع كبیر عسكرها، فأجیب إلی ذلك، و كان من اعتنائه و كمال محبته أن وجدنا فئة عظیمة بهذه البلدة من العسكر متهیئة لقدومنا، مصفوفة صفا بعد صف، لابسة آلة حربها. فنزلنا، و قدمنا إلی دار كبیرهم، فتأدب أدبا كبیرا مع الباشدور، و جری بینها كلام بما یناسب الحال. ثم رجعنا إلی العربة و معنا ولد الوزیر المذكور، وجد فی سیره إلی أن وصلنا إلی مدینة ابركصلاص المذكورة، فدخلنا إلیها فی الساعة الثانیة من یوم الاثنین المذكور، فإذا أسقطت مدة المقام فی المدن المتقدمة مع خمس عشرة دقیقة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 209
مدة ملاقاتنا مع كبیر العسكر فی الحدادة، تبقی مدة السفر خمس سوایع و إحدی و عشرین دقیقة. و عند دخولنا لهذه البلدة وجدنا ذببابها قبة عظیمة و العسكر أیضا فی زی مخالف لزی عسكر الفرنصیص، لأن الشماریر التی علی رؤوسهم علی هیئة الدلاء محدبة القعر، و هی من جلد المعز لا زال بشعره و بأیدیهم السیوف لا غیر، كل واحد موقف سیفه بین جبهة عینیه، فتلاقی كبیرهم بالباشدور و تأدب كما یجب، و دخلنا للمدینة فوجدنا فی طرقها متسعة، و أناسا مكلفین بالكنس و الرش و البناء الذی یجدد بها حینئذ/ 157/ یبنی علی كیفیة الأبنیة بباریس.

صفة الدار التی نزلنا بها فی ابركصلاص‌

فأتی معنا ولد الوزیر المذكور إلی الأوطیل الكبیر فی تلك البلدة، و أنزلنا به فی الطبقة الأولی قائلا: لیلا یصیبكم التعب فی صعود الدرج و النزول منها. فنفد لنا منه مواضع منتخبة . و أماكن مزخرفة فی كل مكان منها موائد للأكل، و شیلیات عدیدة، و كنابیس كذلك، و فرش لینة مع أغطیة، و وطاءات من قطن باردة، قد تبدی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 210
للبدن برودتها من فوق الثیاب، و كذلك فیها من الثریات و الماریو و غیر ذلك من الزرابی و الأوانی المحتاج إلیها. و فی وسط هذا الأوطیل خصة كبیرة، و بقطبها الذی فی وسطها ثلاث خصص متصاعدة متفاوتة فی الصغر و الكبر. و بین السفلی و العلیا نحو خمسة أذرع، و الماء ینبع من الأنبوب الذی فی وسط العلیا عن ثقب ضیقة متعددة، فتراه یخرج منها متصاعدا، ثم ینحدر إلی الخصة العلیا، و منها ینزل إلی التی تحتها، و منها ینصب إلی التی أسفلها، و بینها و بین الخصة الكبری ثلاث تصاویر علی صور الآدمی، كأنهم هم الحاملون للخصص التی فوقهم. و بمحیط جدران براح هذا الأوطیل أشجار صغیرة و محابق عدیدة. و فیها قفص كبیر، فیه طیور كثیرة، علی أشكال منها: طیور فی جرم البرطال. لونها أخضر ذو وجهها مع نصف رأسها أحمرذ، و منها ما هو فی جرم الطیر المعروف عندنا بشرقراق ، و هی تترنم فی بعض الأوقات،/ 158/ و تتكلم بصوت مستحسن، و بالجملة فهی دار منتخبة ظریفة ذات مرافق و منابع، قیل إن فیها نحو ثلاثمائة منزل، و لیس عندهم فی بلدهم أحسن منها، و لیست كالدار التی كنا نازلین فیها فی باریس ذبل تلك أعظم و أكبرذ فشتان ما بین السماء و القمر.

الملاقات مع الوزیر

و بمجرد وصولنا و نزولنا بهذه الدار أتی قائد مشورهم إلی الباشدور یحمده فی السلامة، و طلب منه بأدب كبیر، أن یعین له الوقت الذی یتلاقی فیه مع وزیر الأمور البرانیة فی الغد، یرید یوم الثلاثاء الرابع منه، فاعتذر له بتلطف عن اللقاء فی ذلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 211
الیوم، و واعده به فی یوم الأربعاء فی الساعة الحادیة عشر منه ، و فیها تلاقی معه بداره بعد أن ركبنا فی الأكداش، و توجهنا معه، فوجدنا فئة عظیمة من العسكر رجلیة بباب داره، فحین رأونا تكلمت الموسیقا علی العادة، و حین تلاقی به كنا نحن وراءه بقرب منه، فظهر منه فرح كبیر و سرور عظیم بقدومنا علیهم لبلدهم، و جری بینهما كلام بما یناسب الحال. و أخبر أنه یحب المغرب و أهله، و لأنه كان فیما سلف فی تفیلالت، و أقام بها خمسة أشهر ، و أحسن معه أهلها غایة الإحسان، فلذلك یحب الغرب و أهله، و أنه یرجو الله أن لا یموت حتی یرده إلی الغرب، لأنه یحن إلیه، فقال له الباشدور إنه لرجل عاقل، و من تمام عقله حسن معاشرته مع أهل/ 159/ تفیلالت، حتی أقام فیها تلك المدة و رجع بسلام. ثم ودعه فأخذ نائبه الذی تقدم ذكره یمشی قدامه، و هو مواجه له أدبا معه حتی وصل إلی الباب فودعه بأدب كبیر و رجع.

بعض أوصاف هذه المدینة

و فی مساء ذلك الیوم، ركبنا فی الأكداش و خرجنا نطوف بناحیة من نواحی البلد، فوجدناهم مشتغلین بكنس الطرق و الرش أیضا، و سرنا حتی انتهینا إلی طرف
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 212
البلد، فوجدنا هناك غابة عظیمة و الطرق واسعة فیها، تتخللها من جهات كثیرة، و بعض الأماكن منها یتخذ بقصد الاستراحة، فیوضع فیه شوالی طویلة و أخری مستدیرة، فمن أحب الجلوس هناك فله ذلك. و رأینا بعض الشوالی هناك مستدیرة مرفوعة علی قضبان بعضها خارج من بعض كأغصان الشجر، فظننا أنها من عود، فقیل لنا بل هی من حدید، و علیها طلاء یشبه لون العود، فنزلنا فی بعض بقاع هذه الغایة وصلینا العصر بها ، فاجتمع علینا خلق كثیر من نسائهم و رجالهم، لأن ذلك المحل أی الغابة امتدت معها بعض المساكین و الأبنیة، و هم یتعجبون منا لأنهم قلما یصل المسلمون إلی بلدهم. و بعد صلاة العصر أخذنا نتمشی فی هذه الغابة علی أرجلنا فرأینا/ 160/ فیها أشجارا عظیمة الخلقة، و هی فی غایة ارتفاع، و جلها لا تری فی طوله من ساقه إلی رأسه اعوجاجا. و وجدنا أصول شجرة موضوعة هناك، قد فصل بعضها عن بعض. فعبرت نصف دور بعضها فوجدته فیه اثنی عشر شبرا، فیكون فی دور ساق هذه الشجرة أربعة و عشرون شبرا. ثم بقینا نتمشی حتی عرضت لنا طریق أخری، فأتت الأكداش إلینا، فركبنا و رجعنا. فكنا نجدهم فی بعض الطرق یغرسون بها من تلك الأشجار مع طولها، و فی بعضها أشجار كبیرة، غرسها قدیم لكن فی بعض الطرق دون بعض، و فنارات الضوء ممتدة معها تشعل اللیل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 213
كله. و بعض المواضع التی بوسط المدینة وجدناه مغروسا كأنه غایة. و قد أحیط بها قضبان حدید قائمة علی رؤوسها كالحربات مذهبة، و هی متقاربة بین كل قضیبین أقل من نصف شبر، و قضبان أخر ممتدة مقاطعة لها، قد أحكم وصل بعضها ببعض، حتی صارت هذه القضبان زربا لتلك الغابة لا یدخل لها إلا من أبوابها المصنوعة فیها. و قد امتد مع هذا الزرب و داخله أشجار صغیرة، و هی فی غایة الاستواء، لا اعوجاج فیها، و قد نقیت من أصولها إلی حیث أخذت/ 161/ الفروع فی الانتشار، فتركوها تنتشر، لكن من محل واحد، بعدها من الأرض بقدر متحد، و بین كل شجرتین نحو ثمان خطی. فحین طالت الفروع السفلیة الأولی قرن ما بین بعضها ببعض، و كذلك ما فوقها حتی التأمت الفروع من أعلا الأشجار و بقیت الأصول متجردة. و امتدت علی هذه الحالة كامتداد قضبان الحدید علی المثال بالطرة . و یا لها من نظرة هناك ما أجملها، و مسرة ما أجلها. و هذه البقاع بداخلها شوالی موضوعة، و قد تتخذ للفرجات و غیرها. و هذا المحل قریب من دار كبیر دولتهم، و هو مباح یدخله من شاء. و حین رجعنا إلی محل نزولنا تذاكرنا فی كبر هذه المدینة فألقیناها كبیرة فی رؤیة العین. و طلبت من الترجمان أن یبین لی كم متر فی طولها و عرضها، فوعدنی بأنه یأتینی بورقة هیئتها، لأن من عادتهم طبع هیئة البلد فی ورقات لا تكاد تحصی، یدفعون كل ورقة لمن ینزل فی منزل منها من البرانیین، و یرقم فیها جمیع ما یحتاجه، بحیث یكون فیها كل ما یرید أن یسأل عنه، لا من الأماكن و لا من أكریتها، و بیان المواضع و الطرق الموصلة إلیها، و عدد البابورات التی تخرج منها، و فی أی وقت لیلا و نهارا، و مقدار الكراء بحسب السكة و غیر ذلك من ضروریات التجارة. و عند إتیانه بهذه الورقة و بسطه لحالها لنا. نرجع إلی/ 162/ تمام الكلام علی البلد بحول الله.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 214

الملاقات مع عظیم دولتهم‌

و بعد ذلك بل عند رجوعنا وجد الباشدور كتابا مطبوعا وجهه له وزیر الأمور البرانیة، تضمن الإذن له و لأصحابه بالطلوع إلی دار ملكهم، و أنه هو و زوجته یأذنان فی الطلوع بقصد الملاقاة معهم، فی الساعة الثانیة من یوم الخمیس السادس من شهر تاریخه، فحین قربت هذه الساعة وجه ثلاثة أكداش من الأكداش التی یركبها هو و وزراؤه. كل كدش یجره ستة من الخیل، یتولاه نفر من خاصة عسكره، كساویهم جلها ذهب، و كذلك سرج هذه الخیل، و آلات الجر جلها مرصع بالذهب، فركب الباشدور فی كدشه أمامنا، و تبعناه فی كدشین فی أثره، و أخذت الخیل فی السیر هونا، تتحرك قلیلا قلیلا حتی كأن فی ذلك إشارة إلی أن هذه الخیل تجر أمرا عظیما لملكهم ، و حین قربنا من داره وجدنا صفوفا كثیرة من العسكر صفا وراء صف، و أصحاب الموسیقا و الطنابریة مشتغلون بعملهم، و كبراؤهم یشیرون بالسلام بتأدب علی عادتهم. و عند وصولنا إلی دار ملكهم و دخلنا إلیها و صعدنا معارج للدخول علیه إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 215
للقبة التی هو فیها. دخلنا لقبب بعضها یوصل إلی بعض، و كل واحدة تنسیك محاسن الأخری، حتی وصلنا إلی القبة الثامنة، فوجدنا فیها وزراءه و خاصة دولته، نحو العشرة. ثم خرج كبیر دولتهم من القبة التاسعة، و معه زوجته ، و تلاقی بالباشدور متأدبا غایة/ 163/ و كاتبه و الأمین وراء الباشدور قریبان منه، و المخازنیة الخمسة وراءنا، فشرع الباشدور فی الكلام معه بما هو مأمور به، و ترجمه المترجم، و أجاب عنه كبیر الدولة بأنه حصل له فرح و سرور عظیم بقدومنا علیهم و دخولنا لبلدهم، حتی أنه قال: إنه یرجو الله أن یشرح صدورنا لبلده حتی نقیم فیها فی عافیة و راحة، و یأذن لنا فی المسیر للفابركات التی بداخل المدینة و خارجها، و زور الأماكن التی تصنع فیها العدة و السلاح، و نستوعب ذلك كله بحول الله، فجازاه الباشدور بكلام طیب عن كلامه هذا، ثم طال الكلام بینهما فی غیر هذا. ثم انصرفنا من عنده، و رجعنا لمحل نزولنا.

فابریكات المدافع و الرمایة بها

و بعده بقریب أتی الترجمان بأكداش أخر، و أذننا بالركوب فیها بقصد الذهاب إلی دار فابریكات المدافع، و دار تعلیم الرمایة بها و بالمكاحیل، فسرنا إلی دار فابریكات المدافع ، فوجدناهم یصنعون بها المدافع التی ظهرت فی الوقت، فوجدنا فیها مدفعا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 216
صغیرا تم عمله، و هو من مدافع الجر منصوبا علی كریطته، و طوله بخزنته نحو ذراع و نصفه، و قطر فورمته أقل من ربع ذراع، و فیه تسع عشرة عمارة، و كنا نسمع بهذه العینة، فكنا نظن أن العمارات لها جعبة واحدة هی فورمة المدفع، و الخزنة فیها التسعة عشرة، كما نعتاده فی بعض الكوابیس الرومیة، فوجدناه بخلاف ذلك.
و بیانه أن هذا المدفع ملفق من أجزاء، أما جعبته أعنی جرمه ما عدا خزنته فهی جزء مستدیر/ 164/ أسطوانی كالمعهود، لكن منه نحو أصبعین أو أزید صنع من صفر. ثم أفرغ فی جوفه الحدید المذاب حتی ملئ منه جوفه كله. ثم ثقب فی هذا المذاب بالبریمة تسع عشرة ثقبة، نافدة من خزنته إلی فمه علی المثال الذی سطرته. ثم صنع قعره من صفر مفصولا عنه. ثم عمدوا إلی قطعة حدید مبسوطة و فتحوا فیها تسع عشرة دائرة علی الكیفیة التی بالطرة . و جعلوا لهذه الحدیدة علامة ترفع منها خارجة عن الدوائر التی فیها. و فتحوا فی قعر المدفع المفصول قدرا یسع هذه الحدیدة دون علاقتها. و هذه الحدیدة یركب فیها القرطوس من البارود، كل قرطوس فی دائرة حتی تملأ دوائر الحدیدة بقراطیس البارود برصاصها، لأنه كقرطوس المكاحیل فی الجرم، فإذا أرید عمارة المدفع، تحرك ید من حدید كید الزیار قرب الخزنة من جهة الیمین، فینفصل قعر المدفع من بقیة جرمه، فیوضع تلك الحدیدة فی محلها الذی حفر لها علی قدر جرمها، ثم تحرك تلك الید فینطبق قعر المدفع علی فم الخزنة، فتدخل كل عمارة قرطوس فی كل ثقبة من الثقب الذی فی جرم المدفع ، لمراعاة المسامتة عند الوضع، و یسد علیها بتلك الید، فیصیر كأنه ذات واحدة. و عن یسار
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 217
الخزنة الآلة التی یعرف بها مسامتة الشی‌ء الذی یرمی بالمدفع، و هی بنیة معروفة.
ثم تكلم كبیر الدار مع بعض الخدمة التی فیها، و هو ولد صغیر یبلغ سنه ثلاثین سنة و الله أعلم./ 165/ فعمد إلی ذلك المدفع و فصله عن كریطته، و رفعه و وضعه علی كتفه، و بقی واقفا به هنیئة، و وضعه علی كریطته، ثم أتی معه ولد آخر فی قده و جعلا كالعصا علی رجل الكریطة لأنها لها رجل واحدة، و أخذ كل واحد منهما بطرفها بید واحدة، و خرجا به إلی وسط الدار، و صارا یجریان به و هما یحركانه، فوهته وراءهما، و لم یكن علیهما فی ذلك كبیر مشقة، ثم رداه إلی محله، و وجدنا مدفعا آخر مصنوعا مثل هذا أكبر منه بنحو نصف ذراع، فیه ثنتان و ثلاثون عمارة كما فی الآخر، و وجدنا آخر فیه سبع و ثلاثون عمارة، قیل إنه یرمی فی الدقیقة الواحدة ستمائة رصاصة، و غایة البعد الذی یرمی به ثنتان و عشرون مائة متر، و هی تنیف عندنا علی ثلاث و أربعین مائة ذراع و الله أعلم. وجدنا آخر أكبر من تلك المدافع، طوله نحو ثلاثة أذرع، و لیس فیه إلا سبع عمارات، فورمة كل واحدة قدر دور نصف الریال، قیل إنه یرمی بمقدار خمس و ثلاثین مائة متر. و سئل عن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 218
ثمن هذا المدفع فقیل أربع عشرة مائة ریال، فقیل: و كم معه من عمارة، فقال:
خمسون بقصد التجریب، و ما عداها فلها ثمن یخصها، فسئل عن ثمن الصغار، فقال: إن ذلك عند الباشدور الذی لهم بطنجة، و وجدنا مكینات هناك تدور، و كل واحدة جالس قبالتها رجل، قد ركب جزءا من أجزاء المدفع فی محل و أحكم وثاقه، و هو یدور بدوران المكینة و بیده آلة/ 166/ من هند محددة الرأس، و هو یخرط بها تلك الآلة، كما یخرط الخراط العود بالحدید. ثم خرجنا من هذه الفابریكة، و توجهنا إلی الدار التی یتعلمون فیها الرمایة ، فدخلنا إلیها فوجدنا فیها بیتا طویلا عریضا، و فی جداره فرج مربعة مفتوحة یشرف منها علی ربوة بعیدة، فیها أشجار، و جعل فی أسفل تلك الربوة حفیرا أطول من قامة الإنسان، و فیه ألواح كبیرة مربعة من عود، یظهر من المحل الذی كنا فیه أن تربیعها قدر ذراع فی مثله، و هی مصبوغة بالسواد، فی وسطها بیاض، تركب هذه الألواح فی رؤوس عصی طویلة، یباشر تركیبها من یكون فی ذلك الحفیر، و ینصبها للرمی. و وجدنا أناسا بذلك البیت یرمون تلك الألواح من الفرج التی فی جداره، و تكرر رمیهم لها، فما أصابها واحد منهم، فناولنی واحد منهم مكحلة بعدما عمرها من خزنتها، و أذننی فی الرمی بها، فأخذتها فوجدت نیشان الخزنة ضعیفا جدا لا ینحصر به المرمی، فحین شایعت بها المرمی ظهر لی فی رأی العین أن فورمة المكحلة أعظم من المرمی ، و لعله من صغر النیشان و شكل الجعبة، فحین أخرجت المكحلة لم أصب ذلك المرمی، فلم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 219
تكن له علینا فی ذلك مزیة و الحمد لله. و وددت الآن لو كان معنا مكحلة من مكاحیل غربنا، لأن أمور الرمایة عندنا مما یكاد یستحیله السامع، كضرب المحمدی الذی یكون فی أذن الواقف، و الطائر فی حال طیرانه علی أحوال متعددة، ثم خرجنا من هذا/ 167/ البیت، و أوتی بنا إلی آخر، فوجدنا فیه مربعین، أحدهما فیه تسع عشرة عمارة، و الآخر فیه سبع و ثلاثون، و أوتی بالحدیدات المتحدة عنها، فی كل واحدة تسعة عشر قرطوشا مركبا فیها، فوضعت تلك الحدیدة فی قالبها المحفور لها فی سطح قعر المدفع، و شدت علی الخزنة، و كان فی رجل الكریطة مسماران معكوفان إلی جهة الأرض، فضربهما برجلیه حتی غاصا فی الأرض، و كان أمامه فی بعد جدار مربع مصبوغ بصبغة سوداء، فی وسطه دائرة ببیضاء ثم أخذ یباشر مسامتة المدفع للدائرة البیضاء، و بعدها رفع تلك الید من الحدید التی عن الیمین إلی فوق، فخرجت العمارة كلها، فكان رجل منهم فی الحفیر الذی فیه ذلك الجدار، و بیده قضیب طویل، و هو یعین لهم المواضع التی أصابها رصاص العمارة، فكانت كلها حول الدائرة البیضاء، و تكرر الرمی منه بهذا المدفع و بالآخر، فما أصابت الدائرة البیضاء و لو رصاصة واحدة ، و من المشهور عندنا فی الغرب أن الطبجیة یجعلون
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 220
دائرة فی جدار أبیض، و فی مركزها طلاء أسود أو أحمر، و یضربونه بالمدفع بكورة واحدة، فیصیبون ذلك الطلاء بخصوصه فی بعض الأوقات مع صغر جرمه. و هذه العمارة التی تجعل فی تلك المدافع، لصاحبه الاختیار، إن شاء أخرجها دفعة واحدة، فتخرج كالحاضرون المعروف، و إن شاء أخرج منها رصاصة أو ثنیتین أو أكثر، و إن شاء أخرجها متتابعة فعل، فالسبت فی یده أی الید التی یحركها/ 168/ إن شاء طوله و إن شاء قصره، و كذلك إذا أراد أن یضرب بعمارة واحدة الصف المقابل له، من الیمین إلی الیسار، یجذب المدفع إلیه حالة رفع تلك الید، فتجد فمه یدور إلی جهة الیسار حین خروج العمارات، ثم شكر لهم الباشدور تلك الأعمال، فلین الأقوال فتأدبوا منكسرین بخضوع غیر مستكبرین، و ركبنا الأكداش و رجعنا إلی مستقرنا.

الملاقات مع أخ عظیم الدولة و عامل البلد و صفة داره‌

و فی یوم الجمعة السابع منه ركبنا و توجهنا لدار أخ كبیر الدولة ، و تلاقینا به بداره فرأینا منه من الفرح و السرور مثلما وجدناه فی كبیر الدولة، و بعدما خرجنا من عنده توجهنا لدار عامل البلد ، فالقینا فئة كبیرة من العسكر بباب داره متحربة، و أصحاب الموسیقی یتكلمون بها، فتلاقینا به فی قبة بداره، و ما قصر فی البشاشة و التعظیم، و أحضر موائد القهوة، و موائد الحلواء المعقودة علی الثلج، فتناولنا من ذلك شیئا خفیفا. و وجدنا عنده بتلك القبة كنانیش فیها الشروط و العهود المعقودة بینهم و بین الدولة الفرنسویة، ربما یزید علی تسعمائة سنة كما قیل. و هی محفوظة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 221
عندهم، و وجدنا عنده فی تلك القبة سلك التلغراف مجموعا عنده فی محل واحد، و منه یتفرق علی جمیع الطرق التی حول المدینة لأجل إخباره بما یحدث فی أطراف البلد و فی غیرها عاجلا. ثم إنه أخذ لولبا واحدا من لوالیب مركوزة فی لوحة، فحركه قلیلا، فقال الترجمان: إنه سأل صاحب السلك الذی فی خارج المدینة عن الجالس معه حینئذ، فأجابه عاجلا فی ربیعة بیضاء ملویة علی ناعورة/ 169/ صغیرة رأیناها تدور، فیخرج الجواب مكتوبا فی تلك السفیفة بقلم الخفیف، قائلا له معی فلان و فلان، كذا أخبرنا الترجمان. ثم دخلنا إلی قبة أخری فیها كراسی و شوالی من الموبر، ذكر لنا أن هذا المحل یجتمع فیه كبراء الدولة فی خمسة عشر یوما لتفقد أحوال البلد، و ما یحدث فیها، و المفاوضة فی أمره و هذه الدار، قیل إنها تزید علی تسعمائة سنة منذ بنیت، و هذا المحل معروف فیها لهذا الغرض، ما بدلوه قط، و دخلنا إلی قبة أخری، رأینا فیها تصاویر فی الجدران و السقف لا جسم بها، قیل إن لها فی ذلك المحل أزید من ثلاثمائة عام. ثم دخلنا إلی قبة أخری وجدنا فهیا كراسی قیل إن فی ذلك یعقد نكاحهم علی ید العامل ، و أن فی كل یوم یعقد النكاح لعشرة أو أزید، ثم خرجنا من هذه القبة إلی سرجم خارج عن جدار الدار، و أشرفنا إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 222
فیه علی سوق متسع البراح، و فیه خلق كثیر، فتكلم القائد مع رجل به، فنصب طرونبة قائمة، و فتح فاها، فصار الماء یخرج منها و یتصاعد حتی جاوز الأسطحة العالیة بجهد عظیم. و سئل عما یتصاعد هذا الماء فقیل یصعد عشرة میاتیر، و أخبرنا أنه وقع حریق فی أربع عشرة دورا فركبت الطرونبات مثل هذه و أطفئت تلك النار فی ثلث ساعة، ثم هممنا بالرجوع فتكلم الترجمان و ذكر أن القائد یطلب من الباشدور فابورا بتأنیه هنا نحو ربع ساعة، لیلبس ثیابه/ 170/ و یخرج معنا لمحل مكینة الغاز الذی تشعل منه المدینة، فدخلنا للقبة التی وجدناه فیها أولا، و جلسنا فأوتی إلینا بموائد القهوة و الحلواء ثانیا، من جملتها حلواء معقودة علی حبوب العنب الذی یصنع عندهم بالمكینة، فتناولنا شیئا یسیرا، ثم قدم علینا القائد و قد نزع ثیاب لباسه الفاخرة المرصعة بالذهب، و لبس الثیاب التی تلبسها العامة منهم.

توجهه مع الباشدور لمحل صنع الغاز و شرح كیفیته‌

و خرجنا فركب مع الباشدور فی كدشه المعین له، و ركبنا نحن فی أكداشنا تابعین له، إلی أن وصلنا إلی محل صنع الغاز، فوجدنا بقربه كدی عظیمة من الفاخر تأتی به البابورات البریة من نواحی كثیرة، فمنه ما هو من معدن بلادهم، و منه ما هو
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 223
من معادن أجناس آخرین. و وجدنا ثلاثة بیوت معدة عندهم لحرق ذلك الفاخر، لكننا وجدنا الخدمة فی بیت واحد. و كیفیة خدمته أنهم یتخذون فی نصف جدار كل بیت ثمان فرج، و ینصبون فی نصف عرض جدار كل فرجة سبعة بیوت النار، أفواهها قیل إنها من حدید مستدیر كشكل البیضة، و امتد كل بیت فی نصف عرض الجدار و تمام بیت النار یبنی كما ذكر من الطین الذی یثبت مع النار، أما ثلاثة بیوت منها فهی مصطفة مع طول الجدار من الیمین إلی الیسار، و فوقها بیتان، و آخران أسفلها، و مجموعها فی السبعة بیوت المذكورة المبنیة فی نصف عرض الجدار، و نصف عرضه الآخر یجعلون فیه مثلها فی البیت المتصل بهذا البیت/ 171/ ثم یجمعون فی كل بیت منها جعبة حدید أسفلها متصل ببیت النار قرب فمه، تمتد مع علو الجدار، حتی تنتهی إلی جعبة عظیمة مقاطعة لها، ممتدة مع امتداد طول الجدار، و جمیع جعبات بیوت النار هكذا، خارجة منها كما ذكر و تنتهی إلی تلك الجعة العظیمة، فإذا أرادوا الخدمة یجعلون من الفاخر المذكور فی بیوت النار و توقد، و یقفلون علی أفواهها بألواح من حدید مماثلة لهیئة أفواهها المذكورة، و یجعلون علیها طینا أبیض مبلولا، یدخل عند السد بها بین الألواح و أفواه البیوت، لیلا یخرج الدخان، فعند ذلك یصیر ذلك الفاخر یشتعل فی تلك البیوت، و له لهیب عظیم، و دخانه یخرج من تلك الجعبات المتصلات بأفواهها، و یصعد فیها حتی ینتهی إلی تلك الجعبة العظیمة، و تحت كل فرجة من الفرج المذكورة سوانی یجری الماء فیها بحرارة. و هو ظاهر من أسفلها قیل لیلا یذوب الحدید الذی تحته من شدة النار، و یبقی ذلك الفاخر یشتعل فی ذلك المجمار خمس سوائع، فإذا مضت له هذه المدة یأتی رجل من الخدمة و یعد تلك اللوحة الملصقة فی فم المجمار، و یضع آخر أسفله صندوقا حدیدیا، و یوخذ قضیب طویل من حدید معكوف الرأس، و یشتغل بإخراج الفاخر المشعول من ذلك المجمار، فیسقط فی ذلك الصندوق، فیصب علیه الماء فینطفی‌ء فیخرجونه إلی الفضاء، و یجمع هناك فی مواضع فیباع بعد ذلك لأهل البلد،/ 172/ و به یطبخون
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 224
طعامهم و یجعلونه فی مجامیر بیوت مساكنهم فی البرد، لأنه لا تبقی له رائحة كریهة و لا كثیر دخان، هكذا أخبرنا . ذومهما فرغ بیت من الفاخر المشعول یملأه اثنان بغیر المشعول، كل واحد بیده مدرة من الحدید یغترف بها الفاخر و یرمیه إلی داخل المجمار حتی یجعلا فیه كفایته ثم یسد بلومته مع ذلك الطینذ، و قد بینا أن نصف جدار كل بیت فیه ثمان فرج، و فی كل فرجة سبعة مجامیر عینیة، فی نصف عرض الجدار، و فی نصف عرضه الآخر المقابل لها مثلها، فیكون فی نصف البیتین المتصلین من بیوت النار مائة بیت و اثنا عشر بیتا كلها فی نصف جداره، و فی النصف الآخر مثلها تصیر مائتی بیت و أربعة و عشرین بیتا، جمیع دخانها الخارج من جعباتها ینتهی إلی تلك الجعبة العظیمة، و تقدم أن هذا المحل فیه ثلاثة بیوت لخدمة الفاخر فیكون فی جملتها من بیوت النار ستمائة بیت و اثنان و سبعون بیتا، قیل كلها یخدم بها فی أوان البرد، و أما فی وقتنا و هو شهر یولیوز و الشمس فی برج السرطان، فوجدناهم مقتصرین علی الخدمة فی نصف بیت، لحرارة الوقت، و حیث ینتهی الدخان إلی تلك الجعبة العظیمة الممتدة فی أعلا الجدار، ینزل منها إلی الأرض فی مجاری لا تری حتی ینتهی إلی بیوت أخر عظیمة. قد جعل فی براحها صهاریج عظیمة من الحدید و فرشت بغبراء الجیر، و كل صهریج منها یحیط به آخر أعظم منه، و بینهما بعد بقدر الشبر یكون الماء جاریا فیه. و هذه الصهاریج ینزل إلیها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 225
الدخان الوارد من تلك الجعبة العظیمة، و لها أی هذه الصهاریج أغطیة علی هیئتها، و فی مقدار/ 173/ جرمها، وجدنا أحدها قد رفع غطاؤه بمكینة فوقه، كما ترفع عندنا المدافع، و رجلان یخدمان البوجی المنصوب علی قنطرة عظیمة فوق هذه الصنادیق.
و هی مع عظمتها غیر ثابتة فی موضع، بل بطرفیها ناعورتان، فی حرفها درج تمشی بها علی الجدارین البنیین لها إلی حیث یراد بها، لأن بها ترفع أغطیة تلك الصهاریج التی فی هذا البیت. و بهذا توضع الأغطیة بحركة البوجی الذی فی وسط القنطرة، فإذا نزل الدخان إلی الصهریج الأول بعد سده بالصهریج الآخر الذی فوقه، یسلب عنه الجیر، و مع ذلك الماء ماء فیه من العفونات و الأضرار المؤذیة، و من الصندوق الأول یخرج إلی الثانی فیسلب عنه البقایا التی فیه. ثم إلی الثالث و إلی الرابع و هكذا، حتی لا تبقی فیه رائحة و لا ضرر و لا أذی، فعند ذلك تخرجه مكینة مبنیة فی بیت آخر عظیمة الجرم، مثل مكینة البابور، فتسفه و تجذبه من تلك الصنادیق، و یخرج منها مختفیا تحت الأرض، حتی یصل إلی ذمخازینه الآتی ذكرها و منها یخرج إلیذ قادوسین عظیمین ممتدین مع الأرض، قطر دائرة كل منهما یزید علی ذراع واحد، و منهما یتفرق علی المدینة فی قوادیس صغیرة و كبیرة بحسب الدیار و الحوانیت التی فی البقاع كثرة و قلة، و دخلنا إلی بیت آخر، وجدنا فیه ناعورتین كبیرتین قیل لنا بهما یعرف ما دخل من الدخان للبلد، فی كل یوم و بین لنا بعض ذلك فی دائرة صغیرة مثل رخامة المجانة المستدیرة، قد قسم نحو ثلاثة/ 174/ أرباعها بمقدار واحد و جعل فی كل قسم دائرة صغیرة قد قسمت علی عشرة أجزاء، و فی وسطها موری مثل المجانة، فإذا تحرك الدخان و خرج منه مقدار متر واحد، تحرك ذلك الموری الذی فی الدائرة الأولی درجة واجدة من الدرج العشر التی فی محیط الدائرة، و إذا دخل متران تحرك درجة أخری و هكذا، فإذا تحرك عشر درج، و قطع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 226
محیط الدائرة، و ذلك عند دخول عشرة میاتیر من الدخان للبلد، یتحرك موری الدائرة الثانیة درجة واحدة من عشر درجها، فإذا دخلت عشرة میاتیر من الدخان تحرك درجة ثانیة، فإذا دخلت منه مائة متر تحرك عشر درج، و قطع الموری جمیع الدائرة، و یتحرك موری الدائرة الثالثة درجة واحدة، فإذا دخلت مائتا متر تحرك موری الثالثة درجتین، فإذا دخل ألف متر تحرك عشر درج، و قطع دائرته. و یتحرك موری الدائرة الرابعة درجة واحدة، و إذا دخل منه ألفا متر تحرك درجتین، و إذا دخل منه عشرة آلاف میتر تحرك عشر درج و قطع دائرته و تحرك موری الدائرة الخامسة درجة واحدة.
و هكذا حتی یكون موری الدائرة الثامنة ینبئ تحركه عن عدد عشرات الملایین، لأن مراتب هذه الدوائر بنیت علی مراتب أسس مطلق العدد. و ذكر لنا أن كل دار أو حانوت أو غیرهما مما یشعل فیه الغاز، فیه دائرة فیها موری ینبئ عن القدر الذی یشعل منه فی ذلك المحل كل لیلة،/ 175/ و هذا الدخان الذی یخرج فی كل یوم، لیس كل ما یخرج منه یدخل للبلد، بل ینصرف إلی مخزنین عظیمین من حدید مستدیرین، و منهما یخرج منه القدر المحتاج، و وجدناهم یصنعون خزینا ثالثا مثل الآخرین، و هو ملفق من ورقات. و رأیناهم یلفقون الطبقة العلیا منه بمسامیر كبیرة، یخرجونها من بیت النار قریبا منهم، و یدخلونه فی ثقبتی الورقتین اللتین فی حرفیها، و یكعبون أرباع رأس المسمارة، ثم یوضع علی رأسه قطعة حدید فیها قالب رأس المسمار كهیئة نصف كرة، و یضربونه بمقامع من حدید. ثم ینزعون ذلك القالب فیبقی رأس المسمار كهیئة نصف كرة. و سألت عن قطر دائرة هذا الخزین، فأخبر مهندسهم أن قطرها ثمانیة و أربعون مترا، و سألت عن علو هذا الخزین، فقال عشرون مترا، فقلت و كم یملأ هذا الخزین من الأمتار؟ فقال عشرون ملیونا من الأمتار، لكن إذا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 227
ضربنا نص قطره فی نصف محیطه و الخارج فی علوه كان الخارج ستة و ثلاثین ألف متر، و مائتی متر و عشرین، و لعل المراد عنده بالمیتر شی‌ء آخر باعتبار مصطلحه.
و هذا كله و عامل البلد یطوف معنا فی تلك الأماكن.

دار الوحوش المیتة

و فی یوم السبت الثامن منه توجهوا بنا فی الأكداش إلی دار فیها وحوش كثیرة، لكنها میتة وحشیت جلودها حتی ملئت، فیتخیل للناظر أنها أحیاء، فدخلنا إلیها فرأینا فیها أسدا من أسد الغرب فی خزانة زاج، ذكر أن مولانا السلطان المقدس بالله سیدنا و مولانا عبد الرحمان/ 176/ أسكنه الله فسیح الجنان كان وجهه لكبیر دولة البلجیك، و أنه عاش عنده اثنی عشر عاما و مات، فأخذ جلده وحشی، و جعل الكافور فی رأسه فبقی علی حالته حین كان حیا. و وجدنا فی أسطوانها أقفاصا من حدید، و سلك ممتدة طولا و ارتفاعا مع جدران الأسطوان، معلقة بشی‌ء ظنناه حجرا، فقیل لنا إن ذلك عظام حیوان محفوظة هناك، و فی هذه الدار من هیئات الحیوان مثل ما فی جنان باریز من الحیوان الحی، إلا ما قل. و فیها زیادة علی ذلك هیئة حیوان أعظم من الجمل، لكن لم یبق منه إلا العظام، قد ربط بعضها مع بعض بالسك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 228
و قضبان الحدید، و له نابان فی الفك الأسفل منعكفان إلی ناحیة أعلا رأسه ، فی كل ناب نحو ثلاثة أرباع، دائرة قطرها نحو ذراعین و نصف، و طوله أی هذا الحیوان نحو ستة أذرع، و فی ذنبه نحو أربعة أذرع، و فك فمه الأسفل فی دوره نحو ستة أشبار، و رأسه كبطن بقرة. قیل إن هذا الحیوان كان قبل الطوفان . و رأینا فكرونا عظیم الخلقة، طوله مثل عرضه نحو ذراعین فی مثلهما عرضا، و التمساح طوله نحو سبعة أشبار، و بلینه لم یبق منها إلا بعض عظام بطنها مع عظام فقار ظهرها، فی طولها ثلاثون خطوة و أفاعی عظیمة الخلقة، ملتویة علی ذاتها، غلظ كل واحدة قدر ما یحیط به الإبهامان و السبابتان عند اقتران رؤوسها. و كل ذلك فی خزانات من الزاج عدا/ 177/ الحیوان الذی قبل الطوفان و البلینة. و فی صنادیق كثیرة ، أغطیتها من الزاج جمیع ما فی الأقالیم من المعادن، كل معدن أخذ منه حجرا و تراب، و وضع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 229
الحجر فی حك من كاغد، و التراب فی قطیع زاج، و كتب علی كل معدن من أی محل هو، و ما یخرج منه، منها صندوقان فیهما حجر معادن الغرب ، و عدد ما فی هذین الصندوقین من المعادن المغربیة سبعون معدنا. منها ما هو من الجدیدة، و من طیط و غیرهما، و صنادیق أخری بالزاج، فیها النبات الذی یكون فی قعر البحر علی أشكال، و فی صنادیق عظام حیوان البحر الصغیر و الكبیر، حتی عظام غلالتة التی تكون بالشاطئ، و هناك قرود ممتدة الأفواه كالكلاب، و القاموس و حیوان عظیم الخلقة، أما ذاته ما عدا الرأس و الأرجل فأعظم من ذات الفیل الذی رأیناه فی جنان الوحوش، و یداه و رجلاه مثل ما للفیل، إلا أنها قصیرة، طولها نحو ذراع، و عنقه قصیر جدا، و رأسه قرنة جسم كأنه مربع الشكل إلا أن زاویتی الفكین مثل قطع دائرة، قیل إنه وجد فی بعض الأودیة. ثم أكباشا من الغنم صوفها أسود. و الكركران و القنیة و الفیران كبار و صغار، منها فأر عظیم كالحوت الشابل، له ذنب مبسوط، قیل إنه یعبر الواد و یرفع ذنبه للریح، و الضربان، و هناك من الطیر ما لا حاجة إلی تفصیلها، سئل عن عددها فقیل ثمانیة عشر ألفا، فقیل كم أجناسها، فقیل ثلاثمائة، و رأینا هناك القنفود و الهر/ 178/ و النمس. و من تلك الطیور الباز و الرخمة و الحدیة و النسر و النعام إلی غیرها. مما لا نعرفه، ثم دخلنا لثمانی قبب، أربع مصفوفة بعد أربع إنما فیها أی فی جدرانها مرایا كبیرة، فیها صور آدمیین، و فی وسطها شوالی و كنابیس، و وجدنا فی بعضها صورة رجل و زوجته لا شی‌ء علیهما من الثیاب، و الرجل بیده الیمنی بل الیسری أغصان شجرة بأوراقها، قد وضعها علی عورته، و فی یده شی‌ء مثل التفاحة و بید زوجته مثلها، و قد جمعت فخذیها علی فرجها، و هما تحت شجرة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 230
قیل أنهما صورتا نبینا آدم و أمنا حواء ، و وصفه صورة الآدمی وجهه للطول أقنی الأنف، أبیض مشوب بحمرة، ضیق العینین أسودهما، أسود شعر الرأس، مرسله إلی ناحیة ظهره، رقیق الأطراف، و أما الأنثی فهی بیضاء اللون، مدورة الوجه للطول یسیرا، نجلاء العینین واسعتهما بوجهها حمرة ضعیفة، ناتئة البطن كأنها حامل، ناتئة الثدیین، مسبولة، شعر الرأس یمیل إلی الحمرة و البیاض، ثم خرجنا من هذه الدار.

دار فابریكة النحاس و الصفر

و توجهنا إلی دار فابریكة النحاس و الصفر، و لیس یصنع فیها شی‌ء من أوانی الطبخ و الأكل و الشراب، و إنما یصنع فیها الحوائج المحتاج إلیها للأبنیة، كالسراجیم و آلة الدفف و التصاویر و الثریات، و لكل حاجة من تلك الحوائج قالب تفرغ فیه، فدخلنا للبیت الأول فوجدنا فیه خدمة بین أیدیهم ألواح من حدید، یجعلون فی وسطها قوالب الحوائج التی یریدون فرغها، و هم/ 179/ یسجنون علیها بالتراب، و یشدون القوالب أجزاء بعضها ببعض، ثم ترفع لأناس آخرین فی بیت آخر، فیه بیوت النار، یذیبون النحاس و الصفر، و یفرغونه فی تلك القوالب. و قد أفرغوا بمحضرنا من ذلك المذاب فی قوالب، فكان یصب منها فی القوالب كما ینصب الماء من القوادیس. و بعد حین فتحت فألقیت فیها حوائج مورقة مما یستعمل فی الدرابیز و الله أعلم . و وجدنا آخرین فی بیت ثالث مشتغلین بفك القوالب التی تكون فیها الصور إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 231
العظیمة، و وجدنا بین أیدیهم صورة بطن آدمی هائل الخلقة، و هم ینزعون منه ما هو زائد علی ذاته حین الفرغ، و یحاولون وقوفه بالبوجی بعدما ربطوه من تحت إبطیه بالقنانیب، ثم وجدنا خدمة فی بیت آخر یبردون بعض الأثاث الرقیقة التی خرجت من القوالب، و احتاجت إلی التصفیة. و وجدنا مكینة عظیمة فی بیت آخر، یخرج الریح من بعض جهاتها كصوت الثور، و یمر بعضه علی كیر مجمر حداد هناك یصنع حوائج أخری، و هذه المكینة تدیر نواعیر كثیرة كل ناعورة قبالتها رجل أمامه آلة الخرط، یركب الحاجة التی یرید خرطها فی محلها، منها ما یكون كالقضیب فیمسك من الرأسین، و منها ما یدخل فی فرجة كبعض خواء المسك. و تصیر الناعورة تدور، و هو یأخذ بآلة الخرط من ذلك المخروط علی الكیفیة المرادة، و تفعل آلة الهند فی ذلك الصفر و النحاس مثل ما تفعله عندنا فی العود.

الحوائج المصنوعة عندهم فی بعض الأماكن‌

و فی یوم الأحد/ 180/ التاسع من جمادی الثانیة ركبنا مع الباشدور إلی دار تسمی عندهم دار موزی ، و هی عندهم لحفظ السلاح القدیم و آلة الحرب القدیمة، مثل الدار التی رأینا فی باریس، فعند دخولنا لها وجدنا فی سفیلها المدافع التی استنبطوها أولا، و هی رقیقة طویلة، كل مدفع موجود فی سریره كالمكحلة، و له رویضتان، و فی خزنته فرجة یخرج منها قطعة من دائرة من حدید، ثابتة فی أجزاء الكریطة، مأخوذة هناك لارتفاع المدفع أو خفضه. و فی أحد البیوت تصاویر خیل، و أناس بالزرد راكبون علیها و بأیدیهم المزارد. و خزانة فیها سلاح كثیر قدیم، و فی صندوق من زاج مكاحیل تركیة علی أشكال، و خزانتان فیها شواقیر مفضضة، و أخریان فیهما كوابیس منبتة بالفضة من عمل الترك. و وجدنا معها مكحلة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 232
ریفیت، و فی آخر حناجیر و سبائل، و فیه مهمازان مفضضان، و خلخال فضة من عمل الغرب، و كمیات عمل سوس، و خزانتان فیهما مكاحیل عظیمة من عمل الأقدمین، و آخر فیه مدافع صفر صغیرة، علی كراریطها نحو نصف ذراع فی المدفع، و ابورز تناسبها فی الصفر، و فی صندوقین عدة مختلطة بأحدهما تاج من ذهب، و مكحلة بقربه من صفر طویلة غلیظة، كأنها مدفع البحر، و فورمتها تسع الضوبلی و لها سریر المكحلة، ثم فرس كان یركبه بعض الملوك، و بعد موته حشی باطنه، و استعمل الكافور لجلده. و فی خزانة عدة قیل كانت لسلطان السوید/ 181/ و للسلطان فلب اسكونر بإصبانیا، و مكحلة فی خزنتها أربع عمارات تخرج فی صفتها الأصلیة، كانت لسلطان إصبانیا أیضا، و أخری تعمر من خزنتها، فیها ست عمارات، تخرج بالزناد قیل إن لها هناك عندهم هذه مدة من نحو ثلاثمائة عام، و أنها من استنباطاتهم، و منها عدد فی صندوق خاص بها، و فی خزانة سیوف كانت بید الأكابر من الدول، و معها سكین كانت عندهم معدة لقطع الرؤوس، و قد ربط مع مقبضها شعر كثیر، عدده كعدد ما قطع بها من الرؤوس، و بقربها كابوس تجریب البارود، ضلعته قائمة، و لیست قطعة دائرة، و فی صندوق مكاحیل من العینة التی أحدثوها فی الوقت، تعمر من الخزنة، و بقربه فرس كان لسلطان إصبانیا، قیل له هناك ثلاثمائة عام و خمسون عاما، و فی خزین آخر فوق هذا أوانی فخار عمل أجناس شتی محفوظة فیه. منها مجبنة بدیع كانت لنابلیون، و خواتیم عمل إیطالیا قدیما، و سرج منبت بألوان الأحجار بین ثورین بالذهب، ذكر أنهم لا یدرون لمن كان، و خزانات فیها أوانی بلار، ة منها غراف كبیر خفیف جدا قیل فی وزنه ثمن أوقیة، و فی أخری بعض سكك الریال القدیم، و فی أخری صروف الوزن قیل لها سبعمائة عام هناك، و مهارس نحاس بأیدیها منه كالتی تتخذ فی الغرب للتوابل، و فی أخری أثاث عاج، منها ناب فیل طوله كذراع و نصف، قد شد طرفاه/ 182/ بالصفر أو غیره، و معه جناوی مقابضها من عاج.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 233

صورة آدم و حواء علی ما زعموا

و فی الخزین الثالث الذی فوق هذا آدمیون موتی فی صنادیق، قیل وجدوا كل واحد بداخل ثلاثة صنادیق، و منهم واحد كشف عنه فإذا كفنه متلاشی علیه، و قدماه قائمة قیل له بعد موته ستة آلاف سنة . و رأیت بلغة عظیمة فی خزانة زاج، فقلت لمن كانت تلك البلغة، فقیل لی، لم یدر لمن كانت، فقلت إن من اعتنائكم بهذه الأمور أن تكون عندكم بلغة نبینا آدم فأین هی، قالوا تركها فی الجنة عند خروجه فلذلك لم توجد هناذ، و أن ذلك أوتی به من مصر، و فیه فخار عمل الهند، و أثاث منها سلسلة ذهب لها ستة آلاف سنة كما قیل. و من هذا الفخار ما هو موضوع علی ألواح من البلار، غلظها كنصف أصبع، و هذه الألواح داخل الخزانات، و فی طوابیل أنواع معادن المرمر، كل نوع موضوع وحده، و غطی بالزاج، و فی خزانة أخری قنادیل فخار كهیئة آنیة زیت المنارة، كانت للأقدمین. ثم صعدنا للقبة العلیا التی وضع علیها الجامور ، فوجدنا فی قطر دورها عشرین خطوة، و فیها أمثلة صور المراكب، و آدمیین موتی لم تبق إلا عظامهم ملتئم بعضهم علی بعض، و منهم صبی كان أسود اللون و جلده یابس علی عظامه لم یظهر شی‌ء منها، أی عظامه. و منهم آخر جالس علی إلیتیه و رأسه واقف و یداه قد رمی بهما علی كتفیه خلف ظهره و أسنانه و أضراسه ظامرة، و لم تبق منه إلا العظام ملتئمة، و جماجم موضوعة بینهما، و ذلك فی صندوق من الزاج ، و أشرفنا من هذه القبة علی هذه المدینة، فرأینا بنیانها قد امتد من كل جهة مع امتداد البصر، فوجدناها عظیمة،/ 183/ و قیل لی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 234
عند ذلك علی وجه المداعبة، أخبرنا یا مهندس عن كل هذه المدینة و عن طولها و عرضها. فقلت: ناولنی المرءاة التی كان أمر مولنا المنصور بالله بشرائها، التی تقدر بها الأبعاد ، و نخبرك- بحول الله- عن مطلبك. ثم نزلنا إلی الأسفل فكان عدد الدرج التی ارتقیناها مائة و ثمانین درجة. و هی تدور حول شكل مثمن بنی بالرافد المنجور قد فتحت فیه كوات تشرف منها علی أسفله فیری باطنه كالبئر.

التوجه إلی مدینة الیاج لرؤیة فابریكاتها

و عند رجوعنا أخبرنا بأن كبیر هذه الدولة أذن لنا بالتوجه فی بابور البر لمدینة تسمی الیاج، بقصد رؤیة الفابریكات التی فیها، اعتناء منه بالجانب العالی بالله، فخرجنا إلیها و ركبنا فی بابور البر فی الساعة العاشرة من نهار الاثنین العاشر منه ( ، بعدما كان هیّأ لنا عربة مزخرفة، فیها أربع كنابیس و شلیتان كبیرتان، ذلك بالموبر الأخضر، فجلس كل منا فی محل یناسبه، و حین سافرنا رأینا الأرض التی عن یمیننا و شمالنا كلها مزارع، و الأشجار و الأنهار ممتدة معها. و مررنا بجبال خرقت للبابور فكان یمر تحتها، و لو لا الضوء المتخذ فی سقف العربیة ما كان أحدنا یری غیره، فمر ثابتا فی هذه الطریق تحت أحد عشر جبلا، منها ما قطعه فی دقیقة، و فی دقیقتین، و فی ست دقائق، و ما بین ذلك، و منها ما قطعه فی عشر دقائق مجانیة، و قد اتخذ فیه مواضع توقد دائما، و الطرق فی وسطه متعددة، و كثیرا ما یلتقی فیه بابوران، كل منهما یجری علی طریقه/ 184/ یتقدم لهم من الإعلام بذلك، و یتقرر عندهم علی حسب مصطلحهم لیلا تقع المصادمة و العیاذ بالله، و أما القناطیر التی مررنا تحتها فهی كثیرة جدا، و مررنا علی مدن و قری عدیدة، فكان البابور یقف فی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 235
بعضها لما له فی ذلك من الأغراض، وسقا و وضعا، فوقف أولا فی مدینة لوفایر فی الساعة العاشرة و نصف، و فی طرلام فی الحادیة عشرة و ربع، و فی أنس فی ثنتی عشرة و ست دقائق، و فی أوبری فی ثنتی عشرة و ربع، و وصلنا لمدینة الیاج بعد منتصف النهار بثلث ساعة، فتلقی للباشدور عاملها و كبراؤها، و أخبروا أن كبیر دولتهم أمره بالوقوف معنا حتییطوف بما فی هذه البلدة و فی أخری قربها، لنری ما لهم هناك من الفبریكات العظام التی لا توجد عند غیرهم من الأجناس، ثم أتانا بأكداش ركبناها و سرنا إلی محل النزول، فأنزلونا فی أشرف المواضع عندهم و أنظفها، فنزلنا فی الطبقة الثانیة منه، فاتخذنا فیه صالة مزخرفة غایة لللأكل، و أخریین للنوم. و وجدنا فی هذه الطبقة بیتین من بیوت الخلاء و آخر فیه بانیو للوضوء، و هو صندوق یتخذونه من بعض المعادن و الماء ینزل إلیه عند الحاجة فی بزبوزین. و فی هذه المدینة من التحف و اللطائف شی‌ء كثیر لا نری فی غربنا إلا أقل قلیل، و خرجت فی بعض الأوقات مع الأمین و معنا ترجمان دولتهم/ 185/ و رجل من كبراء عسكرهم.
و توجهنا لبعض أسواقهم، فاجتمع علینا جم غفیر من الرجال و النساء و الصبیان، حتی كادت تسد الطریق، و هم یتعجبون منا أكثر من تعجب غیرهم منا، فحین رأینا ذلك رجعنا لمحلنا، لأنهم لا یطرقهم أحد من المسلمین إلا نادرا. و مع ذلك قیل لنا نلبس بلغة من بلاغهم، و كسوة من مساویهم إلا الطربوش فنتركه، فنزع العمامة لیلا نصیر عندهم مثلة و أعجوبة، و هم مع ذلك لا تصدر منهم إذایة و لا مضرة، لا من الكبیر و لا من الصغیر إلا ما كان من كثرة الضحك و اللغط جهرا فیما بینهم. و مررنا ذات یوم فی الأكداش علی رجل كبیر السن، فحین رأی الباشدور قفز من موضعه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 236
و صاح صیحة عظیمة كأنه فاجأه أسد، أو حل به ما هو أشد .

الدار القدیمة بها و بعض صفاتها و ما فیها

و فی مساء هذا الیوم وجهت إلینا الأكداش، فركبنا مع الباشدور و سرنا إلی دار قدیمة عندهم فی هذه البلدة لم یقفوا لها علی تاریخ، إلا أنها فی ملكهم بنحو إحدی عشرة مائة عام، و هی عندهم من دیار المخزن، فوجدنا عامل البلد بباب هذه الدار و معه المكلفون بها. و أخبروا أن هذه الأرض كانت بید غیرهم من الأجناس، و أنهم أخذوها من أیدیهم فدخلنا القبة الأولی و الثانیة و الثالثة، و لیس فیها إلا التصاویر و المرءات و الشوالی. و فی الثالثة خزان معدن فیها حجر من بعض المعادن و سلاح قد صنع منه، و فی القبة الرابعة فخار عمل التینة، و أوانی الزاج و فخار عمل النامسا، و طبسیل كبیر من عمل الهند،/ 186/ و فی الخامسة لوحة فیها آلة النجارة التی تخرج عندهم الآن. و فی السادسة فخار أیضا و أثاث و مبخرة نحاس أكبر من قامة الإنسان، كروی حرفها، قطره أزید من ذراع، و ناقوس معلق قیل له خمس عشرة مائة سنة، و مقرج بدیع كروی الشكل مذهب، یده من صفر قد حبست فیه بصنعة عجیبة، قیل كان لبعض ملوك الهند و اشتری من بعض وصفائه، و فیها حیوان ككلب النصاری الصغیر قد شال ذنبه إلی ظهره و فتح یده، و شفته العلیا عظیمة كشفة الجمل ، و هو أخضر اللون، و فی ذاته كالدمامیل ناتئة كغلالة البحر، قیل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 237
یعبده بعض أهل الهند. السادسة فارغة، و لیس فی وسطها سوی زربیة، و بجدرانها سراجم، و فی السابعة شوالی و موائد بالملف الأخضر، و سراجم تشرف علی مشور هذه الدار، و هو براح مربع محیط بالأنباح، فی وسطه خصة، و فی الثامنة شوالی و موائد أیضا بالملف الأخضر، و فیها كناش یضع فیه خط یده من یدخل ذلك المحل من ملوك و أكابر الملل و أعیانهم. ثم توجهنا إلی دار فیها عینات من المكاحیل التی تعمر من الخزنة، منها عینة بخزنتها ید حدید تجذب فتفتح خزنتها من غیر كسر السریر إلی أسفل، و یجعل القرطوس فی محله، و ترك تلك الید إلی محلها فتطبق علی القرطوس، و هی المعتبرة فی هذا الوقت لم یكن حینئذ أخصر منها عملا، و فتح خزنتها بمحضرنا فإذا هی مشتملة علی طرفین من حدید، بهما ثقب و تعریج و آخر كالخیط لا غیر. ثم ركبها/ 187/ وردها إلی محلها. و منها نوع آخر بأسفل الخزنة حدیدة مدورة كالحاضی فی مكاحیل غربنا، و هی فی محله تجذب من أسفل، فتنفتح الخزنة إلی آخر العمل. و منها عینات كثیرة، كل عینة لجنس من الأجناس یصنعون له مثلها، حتی أنهم یصنعون للسودان مكاحیل طوال ذات الزناد، و یصبغون سرائرها بالزنحفور.

فابریكة الصفر و النحاس‌

ثم سرنا إلی فابریكة صنع الصفر و النحاس فدخلنا إلیها فوجدنا فی بیت فیه سلل مصنوعة من قضبان فی كل واحدة قدر من النحاس و روح التوتیة و الصفر، و فی بیت آخر تقصیص ما یتساقط من ورقات الصفر و النحاس عند قطعها أو تدویرها. و صبیان هناك یجمعونه فی المهاریس، و یدقونه حتی یلتئم بعضه ببعض لیرد للتذویب.
و دخلنا البیت آخر وجدنا فیه مجامیر محفورة فی الأرض، مبسوطة معها مع أساس الجدار، و النار تلتهب فیها بریح المكینة. و هی مغطاة بألواح لعلها من حدید، قد رفعت عن فم المجمار بسلسلة من وسطها و ركبت فی الجدار. و وجدنا فی هذا البیت قوالب مربوطة، شكلها مستطیل، و فم القالب مفتوح بمقدار عرض القالب، و قد وقف و نصب مائلا إلی الأرض إلی جهة المجامیر لیسهل تعمیره، ثم رفعوا غطاء مجمر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 238
و أخرجوا منه بوطا عظیما طوله نحو ثلاثة أرباع ذراع، و هو مستدیر، قطر دائرته كثلث ذراع. و وضعوه علی خرصة قد التحمت من طرفی وسطها/ 188/ بقضیبین من حدید، و بهما یرفع البوط رجلان، و یصبان منه فی القالب، فأفرغا هذا البوط الذی أخرجاه من بیت النار بمحضرنا فی قالبین فملأهما، و لم یفضل فی البوط شی‌ء ثم ملأه بالفاخر و رداه إلی بیت النار لیلا یبرد، ثم فتحا بعض القوالب و أخرجا من كل واحد قطعة نحاس طولها ذراعان، و عرضها نحو نصف ذراع، و غلظها أزید من أصبعین.

فابریكة صنع الفلایل‌

ثم صعدنا إلی طبقة بهذه الدار فوجدنا فیها مكینات تصنع الإبر من سلك الصفر المسماة بالفلیلة. فرأس السلك تمسكه آلة من المكینة كهیئة الزیار، و تدفع منه مقدار طول الفلیلة، فیسقط علیه طرف منها محدد یقطعه من السلك، فیسقط إلی آنیة موضوعة له، ثم یجمع منها و یجعل بین قطعتین من حدید غلظهما مثل طول الفلیلة، و رأس القطعتین محدب، و بینهما رحی تدور غلظها كغلظ إحدی القطعتین، و حرفها مفتوح فیه مقدار جرم الفلیلة، فإذا وضعت الفلائل علی تلك الرحی و بین القطعتین المحدبتین، فبالضرورة تنحدر الفلایل بالطبع إلی الجهة الأخری إلی أسفل، فتتزاحم حال النزول و لا یزال یتضایق الموضع الذی ترید الخروج فیه علی حسب التقاء الخطین المحدبین من جهة تحدیبهما، حتی لا یبقی بین التقائهما إلا مقدار خروج فلیلة واحدة بعد واحدة، فإذا خرجت و دارت بها تلك الرحی و أرادت الفلیلة إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 239
السقوط/ 189/ فإنها تتساقط داخل دور من حدید قد فتحت فیه قوالب لها بمقدار رقتها، و حرفه أقصر من طولها بنحو نصف أصبع. فعند تساقطها فی هذه القوالب تبقی رؤوسها خارجة من القوالب، و حیث ینتهی بها إلی غایة الانخفاض لما بین رؤوسها رحی من حجر تدور أسفلها، فتحدد رؤوسها عند مرورها علی تلك الرحی، ثم تأخذ فی الصعود و هی لا زالت فی تلك القوالب، حتی تلقاها مكینة أخری فیها طرف حدید لطیف، ینزل بلطافة علی رأس الفلیلة فیخرجها من ذلك الدور، فتمر عند خروجها مماسة لحدیدة أخری. و عند التماس تنزل علیها حدیدة أخری، فتصیر الفلیلة مقبوضة بینهما و ذنبها خارج تلك الحدیدة التی كانت تماسها أولا عند خروجها، فإذا صارت ممسوكة بینهما و ذنبها خارج، تنزل علیه مطرقة صغیرة بثلاث ضربات، ثم ترجع المطرقة مع الحدیدة الماسكة، فتسقط الفلیلة فی آنیة تحتها، و قد تم عملها، فتجمع و تدفع لصبیات فی طبقة أخری فوق هذه، فیضعنها فی الكاغد مقروة فیه علی كیفیته المعهودة، و لا حاجة إلی بسط عملهن و إن كان مما یتعجب منه، لكن بسطه یطول.
و فی طبقة أخری ورقات من الصفر و النحاس و السلك علی أنواع، منه ما هو رقیق كالإبر و أرق. و منه ما هو مثل الأصبع فی الغلظ، و فیه طاسات و أكواب من صفر، و صفر مستدیر، أظنه منه یصنع الصوانی فی غربنا.

دار فابریكات صنع المكاحیل و غیرها

/ 190/ و فی یوم الثلاثاء الحادی عشر من جمادی الثانیة ، توجهنا لدار فابریكة صنع المكاحیل، فحین وصلنا إلیها تلقانا كبیرها بالترحیب و التعظیم كما هی عادة كل كبیر محل معنا. فصعد بنا لخزین بأعلاها، فوجدنا فیه جمیع العینات التی تصنع للأجناس كما تقدم، و جمیع عینات الكوابیس. و من المكاحیل ما له جعبتان، و ثمن هذه العینة أربعون ریالا، و منها ما لها جعبة واحدة، و تعمر من الخزنة، و هی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 240
من العینة المختصرة، فی الوقت التی لم یظهر بعد حینئذ أرخص منها، ثمانیة عشر ریالا، و هناك بأقل من ذلك. حتی أن هناك عینة بالزناد ذات جعبة واحدة، ذكر أن ثمنها ریال واحد و خمس ریال. ثم نزلنا و دخلنا للمكینة، فوجدنا بعض الجعبات موضوعات أمام رجال، و قدر كل واحدة ذراع واحد فی الطول، و غلظ حرفها كالأصبع، فیدخلون الجعبة لبیت النار، ثم یدخلونها بین ناعورتین تدور إحداهما علی الأخری، و هما كقطعتی ساریة مدورة الشكل، و فتح فی كل واحدة منها أنصاف دوائر بحرفها متفاوتة فی الصغر و الكبر، و عند دوران إحداهما علی الأخری تنطبق أنصاف دوائر إحداهما علی أنصاف دوائر الأخری، فتكمل دوائر منهما معا، متصاعدة كما بالطرة ، فیدخلون الجعبة فی الدائرة الأولی فتدور علیها الناعورتان، فتخرجها منها بسرعة أطول مما كانت. ثم فی الثانیة و فی الثالثة و فی الرابعة كذلك حتی یصیر فی طولها نحو ذراعین و نصف، فیلقیها رجل آخر یقطع من طرفیها القدر الزائد بمنشار/ 191/ رحوی یدور و یدخل فی فمها قضیبا من حدید، و یصیر یرفعها و یسقطها علی لوحدة حدید مبسوطة لزوال ما فیها من الاعوجاج، ثم یبالغ فی استقامتها بمطرقة بیده، و یرمیها آخر فینصبها أمامه علی قرب رحی من حجر تدور، فیمرها علیها و عن یمینه قضیب حدید كالمخطاف، یلقی الجعبة عند امتداد خروجها عن الرحی فتبردها هذه الرحی فی أقرب مدة، فمنها ما تكون خزنتها مثمنة، و باقیها مدور كعمل عینة أفرقان، و منها ما هو بخلاف ذلك، فإذا تم بردها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 241
دفعت لآخر ینصبها أمامه و یشتغل بتبریمها فتدخل البریمة فیها كما یدخل رأس المشعاب فی العود، و الماء یتقاطر علیها من فوق لیلا تذوب. و رأیت فی بعض جهاتها ناعورتین كاللتین حوله، لكن أنصاف الدوائر المحفورة فی إحداهما یسامتها من الأخری نصف دائرة بارز عن جسمها أصغر من نصف دائرة الرحی الأخری، و هی هناك متعددة متفاوتة، فظننت أن فی هاتین الناعورتین بنیدیان طی الجعبة حین تكون بارة مبسوطة و الله أعلم. و وجدناهم یصنعون هذه الجعبات من أول وهلة أجساما صلبة كهیئة الزكروم، ثم یبرمونها علی حسب غرض الطالب.

الفابریكة العظمی فی مدینة سراین و ما یخدم فیها

و فی منتصف هذا الیوم ركبنا فی بابور یسافر فی الوادی الذی یشق هذه المدینة، لأن فیها بابورات عدیدة لیس فیها صوار، و هی كبیرة تسافر فیه إلی المدن التی بشاطئیه، و توجهنا إلی مدینة تسمی سراین، فسار البابور بنا فی هذا الوادی ثلثی ساعة، و عرضه من المحل الذی ركبنا/ 192/ فیه نحو عشرین خطوة، و المون یحده من الشاطئین. ثم خرجنا من قنطرة منصوبة علیه فوجدناه انبسط غایة، یمینا و یسارا حتی صار فی العرض مثل مجاز العدوتین. ثم لقیتنا قنطرة أخری فیها خمسة قسی،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 242
و عند مرورنا تحت إحداهما مرّ فوقنا بابور البر. ثم انتهینا إلی قنطرة أخری امتدت من الشاطئ إلی الشاطئ، و لیس فیها قسی، و طولها نحو خمسین خطوة، و انظر كیف تأتی لهم ذلك، و فی هذا الوادی سد ببارات حدید یترك للماء فرجا یخرج منها، قیل إن العلة فی ذلك لیلا یتموج الماء فتصیر البابورات تضطرب فیه.
و عند نزولنا من هذا البابور ركبنا إلی دار اشتملت علی اثنتی عشرة فابریكة، یخدم فیها كل ما یحتاج إلیه عندهم من آلات الحدید، و مثل مكینات بابورات النار و بابورات البر و طرقها و آلات القراصن، و الفرقاطات التی تصنع من الحدید و المدافع و تصفیة المعادن الحدید و النحاس و الهند و غیر ذلك من كل ما یحتاج إلیه. و هذه الدار تخدم لجمیع الأجناس من جمیع ما یطلبون من المكینات، و لیس یوجد فی بر النصاری أعظم منها و لا ما یماثلها. و طولها كما ذكر عشرون میلا.
و معدن الفاخر تحتها ینزل إلیه الخدمة بالضوء، كل واحد فی حزامه فنار، یقفون علی مائدة ستة أناس و تلك المائدة مربعة، فی كل زاویة قنبة ككفة المیزان، تنتهی إلی أعمدة من حدید مساویة فی القدر لأرباع المائدة، ثم یجمع بین أطراف القنانیب فوق الأعمدة و تربط فی شریطة مبسوطة/ 193/ ملتویة علی ناعورة عظیمة، إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار ؛ ص242
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 243
و عند استقرار الخدمة الستة محل تلك المائدة یرسلون تلك الناعورة، فتسیر تدور دورانا مثل دوران ناعورة الشراط فی غایة جهدها، و بدورانها تنزل المائدة بالخدمة إلی معدن الفاخر بمقدار خمسمائة متر كما ذكر، و عند نزول هؤلاء الخدمة یطلع آخرون من تربیعة أخری حداء التربیعة التی ینزل فیها الآخرون، و هؤلاء الخدمة یخدمون الفاخر هناك ست ساعات، و یطلعون علی أسوأ حال كأنهم من عبید الزنج. و ینزل لهذا المعدن ریح عظیم من مكینة عظیمة خاصة له لتولید الریح، و لولاه ما تأتی الخدمة فیه، فقلت إذ ذلك أنتم قلتم إن بین الأرض و المعدن خمسمائة متر و الأودیة فی أرضكم كالبحار، فبالضرورة یكون آبارها قریبا. و هؤلاء الذین حفروا تلك المیاتر لم یصلوا إلی الماء، قیل بلی حین وصلوا إلیه نزحوه بالطرونبات و نبوا علیه بناء محكما من جمیع الجهات فرجع إلی مواضع آخر، و قیل إنه یخرج من هذا المعدن عشرون ألف قنطار كل یوم لخدمة مكینات هذه الدار. و فیها من الخدمة تسعة آلاف و اثنا عشر مهندسا، قدم علینا أحدهم فرأیته ولدا صغیرا نحیف الجسم، قلت لا أظن هذا الرجل یدرك الثلاثین سنة، فسئل عن سنه فقال: فی هذا الشهر یكمل ستا و شرین سنة و لا غرابة فی ذلك لمن نشأ فی علوم الهندسة و الریاضیات. و هذه الدار فی طرقها سكك لبابور البر یأتی إلیها بالمعادن و غیرها، و یخرج منها المكینات و المصنوعات التی/ 194/ تخدم فیها، و رأینا فی بعض أماكنها حجرا أحمر قیل إنه یضیفونه إلی معدن آخر و یخرجون منه الحدید و النحاس، و ذكروا أن فی غربنا من ذلك معادن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 244
كثیرة . و أخبرنا أن هذه الدار صیر علیها فی بنائها و إقامتها ثلاثون ملیونا من الریال، و أن صاحبها ربح فی هذا العام فیها أربعة ملایین من الریال.
و من جملة ما رأیناه فیها من الصنائع، أننا وجدنا ساقیة تجری بالحدید المذاب كما یجری الماء فی سوانی العراصی، و ینصب فی برمة عظیمة أعظم من برمة الحمام بكثیر، و النار توقد فی باطنها، و یخرج منها لهب عظیم، فإذا قرب ملؤها تدور فینحدر فمها إلی أسفل، فتبعد الخدمة عنها و تصیر ترمی بشرر من النار، ثم یوضع تحتها برمة أصغر منها كبرمة الحمام، و تملأ هی الأخری من المعدن المذاب فیها. فإذا ملئت یفتحون مخرجا فیها من أسفلها و یضعون تحته قوالب مختلفة الأشكال علی القدر المراد عندهم، و كلما ملئ قالب ینزع و ینصب آخر، و هكذا حتی تفرغ البرمة.
و هذه القوالب منها ما هو معد لفرغ رویضات بابور البر و طوله أقل من ذراع و العرض و الغلظ مثل ثلث ذراع. و منها ما هو یصنع منه بارات طریق الحدید، و یكون طول قالبه أزید من ذراعین، و العرض و الغلظ كثلث ذراع، و منها ما هو لغیر ذلك من آلات المكینات، إذ كل آلة یصنعون لها قالبا بقدرها أو أزید بیسیر فی بعضها فقط. ثم رأینا خدمة یخدمون البارات التی تنصب فی طریق الحدید، فیأتون أولا إلی القطعة من الحدید المفروغة لأجلها، بعدما یخرجونها/ 195/ من النار یجعلون رأسها بین ناعورتین كساریتین كما ذكر، قد حفر فیهما قوالب البارات متفاوتة فی الكبر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 245
و الصغر، فتدوران علیها فتخرج من تحتها بل من بینهما أطول مما كانت و أرق. ثم یمرونها تحت التی هی أضیق منها، و هكذا حتی تصیر هذه البارة فی طولها ثلاثین خطوة، و عند خروجها من القالب الأخیر و الذی قبله تصیر و ترتفع و تنحدر كما یشاهد فی قضبان الحلواء عند خدمتها، ثم یخرجونها من المزرة الأخیرة و ینصبونها فوق جریرات من حدید مدفون جلها فی الأرض، و هی علی سمت واحد لتبقی مستقیمة لیس فیها اعوجاج، فیأتی رجل آخر بمنشار رحوی و یأخذ من طرفیها القدر الزائد، ثم یقسمها نصفین به.
و رأینا أناسا آخرین یصنعون الرویضات التی تنصب فوقها كروصات البابور، و ذلك أنهم یأتون بتلك القطعة من الحدید المفروغة لأجلها، بعدما یخرجونها و یضعونها فوق مزبرة كمزبرة الحداد، مربعة نحو ذراع و نصف طولا و عرضا، و فوقها قطعة من حدید مربعة، وزنها كما قیل مائة قنطار، و رجل واقف یحرك یدا من حدید قربها، فتصیر هذه القطعة ترتفع و تنزل بجهد عظیم علی التی نصبت تحتها، حتی تصیر مستدیرة منبسطة، فیضعون فی وسطها مثقبا مستدیرا قطره نحو ثلث ذراع، فتنزل علیه تلك القطعة ثلاث مرات، فیقوص جله فی القطعة أسفله، فینزعون و یقلبون تلك القطعة، و ینصبون المثقب فی وسطها/ 196/ و تنزل علیه مرتین، و ینزعونه فتنفذ الثقبة فی تلك الرویضة، فیذهبون بها لمكینة أخری فیها ید من حدید خارجة، یدخلونها فی فرجة الرویضة و تدور علیها فتنبسط تلك الفرجة، و لا تزال كذلك حتی یصیر فی قطر دائرة الرویضة نحو ذراع و نصف، و فی غلظ حرف الرویضة نحو أربعة أصابع، و تخرج بحرفها ناتئا فیها الذی یحدها عند دوراتها علی حرف بارات طریق الحدید، فعند ذلك یخرجونها و یضعونها علی أرض منبسطة، و یرقمون فیها الحروف التی یطلب الأجناس وضعها علیها. و من جملة ذلك وجدنا رویضات كثیرة موضوعة قد فرغت فی ذلك الیوم، و رقم علیها طابع حروف أنجلترا، فذكر أنهم یخدمونها له و یعملونها له بعلامته كما یطلب. و قال لنا كبیر الدار الذی یطوف معنا انظروا فإننا نخدم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 246
للنجلیز ما یحتاجه و نطبعه له بطابعه، و الناس یقولون أنه أجهد منا. و وجدنا الخدمة فی بعض المواضع یلفقون ناعورة عظیمة لمكینة البابور أو غیره، و هی من أجزاء، كل جزء یرفعونه بالبوجی، و یركبونه فی موضعه حتی تلتئم الناعورة، كما یلفق دور العراصی. و فی موضع آخر خدمة یصنعون قنطرة عظیمة، طولها سبعون خطوة، و عرضها اثنتا عشر خطوة، فالطول مركب من أجزاء و كل جزء مثلث الطرفین، و یأخذون كل مثلث نحو نصف عرضه، و من آخر كذلك، و یقرن بینهما بطراریش حتی یظن أنه قطعة واحدة، و یتركون فی وسط الأجزاء أجراما ناتئة من الحدید توضع علیها قناطر حدید أی عرض القنطرة/ 197/ و یوصل بین ذلك باللوالب و الطراریش، ثم أناس آخرون یصنعون المدافع، فرأینا قطعة من الحدید مثل الصندوق فوق مزبرة مناسبة بجرمها، و المطرقة ترفعها المكینة و تنزل علیها فیها ثلاثمائة قنطار كما قیل. ثم خرجنا من هذه الفابریكة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 247

مكینة البلار و الزاج‌

و دخلنا إلی فابریكة صنع الأثاث من الزاج و البلار ، فوجدنا فیها بیوت النار متعددة و الخدمة بل المعلمون بیدهم جعبة حدید أرق من المكحلة، فإذا أراد صنع حاجة یدخل رأس الجعبة فی بیت النار، و یأخذ التخلیطة التی فی داخله القدر الذی یكفیه للآنیة التی یرید صنعها، و ینفخ فی الجعبة فتنتفخ تلك التخلیطة لأنها تكون مثل العجین فیفتح له متعلم قالب تلك الآنیة قد حفر فیها كهیئتها فیضعها فی القالب و هی لاصقة فی رأس الجعبة، فیسد المتعلم القالب فینفخ المعلم فی الجعبة حتی یعلم أن الریح الخارج من فیه قد ملأ القالب، و یبقی بینهما جرم الآنیة، فیفتح القالب و ینزعها و یقطعها من الجعبة بعدما یدخلها بیت النار، و یدخل فی فمها قضیبا من حدید و یدیرها به علی حدید مبسوط، و یجعل علیها شیئا من الماء أو الدهن، و یصیر یعدل فاها بذلك القضیب، بعدما یمسكها بآخر من قعرها و بآخر فی رأسه شی‌ء یسیر من تلك التخلیطة، فإذا تم تعدیلها یضرب القضیب الماسك لها ضربة خفیفة فینفصل عن قعرها، فیأخذها متعلم و یضعها بمحل آخر. هكذا رأیناهم یصنعون جعبات لآنیات وقود الغاز، و آخرون یصنعون الأباریق بالأیدی هكذا، بعد ما یعدل فم الإبریق الذی یكون/ 198/ فمه معكوفا إلی أسفل یأخذ رجل آخر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 248
من التخلیطة التی ببیت النار بقضیب، و یخرجه فتنحدر منه التخلیطة نازلة إلی أسفل كقضیب الحلواء، فإذا صارت رقیقة فی القدر الذی یرید صنع الید منه، یلقی المعلم رأس القضیب من التخلیطة بعن الإبریق فی محل وضع الید منه من أعلاه، فیلتئم رأسه هناك، فیقطع من ذلك القضیب النازل مقدار الید بمقراض، و یمسك رأسه الآخر بلقاط، و یضعه ببطن الإبریق خارجا، و یعدل الید بقضیب آخر، و علی الكیفیة التی یرید. و وجدنا آخرین یصنعون كؤوسا كبیرة مثل التی نتخذها لإقامة الأتای، و لها قوالب قد حفر فی جرمها مقدارها مع التوریق الذی یری بها، فیأخذ المعلم القالب، و یجعل فیه مقدار ما یصنع منه الكأس الواحد، ثم یحرك المكینة فینزل طرف من الحدید مثل باطن الكأس فی القدر، فیقوص التخلیطة التی فی وسط القالب، حتی لا یبقی بین رأس هذا الطرف و قعر القالب إلا مقدار قعر الكأس، فیرتفع القالب عنه، فیخرجون القالب، و یفتح و یخرج منه كأس مورق تام الهیئة، فیوضع فی محل آخر حتی یبرد، و هكذا عملهم. ثم خرجنا من هذا الدار بعد ما رأینا فی محل منها صنادیق مملوءة بتراب أحمر و رماد.
فسئل عنها فقیل هی تخلیطة الزاج ، فقیل ما هی فقیل ثلاثة أجزاء من الرملة، و جزءان من الزرقطون، و جزء واحد من رماد العود، و فی هذه الدار عشرون مائة من الخدمة كما ذكر، فی طباقاتها أوانی من الزاج و البلار أشكال مختلفة،/ 199/ و لا أظن شیئا من ذلك یجلب لغربنا بقصد التجارة لغلائه و ارتفاع ثمنه.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 249

فابریكة صنع الملف‌

و فی یوم الأربعاء الثانی عشر منه، توجهنا راجعین من مدینة الیاج إلی مدینة بروكصلا، فمررنا فی الطریق علی دار فابریكات صنع الملف، فدخلنا إلیها فوجدناهم یجعلون الصوفة أولا فی صنادیق مثل الصهاریج، و هی متصل بعضها ببعض طولا، و الماء یجری فیها مثل ما یجری فی الساقیة المنحدرة، و الصوف تجعل فی الصندوق الأول، و نصب علی كل صندوق ثلاثة قضبان من الحدید، و ألصق فی كل قضیب ثلاثة قضبان مقاطعة له، و الماء یدور بها، و بدورانها یحرك القضبان الأولان الصوفة من داخل الصندوق إلی أمامه، و بجره لها و مرور الماء علیها یبتدئ الوسخ فی الخروج منها، و عند وصول الصوف إلی القضبان المعكوفة فی الصف الأخیر تعلو بها الصوف مع شی‌ء من الماء فی مجری من حدید، فیرتفعان أی الماء و الصوف، كل فی محله یدوران الماء الذی فی الصندوق إلی أن یصلا إلی غایة الارتفاع، ثم تنزل هذه القضبان الحاملة للصوف علی حرف صندوق آخر، فینزل ذلك الماء المرتفع معها علیها، فینزل بها فی الصندوق الثانی و قد خرجت منه نقیة یسیرا، و تخرج من الثانی أنقی مما كانت فی الأول، و من الثالث أصفی مما كانت فی الثانی و هكذا حتی لا یبقی بها شی‌ء من الوسخ، و بقرب الصندوق الأخیر جعبة من حدید أقل من القامة، و قطر دائرها نحو ذراعین، تدور دورانا سریعا فتخرج الصوف من
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 250
الصندوق الأخیر أجزاء لطیفة،/ 200/ و تثبت بباطن تلك الجعبة فیصیبها الریح بسبب دوران تلك الجعبة فتیبس عاجلا و تخرج مغسولة بیضاء غایة، ثم یجعلونها فی صنادیق أخر تدور فی وسطها نواعیر كالطبل بل كهیئة الطبل، و هی أعظم، و بدورانها تجدب الصوف إلیها و تخرجها من تحتها قطعا قطا صغیرة جدا، و تنقیها من الشوك الذی یكون بها فیخرج وحده، ثم یضعون هذه الصوفة فی صنادیق أخری قد نصبت فیها نواعیر مثل السوار، تدور و تجدب الصوفة إلیها بمسامیر من سلك رقیقة، قد أثبتتها المكینة فیها بصفة عجیبة، فتخرج الصوفة منها مقرشلة لطیفة، فتتلقاها جعبة أخری مثل الساریة تدور علیها، و قد نصب علی حرفها مثل المنشار ینزع الصوفة التی علقت بها، فإذا نزعها عنها تبقی ملتئمة علی طول تلك الجعبة، و طولها أزید من ذراعین، و هی تری مع ذلك كالعباء فتوصل إلی طرف من عود یدور أمامها فتلتوی علیه و قد جمع طرفیها فترجع مسبولة من الصوف ملتویة علی مغزل، و بهذه الدار قراشیل علی هذه الكیفیة عدیدة مصطفة صفا أمام صف، و كل صف موكل به متعلم أو متعلمة، فإذا ملئ ذلك المغزل بسبولة الصوف تكلم ناقوس بقربه فیأتی المتعلم فینزعه و یركب آخر فیتكلم ناقوس آخر فینزع مغزله و یضع آخر. هذا شغل هؤلاء المتعلمین هناك لا یفترون، كل واحد منهم مقابل لصف من تلك المغازل، و هناك بمحل آخر صفوف فیها مغازل قائمة تغزل هذه الصوف./ 201/ و عدد صفوف هذه المغازل ثمانیة و أربعون صفا، فی كل صف ثلاثون مغزلا، و بها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 251
مواضع أخر للغزل علی كیفیة أخری، عددها- و الله أعلم- مثل الأخری. و فی محل آخر فیها متعلمات یركبن هذه الصوف المغزولة علی نواعیر أمامهن، كنواعیر الطرازة، إلا أنها أعرض، حتی یصیّرنها علی الكیفیة التی تراد للنسج ، فتركب فی المناسج كمناسج الطرازة بالغرب، إلا أنها أخصر عملا، فیخدمها رجل واحد برجل واحدة، و النزق یدخل و یخرج وحده، فكلما خرج النزق عن المنسج تلقاه لوحة تضربه ضربة واحدة فیرجع نزقان یخدمان فی كل منسج، و بعد ذلك یصبغون الملف علی الكیفیة المطلوبة. و هذه الدار تخدم كما قیل لأجناس كثیرة، فمنهم من یخدم فیها الملف، و منهم من یغسلها فیها لا غیر. و وجدنا فیها براحا عظیما فیه مكینات صغیرة لطیفة، تصنع قراشیل للصوف وحدها، لا یقابلها أحد إلا عند التركیب أو النزع. أما الجلد الذی تركب فیه أسنان القرشال، فیفصل بالید و تلصق أطرافه بعضها ببعض حتی یصیر طرفا واحدا طویلا، فیلوی علی ناعورة أعلا المكینة، و یمسك طرفه أسفلها، ثم یجعل السلك الذی یصنع منه القرشال فی آنیة فی الأرض عن یسار المكینة، و یرفع رأس السلك حتی تقبضه المكینة بطرفی حدید مثل الأصبعین، و هو بینهما فیصیر هذان الأصبعان یرفعان من السلك طرفا بعد طرف علی قدر واحد، و مهما دفعت طرفا نزلت علیه قطعة من حدید، فتفصله، و عند الفصل تخرج إبرتان تثقبان ذلك الجلد ثقبتین متقاربتین، ثم تأتی حدیدة أخری/ 202/ تثنی تلك القطعة من السلك، و تقرن بین رأسیها حتی یبقی بینهما مقدار ما بین تلك الثقبتین، فیجر بل یدخل فیهما بعد انعكافه من أسفل كما تعكف أسنان القرشال. و هكذا خدمته و المكینة مارة مع صف أسنان القرشال، حتی یتم صف الذی تصف فیه الأسنان، فیعلو الجلد بمقدار صف آخر فتأخذ راجعة فی خدمه . (...../ 202/) بارات حدید (......) ، و الماء یخرج من بین البارات، و عند وصولنا إلی ذلك الباب
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 252
وجدناه مسدودا، فوقفنا هنیئة حتی خرج الماء المحصور فی ذلك المضیق، و نزل و استوی مع الماء الذی یخرج من بین البارات، فعند ذلك أخذ رجلان بطرفی القنطرة یدوّر كل واحد منهما ناعورة، و دفتا الباب تفتحان بسبب ذلك حتی وصت الدفتان إلی حائط القنطرة، فعند ذلك خرج البابور و ساربنا إلی أن وصلنا إلی البر، فوجدنا هناك خلقا عظیما من الرجال و النساء و الصبیان، واقفین ینتظرون قدومنا، و عند نزولنا إلی البر أخذ بعضهم ...!

القبة العظیمة القریبة من دار عظیم الدولة و الأثاث و عینات الحوائج التی فیها

/ 206/ ... الماء تجر التراب من الذی بأسفل الساقیة، و الماء یخرج من ثقب بذلك اللوح الذی یجر التراب، فیبقی الماء صافیا عند دخوله للبلد. و مثال السلك الذی یعلم به عند اشتعال النار، فی بعض المواضع، مراكب صغیرة موضوعة، منها مركب قسم طولا لیری باطنه و ظاهره، و مثال مدرسة للموسكو، و صومعة من عود ینزل أحدهم من أعلاها فی قنبة یمسكها بحدیدة بیده، فیها ثقب یدخل فیها تلك القنبة بعد ما یجعل فی رأس القنبة علاقتین إحداهما یجلس علیها و الأخری یجعلها تحت إبطیه و بین كتفیه كهیئة المشمار الذی یشمر به الإنسان، و ینزل بعد ذلك، و إذا أراد الوقوف و هو نازل فیقف بعد أن یلوی القنبة علی تلك الحدیدة فیقف، و وجدنا فلكا كبیرا لعله من ثوب حشوه ریح، لا تغرق بسبب ذلك، و فلكا آخر اتخذ بقعره عنبرا إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 253
أی فضاء، و جلد علیه لا شی‌ء فیه كما قیل، و بسبب ذلك الفضاء لا یغرق هذا الفلك، و مركبا فیه قنبة كبیرة، قیل هی مثال للمركب الذی یكون وقت الحرب فی البحر، و تصیبه كورة و تخرقه فیوضع علی تلك الثقبة صوف ملبدة غلیظة، و یمسكها بالزّیار علی تلك الثقبة، فلا یدخل الماء منها للمركب. و معدة ینزل تحتها كأس بلار علی ورقة من المعدن، و بنزوله علیها ینزل الماء من المعدة فی ذلك الكأس، فإذا رفع انقطع الماء. ثم الآلة التی ینزلون بها إلی المعدن إذا تقطع بهم السبیل أثناء النزول تنتشر الأعمدة من الفنار النازلین/ 207/ فیه و تثبت فی الجدارات فیبقی الفنار واقفا بهم فی أثناء النزول. و فیها من آلة البحر أشیاء عجیبة. و جملة ما فیها یحتاج إلی مجلد كبیر .
ثم توجهنا منها إلی دار فابریكة خدمة البرنتك، فوجدنا فیها مناسج كثیرة، عرض المنسج أربعة أمتار و خمس متر كما ذكر كبیرها. و نصف هذا المناسج من الأعلی إلی الأسفل، و لیست كما نعلم من امتدادها أماما، و خیوط السداد النازلة من المنسج تذهب أماما و ترجع ثلاث مرات، و عند ذلك یطلع منشار بین خیوط السداد یحصر تلك العقد التی انعقدت بتردد الخیوط، و هكذا العمل فی نسج البرنتك، فهو سداء دون طعمة، و المكینة هی التی تخدم المناسج كلها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 254

ما رأیناه فی ساقیة الماء الجاری فی البلد

و فی یوم الجمعة بعد صلاة الظهر توجهنا لدار عامل البلد بعد ما استدعانا لذلك، فحین دخلنا لاسطوان داره وجدنا فیه ساقیة مربعة علی قدر طول الاسطوان، و طوله یقرب من ثلاثین خطوة، و عرضها نحو ذراع واحد، و غرقها نحو عشرین خطوة، و الماء یجری من تحت الاسطوان بین قوسین عظیمین، قطر كل قوس إحدی عشرة، خطوة. و لیس هو قطرا حقیقیا و إنما هو خط وصل بی طرفی قوس دائرة أقل من نصفها، كقطعتی قوسی دائرة شكل البیضة الممتدین مع طولها، و قد جعل دفتین عظیمتین بین ساریتی كل قوس نازلة من أصل القوس إلی الماء، حاصرة له بحیث لا یخرج من تحتها إلا القدر المطلوب، فإذا أرادوا كنس الساقیة یحرك ناعورة مركبة فی آلة حدید بالاسطوان. فترتفع الدفتان إلی أعلا فیمر/ 208/ الماء بسرعة بما تحته من التراب و العفونات، ثم إنه نزل بنا من الاسطوان إلی أسفل بنحو ثلاثین درجة، فانتهینا إلی ساقیة عظیمة، عرضها نحو عشر خطوات، و هی مقببة بناء فی غایة الإتقان و الإحكام. و وجدنا بابور النار منصوبا علی مصطبتین مارتین مع الساقیة و القوس محیط بها. فركبنا فی هذا البابور، و أوتی بفنار فی داخله قضیب قیل من الهند، لكن فی وسطه شی‌ء یضی‌ء و یخرج منه شعاع كشعاع الشمس، لا یستطیع أحد النظر إلیه، و به استضاءت الساقیة. ثم تحرك البابور، و كان فی طرفه وراءنا كیر عظیم، یخرج منه ریح كثیر عند مروره فی هذه الساقیة علی المسطبتین المذكورتین، و الماء جار تحت البابور، بینه و بین الماء بعد كبیر. فسار البابور بنا فی هذه الساقیة بالضوء و الریح المذكورین میلین. فكنا نری فی بعض المواضع فی القوس عن الیمین و الیسار فرجا نافذة- و الله أعلم- إلی وجه الأرض بسبب الضوء النازل منها. و هذه الساقیة تارة تنعطف یمینا و تارة یسارا، و عند الانعطاف یجدب رجلان البابور إلی جهة الانعطاف، لیلا یسقط فی الماء. و انتهی بنا فی سیرنا إلی محل عن یسار الساقیة إلی قوس، دخلنا فیه فوجدنا قوسین عظیمین مقبیین، و هما متصلان
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 255
كقنوطی مرسی العدوتین، و الماء یجری أسفلهما، و أحدهما فیه ماء قلیل و الآخر فیه ماء كثیر یقرب من مبدأ القوس فی غایة الصفا/ 209/ و انتهینا فی مسیرنا فی البابور فی تلك الساقیة إلی قوس آخر، بقربه فوق القوس حجر فیه كتابة بقلمهم منقوشة فیه، ذكر لنا أن كبیر دولتهم وضع تلك الحجرة بیده هناك. فطلعنا فی درج من ذلك القوس حتی انتهیت بنا إلی وجه الأرض، فحین خرجنا أطبق الباب علی المحل الذی خرجنا منه، و هو دائرة مقسومة بستة أقسام، فی كل قسمة لوحدة حدید فیها توریق، و ثقب فتنبسط علی الفرجة التی خرجنا منها. و یقفلونها. و ذكر لنا أن هذه الساقیة طولها ثمانیة عشر میلا، و أن كبیر دولتهم الموجود الآن هو الذی أمر ببنائها علی تلك الكیفیة، و اشتری مواضع، و دیار من أربابها بثمن له بال، و إن جملة ما صیره فی بنائها و ثمن البقاع ثلاثة و ستون ملیونا من الافرنك. و حین تم بناؤها باع البقاع الفاضلة التی حولها بثلاثة و خمسین ملیونا من الافرنك. قبقیت الساقیة فی عشرة ملایین من الافرنك. و أن أولاد الملوك و الأعیان من الدول یأتون إلیهم بقصد الفرجة فیها و التعجب منها، فلذلك طلب قائد البلد منا الإتیان إلیه لیطلعنا علیها، و هی لعمری من المبانی العجیبة الأشكال الغریبة.

الطلوع للضیافة لدار كبیر دولة البلجیق‌

ثم ركبنا الأكداش و رجعنا إلی محل المقام و فی الساعة السابعة من مساء یوم الجمعة طلعنا لدار كبیر الدولة بعدما كان استدعانا لذلك فی یوم الخمیس. كل واحد بورقة تخصه. فطلع الباشدور و الأمین و كاتبه معه، و معنا قائد المخازنیة، فوجدنا خواص عسكره بباب الدار/ 210/ و باسطوانها، و كذلك فی قببها، حتی انتهینا إلی قبة فیها وزراء الدولة و أعیانها، فتلقی وزیر الأمور البرانیة و عامل البلد الباشدور بالرح و الترحیب، و كذلك من هناك من ذكر، ثم خرج كبیر دولتهم من قبة أخری و معه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 256
ولد سلطان ابروصیا ، لأنه استدعاه لهذه الضیافة تعظیما و فرحا للجانب الشریف، فتقدم إلی الباشدور و ظهر منه بسط و سرور، و عرف به لولد السلطان المذكور، فظهر منه أدب كبیر، و أخذ كبیر الدولة یطوف علی من هناك من الوزراء و الكبراء، و یتقدم إلیهم واحدا بعد واحد، و كل منهم واقف فی مكانه قد اصطفوا صفا واحدا و نحن معهم بالصف من داخل القبة. فلما انتهی إلینا أشار إلینا إشارة و ترحیب و تعظیم، فأجبناه بمثل إشارته . ثم أخذوا فی الدخول إلی قبة الضیافة. فإذا فیها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 257
مائدة عظیمة ممتدة بامتداد طولها، قد أحاطت بها شوالی منتخبة، و قد وضع أمام كل شیلیة فی المائدة ورقتا كاغد فی أحدهما تعیین المحل الذی یجلس علی تلك الشیلیة.
و الأخری فیها بیان الأطعمة و الأشربة التی هیئت لهذه الضیافة، فجلس كل واحد بالمحل المعین له و كان مع الأمین و كاتبه و قائد المخازنیة باشدورهم بباریس. و هو یفهم من العربیة ما تیسر، فقربنا لموضع جلوسنا، فجلسنا و جلس عن یمینی و جلس الباشدور قبالتنا،/ 211/ و عن یساره كبیر الدولة، و قد حالت بینهما زوجته و وضع أمام كل واحد ممن علی المائدة طبسیل من الطاووس العجیب، و كأس زاج، و أباریق فیها ماء، و أخری فیها أشربة من شرابهم، و معالیق و جنوی من المعدن و بعضها مذهب. ثم أخذوا یخرجون بالطعام و أنواع الحلواء فی أوانی كبیرة، و یطوفون بها علی من بالمائدة، فكل واحد یأخذ منها بمغرفة ما یرید و یضعه فی الطبسیل الذی قدامه.
فإذا فرغوا من ذلك رفعت تلك الطباسیل و آلة الأكل التی معها، و توضع بدلها أرفع منها، و یؤتی بطعام آخر فیؤخذ منه علی تلك الكیفیة، ثم ترفع و یؤتی بأخری و هكذا حتی فرغ من الطعام، و نحن تناولنا من ذلك یسیرا من حلواء معقودة علی الثلج مع غیرها من الحلواء الطازجة. و عدد من كان محیطا بالمائدة یزید علی الستین. و فوق المائدة حسك. كل واحدة كأنها ثریة، و فی قبتها ثریات كبار كلها توقد شمعا، و بها مشامیم من النوار موضوعة علی أوانی مذهبة عمل التینة. و منذ أخذوا فی الأكل و أصحاب الموسیقا و الطرب مشتغلون بعملهم حتی فرغوا. فعند ذلك خرجوا إلی القبة التی دخلوا منها، و فیها ثنتا عشرة ثریة عظیمة، ست منها تقابل ست أخری، و عشر ثریات محیطة بجدراتها. كلها موقودة شمعا، و فیها مرایا عظیمة محیطة بالجدارات. و فی قبوها كذلك مرءاة دوائر بینها توریق عجیب . إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 258

دار العدة و آلة الحرب‌

/ 216/ ... و ضربته فی الستة و الستین المذكورة خرج ما فی هذا المربع المستطیل من الكور، و هو ثلاثون و ثمانمائة و خمسة آلاف. و كان من هذه العینة ثمانیة صفوف عن یمین الخزین، و مثلها عن یساره، فضربت ذلك العدد فی ستة عشر فكان مبلغه ثمانین و مائتین و ثلاثة و تسعین ألفا عدد عینة واحدة من الطرر التی بباب الخزین و الله أعلم. و أخبرت بذلك الباشدور فصار منه علی بال. و الحامل علی تتبع ذلك بعد امتثال أمره، أن بعض النصاری هناك ذكر أن فی كل تربیع عشرة آلاف كورة، و حیث أحصیته علی تلك الكیفیة المقطوع بحصة أعمالها وجدت الأمر بخلاف ما أخبر به ذلك المخبر. و هناك عینات كثیرة مفترقة فی مواضع شتی. و فی براحه أیضا مدافع عدیدة لیست علی الكراریط علی تلك الكیفیة المقطوع بحصة أعمالها وجدت الأمر بخلاف ما أخبر به ذلك المخبر، و هناك عینات كثیرة مفترقة فی مواضع شتی، و فی براحه أیضا مدافع عدیدة لیست علی الكراریط، و إنما بینها و بین الأرض حدید و هی مطلیة بطلاء رمادی، و أفواهها مقفولة.

شكل السلم الذی توضع علیه المكاحیل‌

ثم دخل بنا إلی خزین كبیر فیه سلالیم طوال، ممتدة مع طول الخزین علی هیئة المربع المستطیل من جهة الطول، یقابله مربع مستطیل یقابله مثله، و من جهة العرض إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 259
یقابله مثلث متساوی الساقین، و یقابله مثله من عرض الجهة الأخری. ثم ركب فوق هذا السلم الذی علی هذه الكیفیة سلمان آخران فوقه مماثلان له طولا و عرضا، بحیث لم ینطبق علیه، بل ترك بین أضلاعهما المتوازیة مقدار ذراع من كل جهة. ثم نصبت أضلاع من الحدید مع طول السلمین یوازی بعضهما بعضا و فتحت فیها/ 217/ أی فی تلك الأضلاع المتوازیة فرج متوازیة أیضا، متقاربة، و نصبت المكاحیل مع ثقالاتها المركبات فیها فی تلك الفرج التی فی الأضلاع، فصارت المكاحیل مصطفة مع طول السلالیم صفا بعد صف، مع تساویها أی المكاحیل فی الطول و استوائها فی الوضع تصیر علی كیفیة عجیبة، و كلها من العینة التی تعمر من الخزنة، و كأنها قد فرغت الآن من قوالیبها بتعاهد مسحها و نظافتها، و عدد ما هناك من المكاحیل- كما قیل- ثمانون ألفا- غیر محتاج إلیها إذ ذاك زیادة علی ما بید عسكره.
و هناك كوابیس من العمل القدیم، معلقة فی أعلا سقف الخزین ممتدة معه، و به مهاریس صفر صغیرة جدا، غیر أن فورمتها فورمة أربعة و عشرین.
ثم دخل بنا إلی خزین آخر فیه سیوف عدیدة علی أشكال، و سروج و لجم لم أقف علی حصر عددها، و فی داخل الخزین أربعة مدافع عظام طولا و عرضا. ذكر أن عمارة كل واحد منها ستون رطلا من البارود، و كورته من ثلاثة قناطیر، و یرمی ثنتی عشرة مائة متر. و ذكر أن فورمته من أربعة و عشرین، هی من العینة التی تعمر من الخزنة، و یظهر منها أنها معدة لهدم الحصون العظیمة أو لرمی المراكب التی علی نسبتها جرما و قوة.
ثم دخل بنا إلی خزین آخر وجدنا فیه مكینة عظیمة، قد نصب علیها رحی لطحن الزرع للعسكر، تركنا الطلوع لهذه الرحی لشهرتها، و رأینا فی مواقع عدیدة أوانی متسعة كأنها طناجیر فی الكیفیة مع أنها أعظم بكثیر، یوضع فیها/ 218/ إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 260
الدقیق فتصیر تدور به أجرام من تحدید مبسوطة، و الماء ینزل علیه بمقدار معروف، فتعجنه فی الحین، و یوضع فی موائد حدید طویلة جدا، فتدخل لبیت النار، ثم یخرجونها جافة عاجلا. هكذا ذكروا لنا، و لم یقع منه شی‌ء بمحضرنا، و ذكر أن هذه المكینة یصنع فیها كل یوم ما یكفی من الخبز ثمانین ألفا من العسكر، و ذلك إذا احتیج إلی هذا المقدار كل یوم فإنها تقوم به لأنها توجده كل یوم یوم. و رأینا من فوق أسطحة هذه المخازین نباتا كثیرا، فسئل عن ذلك فقیل أن المخازین قد أقیمت بالآجور بین قناطر الحدید، و وضع فوق السطح تراب كثیر، فإذا نزلت علیه كورة أو بونبة كیف ما كانت فلا تضره، و مع ذلك جعلوا فی السطح مجای للماء، أی ماء المطر، فیخرج من قادوس متصل برأسه قضیب حدید نازل منه إلی الأرض، بحیث إذا ضعف نزول الماء یبقی نازلا إلی الأرض مع القضیب محافظة علی جدار الخزین كیلا یصیبه ذلك الماء. ثم ركبنا فی الأكداش و رجعنا إلی البابور، فرجعنا فیه إلی محل النزول.

فابریكات المرایا الكبار من الزاج فی مدینة شارلروا

و فی یوم الاثنین السابع عشر منه أذن عامل البلد بتوجیهنا إلی مدینة شارلروا بقصد رؤیة ما فیها من فابریكات الزاج الذی یصنع منه المرایا العظیمة و للسراجم، فركبنا فی بابور البر فی الساعة التاسعة، و سار بنا ساعتین غیر ربع ساعة، فوصلنا إلیها، فتلقی عاملها للباشدور عند النزول من/ 219/ البابور بفرح و سرور، و صار معه و نحن فی أثره فی الأكداش إلی فابریكة صنع الزاج المذكور، فوجدنا بیوت النار توقد و المعلمون بید كل واحد منهم جعبة حدید كالمكحلة، و یدها من عود،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 261
یدخل رأس المكحلة فی بیت النار فیخرجها عاجلا و قد علق بها من الزاج المذاب قدر ما یملأ الكف، و هو كالعجین فی اللیونة، یحاول السقوط فیشتغل المعلم یدیر تلك الجعبة بعد ما یمدها و یبسطها علی حرف ورقة حدید و یرفع الماء بیده الأخری و یصبه علی الجعبة قرب الزاج اللاصق بها بقصد تبریدها، فإذا بردت شیئا یسیرا یدخلها بیت النار أیضا، و یخرجها و قد علق بذلك الزاج الذی كان بها زاج آخر، فیبرده علی تلك الكیفیة بالماء، و دوران الجعبة لیلا یسقط منه شی‌ء، ثم یدخلها لبیت النار و لا زال علی ذلك العمل حتی یعلق برأس الجعبة من الزاج المقدار الذی یرید صنع زاجة المرءات أو السرجم منه، فعند ذلك ینفخ فی الجعبة بفیه نفخا كثیرا حتی یری أثرها فی داخل الزاج، فعند ذلك یضع الزاج علی طرف من خشب مبسوط الوجه، و قد حفر فیه بأسفله مقدار نصف كورة و حفر بأعلاه مثل نصف جرم أسطوانة متصلا بالحفرة الأخری، بعد ما تدهن هاتان الحفرتان بماء الشعیر المخلوط بدقیق الفاخر الذی یوقدونه، و بعد ذلك یشتغل بدوران الزاج فی ذلك/ 220/ القالب، یدخله بیت النار نحو دقیقة مجانیة، و ینفخ فی تلك الجعبة حتی یشاهد أثر النفخ بداخل الزاج اللاصق برأس الجعبة و یصیر حینئذ كهیئة القمقم كما بطرته ، كما اقتضی ذلك حفر القالب فی تلك القطعة من العود. فعند ذلك یصیر المعلم یشیر بتلك الجعبة مع الزاج اللاصق برأسها یمینا و یسارا، و الزاج یستل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 262
و ینحدر إلی الأرض شیئا فشیئا، و هو واقف علی متن جدار مرتفع علی الأرض بأزید من القامة. ثم یدخلها بیت النار نحو دقیقة أخری ، و یخرجها و یشتغل، فیشیر بها كما ذكروا الزاج ینحدر منفوخا، و یكرر علیه هذا العمل حتی یصیر ذلك الزاج جعبة مستدیرة، قطر دائرتها أزید من ثلث ذراع و طولها نحو ذراعین و نصف، فعند ذلك یضعها علی حرف لوحة من حدید، و یأتی رجل آخر بیده مقراض و یثقب به الجعبة من أسفلها، لأن الزاج یكون لینا إذ ذاك فی أسفلها فقط، و ما عداه مما أعلاه من الجعبة صامتا غایة. فإذا ثقبها یأخذ منها بالمقراض من أسفلها یسیرا مثل دائرة الریال، ثم یردها الآخر إلی بیت النار نحو دقیقة أیضا، و یخرجها و قد اتسع ذلك الثقب إلی أن یتحد مع دائرة جعبة الزاج، فیضعها علی حرف تلك الحدیدة و یدیرها حتی تبرد و تصیر جعبة طویلة كما ذكر/ 221/ فإذا أراد فصلها من جعبة الحدید یضع علیها رأس اللقاط من حدید بارد من جهة جعبة الحدید بالمحل الذی هی لاصقة فیه بالزاج، فتنفصل عنها جعبة الحدید مع یسیر من الزاج لاصق بها من عنق جعبة الزاج، فیزیله و یجمعه مع قطع الزاج، فتكون جعبة الزاج حینئذ لها عنق رقیق كالذی كان متصلا بجعبة الحدید. و منه تأخذ فی الاتساع، فیضع رأس اللقاط من الحدید البارد فی محل غایة الاتساع فینفصل العنق و تبقی الجعبة من الزاج متساویة الراسین فی الاتساع، فعند ذلك یضعها فوق الفاخر الذی یوقدون به، و هی باردة، و یأخذ قضیبا من الحدید یكون رأسه ببیت النار و یدر علی طول الجعبة و فی داخلها بالمحل النازل علی الأرض منها غبرة سوداء، و یدلكها برأس ذلك القضیب الذی یخرجه من بیت النار من ابتداء الجعبة إلی نهایتها، و یشتغل بذلك نحو دقیقة أو أقل، ثم یرفع ذلك القضیب و یضع أصبعه برأس الجعبة بمحل الدلك، فتنشق علی طولها شقا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 263
مستویا لا اعوجاج فیه، فیدخلها بیت النار و یضعها فوق لوحة حدید هناك قد دهنت بدهن، فتنبسط علی تلك اللوحة، و یخرجها و قد صارت ورقة مربعة طولها نحو ذراعین و نصف، و عرضها أزید من ذراع، و یضعونها بعد ذلك فی بیت نار لینة، و یتركونها حتی تبرد. و صنع بمحضرنا من هذه العینة نحو ست ورقات فی أقرب مدة، و فی هذه الدار من أنواع زاج الورقة عدد كثیر صغیر و كبیر، و منه ما هو/ 222/ مسمر فی صنادیقه. و أوقفنا كبیر هذه الدار علی عینات بها من الزاج المصبوغ بالألوان ، و بعضه فیه توریق عجیب و علی المتعلمات اللواتی یشتغلن بتوریقه بالقوالب، بحیث یدهنه بدهن أبیض و حین یجف یضعن الورقة أمامهن و القالب المفتوح فیه التوریق فوقها، و تضع إحداهن یدیها علیه و تمسح بالأخری فوق القالب بشطابة من شعر صغیرة، فتزیل من ذلك الدهن من الزاجة ما فتح فی القالب من التوریق. و ذكر لنا أن فی مارس الفارط تحرك عندهم ریح عظیم ست ساعات، فسقطت منه دیار كثیرة، و سقطت دار هذه الفابریكة و أعید بناؤها، و كان سقفها قبل بقناطر الحدید، و جعلت الآن من العود. و ذكر أن التخلیطة التی یصنع منها الزاج توقد النار علیها عشرین ساعة، و تخدم فی ثمان سوائع. و أجر المعلمین الذین یخدمون هناك ثمانون ریالا فی الشهر. و هذا الزاج إذا أرادوا مسحه یجعلونه فی صنادیق معلقة كالمهد، و یجعلون فیه الماء و رملة بیضاء، و الصم الصغیر المبسوط، و یشتغل بتحریك الصنادیق حتی تمسح الورقة بذلك و تصیر بها ضیاء لامع.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 264

ورقات الزاج العظام التی تصنع فی طامیر

و فی الساعة الثالثة ركبنا فی بابور البر توجهنا لمدینة طامیر التی یصنع فیها ورقات الزاج الذی یصنع منه المرءات العظام التی هی أعظم بكثیر من الورقات التی تصنع بالفابریكات الأخری، و یصنعونه علی كیفیة أخری. و بیانها أنهم/ 223/ اتخذوا ورقة حدید مبسوطة، ذات طول و عرض نحو ثمانیة ذراع فی مثلها، و جعلوا بطرفیها فتقیتین من حدید طولهما مثل طول هذه الورقة، و غلظهما علی نسبة غلظ الزاجة التی یریدون صنعا. و وضع فوق هاتین الفتقیتی ساریة من حدید، فیبقی بینها و بین الورقة المبسوطة مثل عرض غلظ الزاجة التی تصنع، ثم یخرجون الآنیة التی طبخت فیها التخلیطة من بیت النار بالبوجی و یؤتی بها و هی معلقة فیه حتی یوصلوها إلی تلك الورقة المبسوطة، و یفرغوها فوقها، و یمرون فوقها تلك الساریة فتبسط تلك التخلیطة علی الورقة كلها طولا و عرضا. أما من جهة العرض فهی محصورة بالفتقیتین، لأجل ذلك یكون غلظها علی نسبة واحدة. و أما طولها فما یخرج زائدا علی الورقة یسقط و یزال ، ثم بعد هذا یدخلونها لبیت نار لینة، و یتركونها هناك أربعة أیام صیانة لها و إصلاحها، و إذا تركت فیه نحو یومین أو أقل، یخشی علیها من الآفات العارضة، التی لا تؤثر فیها إذا تركت فیه أربعة أیام. و ذكر أنهم صنعوا ورقة من الزاج لسلطان الموسكو طولها ثمانیة عشر مترا و عرضها كذلك. و نحن أیضا رأینا زاجة طولها أربعة أمتار و عرضها ثلاثة و نصف، و فوقها ستة رجال جاثیة علی ركبها، و هم یمسحونها كأنهم جالسون علی دفة من العود. و وجدنا أناسا آخرین بین أیدیهم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 265
ورقات من هذه العینة و أعظم منها یفصلونه ورقات بحجر الدیمانط،/ 224/ و یخرجون من الورقة الواحدة ورقات عدیدة علی القدر الذی یریدونه. و وقفنا علی أناس آخرین یریدون رفع زاجة عظیمة من قالبها بعدما مسحت، و ذلك أنها كانت مشدودة علی قالبها المبسوط، فأخذوا یحركون بوجیین صغیرین كان وضع القالب علیهما، و عند تحریكه یرتفع القالب بزاجته الممسوكة فیه، و یكون أحد طرفیه ثابتا فی الأرض، و المقابل له یرتفع حتی یشرف علی الوقوف، فیحادیه رجلان من الجهتین، و یضع رجل آخر سلما علی رأس هذا القالب و یصعد فیه و یمد الآلة الماسكة للزاجة، و ینزل و یحرك البوجیان فتشرف الزاجة علی تمام الوقوف، فیتلقاها رجال آخرون، أربعة من كل جهة، و یحرك البوجیان أیضا فینزل القالب لمحله و تبقی الزاجة واقفة بین أیدی الرجال الثمانیة، و یكونون قد وضعوا تحت حرفها الذی صارت واقفة علیه اشراكا من جلد، بأطرافها خرص من حدید كهیئة حزام البغال، فیأتی ثمانیة رجال من كل جهة و یحملونها بتلك الأشراك، و یتقدم رجل قدامهم ماسكا لها و آخر وراءهم كذلك، و یمشون بها مشیا خفیفا هونا، و یحركون أرجلهم علی كیفیة واحدة كمشیة العسكر حتی یوصلوها إلی محلها. و هذه الزاجة قیل فی تكسیرها أربعة عشر مترا و نیف، و أن وزنها ثمانیة قناطر، و ثمنها أربعمائة ریال و ستون ریالا. و وقفنا فی هذه الدار علی مكینات كثیرة مختلفة الأشكال./ 225/ فی مواضع عدیدة اتخذت لمسح ورقات الزاج، بحیث یجعلون الورقة فوق قالبها ممسوكة فیه، و أخرج من المكینة قضیب حدید جعل فیه كالأیدی من الحدید مبسوطة مربعة، و بطنت بالجلد، و یجعلون غبرة حمراء فوق الزاجة، و الماء یتقاطر علیها و المیكنة تحرك تلك الأیدی فوق الزاجة، و القالب مع هذا یتحرك حركة مغایرة لحركة الأیدی، لأن حركتها كأنها دوریة، و حركة القالب من الیمین إلی الیسار، و قد تنوعوا فی آلة المسخ و توسعوا فیها، و جعلوها علی كیفیات مختلفات، و وجدنا فی مواضع آخر نسوة یمسحن ورقات الزاج
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 266
بغبرة بیضاء مع الماء، یباشرن ذلك بأیدیهن، ثم رجعنا إلی مدینة بروكصلا. و فی یوم الثلاثاء الثامن عشر منه، أخذنا فی التهیئ للسفر منها.

مدینة فانطی و الفابریكة التی فیها

و فی یوم الأربعاء التاسع عشر منه، خرجنا منها و ركبنا فی بابور البر فی الساعة الثامنة صباحا، و ركب معنا نائب البلجیق قاصدین مدینة فانطی بإذن كبیر الدولة، فوصلنا إلیها بعد مضی ساعتین غیر ربع، و التقی بنا قائدها و كبراء العسكر بالتعظیم علی العادة ، حتی أنهم فرشوا الأرض التی نزلنا فیها من البابور بالزرابی، و ذكر القائد أنه مأمور بأن یطلعنا علی المكینات التی فی البلد، فركبنا فی الأكداش حتی وصلنا إلی دار فیها مكینة عظیمة هائلة لم نر مثلها فیما تقدم . قطر ناعورتها الكبری أحد عشر مترا، و یلزمها من الفاخر سبعة آلاف قنطار فی الجمعة، و ترمی فی سیرها فی الدقیقة الواحدة/ 226/ كما ذكر ستمائة قدم، و میزانها مائة ألف قنطار و خمسة و ثلاثون ألف قنطار، و هم یخدمون بها الكتان الذی یجعل منه شراعات المراكب لهم و للصبنیول و الأنجلیز و البروصیا و غیرهم. و إنهم حین استنبطوا هذه المكینة نقص من الصائر لهم الثلثان، و صار ربحا لأرباب هذه الدار. و فیها من الخدمة المقابلین لتصفیة الكتان و غزله و صفحه و نسجه خمس و عشرون مائة، و المكینات هی المتكفلات بالخدمة، و الخدمة یباشرون منها ما خف، كوصل الخیوط إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 267
عند تقطیعها، و مناولة الكتان للمكینات للتصفیة، و رفع الظروف التی ینزل فیها المصفی و وضع غیرها، و تحریك آلة الخدمة و تتقیفها و هكذا، و وجدنا فی براح متسع صفوف مغازل تغزل الكتان، قیل إنها ستون ألف مغزل مصطفة فی صفوف، كل صف منها تقابله امرأة واحدة كما تقدم ذلك فی بعض بیان فابریكات الملف فی مدینة الیاج.
ثم خرجنا من هذه الفابریكة إلی فابریكة الماركان، و هی شبیهة بفابریكات الكتان المذكورة فأوقفونا علی نواعیر تدور، و قد جعل علیها أغشیة مستدیرة، و هی ممتدة طولا، فیجعلون القطن المنقی من العظام فی حصیر من فتقیات العود، تدور بدوران المكینات، و بدوران هذه الفتقیات یتقدم القطن إلی الناعورة الأولی فتجذبه بمسامیر حدید محددة الرؤوس، و تمر به تحتها، و لم ندر كیفیة وصوله إلی الناعورة الثانیة، لأن غشاء النواعیر المغطاة بها المستدیر حاجز بین البصر و بین القطن عند دخوله./ 227/ تحت الناعورة الأولی و الثانیة إلی الرابعة، لكن عند خروجه من الرابعة نراه یخرج من تحتها و ترمیه بجهد كبیر إلی ناعورة أخری و هی الخامسة، بینها و بین الرابعة مقدار ذراع، وصل بینهما من أسفلهما بقضبان حدید رقیقة، بین كل قضیبین بعد یسیر، فیتبین إذ ذاك أن الریح الذی یتولد من دوران النواعیر الأربع یبقی محجوبا فی تلك الأغطیة المحیطة بالنواعیر، و یطلب مخرجا فلا یجده إلا من أسفل الناعورة الرابعة، و هو الذی یرفع ما یكون هناك من القطن إلی الخامسة، و عند مروره علی تلك القضبان یتساقط ما یكون فیه من التراب و الأزبال، و یخرج القطن لا شی‌ء فیه من الأزبال و غیرها، و هو منفوش غایة بسبب تكرر مروره علی محددات
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 268
مسامیر النواعیر، و ینقلونه من هذه المكینة إلی أخری تلبده، ثم إلی أخری تفصله كسبولة السداد، ثم إلی الغزل ، ثم إلی مكینات الصفح، ثم إلیالمنسج، و هو قریب فی الرؤیة من مناسیج الطرارة بالغرب، إلا أن النزقین یخدمان وحدهما، و بسرعتهما فی الخدمة لا یمكن رؤیتهما. و عدد المناسج التی هناك فی موضعین، أحدهما فیها مناسج طولا ستة و ثلاثون منسجا، و عرضا ثلاثون، مجموعها ألف و ثمانون منسجا. و موضع آخر صغیر فیه ثلاثون منسجا طولا و ستة عشر عرضا، مجموع ذلك خمس عشرة مائة منسج و ستون منسجا، قیل كل منسج ینسج فی الجمعة ثلاثمائة متر، فیكون جملة ما نسجه فی یوم واحد ستة و ستین ألف متر و ثمانمائة و سبعة و خمسین/ 228/ مترا، هی مقدار ثلاثة آلاف شقة و نحو أربعین شقة، و هذا الماركان لا یأتی منه شی‌ء لغربنا، فمنه الحلو غایة، و منه الخشین جدا، و عرضه یزید علی ذراعین و نصفه و بعضه أقل، و منه ما یصبغ أزرق و یشد لأربابه.
و فی هذه الدار من الخدمة إحدی و عشرین مائة كما ذكر. و هذه البلدة من المدن العظیمة تشقها أنهار كثیرة ، حتی قیل إن فیها ثلاثمائة قنطرة و ثنتین و ستین قنطرة.
و فی الساعة السادسة منه مساء ركبنا فی بابور البر قاصدین مدینة أسطانذ بقصد المبیت فیها، فوصلنا إلیها فی الساعة السابعة و نصف ساعة، و هی علی ساحل البحر، و بعد نزولنا بها علی ید قائدها و تلقیه هو و الكبراء علی العادة، إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 269
خرجنا فی العشیة إلی قبة من الزاج علی ساحل البحر ، طولها نحو خمسین ذراعا، و عرضها نحو خمسة و عشرین، و من جهة الساحل نبح بداخلها علی طولها سواریه حدید لطیفة، و كذلك قناطیرها و سقفها كهیئة مثلث، و جدرانها و قبوها كله من الزاج الممسوك بقضبان رقیقة من الحدید، و فی النبح المذكور رجال یخدمون الموسیقا بأنواع كثیرة من آلات الطرب، و فیها خلق كثیر من النصاری رجال و نساء.
و منهم من هو داخل القبة، و منهم من هو خارج عنها بشاطئ البحر، فجلسنا هناك علی شوالی بالقبة فی تربیع خارج عنها مواجهین البحر نحو ساعة، و رجعنا إلی محل النزول.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 271

الجزء الرابع‌

أخبار بلاد النجلیز

و فی الساعة العاشرة و ربع من یوم الخمیس العشرین منه ، ركبنا فی بابور البحر من بابورات/ 229/ البلجیق، و طلع معنا خلیفة وزیر الأمور البرانیة، و سافر البابور بنا فی البحر و هو فی غایة ما یكون من السكون و الركوض.

ملاقات كبار مدینة دوفر للباشدور

و فی الساعة الثانیة و ربع وصلنا إلی مدینة دوفر من مدن أنجلیز، و حیث أرسی البابور بمرساها طلع للبابور ولد الباشدور بطنجة، و هو القونصو بالسویرة ، لأنه هو
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 272
الذی توجه ترجمانا مع الباشدور بدولتهم، و طلع معه الجلنار كبیر العسكر و رئیس المرسی، و تلاقوا هناك مع الباشدور، و أظهروا فرحا و سرورا كبیرا، و عند ذلك ودعه خلیفة الوزیر المذكور، ثم نزل الباشدور إلی البر معهم و نحن فی أثره، و قد فرشوا الطرق بالزرابی، فوجدنا فئة عظیمة من العسكر متحربا، و أصحاب الموسیقا مشتغلون بها، و رفعوا سنجق الإسلام، و أخرجوا المدافع ، و نبهنا لسماعها ولد الباشدور المذكور، و علی رفع سنجق الإسلام، كل ذلك تعظیم للجناب الشریف، فنزلنا فأدخلنا لمحل مزخرف بها، و تناولنا هناك شیئا من الحلواء و القهوة، و استرحنا هناك إلی الساعة الثالثة و نصف.
فركبنا فی بابور البر فی عربة من عربات المخزن بلغت الغایة فی الكبر و الزخرف و الشوالی المتعددة و الكنابیس فی زوایا بها، و عند طلوعنا إلیها وجدنا فئة أخری من العسكر، ذكر ولد الباشدور المذكور أنه من عسكر خیالهم، سراویلهم فوق الركب، و قصبة أرجلهم بادیة، و تقاشیرهم فوق البلاغی إلی مجاوزة كعب أرجلهم.
و أصحاب الموسیقا منهم یضربونها بنغم رقیقة كنغم الغیاطة عندنا یستلذها السامع.

/ 230/ محل النزول باللوندریز

و فی الساعة الخامسة و خمس و ثلاثین دقیقة من مساء یوم الخمیس المذكور، وصلنا إلی مدینة اللوندریز، فكان مدة مسیر هذا البابور بنا من مدینة ذوفر إلیها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 273
ساعتین و دقائق، سیرا قویا لم یقف فی هذا السیر أصلا فی محل، فلما انتهی بنا إلی اللوندریز سار بنا علی قنطرة طویلة جدا ، علوها كعلو أسطحتها فی ذلك المحل، فنزلنا هناك علی ید المخزن فی حومة سكنی سلطانتهم و كبرائهم فی محل معتبر لم یكن فی اللوندریز عندهم مثله كما سمعنا، و هذا المحل شبیه فی الكبر و الفصالة بأوطیل باریس الذی كان نزولنا فیه، إلا أن بیوته و صالاته أوسع بكثیر من بیوت محل اللوندریز، و أما من جهة البناء و الزخاریف و الفراش و الأثاث و الأوانی متشابهان.

قدوم كبراء البلد علی الباشدور للتهنئة

و فی یوم الجمعة الواحد و العشرین منه. توجه بنا الترجمان مع الباشدور إلی فرجة عندهم فی محل متسع لا بناء فیه و لا شجر، فلما انتهینا إلیه وجدنا خلقا عظیما دائرا به، و الناس فی الأكداش و الراجلین نساء و رجالا یتفرجون فی أناس
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 274
یلعبون بالكرة فی وسط تلك البقعة، فلما دخلنا مع أولائك الناس المتفرجین بقینا فی الأكداش ندور حولهم حتی انتهینا إلی المحل الذی دخلنا منه، فخرجنا و رجعنا.
و فی یوم السبت الثانی و العشرین منه، قدم خلیفة صاحب المشور علی الباشدور مهنئا له فی سلامته و قدومه، و أخبر بما حصل لهم من الفرح و السرور بقدومه.
و فی یوم الأحد الثالث و العشرین منه ، قدم علی الباشدور صاحب المشور بنفسه حامدا له فی السلامة، و ما أكثر أدبهم و تواضعهم، و رحب به غایة الترحیب.

بساتین النوار التی فی الطرق و فی العراصی‌

و فی مسائه ركب معنا الترجمان و صار معنا إلی عرصة عظیمة. و عند مرورنا فی الطریق كنا نجد فی أكثرها ریاضا أنیقة، و حیاضا عجیبة، متصلات بجدران دورهم ممتدة مع الطریق، و فیها نوار عجیب من غالب الألوان، و كذلك النبات فیه الأخضر الیانع و المفتوح و غیره، و منه ما هو علی لون الشیبة، و منه ما أوراقه حمر دیدیة، و كل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 275
لون یجعلونه فی محل و یفرقون بینها/ 231/ بألوان ذلك النبات، و هو متساوی فی الارتفاع مزدحم فی الغرس، كذلك النوار قریبة التساوی و الازدحام، حتی أنهم یجعلون فی الحیاض توریقا من الألوان یملأون ما بینها بألوان النبات، و فی بعض الحیاض یجعلون حروفا من ألوان النوار و یكتبون بها ما شاءوا، فلما انتهینا إلی تلك العرصة لم نجد فیها غیر الأشجار التی لا تثمر بها، و الطرق مفصلة فیها متقاطعة، و فیها ریاض كثیرة، منها ما هو علی شكل الزرابی طولا و عرضا رصفت بألوان النوار، لا یمل الناظر من النظر إلیها من حسن ذلك الوضع و تناسب ألوانه، و منها ما هو علی شكل الدائرة، و منه ما هو دوائر متقاطعة، و بالجملة فما یصنع عندهم فی التوریق و الدوائر فی العود و الأبنیة یجعلون غالبه بالألوان فی حیاض ریاضهم، و فی هذه العرصة قبة من الزاج مربعة، و داخلها محابق فیها ألوان النوار موضوعة فوق موائد من العود، و تحت الموائد جعبات حدید غلاظ ممتدة بامتدادها، یقال أن فی أوان البرد یجعلون فیها الماء الحار صیانة لذلك النبات، و ذكر أن الحیاض التی عندهم بالطرق إذا قرب أوان البرد ینزعونها من ذلك المحل و یغرسونها فی المحابق، و تجعل فی قبب الزاج، و تحتها حرارة الماء الذی فی تلك الجعبات، و فی هذه القبب أنواع من الدوم یجعلونه فی المحابق، فمنه ما هو شبیه بالدوم فی الغرب عندنا، و منه نوع من بر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 276
الهند یعلو كثیرا و ینبسط، و منه نخیلات صغار ساقها كقامة الإنسان، منها ما هو ساقها أغلظ من القصبة بیسیر، و منها ما هو أغلظ، و أوراقها مختلفة فی الرقة و الغلظ، و فی هذه العرصة أسرة و شوالی متفرقات فی أماكن، یخرج الناس إلیها بقصد الانبساط و الاستراحة، و هی لجانب المخزن.
و فی یوم الاثنین/ 232/ الرابع و العشرین منه، كنت مع الترجمان المذكور فی محل نزوله فی غرض مخزنی، فقدم علیه رجل منهم بكتب من قائد المشور المذكور، فقرأها و أملی علی واحدا منها، فكان یوصیه فیها علی الباشدور و البرور به، و الوقوف معه، و تنفید كل ما یحتاج إلیه، و یخبرنا أن سلطانتهم لیست فی اللوندریز، و أنها خرجت لبلدة أخری بقصد الاستراحة فیها، و مع تلط الكتب ورقات من ولد السلطانة، عین فی كل واحدة اسم الباشدور و اسم أصحابه یدعوهم للحضور لعرصته، إلی فرجة تعرف عندهم بالكونبطی فی الساعة الرابعة من یوم الثلاثاء الموالی.

صفة سجن بحومة اللوندریز

و فی مساء یوم الاثنین المذكور توجه بنا الترجمان إلی رؤیة سجن من سجونهم ، فوصلنا إلیه فوجدنا فیه بیوتا صغارا جدا بعضها مقابل لبعض، ممتدة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 277
طولا و عرضا. و فیه طبقات كذلك، و الضوء فی جمیعها من كثرة دفف الزاج، و فی كل بیت فراش مرتفع من الفرش، و مائدة الناقوس ببابه. و فیه مطبخة كبیرة یطبخ فیها للمساجین من أزكی الطعام. وجدنا فیها أكوابا ممتلئة حریرة جامدة، رفع منها صاحب المطبخة مغرفتین كبیرتین فی زلافة، و قطع من خبزة طرفا نحو نصف رطل میزانا، و قطعة لحم نحو أوقیتین أو أقل مع إدام یسیر، و قال الترجمان هذا ما یطعم للمساجین كل یوم، و فیه صالة كبیرة أرضیة، فیها كراسی عدیدة و موسیقا، یجتمعون هناك للصلاة، و فیه محل متسع خارج عن البیوت یخرجونهم إلیه بقصد انبساطهم فیه ساعة فی كل یوم، و هذه الطبقة السفلیة إنما فیها أناس یدعی علیهم بالحقوق العرفیة، فیتركونهم حتی یقع الفصل فیها. و أما غیرهم من أهل الجرائم، فهم فی الطبقات. و عثرنا علی بیت هناك مظلم غایة، قیل إنه إن صار من بعض المساجین نزاع و خصام یتركونه فیه ثلاثة أیام فلا یعود إلی ذلك أبدا، و استنبطوا عقوبة للسارق، و ذلك/ 233/ أنهم اتخذوا صندوقا مقسوما نصفین، مقبوضا من غاربه بقریقیات، و فتح لوحته العلیا دائرتین نصفهما فی كل نصفی اللوحة الفوقیة، یفتح هذا الصندوق و یدخل إلیه السارق و یسد علی ما فوق ركبتیه، و تغل یداه بین خشبتین منصوبتین فوق الصندوق، ثم یضرب بسیاط خمسین سوطا بین كتفیه، و قد نزعت ثیابه، و صاحب السوط یضرب به بغایة جهده، و صفة السوط قضیب رقیق، طوله یزید علی ذراع یسیرا فی رأسه جلدة ركب فیها تسعة خیوط من القنب الرقیق فیها، عقد طول هذه الخیوط كطول القضیب، قیل كل ضربة به یتفجر منها الدم، و أن من ضرب به خمسین سوطا یموت لا محالة. و أكرمنا هناك قائد السجن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 278
بالقهوة و الحلوی و فرح بنا غایة الفرح. و عند خروجنا وجدنا صبیة صغیرة مسجونة ببیت، قیل إنها رمت غیرها بحجر فی الطریق، و أخری فی بیت آخر تخاصمت مع أخری، و فی بیت آخر صبیا صغیرا سرق نحو ریال من السمن، و آخر دون بلوغ سرق شطابة، و هو یبكی. و كل واحد من المساجین فی بیته و ورقة فیها بیان جریمته، و ما حكم به علیه من مدة السجن. و هناك عریفات یتولین أمر المسجونات من النساء و الصبیات.

الكونبطی أی كرامة فی عرصة ولد السلطانة

و فی یوم الثلاثاء الخامس و العشرین منه. توجهنا مع الباشدور إلی عرصة المخزن التی دعانا إلیها ولد سلطانتهم للحضور للكونبطی، و ذلك أنه كان مسافرا جائلا فی الأرض شرقها و غربها، و لما قدم خرج لهذه العرصة و استدعی إلیها أعیان أهل البلد و الوزراء و الباشدورات الذین فی البلد، و عند قربنا إلیها وجدنا غایة الازدحام، و حین دخلنا نزلنا من العربات، و كان المخازنیة معنا لكونهم معینین للحضور، فرأینا أناسا فی مواضع، فمنهم الواقفون و كل اثنین أو ثلاثة یتكلمون بینهم، و منهم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 279
الجالسون علی الشیلیات، و فیها قبب/ 234/ أی خزانات منصوبة، اتخذها أربابها لبیع المأكولات و المشروبات، فمن دعته الحاجة إلی شی‌ء من ذلك یدخل لإحداها فیؤتی له بمراده، و یؤدی الواجب، و فیها فی مواضع أناس یضربون الموسیقا طرنبطات العسكر، و منهم من یضربها بالنواقیس موضوعة عندهم فوق مائدة، و خمسة أناس یضربونها، منهم اثنان فی یدیهما ثمانیة نواقیس صغار مختلفة النغم، فی كل ید ناقوسان یبتدءان الخدمة بها و یتبعهما الآخرون، فإذا شرعوا فی خدمة طبع یرفع كل واحد منهم ناقوسا یكلفه بنغمة النقط المتوقف علیها ذلك الطبع، و یتبعه آخر بالنقط الذی یلیه، و هكذا خدمتهم، و كل واحد من الثلاثة یرفع ناقوسا یكلمه و یضعه، و بین وضعه و رفع آخر یكلم الآخران ناقوسین برفعهما و وضعهما و المعلمان كذلك لا یخطئ أحدهما النقط المتوقف علیه. فتقدم إلیهم ولد السلطانة و دفع لهما ورقة و تكلم معهم فی خدمة الطبع الذی طلبه منهم فامتثلوا. و عند دخولنا إلی هذه العرصة تلاقی الباشدور بولد السلطانة و نحن معه فأظهر من الأدب و التواضع ما یتعجب منه، و هو واقف كأحد الناس لابس لباسهم، تارة یقف مع أناس و تارة یتمشی هو و آخر معه، و كان معه أربعة من إخوته ذكور دون البلوغ. و كل واحد منهم علیه كسوة من الكریة البیضاء مثل كساوی البحریة عندهم، و كبوط أزرق، قیل إنهم الآن یتعاطون علوم البحر و یخدمون فیه مدة معلومة عندهم، ثم یدخلون للعسكر فیخدمون فیه كذلك، ثم فی علوم أخری لیكونوا علی بال من جمیع العلوم، و یشاهدون ما یقاسیه بعض الناس من الأهوال و المحن برا و بحرا. ثم بعد ذلك یطوفون بالبلاد شرقا و غربا برا و بحرا، فیكتسبون بذلك زیادة فی عقولهم كما قیل، و بعد الملاقاة مع ولد السلطانة إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 280
صرنا نتمشی فی تلك العرصة من محل إلی محل، فنجد/ 235/ فی كل محل جماعة واقفة أو جالسة، فجلسنا هنیئة علی الشوالی حتی رأینا بعض الناس شرعوا فی الخروج فقصدنا طریق الخروج، فبصر الباشدور ولد السلطانة قریبا إلیه فزاد بل فتقدم إلیه و نحن معه و ودعه، فأجابه بما ذكر من الأدب و الخضوع و الترحیب به، و هو لم یكن له قرار فی محل كما ذكرنا، فلما قربنا من الباب وجدنا العربات التی أتی فیها من فی العرصة تأتی متتابعة واحدة إثر واحدة، فإذا وصلت عربة و كان الذین أتوا فیها واقفین ركبوا فیها و انصرفوا. و إذا لم یكونوا موجودین هناك ینادی رجل ثلاث مرات، بأن یقول بلغتهم هذه عربة فلان، فإذا سمع به یأتون إلیه، و إذا لم یسمعه انصرفت العربة حتی تعود مرة أخری و تتقدم و غیرها، و هكذا لأنهم إذا لم یكن أمر العربات علی هذه الكیفیة یقع الازدحام حتی لا یوجد مسلك إلا بعد المشقة و طول الوقوف كما وقع لنا بعض الفرجات. و لما وصلت الأكداش التی أتینا فیها و ركبنا و خرجنا وجدنا الطریق التی أتینا فیها قسمت طولا نصفین، و العسكر واقف فی الوسط بین كل عسكریین نحو عشرین خطوة، فالخارجون من العرصة ینصرفون علی الطریق التی عن یسارهم، و الأكداش الداخلة إلیها فارغة، یمرون عن یمینهم و ذلك فرارا من الازدحام، و كان فی هذه العرصة من الناس الذكور و الإناث ما یقرب من الستة آلاف، كما عثر علی ذلك فی كزیطة طبعت عندهم فی ذلك الیوم أو غد، و أتی بها الترجمان و بین ذلك.

الملاقات بالوزیر

و فی یوم الأربعاء السادس و العشرین منه، و تبین أنه السابع و العشرون توجه الباشدور و نحن معه إلی دار وزیر الأمور البرانیة ، فدخلنا إلی داره و صعدنا إلی إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 281
قببها فوجدناه فی بعضها و معه كاتبان من الكتاب، فرحب بالباشدور غایة الترحیب و بنا كذلك، و جر شیلیة بیده و أتی بالباشدور أخذا بیده و أجلسه علیها، و أشیر إلینا بالجلوس قربه/ 236/ فجلسنا، و جرت بینهما مذاكرة بواسطة الترجمان، فیما اقتضاه الحال، و ظهر منه اعتناء كبیر بالجانب الشریف أسماه الله.

إكرام زوجة وزیر الأمور البرانیة بالهند للباشدور

ثم رجعا، و فی لیلة الخمیس استدعتنا امرأة وزیر الأمور البرانیة ببر الهند، فتوجهنا إلی قبة مربعة فیها شوالی و كنابیس رفیعة و ثریات توقد، ففرحت بقدومنا فرحا عظیما هی و زوجها، و لم تكن هنیئة حتی ملئت تلك القبة نساء و رجالا، أما الرجال فلباسهم الكبابیط الخشینة، و رؤوسهم مكشوفة، و النساء یجررن ثیاب الحریر بنحو ثلاثة أذرع فی الأرض، و غالبها مرصع بالدیمانط، و كذلك فی نحورهن و علی رؤوسهن و فی الدمالیج، فرأیت أن معدن هذا الدیمانط حیث أخرج من معدنه منه الشقی و السعید ، فالسعید منه قد أسكن فی رءوس الملاح و النحور و الصدور،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 282
و بعضه فی حواشی ثیاب الحریر ارتفاعا و انخفاضا، فهی بمثابة الجنة، و هو منها بمواضع بمثابة القصور، و أما الشقی منه فهو كالأسیر فی طبقات اللظی و السعیر، یطل لسان حاله الإنقاذ من محنه و أهواله، و لم تزل تلك القبة تملأ و تفرغ، و كل من دخل إلیها یمر علینا واحدا بعد واحد. و رأینا فی نسائهم حیاء كبیرا لأنهم یرفعن إلینا من بعد، فإذا قربن و وقع بصرنا علی إحداهن نكست بصرها إلی الأرض، و غالبهن علی هذه الحالة، و بقینا هناك نحو ساعیتن، و شربنا هناك أشربة ماء و رجعنا لیلا.

الدار التی فیها صور الآدمیین و الخروج لدار العلماء

و فی یوم الجمعة الثامن و العشرین منه، توجهنا لدار بها تصاویر آدمیین ، ذوات أجسام واقفة علی الأرجل غیر مستندة إلی شی‌ء، قد لبست كساوی من كساویهم التی كانوا یلبسونها و رؤوسهم مكشوفة، و شعرها مفروق علی عادتهم، و منهم المقلد بسیفه و نیشانه و حمالته. و علی ذلك من الدیمانط و الأحجار النفیسة شی‌ء كثیر، و عند دخولنا إلی هذه القبة و رؤیتنا لهؤلاء الصور واقفة و كثرة الضوء و الناس الذین هناك صرنا لا نمیز بین الصور و الأحیاء/ 237/ إلا بالحركة و عدمها، بل رأینا رجلا جالسا علی شلیته و هو یلتفت برأسه یمینا و یسارا. و صورة امرأة مریضة فی حالة النزع قد غمضت عیناها، و فی عنقها سلسلة رقیقة، و هی ترتفع و تنخفض شیئا ما، كأن النفس الباقی بها یفعل بها ذلك، و وجدنا فی بساط صورة رجل ملقی علی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 283
قفاه، و یداه إلی صدره، و عن یمینه تاج مكلل بالدر و الأحجار و هو متقلد سیفه، قیل إنها الحالة التی مات علیها عندهم نابلیون سلطان الفرنصیص الذی كان عقد الفیرة مع الألمان، و هم البروصیا. و هناك صور ملوكهم و أعیانهم، كل واحد علیه من الأحجار و الدر ما كان یستعمله فی حیاته، و هناك صور البروصیا و وزیره الذی كان مقابلا للحرب مع الفرنصیص، و لا زالا بالحیاة كما قیل. و فی موضع آخر خارج عن هذه القبب صور أناس آخرین كانوا من أصحاب الجرائم، كقتل النفس، و السعی فی الفساد، فقتلوا و صوروا هناك. و قید قبالة كل واحد جریمته و كیفیة قتله، و الداخلون إلی ذلك المحل یقرأون ذلك و یعتبرون، و یزجرونه عن ارتكاب مثل ذلك، و یقفون هناك علی الآلة التی قتلوا بها حتی أنهم أوقفونا علی سكین هناك قیل قتل بها ما یزید علی اثنین و عشرین ألفا من أهل الجرائم.
و فی یوم السبت ثلاثین منه دخلنا لدار یجتمع فیها علماؤهم و كبراؤهم، و فیها قبب كثیرة مرتفعة فی الجو، منها ما شكله مربع، و منها المستطیل، و منها المستدیر، و منها المثمنة و غیر ذلك من الأشكال، و سقوفها منها ما هو سقف سما
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 284
مرصف بالمقربص، و منها صورة الجفنة، و منها صورة قوس كالقنوط، و منها علی شكل نصف البیضة كالستینیة، و كلها بالمقربص البدیع و النقش العجیب الرفیع، و تمویه الذهب منتشر فی السقف و الجدران و سراجم الزاج المورق بالألوان، و الصور محیطة بالجدران. و وجدنا/ 238/ فی قبة منها شوالی كثیرة، منها فی أحد أرباعها سریر فی الوسط، و آخران صغیران عن یمینه و یساره، و هی مبطنة بالموبر الأحمر، یصعد إلیها بدرج مبطنة كذلك، و فی تلك الأسرة ترصیع بالدیمانط. و قد أدیر بها مجدول حریر لیلا یقربها أحد، قیل إن ذلك موضع السلطانة و موضع لصغیرین من أبنائها، و قابلتها فی الأرباع الباقیة شوالی دون ذلك، یجتمعون هناك مع العلماء و بعض مهماتهم، و فی قبة أخری كنابیس و شوالی مبطنة بالجلد القشنی لا غیر، یجلس علیها علماؤهم تواضعا، و فیها قبب أخر دفن فیها ملوكهم الأقدمون، و فیها صورهم مجسمة و كذلك صور غیرهم من الأعیان.

دار الفرجة و أخری فیها السلاح القدیم و الهدایا

و فی یوم الاثنین ثانی رجب الفرد الحرام، توجهنا لقصر عظیم یسمی عندهم بالطیاطرو، و هو معد عندهم للفرجات لیلا، و هو شكل مستدیر، فی نصف دوره مائة و ستة و ثمانون خطوة حالة المشی فی وسط النبح الأعلی منه، و فی عرض جداره
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 285
سبعة عشر شبرا، و هو مستدیر بالبیوت بعضها فوق بعض، مملوءة شوالی، و كذلك براحه یقال أنه لیس فی اللوندریز عندهم مثله. و تأتی إلیه السلطانة فی بعض الأوقات. و أنهم أحصوا من كان فیه ذات لیلة، فزاد بل فكان ما بین الاثنی عشر ألفا إلی ثلاثة عشر ألفا. و قد أحاطت بأعلاه قبة من سقفه. انظر كیف تأتی لهم ذلك مع كون دور قطرها نحو مائة خطوة. و رأینا هناك رجلا معلقا فی سقف النبح و بیده شطابة فی عصا یسمح بها الجدران، و آخرین بالنبح تارة ینزوله و تارة یرفعونه، و قیل إن بعض تجارهم یشترون منفعة بعض تلك البیوت بألف ابرة لمدة من تسع و تسعین سنة، و بعضها بخمسمائة ابرة و هذا، و فیه موسیقا ذات جعاب كثیرة، منها ما طولها أی الجعبة نحو ستة أذرع، و قذر دورها كثلث ذراع، و ما تزال تتصاغر إلی أن تصیر فی الرقة مثل القلم الخفیف، و قد جعل فی رأسها كالأنبوب شكل المخروط، و فی جنبیها دوائر كبار/ 239/ بها تخدم هذه الموسیقا، و قد سمعنا بأن هذا الطیاطیروا سیعمر یوم الأحد الثامن رجب و أن الأخبار صارت بذلك فی طرق السلك.
و فی یوم الثلاثاء الثالث منه توجهنا لدار أخری فیها تصاویر أناس لابسین الزرد، راكبین علی فرسانهم، علیها الذروع و بأیدیهم عصی طوال، و هناك آلة الحرب المعروفة فی القدیم بالدبابیز و غیرها و كثیر من المكاحیل القدیمة و آلة الحرب من السیوف و الكوابیس و السروج. كما شاهدناه فی باریس، و دخلنا إلی قبة أخری فوجدنا فیها ما كان أهداه بعض ملوك الهند لولد السلطانة حین كان عندهم، و ذلك تحف نفیسة رائعة غایة. فمنها زربیة مربعة نحو خمسة أذرع طولا، و مثلها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 286
عرضا، قد رقمت بالصقلی رقما كبیرا، و فی وسطها تربیع أخضر مرقوم كذلك برقم بدیع، و هی مبسوطة معلقة فی جدار هذه القبة، و زربیة أخری طولها نحو سبعة أذرع، و عرضها نحو ثلاثة و نصف علی تلك الصفة، و أخری مثلها نحو ستة أذرع طولا، و ثلاثة عرضا، و أخری تغطیه نحو ثلاثة أذرع و نصف طولا، و نحو ذراعین عرضا، و عربة مجلدة من ظاهرها بفتقیات مع العاج، فیها توریق رائق نافد، و سریر علیه قبة، كل ذلك مذهب فیه صورة خروج ملك الهند للحرب و هو جالس فیه محمولا علی أعناق رجال، أمامهم فیلان مركوبا علیهما، و الكل مموه بالذهب و غیر ذلك من أوانی الذهب، ثم دخلنا إلی قبب أخر وجدنا فیها العدة من المكاحیل، من العینة الجدیدة. بتواقیلها رقاق كالسكاكین، و هی مصطفة صفا فوق صف بین موائد من عود قیل فی هذه المخازین منها مائة و عشرون ألفا و عشرة آلاف من السیوف، و غیر ذلك من الكوابیس و السكاكین، معلقة فی الجدران و فی السقف علی كیفیة عجیبة، بحیث یجعلونها دوائر، و تكون السكاكین كأنها أنصاف أقطارها و الكوابیس كذلك.
و فی یوم الأربعاء ورد علی الباشدور كتاب من وزیر الأمور البرانیة بواسطة ولد الباشدور النجلیز یقول فیه نحبك/ 240/ تخبر سیدنا الباشدور سیدی الحاج محمد الزبیدی بهذا الأنور، یعنی المزیة العظیمة و الاعتناء الكبیر. و هو أن السلطانة أذنت بطلوعه هو و أصحابه إلیها فی الجزیرة التی هی فیها یوم الخمیس الآتی، یعنی خامس رجب و أخبره بانور آخر و التی فی غده نعین له الوقت الذی یطلعون فیه، فسرنا ذلك غایة، لأننا لما دخلنا إلی اللوندریز وجدنا سلطانتهم انتقلت إلی جزیرة من جزر بلادهم بقصد تمریض ولد لها هناك كما قیل. و العادة عندهم أنها إذا خرجت من البلد لا تتلاقی مع أحد ممن یفد إلیها حتی ترجع. و وجدنا هناك باشدورات آخرین من الأتراك و الهند سبقونا بنحو شهرین، و لم یتلاقوا بها إلی الآن، و كان ساءنا ذلك غایة، و كان ولد باشدور انجلیز یطلب من الباشدور الإكثار من الخروج
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 287
للفرجات و الملاقاة بالناس، فكان یمتنع و یجیبه بقوله إننا لم نأت للفرجات و لا للملاقات مع الناس الأجانب، و لا غرض لی فی ذلك حتی یتم الغرض الشریف الذی أتیت لأجله، و بقی مصمما علی ذلك حتی أدنت سلطانتهم بالطلوع إلیها، و هو أمر سعادة مولانا المنصور بالله. و كراماته الواضحة و الحمد لله علی ذلك.

دار البانكة و ضرب السكة

و فی یوم الأربعاء الرابع منه، توجهنا لدار البانكة. أی دار ضرب السكة و طبع كواغدها، و هی دار عظیمة كأنها مدینة مشتملة علی دیار و طرق دففها من الحدید. و قناطیرها كذلك، خوف وقود النار. فدخلنا أولا لتربیع منها فیه أناس
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 288
كثیرون، أمام كل واحد منهم نحو قفة صغیرة من الابرة ملقاة علی طبلة.
و إحدی كفتی المیزان الذی أمامه خمسمائة من الابرة، و هو یزن بها من الابرة الموضوعة أمامه، و یجعل فی كل خنشة صغیرة ألفا من الابرة. هذا شغل هؤلاء الناس، فزاد معنا كبیرهم و أوصلنا إلی تربیع آخر فیه بعض كتاب هذه الدار، و كلهم مشتغلون بالتقیید فی الكنانیش، فسألنا عن عددهم فقیل فی هذه الدار/ 241/ من الكتاب ثلاثة آلاف، و ألف واحد من سائر الخدمة. ثم أوصلنا كبیرهم إلی كبیر مطبعة سكة الكاغد ، و هكذا شأنه لا یجاوز أحد منهم محل خدمته و شغله إلی محل غیره، فوجدنا مكینات تدور و صبیانا دون بلوغ یقابلون ناعورة الطبع، و كیفیتها إن هذه الناعورة كقطعة من ساریة تدور منصوبة موازیة لسطح الأرض، و تحتها شی‌ء كالثوب مربع مقبوض من الطرفین إلی جهة السقف، و بدوران هذه الناعورة یتحرك هذا الثوب عن یمین الناعورة و عن یسارها، و قد جعل فی كل من طرفی هذا الثوب كالمحفظة التی یجعل الطلبة فیها كراریس الكاغد. و قد جلس صبیان عن یمین الناعورة و آخران عن یسارها. فأما اللذان عن یمینها فیأخذان ورقات الكاغد الذی لم یطبع، و یضعانه بیدیهما معا علی محل من الناعورة. و عند وضعه تخرج أربعة أصابع حدید تمسكه من یدیهما، و تدور به فإذا كانت الناعورة به فی غایة الانخفاض ترتفع من أسفلها لوحة حدید قد ركبت فیها حروف طبع تلك الورقة، فتماس تلك الورقة الممسوكة فتطبع و ترجع بها الناعورة إلی الصبیین اللذین كانا ركبا هذه الورقة، و عند وصولها إلیهما ترتفع عنها تلك الأصابع من الحدید، فیتركانها و یجعلانها فی تلك المحفظة التی فی طرف الثوب الذی من جهتهما، و یطویانها علی الورقة و یضعانها مع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 289
غیرها. هذا شغل هؤلاء الصبیان الأربعة لا یفترون عن هذا العمل، و الناعورة و ذلك الثوب یتحركان علی نسبة عملهم، فلاهم یتمون عملهم و یتربصونه علی تحركهما، و لا هما یسبقان الخدمة فی شی‌ء ما. فكلما فرغا من عمل وجدا عملا آخر مهیئا.
و لا یمكنهما الالتفات إلی شی‌ء أو التأنی فی الخدمة، لأنهما إذا تركا الخدمة نحو دقیقة واحدة و الناعورة تدور فتخبر المجانة التی هناك مع المكینة بعد دوران الناعورة اللازم عند مثله من الكاغد المطبوع، فیكون فی ذمة الكبیر، و قد رصدت عدة أدوار إحدی النواعیر فی الدقیقة الواحدة، فكانت ثلاثین دورا بثلاثین/ 242/ كاغدا.
و انظر كم فی الكاغد، فإنه من خمس ابرات إلی ملیون منها، فكیف یمكن خدمتها مع التأنی أو العبث، و حیث رءانی كبیرهم أرصد دوران بعض النواعیر و المجانة فی یدی، فأخبر أن هذه الدار یطبع فیها كل یوم ملیون من الابرة. و إن مثل ذلك یوجد من اللیبرة فی كل یوم. ثم خرجنا من هذا المحل إلی محل آخر فیه خزانات، بعضها فوق بعض أربع طبقات مملوءة كواغد مطبوعة. كل رزمة كأنها سفر ثمانی، غلظه نحو أصبعین و زیادة، فیه میلون من الابرة. و انظر كم عدد الملایین، هناك أوقفونا علی بعض الكواغد زورها علیهم بعض من الفرنصیص، و تداولها أناس بالدفع، و عند رجوعها لدار المطبعة تفطن لها الكتاب من جهة النمروس لا غیر، و ما عداه من النقش و الأرقام قالوا إنه أصف من عملهم، و حیث رجعت هذه الورقة المزورة لأیدی الكتاب، و وجدوا ذلك النمروس و التاریخ لا زال لم یخرج من الدار، أخبروا به، وجدوا فی طلب من زوره حتی وجدوه، و حكم علیه بالسجن ثلاثین عاما، و هذه الكواغد التی ترجع إلی هذه الدار، و یقبضون أصحابها بدلها ابرة عند احتیاجهم إلیها. تجمع و تجعل فی صنادیق و یختم علیها، و تبقی هناك خمس سنین مدفونة فی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 290
تلك الصنادیق لیلا یتوقف أحد علی شی‌ء منها، ثم بعد ذلك تحرف بمحضر الكتاب و الأمناء و یجمع رمادها و حرفها- و الله أعلم- و رقتین بل بعد ورقة لیمكن عد حرقها، و لأنهم أرونا بعض ورقات محروقة و هی مبسوطة بین ورقتین بل بین لوحتین، و الرقم لا زال ظاهرا فی الورقة بعد حرقها، و بعد حرق ما یحرق منها یجدد طبعه مرة أخری و هكذا .
ثم دخلنا إلی محل، آخر فیه اثنتان و ثلاثون طبلة عودا، علی كل طبلة مائة بارة ذهب كهیئة ابرة شكلا، إلا أن البارة أغلظ، كل ابرة علیها رقم میزانها، قیل تقطع ثمانمائة ابرة بإضافة بعضها إلی بعض، فیكون فیها ملیونان من الابرة و خمسمائة ألف و ستون ألفا من الابرة، و منها خناشی طول كل خنشة نحو ذراع غیر ربع، و عرضها ذراع، مملوءة نحو نصفها ابرة. و هی موضوعة/ 243/ بعضها فوق بعض، ذكر أنها وجدت ناقصة فی الوزن، و أنها بصدد الرجوع إلی الدار، ثم سرنا إلی محل آخر وجدنا فیه موازین الابرة، یجعلون الابرة فی جعبة منحدرة، و هی تنزل واحدة بعد واحدة علی صنجیة لطیفة مثل جرم دائرتها، فإذا كانت تامة الوزن خرج مسمار و ضربها فی حرفها فتنزل إلی ناحیة الیمین، و إذا كانت ناقصة خرج مسمار آخر من
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 291
جهة الیمین و ضربها فی حرفها و یدفعها إلی جهة الیسار، ثم تجمع هذه الابرة الناقصة و تجعل فی جعبة أخری و تصیر تنزل واحدة بعد واحدة، و كلما نزلت واحدة ضربها شاقور ضربة واحدة فیشقها إلی النصف، و بعد ذلك تجمع فی الخناشی و تزاد علی بارات الحدید، ثم اقتصرنا علی رؤیة تلك الأماكن من هذه الدار، و رجعنا و عند رجوعنا وجدونا كتاب وزیر الأمور البرانیة قد أتی به إلی الباشدور، یخبره بالنهوض إلی سلطانتهم.

النهوض للملاقات مع عظیمة دولتهم‌

فی الساعة التاسعة من یوم الخمیس المذكور، ركبنا فی بابور البر قاصدین الجزیرة التی هی فیها، و سافرنا فیه ثلاث ساعات، ثم ركبنا فی بابور فی البحر و سافر بنا ساعة و نصفها، و وصلنا إلی هذه الجزیرة التی تسمی بما معناه الجزیرة الخضراء فركبنا فی أكداش، و توجهت بنا إلی العرصة التی فیها دار سلطانتهم، فدخلنا إلیها و تقدم وزیر الأمور البرانیة إلی الدار و نحن فی أثره، فدخلنا من قبة إلی أخری حتی انتهینا إلی القبة التی فیها السلطانة، فتأخر وزیر الأمور البرانیة، و تقدم الباشدور مع الترجمان و كاتبه الأمین عن یمینه أی الباشدور، فأومأت أولا بالتحیة فردت علیها، ثم شرع الباشدور فی إملاء مخاطبتها بما یناسب المقام، و كان كتاب إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 292
مولانا الشریف بید كاتبه ملفوفا فی سبنیة بیضاء من حریر عمل الروم، فحین انتهی إلی ذكر الكتاب الشریف التفت إلی فناولته له، فرفعه لها، فتلقته منه بسرور و فرح، و حین تم مخاطبتها ترجم ذلك المترجم و هی مع ذلك مبتسمة و السرور یظهر فیها، و ما قصرت فی الترحیب و الفرح، ثم سألت الباشدور عن حال سیدنا أعزه الله، فأجابها بما یناسب، و بین لها أسماءنا و مراتبنا فأشارت بالترحیب ... .

صفة دار البلار و بعض ما رأیناه‌

/ 250/ ... الحدید، و حین دخلنا إلیها وجدنا فیها حوانیت و قببا مختلفة الأشكال، من العود لا من البلار، و حین توسطناها سألت عن طولها و عرضها بواسطة الترجمان، فأجاب بأنه قریب من خمسمائة یارضة ، و هی مربعة كما تقدم، و علوها من جهة زوایاها نحو اثنتی عشرة یارضة، و زید فی علو وسطها نحوت یارضات، و زید فی وسط هذا العلو الثانی نحو أربع یارضات، و جعل علیه قبو فصار كالقنوط، و امتد من الجهتین كذلك حتی تلاقی القبوان فی وسطها، فكان هذان
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 293
القبوان هما سقفها، و كل ذلك من البلار الغلیظ، بحیث جعل ألواحا ممسوكة بین قضبان الحدید كما تمسك ورقات الزاجة فی سراجم البیوت بین العود، لكن قضبان الحدید أرق و ألطف من دور تلك السراجم، و امتدت جدرانها و قببها علی هذا الوصف. و فی داخلها الأبنیة و الدرج و الطبقات من العود، فالطبقات مرفوعة علی قناطیر لطیفة أیضا من الحدید، و فی وسطها ریاض بجوانبه أشجار صغیرة و كبیرة و نخل صغیر ممتد مع طولها، و فی وسطه حوض مملوء ماء یدخل إلیه ما فاته من الرخام ممتدة من الریاض، یجعل وسطه أنصاف دوائر من الرخام خارجة عن تربیعة، و بطرفیه كذلك، و الماء الذی فی هذا الحوض أظن عمقه نحو شبر واحد، و قد رصفت فی وسطه و جوانبه محابیق فیها نبات، و وضعت فی الماء غیر أنه أی الماء لا یصل إلی النبات، منها ما فیه ألوان النوار، و منها مالا نوار له.
ثم صعدنا إلی طبقة منها فدخلنا إلی قبة سقفها من البلار مبنی كما ذكر، و أما جدرانها فكلها جلدت بمرءات كبیرة یجعلون فیها التصاویر. طول هذه القبة نحو نصف طول الدار، و عرضها نحو اثنی عشر ذراعا، و كلها امتدت بالتصاویر التی تری من البعد كأنها أجسام، و حیث تقرب منها تجدها رفعا من كاغد- و الله أعلم- بالألوان/ 251/ و من هذه الصور صورة امرأة جالسة علی شیلیة، و شمعة فی حسكة توقد بقربها، و لهب الإیقاد علی لون لهب الشمعة حین توقد، و هی قریبة من وجهها لكنها التفتت إلی امرأة أخری كأنها تشد رأسها، فبقی ضوء تلك الشمعة مقابلا لخدها الأیسر، فصار منیرا كأنه تلك الشمعة، و امتد ظل أنفها إلی جهة حاجبها الأیمن، و هناك تصاویر تمثال حربهم مع بعض الأجناس و كیفیة قتالهم إلی غیر ذلك من التصاویر العجیبة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 294
ثم نزلنا منها فخرجنا فی ذلك الریاض المتقدم ذكره، و وجدنا فی بعض حیاضه صور عبید، أجسام واقفة عراة عدا طرف من عمامة أدیر علی سوءاتهم و بأیدیهم مزاریق یقاتلون بها. و فی حوض آخر صور أناس من الهند سمر الألوان، و فی حوض آخر صور أناس من المار كان عراة، كما ذكر یحكون بذلك كیفیة قتالهم، و فی وسطه خصة من البلار كرسیها أسفل مستدیر ، قطر دوره نحو ذراعین، و یری فی دوره تفریج فی ذات البلار داخلا و خارجا، ارتفاع هذا الكرسی نحو ذراعین، و فوقه خصة بلار، دورها أزید من ثلاثة أذرع، بینها و بین الكرسی فی العلو مقدار ذراع و نصف من جعبة بلار، و فوقها خصة أخری دونها، بنهما جعبة فیه، لكنها أی هذه الخصة ركبت فی الجعبة مقلوبة، فصار مقعرها من جهة الخصة التی أسفلها، و محدبها إلی فوق، ثم جعل فوق محدبها خصة أصغر منها لاصقة بمحدب الأخری، و جعل فوق هذه خصة أصغر، بینهما جعبة بلار نحو ذراع فی رأی العین، و جعل فی وسطها الجعبة التی یخرج منها الماء، إلا أن فی رأسها ثقبا ذات انحراف إلی الجوانب و الله أعلم، بدلیل خروج الماء علی سموت مختلفة، و عند بلوغه غایة الارتفاع ینحدر إلی تلك الخصص مستدیرا كأنه صورة ثریة معكوسة. ثم صاروا بنا إلی كوات فی الجدران، و هی ألواح من البلار، فی أحدها صورة بابور البر الصغیر، طوله نحو أربعة أصابیع، و وراءه عربات متصلة/ 252/ به، لكنه یسیر حتی یرمی إلیه شی‌ء من الدراهم من فرجة بخد الكوة، فإذا رمی إلیه شی‌ء منها ینزل بجهد علی النقشة التی توقفه، فیسرح للتحرك فیری كأنه مسافر یجر العربات وراءه، و لا تری تلك النقشة و لا شی‌ء من آلة الحركة، لأن ذلك كله عجیب، و إنما یری البابور و العربات، فی كوة أخری صور أناس راكبین علی الخیل، و هم صفوف بعضها فوق بعض، و لا یمشون حتی یرمی إلیهم شی‌ء من الدراهم.
ثم صعدوا بنا إلی قبة مستدیرة من عود، دورها أقل من دور الطراحیة، و علوها إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 295
نحو ستة أذرع، و فی وسطها دائرة من عود، ارتفاعها نحو ذراع و نصف، بین محیطها و محیط هذه القبیبة نحو ذراعین، و هذه الدائرة الوسطی مغطاة بكاغد، و عند دخولنا إلیها سد بابها فصارت مظلمة شیئا ما، ثم أخذ بعضهم یحرك ذلك الكاغد، فظهر فیه خیال صور أناس یمشون، و هذه الصور ظلال لا غیر، و هی صغار طولها نحو أربعة أصابع، و هی تمشی إلی جهات، و بعضهم حامل شیئا فوق رأسه، و آخر یجری و ظلال سناجق تخفق بها الریاح، و كنا نظن أن تلك الظلال ظلال من یمشی أسفلنا فی هذه الدار، لكن رأینا فی بعض الظلال صورة دخان فابریكة یتصاعد، و لم یكن فی هذه الدار فابریكة، و كانت تلك السناجق خارجة عن الدار. و عند خروجنا التفت إلی سقف هذه القبیبة فرأیت فی وسطه قبیبة صغیرة من البلار كهیئة المكب الصغیر، فتخیل لی أن شعاع الشمس حین یمر بها و یتصل بمن یمشی علی الأرض یحكی صورته فی ذلك الكاغد بسبب الطلاء الذی فیه و الزاجة التی أسفله و الله أعلم.

مثال جامع قرطبة

ثم دخلنا إلی صحن كأنه صحن مسجد مربع نحو ثلاثین خطوة طولا و أربع و عشرین عرضا فی وسطه صهریج مربع حافاته بالرخام، و غرقه نحو شبرین، و أرضه فرشت بالمربع الملون، و مثلثاته. و فی وسط حافاته المستطیلة/ 253/ من جهة مدخل إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 296
القبة الآتی ذكرها ساریتان من رخام مربعتان رقیقتان نحو نصف ذراع أو أقل، و طولهما نحو ذراعین. و بینهما نحو ذراعین كذلك. و مد علیهما ساریة أخری مثلهما من رخام، فی وسطها أنبوب رقیق یخرج منه الماء إلی ذلك الصهریج، و علی هذا الصحن قبة بلار أیضا، و هذا الصحن یحیط به بیوت صغیرة كالبنادیق كأنها مدرسة، ثم یقابل هذا الصحن قبة مربعة بینهما مدخل مربع، سقفهما من العود سقف سما، و القبة مربعة نحو خمسة و عشرین ذراعا طولا و عرضا، و مع ذلك فیها ثلاث صفوف سواری رخام، فی كل صف سبع سوار.
ثم خرجنا من هذا الصحن إلی صحن آخر مربع، فیه نبحان متقابلان، فی كل نبح أربع سوار مذهبة. اثنتان حیطیتان و ثنتان فی الوسط علیها ثلاث قسی مورقة توریقا بدیعا مموها ذهبا، و بجدرانه حیطی من الزلایج كزلیج فاس، إلا أن ألوان زلیج فاس أفضل من تلك الألوان، طول هذا الحیطی نحو أربعة أذرع، و الجداران الباقیان اللذان لا نبح قدامهما بنی فیها أبواب، علیها قسی ذات الشوكة كالحنایة فی بیوت الغرب، و قد بنی ما فوق قوسها بالمقربس الرقیق البدیع، و عمر بالتذهیب و الزنجفور، و جعل داخل كل باب فی وسطه ساریتان، علیهما ثلاث قسی فوقها المقربس كذلك إلی تلك الحنایة. و فی هذا الجدار الخارجی ثلاث حنایات علی هذه الصفة، بین كل ثنتین مقدار ستة أذرع، فقد نقش فیها كنقش الجباصة، مثل مدارس فاس و قبب دور المخزن، و كتب فیها بقلم عربی «لا غالب إلا الله» بین النقش و التوریق، و امتدت الجدران كذلك طولا و علوا، و عمر هذا النقش بالتذهیب و الزنجفور، و جعل متصلا بهذا الصحن قبة مربعة نحو اثنی عشر ذراعا طولا و عرضا، و قبتها مستدیرة شكل نصف بیضة بالمقربس الرفیع المموه كما ذكر، و جداراتها نقشت نقش الجبص كما تقدم. و كتب فیها اسم الجلالة دائرة مع الجدران طولا و علوا، هذه/ 254/ القبة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 297
محترمة عندهم لا یدخلها أحد، علی بابها مجدول حریر ممتد بین خدی مدخلها علامة علی عدم الدخول إلیها.
ثم خرجنا منه فوجدت الباشدور تقدم مع بعض الرفقاء، و عند خروجی التفت فوجدت جدار هذا المسجد امتداده نحو مائة خطوة، و قد نقش الجبص و التمویه كما ذكر، فبینما أنا أتأمل ذلك و أقید ما أراه إذ قدم علی ثلاثة أناس علی رؤوسهم طرابیش حمر، و بقیة لباسهم كلباس الروم. فحیوا بالسلام بلسان فصیح، فرددت علیهم و سألتهم من أی بلدهم، فقال أحدهم إنه مراكشی و قال الآخران إنهما من سوس الأقصی، فقلت و ما تفعلون هاهنا فقالوا قد ألقت بهم الأقدار إلی هذه الدیار، و أنهم حین سمعوا بباشدور الغرب بباریس كانوا عزموا علی القدوم علیه بقصد صلة الرحم معه، فقیل لهم إنه بصدد القدوم إلی اللوندریز، و أن هذا الیوم عندهم كعید من أعیادهم حین منّ الله علیهم برؤیة الباشدور و أصحابه، و فهمت من حالهم أنهم یقصدون و یأملون منه المواساة، حیث سمعوا به یواسی الفقراء فی كل بلد، فقلت لهم سوف نخبره بحالكم بحول الله فسروا بذلك، ثم ودعتهم.

الرجل الذی یغوص بصهریج الماء و كشف الحیلة فی ذلك‌

و لحقت بالباشدور، فوجدتهم داخلین لبیت صغیر فیه صهریج من عود كالصندوق، طوله أزید من قامتین، و علوه كذلك، و عرضه أزید من قامة، و هو مملوء ماء، و فی وسط غاربه أی عرضه كوة علیها ورقة بلار قد سدت بها، و رأینا رجلا واقفا فی وسط الماء و الماء فوقه بأزید من قامة أخری، و هو لابس كبوطا و سروالا لعلهما
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 298
من جلد، و رأسه مغطی كقب الجلابة الرباطیة لأنهم یجعلونه قصیرا لنیة هناك، بخلاف السلویین لأن بعضهم یجعل قب الجلابة مستطیلا للمناسبة أیضا، و إنما استطرد هذا هنا لأنهم ینكثون علی أصحاب القب الطویل، و علی وجه ذلك الرجل زاجة محیطة بحواشی قب ذلك الكبوط، و لا یری من ذات هذا الرجل إلا وجهه و یداه من مبدأ الكف، و كان قابضا لوحا من حجر بیده الیسری، و فی الیمن قلم و هو یكتب فیه، فلما فرغ من الكتابة أدار تلك اللوح و أرانا ما كان یكتبه فیه، فقرأه الترجمان/ 255/ فقال إنه یقول مرحبا بكم هذا یوم مبارك. ثم صعدنا إلی فوق هذا البیت حتی وصلنا إلی سطحه فوجدنا ذلك الصهریج فی وسط السطح، و طلع ذلك الرجل الذی كان راسیا فی الماء، و بقی علی وجه الماء فأتی صبی و فك الزاجة التی كانت علی وجهه محیطة بحاشیة قب الكبوط، فوجدنا فی وسط القب مصرانة لعلها من ثوب القلاع طویلة، و أخری فی قفاه، بحیث یرسب فی الماء یكون ولد فوق السطح قابضا یدا من حدید یرفعها و یخفضها فینشأ من ذلك ریح یسری فی المصرانتین و یصل إلی وجه الرجل الراسب فی الماء . و انظر من أین یخرج ذلك الریح، إلا أننا نری أثر التنفس فی الماء حین رسوبه كما یفعله العوامة عند رسوبهم فی الصهاریج، فیتنفسون و یظهر أثر ذلك فیعلم منه الموضع الذی هم فیه، ثم إن هذا الرجل دفع له كاغد الدخان المعروف عندهم بكارو، فقبضه بفیه، و سد علی وجهه بتلك الزاجة، و رسب فی الماء و هو یشرب ذلك الدخان، و لعله یظهر بذلك أن الماء لا یدخل إلیه، و لا یبعد أن یكون فی محل من كسوته التی هو لابسها ثقبة ضیقة یخرج منها الریح الذی یدخل فی تلك المصرانتین، لأنه إذا استمر الریح خارجا خروجا قویا فإنه یدفع الماء و لا یدعه یدخل للكسوة، بدلیل ظهور أثر التنفس، و طول المكث فی الرسوب و بهذا العمل- و الله أعلم- یصطادون المرجان و اللؤلؤ من قعر بحارها.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 299
ثم خرجنا منه و أوتی بنا إلی بیت مظلم بنی بجدرانه صنادیق زاج ملئت بماء البحر، و فی أرضها الرمل و الصم الصغیر ، و فی جوانبه الثلاثة حجر لعل به طینا كحجر البحر، و الحوت فی هذه الصنادیق علی اختلاف أشكاله و ألوانه، و هو یتوالد هناك، و فی بعضها عكریشة كبیرة تقرب من جرم الحمامة، لها عشرة أرجل طوال رقاق، و فی رأسها أربعة قرون طوال كذلك، و لها ذنب ذو قفی ینثنی و ینبسط، و فی صندوق آخر رطالات ذات الذوانب لاصقة بالحجر، تمص فیه علی عادتها، ثم ألقی إلیها من فوق الماء عكریشة صغیرة من التی تكون بالشاطئ فالتقمتها و أكلتها فرأتها رطالات أخر تخرج من الحجر فألقی إلیها عكریشات أخر فالتقمتها كذلك.
و هذا الماء الذی یدخل إلی/ 256/ الصنادیق یدخل إلیه الهواء من سطح الماء الأعلی، و یری أثر دخوله فی وسط الماء، قیل أنه سبب حیاة الحوت هناك، و فی بعض الصنادیق المملوءة بهذا الماء فی قعرها حجر من حجر البحر، ینبت فیه المرجان، أتی به من قعر البحر بحجره، و جعله فی ذلك الصندوق، و قیل إن المرجان یكبر هناك و یقطع، و نحن رأینا كرؤوس المرجان لاصقة بذلك الحجر لا غیر.

طیاطرو دار البلار و لعبة الأفیال فیه‌

ثم أوتی بنا إلی طیاطروا فی إحدی جهات هذه الدار، فی وسطه دائرة، أرضها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 300
تراب، قطرها نحو عشرین خطوة، أحاط بها سور من عود، علوه یزید علی ذراع واحد، ثم أحاطت به الشوالی متوالیة الدوائر، كل دائرة أعظم مما تحتها و أعلی منها لیمكن الاستشراف، و بقی بعد ذلك السور و الدائرة الأولی من الشوالی، و عدد دوائر الشوالی المتصاعدة اثنتا عشرة دائرة و الله أعلم، متفاضلة فی العدد كتفاضلها فی الكبر، ثم بنیت بیوت من عود محیطة بدائرة الشوالی العظمی، كل بیت یسع أربع شوالی أو ست، و الشوالی و البیوت كلها مبطنة بتوب الموبر الأحمر، ثم جعلت بیوت فوق تلك البیوت و أخری فوقها، و هكذا حتی صارت خمس طبقات من البیوت، بعضها فوق بعض، ثم جعلت قبة من البلار علی الطبقة الفوقیة، قناطیرها رقیقة لطیفة من الحدید، و عند دخولنا هذا الطیاطروا أنزلونا ببیت متسع غایة بالطبقة الأولی قریب من محل لعبهم، و وجدنا جل تلك البیوت و الشوالی الأرضیة عامرة، علی كل شیلیة منها رجل و امرأة ثم جعلوا فی وسط تلك الدائرة التی وسطها تراب مضربة، حشوها بتبن و الله أعلم. و نصبوا خشبة خارجة عن دائرة العود بنحو ذراع، مرتفعة عن الأرض بنحو ذراعین، و نصبت ألواح من عود امتدت منها إلی الأرض بنحو ثلاثین خطوة، ثم أتی أناس نحو اثنی عشر رجلا، كل واحد منهم یجری فوق تلك الألواح، و عند وصوله إلی الخشبة المنصوبة یقفز منها و یرتفع فی الهواء و یتقلب و ینزل واقفا فی وسط تلك المضربة، و هم متتابعون فی الجری و الانقلاب، و تكرر عملهم هكذا، ثم أتوا بفرسین و أوقفوهما فی الأرض الترابیة بین المضربة و سور العود.
ثم أتوا یعدون و قفزوا فوقها متقلبین و كل واحد ینزل واقفا علی المضربة، ثم أتوا بفرس ثالث و قرن مع الآخرین، و وقف/ 257/ رجلان فوقها، كل واحد منهما جعل إحدی رجلیه علی شق ظهر فرس و الأخری علی شق الفرس الذی فی الوسط و قبضا بیدیهما علی عناق الخیل كهیئة الراكع حیث یهوی إلی السجود، ثم قفز أولائك الناس فوق الرجلین اللذین فوق الخیل، و تقلبوا واقعین علی المضربة، ثم جاء رجل ثالث و وقف علی ظهری الرجلین اللذین فوق الخیل علی هیئتهم و قفزوا فوقه كذلك، ثم نزلوا و أتی بفرسین آخرین و قرنا مع الثلاثة الأخیرة فصارت خمسة و انقلبوا فوقها كذلك، و لم یزالوا یزیدون فرسین بعد فرسین حتی صارت تسعة من الخیل مصطفة بین المضربة و سور العود، و انقلب كل واحد منهم علیها و نزل واقفا علی المضربة، و منهم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 301
الرجال الثلاثة الذین لقیتهم عند خروجی من مثال جامع غرناطة. و ذكروا أن أحدهم مراكشی و الآخران من سوس و هما- و الله أعلم- ممن تقدمت لهما الخدمة مع أولاد سیدی أحمد و موسی نفع الله به، ثم ردوا تلك الخیل إلی محلها و صاروا یتقلبون من الخشبة كأول مرة، فأتی رجل منهم و قفز قفزة عظیمة فی الهواء و انقلب مرتین فی الهواء و نزل واقفا، فصار أولائك الناس المتفرجون یصفقون بأیدیهم جمیعا یستحسنون بذلك عمله علی عادتهم. ثم أتوا بالخیل و صاروا یلفون بها كما تقدم فی بعض وصف طیاطروا باریس. و هؤلاء الأناس الذین كانوا یلعبون بالقفز علی الخیل، علی كل واحد منهم سروال من ثوب خفیف ساتر قدمه كهیئة التقاشر حتی تجاوز سرته أو كان بها لاصقا علی جسمه، و علی صورة كبوط صغیر لاصق علی صدره و ظهره، و رأسه مكشوف علته- و الله أعلم- الإعانة علی خفة حركته بذلك، لأنهم لو كانت لهم ثیاب وافرة لتخللها الهواء عند جریهم و انقلابهم فتثقل بذلك حركاتهم، لأن الهواء المتولد من ذلك یكون عاسكا لهم، ثم إنهم أتوا ببسطیلیات و هی فی عرف العدوتین أنصاف البرامیل الكبار، و وضعوها داخل الدائرة مقلوبة علی الأرض، و أتوا بأفیال كبار و صاروا یلعبون بها لعبا عجیبا، حتی أن الأفیال ترقص علی الأرض و تحادی برقصها نقط أصحاب الموسیقی و تقف فوق تلك البسطیلیات و تجمع یدیها و رجلیها فوقها مع صغر قعر البسطیلیة، و تدور فوقها، و لم یكتفوا بهذا بل جعلوا بسطیلیات صغیرة فوق الكبیرة مقبوضة علیها بمسامیر و طلع الأفیال/ 258/ فوق البسطیلیات الصغیرة و رقصوا فوقها كذلك، و كلما تكلم معها بكلام تفهمه و تمثله، حتی إن فیلا منها وقف علی یدیه و رأسه و رفع رجلیه و هو یصیح كأنه یطلب الإعفاء من تلك المشقة، ثم ربضت إلی محلها و أتوا بفیل عظیم، و صار یلعب كلعب الأفیال
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 302
التی انصرفت، و بقی معه نصرانی واحد فی تلك الدائرة، فعندما یرید الركوب علیه یكفه فیحنی له زلومه فیقف فوقه ثم یرفعه الفیل فیقفز النصرانی و ینزل علی ظهر الفیل، ثم نزل و كلمه و فتح فاه و أدخل النصرانی رأسه فیه و بقی هنیئة و أخرجه ثم كلمه أیضا فلوی زلومه علی النصرانی و حمله، و خرج به.

لعبة الكلاب و وصف الریاض المجاور لها

ثم أتوا بشوالی صغیرة خمس وضعت داخل الدائرة الوسطیمع بعض محیطها، و جعل و سادتان صغیرتان بطرفی صف تلك الشوالی، و أتوا بكلاب صغیرة و أدخلوا لتلك الدائرة كلبا بعد كلب، و كل واحد منهم طلع لشیلیة و وقف علیها، ثم أتت بنت صغیرة و صارت تكلمهم. فنزل الأول من الشیلیة الأولی و صار یجری و ینقلب، و تارة یقف علی رجلیه فقط و یجری علیهما، ثم رجع إلی شیلیة و نزل الذی یلیه و فعل كمثله و رجع لمحله، و نزل الثالث و هكذا حتی لعب هؤلاء الخمسة، فنزل كلب أصغر منها كان فوق الوسادة الطرفیة التی من جهة الكلب الذی تقدم للعب و فعل مثل فعلهم و رجع لمحله، ثم أتت تلك البنت بقنبة و قبضت طرفها بیدها و نزل كلب و قبض الطرف الآخر بفیه و صارت ترفع طرف القنبة و تضعه، و الكلب متابع لعملها، و أتی كلب آخر و وقف بینهما و القنبة تدور علیه، و عند نزولها للأرض یقفز و تخرج من تحته، و تكرر عملهم كذلك، و هذا نزر یسیر من بعض أوصاف هذا الطیاطرو و لعب أصحابه، ففیه كفایة للمتطلع لأخباره.
ثم خرجنا منه و صعدنا إلی طبقة مشرفة علی ریاض أنیقة فیها أنوار عجیبة، ذات
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 303
ألوان و أشكال، مع التناسب و حسن الوضع، و امتد هذا الریاض مع امتداد طول دار البلار، و هو خارج عنها و أدیر بدربوز حدید فیه قضبان منه محددة الرؤوس كهیئة الحربة،/ 259/ ثم جلسنا علی الشوالی قبالة دربوز هذه الطبقة، و بقینا مستشرفین علی ذلك الریاض و علی ما قابلنا من مدینة اللوندیرز، و بساتینها و أنهارها، ثم أناس یلعبون علی الخیل بین الریاض و جدار الدار، و كل واحد منهم واقف علی فرسین كل رجل من رجلیه علی ظهر فرس، و الیدان بلجامها و هی تجری بهم علی كیفیة المسابقة، لكنهم یتقدمهم رجل راكب علی فرسین كما ذكر و یتبعه آخر كذلك و هكذا، و یبتدءون المسابقة من محل معلوم عندهم، و یدورون حول ذلك الریاض حتی یعودوا إلیه. و هذه الخیل من الخیل المعلمة عندهم، لأنها تعرف المراد منها حین یشار إلیها أو یكلمها بشی‌ء، كما كانت تسیر سیر العسكر فی الطیاطرو و غیر ذلك من الأعمال، فلذلك لا یتباعد الفرسان عند جریهما حالة ركوب الرجل الواحد علیهما معا، و جریهما إذ ذاك جری متوسط بخلاف المسابقة حیث یكون كل رجل راكبا فرسا واحدا. ثم خرجت خیل أخری یركبها بنات، كل واحدة علی فرس، و صرن یتسابقن و هن واقفات علی ظهور الخیل، و تكررت مسابقتهن كذلك وقوفا و جلوسا، و كانت هذه الفرجات خاتمة العجائب التی شاهدناها بدار البلاد، و إنما رأینا منها شیئا لا نسبة له باعتبار ما فیها و ما یكون فیها من العجائب و الغرائب فی كل یوم خمیس، و نحن لم یتیسر لنا الذهاب إلیها فی ذلك الیوم لأننا توجهنا فیه للملاقاة مع السلطانة. و كان قصد الترجمان الذی مع الباشدور التأنی لخمیس آخر لتكمل الفرجة، و لم یكن الغرض فی الفرجة و لكن فی هیئة الدار و كیفیتها فقط،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 304
ثم رجعنا إلی محل النزول و بینه و بین دار البلار مسیر ساعة تامة فی الأكداش سیرا سریعا.

التوجه إلی مدینة ولت لرؤیة دار بها

و فی یوم الاثنین التاسع من رجب ، توجهنا عن إذن السلطانة لدارها فی مدینة ولت بالتاء المعجمة فی بابور البر، بینها و بین محل نزولنا بل المحل الذی ركبنا منه فی البابور نحو ساعة واحدة، هذه الدار هی فی قصبة محیطة بالأبراج علی رأس ربوة، و عند وصولنا إلیها خرج إلینا المكلف بها ففرح غایة/ 260/ الفرح، و أخبر عن لسان الترجمان أن هذه الدار غیر مفرشة ، لأن سلطانة الدولة مسافرة، فدخلنا لاسطوانها و وجدنا فیه صفین من الشوالی، طوله نحو خمسین خطوة، و عرضه نحو خمس عشرة خطوة و مدخله من وسطه، و سقفه سقف سما. و كذلك القبب الآتی ذكرها، كلها سقفها سقق سما، إلا أنها مختلفة الأشكال، ثم صعدنا فی درج عن یسار الباب، ینتهی الاسطوان إلی قبة مربعة فیها صورة امرأة علی شیلیة، و فیها إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 305
مدفع علی كریطته قیل من مدافع الهند، ثم قبة ثانیة طولها نحو أربعین خطوة، و العرض نحو خمس عشرة، و كذلك بقیة القبب لونها متقاربة، قد علقت بجدرانها مكاحیل و سیوف، و الثالثة فیها مدفعان أصفران و قطعة من صاری قطر دوره أزید من ذراع، فی وسطه ثقبة نافدة فی وسطه من الجهتین بكرة، قیل أصابته كرة حین قتالهم مع الفرنصیص، ثم الرابعة و الخامسة فیهما شوالی مغشاة، السادسة فی جدرانها مرءاة التصاویر، و جدرانها مجلدة بالكمخة، و فیها ستة سراجم بالزاج طوال، یشرف منها لی المشور. و السابعة مثلها فی سقفها ترابیع مثمنة بقضبان مذهبة، و فی وسطها ثریة بلار مغشاة. الثامنة فیها خزانات الكتب المذهبة، امتدت الخزانات مع جدرانها طولا و عرضا منتهیة إلی السقف، و فیها شوالی مبطنة بالجلد الأحمر، و فی وسطها كورتان كبیرتان أرضیة و فلكیة، التاسعة مثلها بالكتب، فی وسطها خزانتان بالزاج منتهیتان إلی السقف مملوءتان كتبا، العاشرة فی وسطها خزانات ثلاث إلی السقف بالكتب. و هی مربعة صغیرة نحو سبعة أذرع طولا و عرضا كذلك. و فی سقفها خواتیم و دوائر بالتذهیب و فی تربیع، منها نصف دائرة فیه سراجم أربعة كبار مشرفة علی المدینة، و فیها كناش فیه صور ما یرونه فی جرم القمر، كل من/ 261/ رأی فیه شیئا من الصور بالمرءاة المعدة لذلك أثبت فی ذلك الكناش، حتی أنهم ذكورا أنه رأی فی جرم القمر عالما مثل عالم الأرض، ثم خمس قبب كبیرة متوالیة جدرانها بالكمخة، فی بعضها ثریات، و فی بعضها سراجم مشرفة، فی كل واحد شوالی و موائد مغطاة، و القبة الخامسة عشرة طولها نحو أربعین خطوة، و العرض نحو خمس و عشرین سقفها سقف سما، به تكفیف كبیر، و سبانی تحته بتوریق الذهب، و فی وسط السقف خمس تربیعات، فی وسط كل تربیعة جبانة عظیمة من البلار معلقة فی الوسط، ذات شراریف قطرها نحو ذراعین و نصف، و قد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 306
خرج من الشراریف من داخلها قضبان بلار طوال إلی نحو السقف، و هی أی الجبانات مورقة توریقا أنیقا لا تذهیب فیه، و فی أعلا الجدران سراجم طوال انتهت إلی السقف، فی كل جدار خمسة و عشرون سرجما، بلارها بالألوان، و قناطیر السقف و سواریه المحیطیة مورقة و مذهبة، و تربیعات السقف التی فی وسطها الجبانات صبغت علجاء، و رقعت نجوما تذهیبا ذ قیل بنیت هذه القبة عندما غلبهم الفرنصیص سابقاذ، السادسة عشرة طولها نحو خمسین خطوة. سقفها كظهر حمار علی قناطیر، ثلاث طولا و أربع عشر عرضا، و التربیعات المتقاطعة بالسقف فی وسطها، كمثال سناجیق الأجناس بالألوان و التذهیب، و فی وسطها طبلة طویلة و أخر صغیرة، ثم الجامع قبته كهیئة الطست مورقة بالتذهیب، و فی وسط جداره سراجم بالبلار الملون، و الثامنة عشرة سقفها مربع الطول، و زیادة أنصاف دوائر من جهة الیمین فقط، فیه أی الجدار الیمین عشرة سراجم مشرفة، و جدرانها علیها ستور، و التسعة عشرة مربعة، فی كل ربع من ثلاثة أرباعها أبواب ثلاث من الزاج، و الربع الرابع مشرف فیه ستة أبواب بالزاج مشرفة علی براح متسع غایة، فیه حیاض بألوان النوار، منها ما هو علی هیئة الزرابی مربع للطول، و منها ما هو مربع طوله كعرضه، و منها ما هو دوائر، و منها ما هو مربع مع أنصاف دوائر محیطة به. و قد غرست بالألوان، و روعی تناسبها و توریقها، كما تراعی نقامة الزرابی ذلك التناسب/ 262/ و تلك النوار إنما تعلو من الأرض بنحو شبر، مع تساویها فی الارتفاع، و ازدحام غرسها. فبذلك تكاد الزرابی تشببها، لأنها تشبه الزرابی، و بین كل حوض من هذه الحیاض طرق عریضة طویلة، فیها نبات أخضر یانع، قصیر القامة، و فی وسط ذلك البراح خصة كبیرة یحیط بها حوض مستدیر، دائرته رخام، یبقی الماء جاریا فیه. ثم القبة العشرین مستدیرة الشكل محیطة بالسراجم. ثم خرجنا منها إلی اسطوان إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 307
عرضه نحو خمسة أذرع، و طوله یزید علی مائة خطوة، فی جداریه دكاكین علیها أبواب الزاج، و بداخلها العدة معلقة داخل تلك الدكاكین، و فی بعض الدكاكین شیلیة ذهب مكللة بالدرر، كانت للسلطان فاندی بالهند سنة 1815 م، و سیف غمده مكلل بأحجار الدیامنظ ثم الواحدة و العشرون مربعة، فیها شوالی و كنابیس مذهبة مبطنة بالحریر الأخضر، و هی مغطاة، لكن كشف عن إحداها، و بها سراجم مشرفة علی تلك الحیاض المذكورة، ثم الثانیة و العشرون فی وسطها ثریا مشرفة علیه أیضا، ثم الثالثة و العشرون صغیرة مربعة نحو خمسة بل عشرة أذرع طولا و مثلها عرضا، فیها صورتا آدمیین من رخام أبیض واقفین علی كرسی رخام، أحدهما قابض علی ید الآخر، قد التفت كل منهما بوجهه إلی الآخر، ثم اسطوان آخر كالاسطوان المذكور لكنه انعطف یمینا مرتین فصار فیه اسطوانات ثلاث، فی طول كل واحد نحو مائة خطوة، و فیه سراجم مشرفة، و فی جدراته مرءاة التصاویر، و فی الثالث سراجم اثنا عشر، بین كل سرجمین موائد من المرمر مرفوعة علی أعمدة، منه متصلة بالجدار، و فیه قبتان صغیرتان، فی كل واحدة منهما فراش بوسادته، قیل ذلك لخدمة السلطانة و متعلماتها، ثم كنیسة فیها ثلاثة بلاطات، و سقفها ظهر حمار فیها سبعة أقواس مقابلة لمثلها، و سبع سوار مقابلة لمثلها، و السواری مربعة، و زید فی كل ربع من أرباعها ساریة مربعة أصغر من الأصلیة، فصارت فی الحقیقة خمس سوار، واحدة كبرة وسطها، و الأربعة فی أرباعها، و هی من المرمر الرفیع، قد نقش فیها تكافیف داخلة و بارزة، و الجدار المشرف علی الفضاء فیه سراجم بالبلار الملون، ثم كنیسة أخری مثلها، غیر أنها لیس فیها سراجم، و فیها أسرة عود، علی/ 263/ كل سریر كتاب صغیر. ثم قبة أخری مستطیلة، أرضها مزلجة بألوان المرمر ذی النقش العجیب و الشكل الغریب، محیطة بشوالی من المرمر، فی الجدارین الطویلین أقواس من البلار الملون. و سقفها مقبی مستدیر بقطعتین دائرتین كالدائرة المشوكة، و یخرج من رأس سوار هذه القبة قضبان حدید مذهبة كهیئة قطع من دوائر تتقاطع فی سقف إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 308
تلك القبة، و بین التقاطع توریق مذهب، و یقرب الجدارین المذكورین قبب من عود، طول كل واحدة نحو خمسة أذرع، و العرض نحو ذراع و نصف، منصوبة واقفة بعضها قرب بعض. و قد بذل النجار فیها غایة مجهوده فی التوریق و اللطافة و التجویف، حتی صیر كل واحدة كأنها شمعة من الشمعات التی تعلق فی أضرحة الصالحین، و تحت السراجم المذكورة تربیعات فیها تصاویر. و فی هذه القبة قبر زوجها أی سلطانة الدولة، و قد توفی قبل بنحو ثمانیة أعوان كما قیل، و حزنت علیه حزنا عظیما حتی أنها لم تتلاق بأحد بعد وفاته مدة من عامین. ثم خرجنا و رجعنا إلی محل نزولنا باللوندریز.

التوجه إلی مدینة و نزه‌

و فی یوم الثلاثاء عاشر رجب ، توجهنا عن إذن سلطانة الدولة لمدینة و ینزه، فیها فابریكات تصنع المدافع و الكراریط و الكور و غیر ذلك من آلة الحرب. و عند
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 309
وصولنا إلیها دخلنا إلی حزین فیه كراریط عظام، قطر دور خزنة مدافعها سبعة أشبار و زیادة، و فیه فلك مرفوعة فوق كراریس معدة لعبر الأودیة فی أیام الحرب، و كروصة خاصة بالحداد الذی یكون معهم فی الحركة، و كراریس فیها نواعیر و السلك ملتو علیها یرسلونه فی طریقهم فی الحركة و یتركونه وراءهم لیتكلموا به و یخبروا بما لهم، و كروصة فیها فراش المجاریح، فوقها غطاء من الكریة یقی المرضی من الحر و الریح و شبههما، مرفوع بجنبها سلم صغیر متقارب الدرج لأجل العرض. ثم دخلنا للمكینة فوجدنا قطعة من حدید مربعة الشكل، طولها نحو ذراعین و نصف، و عرضها كذلك. و سمكها نحو أربعة أذرع، و فی رأسها منقار محدد، و هی ترتفع و تنخفض، و یوضع تحتها بارة حدید غلظها نحو أصبعین، و الطول أكثر من شبر. و عند نزول ذلك المنقار علیها یشقها بسرعة كما یشق الخبز بالحدید. و یقرب هذا المنقار طرف حدید/ 264/ مستدیر غیر محدد بل مستوی الرأس و الأصل، غلظ دور رأسه نحو أصبعین، یوضع تحته تلك البارة فیخرقها خرقا مستویا بسهولة كما تخرق الثیاب بالابر. ثم وجدنا أناسا مقابلین لمكینة یصنع بها رویضات العود، و هناك مناشیر تشق لعود علی الوجه المقصود، و بعد شقه یركب أجزاء دور الرویضة فی مكینة أخری تملسه و تصیر أجزاء الدور مستویة فی الرقة و الغلظ، كأنها أفرغت فی القوالب، و كل جزء من أجزاء ذلك الدور یجعلون بأحد طرفیه ثقبة ببریمة تدخل فیه بسهولة، و یأخذون من طرفه الآخر بالمكینة علی كیفیة المخرطة، و یتركون فی وسطه قطعة مخروطة یمكن دخولها فی مثل ثقب البریمة فی الطرف الآخر، و عند تألفها أی أجزاء دور الرویضة یدخل المسمار من العود المخروط من كل جزء فی ثقب جزء آخر. ثم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 310
تصنع المكینة أجزاء أنصاف أقطار الرویضات، بعد نشرها تركب فیها و تلمسها، و تسقط زوایاها المربعة، و یصیر كل نصف قطر منها أحد رأسیه رقیق، و هی الرءوس التی تلتقی علی قطب الرویضة، و رؤوسها الأخر غلیظة. برؤوسها أیضا مسامیرة عود من ذاتها مخروطة، تدخل فی ثقب دور الرویضة و هی علی نسبة واحدة فی الغلظ و المرمة و الثقب، لأن فعل المكینة بها ما ذكر كالقالب لها، فلا یمكن أن تخرج جزءا ناقصا أو زائدا علی الآخر، و عندما یریدون تألیف الرویضات یأتون بأجزائها إلی دائرة فی الأرض أعظم بقلیل من دائرة الرویضة، و یجعلون أجزاء الرویضة داخل تلك الدائرة الأرضیة مماسة لها، و ینصبون أنصاف أقطارها داخلها، و یرسلون المكینة علی تلك الدائرة الأرضیة، لأنها من الحدید فتصیر تتضایق و تصغر، و بهذا العمل تلتئم أجزاء الدور، و یدخل مسامیر أحد أطرافه فی ثقب الأطراف الأخر، و كذلك تدخل مسامیر أنصاف الأقطار فی ثقب الدور، و تلتقی أطرافها الأخر علی قطب دور الرویضة، و یبقی فی الوسط ثقب مستدیر قطب الرویضة، ثم یرفعون هذه الرویضة من ذلك/ 265/ و ینقلونها لمحل آخر، و یضعونها فوق طبلة من حدید مستدیرة، و یخرجون من بیت النار بارة حدید مستدیرة تامة الدائرة، و یضعونها علی الرویضة بحیث تكون البارة محیطة بها ما بین مقعرها محدب الرویضة، فتلتهب نار بین الرویضة الباردة و الرویضة حتی كأنها كانت سقیت بالغاز أو شبهه، و یتركونها تلتهب كذلك نحو نصف دقیقة، ثم یحركون نقشة فتنحدر الطبلة التی فوقها الرویضة، و یعلوها الماء، فیطفئ لهب تلك النار، ثم یخرجونها و قد التأمت أجزاؤها بعضها علی بعض . هكذا شهدنا هذه الأعمال هناك.
ثم مررنا بمنشار ینشر أوراق الحدید، غلظها نحو بلكضة أو أزید، و ملاسة تملس ورقات الحدید. و وجدنا جنب كریطة مرفوعا بالبوجی، میزان مدفعها كما قیل خمسة و ثلاثون طنا، و الطن عشرون قنطارا، ثم وجدنا كریطة تامة، جنباها مثل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 311
الجنب المذكور، و طرفاها موضوعان علی بارتین من حدید كقطعتی دائرة، و رجلان لا غیر یدیرانها بمدفعها إلی الجهتین، و هذا المدفع عمارته قنطار و ثلاثون رطلا، و میزانه ثمانیة و ثلاثون طنا، و فورمته ثنتا عشرة بلكاضة و نصف، و میزان كورته ثمانیة قناطیر، و إذا رفع عشرة أدراج یرمی من خمسة آلاف یارضة إلی ستة آلاف، ثم خرجنا من هذا المحل.
و دخلنا إلی دار من الدیار المعتبرة عندهم. فوجدنا بها صالات أرضیة طولها نحو أربعین ذراعا، و العرض نحو خمسة عشر، فی وسطها مائدتان طویلتان محیطتان بالشوالی، سقفها سقف سما، محیط به تكفیف كبیر، تحته سبنیة، و كل ذلك مورق بالتذهیب، و فی الجدارین الطویلین أربع مرایا عظیمة، بین كل اثنتین فی أحد الجدارین صورة سلطانتهم. و فی الغارب أبواب طوال من الزاج، یشرف منها علی المدینة. و فی السقف ثلاث ثریات بلار، و بقرب هذا المحل دویرة صغیرة قد امتدت مصطفة مع أحد جدرانها، فوقها رخامة بیضاء، بنی فیها صلالیب رخام أو بدیع، فوق كل صلاب بزبوزان ینصب منهما الماء الحار و البارد عند الحاجة إلیه، و بقرب/ 266/ كل صلاب قالب صابون و زیوف بیضاء، و فوق هذه الدویرة بیوت الخلاء، فی كل بیت كرسی من العود، و أرضه مفرشة بالكاغد المورق، و فی سقفه زجاجة مربعة نحو ذراع و نصف طولا و عرضا، یدخل منها الضوء للبیت دون شعاع، و هذه الدار هی لبعض كبراء العسكر، و قد أكرمونا هناك، و أتوا بأنواع الحلواء و فواكه الوقت و القهوة.

الحیلة المستنبطة لتغریق المراكب فی البحر

ثم خرجنا منها إلی خزین، فوجدنا فیه قراطیس ، طول كل واحد ثلاثة أشبار، إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 312
و قطره شبر و نصف، مملوء بالضوبل المستدیر، قیل فی كل واحد ألفان من الضوبلی، ثم وجدنا فی خزین آخر مثل ساریة مجوفة محددة الرأسین، طولها نحو ستة أذرع، و فیها حوتة كحوتة الفلك التی تستقر علیها، و قد ملئ نحو ربعها بارودا، و ضوبلی من جهة رأسها المحدد المخروط، و باقیها فارغ، و بذنبها أریاش تسیر بها، قیل إنها ترسل فی البحر عند محاربتهم مع بعض الأجناس إلی البابور الذی یریدون رمیه بها بعمل هندسی، فتسیر فی داخل الماء قاصدة ذلك البابور لا تخطئه. و عند مصادمتها له یدخل رأسها فیه، فیشتعل ذلك البارود فی جوف البابور كأنه مینة، فیكون ذلك سبب هلاكه و هلاك من فیه، و لا یمكنهم من ذلك فرار، بل هناك قبرهم إلی دار القرار، هذا مع إرسال حوتة واحدة فكیف إذا أرسل منها عدد كثیر، و قیل هذا من مخترعات حكماء الأنجلیز التی لم یسبق إلیها، و أنها لیست موجودة عند غیره من الأجناس.

كیفیة خدمة الخفیف‌

ثم دخلنا إلی محل آخر یخدمون فیه الخفیف الذی یركب مع البارود فی عمارة المكاحیل، فوجدنا طناجیر عظیمة توقد النار تحتها و هی مملوءة خفیفا مذابا، و یرمی فیها بارات منه عظیمة فی تلط الطناجیر، و بأسفل كل طنجیر قادوس، یخرج/ 267/ منه الخفیف المذاب، و یجری فی ساقیة علی وجه الأرض، و یمر فی قوادیس من حدید، و ترتفع فی باطن طناجیر أخر قبالة تلك الطناجیر، غیر أنها مغطاة، و فی وسط الغطاء ثقب یخرج منه قضیب من الخفیف، فیمسكه رجل بیده، بعدما یجعل بیده خرقا من ثیاب، و یجذبه و یركبه فوق حرف ناعورة، و تأخذ تلك الناعورة فی الدوران، و ذلك القضیب یلتوی علی حرفها حتی یملأ حرفها المجوف، فترفع و یوتی بأخری
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 313
و هكذا. ثم تنقل هذه الناعورة التی ملئ حرفها بقضیب الخفیف، و تركب قرب مكینة أخری تقبض رأس ذلك القضیب، و تصیر تجذبه و ناعورته تدور دورانا خفیفا. و كلما مر منه مقدار خفیفة طولا ینزل علیه طرف حدید محدد یفصله من القضیب، و ینزل إلی الأرض. ثم یجمع ما ینزل منه إلی الأرض، و یوضع أمام صبیان صغار مقابلین لمیكنات أخر، فیها نواعیر مبسوطة محفور فیها قوالب القطع من الخفیف الذی وضع أمامهم، و هم یركبون كل قطعة منه فی قالبها، و تلك الناعورة تدور دوران الرحی، و ینزل علی كل قالب قطعة حدید، تلقاه قطعة الخفیف، فتصیر أحد رأسیه مخروطا به ثقب، و الآخر مبسوطا، لكن فیه تقصیر ثم یرسل إلی نواعیر أخر ثلاث غیر هذه لتمام تصفیة تلك الحقیقة. و هذا الموضع الذی یخدم فیه هذا الخفیف طویل جدا عریض كذلك. و المكینات منصوبة فیه مثل مناسج الطرازة، مكینة قرب أخری. و من شدة طول هذا الموضع حتی أنه لا یتمیز الرجل من المرأة من الناس الذین بمنتهاه، و فیه من الخدمة ستة آلاف كما قیل، كلها مكلفة بخدمة الخفیف.

كیفیة صنع الكور

ثم دخلنا إلی محل آخر یفرغون فیه الكور المستطیل المخروط الرأس علی هیئة القوالب من السكر، فوجدنا هناك قوالب مربعة،/ 268/ یجعلون فی وسطها قالب الكورة التی یریدون فرغ مثلها، و یملأون ما بین القالب و الكورة بالتراب و یدركونه دكا كثیرا، ثم ینزعون الكورة منه و قد بقی مثالها فی وسط القالب، فیفرغون من التخلیطة التی تذوب، و یتركونه هنیئة حتی تجمد، ثم یضربون القالب بمیجم من عود طویل الید، فینحل القالب، و یتساقط التراب، و تبقی الكورة صامتة و فیها حفر مربعة كانت محفورة فی القالب، یجعلون فیها بعد هذا مسامیر مربعة نحاسا، تبقی نائتة عن جرم الكورة بمقدار نصف أصبع، لأن مثالها محفور أیضا فی جوف مدفعها،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 314
و ذلك مما یقوی سیرها عند خروجها من المدفع، و هذا الكور الذی یخدم كما ذكر هو علی عینات فی الصغر و الكبر، ثم یرفع إلی مكینات تصفیته و ثقبه بالمخرطة، ثم وجدنا أناسا یعمرون الكور الصغیر فی الصنادیق، ثم آخرین یملأون زنابیل بالخفیف، فی كل واحد منه مائتان و أربع و ثلاثون خفیفة، و یصبون علیها الرجینة مذابة.

كیفیة صنع المدافع العظام‌

ثم وجدنا أناسا فی مكینة یصنعون المدافع العظام ، و أصلها ألواح من التخلیطة، یتخذون ستة ألواح أو سبعة، طول كل لوحة نحو ثلاثة أذرع و نصف، و عرضها أقل من نصف شبر، و غلظها نحو أصبع، و یدخلون هذه الألواح لبیت النار بعد ما تصفی، و یجعل لوحة فوق أخری، ثم یخرجونها و یجعلون رأسها بین ساریتین منصوبتین من حدید، قد حفر فیهما حفر مربعة متفاضلة فی الكبر و الصغر، یجعلونها أولا فی الكبری، ثم تدور الساریتان علی تلك الألواح و تخرج من تحتها، و قد التأم بعضها ببعض، و صارت قطعة واحدة أطول و أرق مما كانت، ثم یخرجونها من باقی الحفر المذكورة واحدة بعد واحدة، و هی بین ذلك ترق و تطول حتی یصیر غلظها مثل غلظ جرم المدفع الذی یریدون صنعه منها، و تصیر بارة طولها نحو عشرة أذرع، و تربیعها نحو ثمن ذراع، و یصنعون بارات كثیرة مثلها، ثم ینصبون هذه البارات فی بیت نار طویل و یصلون بین أطراف البارات، و لم أقف علی كیفیة الوصل، و إنما وقفنا برأس بیت النار فوجدنا ساریة أیضا،/ 269/ منصوبة بمنتهی رأس بیت النار، و رأس البارة خارج بیت النار، بحیث وصل إلی الساریة، رفعوا رأس البارة و سمروه فی الساریة، و الماء یصب علیه حالة تسمیره صبا قویا. و مع توالی صبه یبقی رأس البارة أحمر كأنه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 315
لم یمسه ماء. و العلة فیه- و الله أعلم- لصلابة رأس البارة و تقویته و بقائه مسمرا فی الساریة، لأنه لو لم یصب علیه الماء لتخرم الثقب الذی برأس البارة للیونته عند خروجه من بیت النار، مع ثقل البارة الخارجیة، و یخرج البارة و دوران تلك الساریة تصیر البارة تلتوی علیها حتی تخرج البارة كلها. و قد التوت علی تلك الساریة، ثم ینزعون الساریة من البارة الملتویة فیبقی بین اللّی فرج، ثم یدخلونها لبیت النار أیضا و تبقی به، فإذا مضت المدة التی یستحق بقاؤه ببیت النار فیها یخرجون تلك البارة الملتویة، و یقفونها تحت مزبرة بین جدارین من حدید، و یرسلون علیها جرما مربعا من حدید، و یصیر یرتفع و ینزل علی البارة الملتویة ذو الماء ینزل علیه كالمطر ذفتلتئم لیاتها و تصیر كأنها ذات واحدة، ثم یجعلون فی وسطها قطعة من حدید مستدیرة، و یرسلون علیه ذلك الجرم المذكور، فیقوص فی باطن تلك اللیات، ثم یقلبونها و یرسلونه علیها أیضا فیخرج و تصیر تلك البارة قطعة من مدفع ، أما خزنته أو وسطه أو عنقه، لأنهم یصنعون المدفع یومئذ علی ثلاث قطع، فالخزنة أعظمها، و وسطه دونها و عنقه أرقها، و البریمة واحدة، و ذلك الجرم الذی یرسلونه كما میزانه كما قیل ثمانون طنا، أی مائة و ستون قنطارا.

وصف هذا المدفع‌

ثم وجدنا مدفعا عظیما طوله سبع یارضات، و دور خزنته ست یارضات، و فورمته
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 316
ست عشرة بلقظة، كورته سبع عشرة مائة ابرة، عمارته ثلاثة قناطیر و أربعون، میزانه ثمانون طنا هكذا ذكر مهندسهم، و هو لهدّ الأبراج و الحصون، و البابورات التی تصنع من الحدید، فی قطر یدیه شبران حیث جعل فی بورد، و القراصیر تسع بلقاضات حدید، أحدثوا هذا المدفع یخرق ست عشرة بلقضة و البابور إنما یحمل منه واحدا فقط ... .

إكرام بعض التجار للباشدور باللوندریز

إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 317

الجزء الخامس‌

الرجوع إلی بر الفرنصیص و التوجه منه للطلیان‌

/ 274/ ... و كان مدة سفرنا فی هذا البحر ساعة واحدة و نصفها. فكان وصولنا لمرسی مدینة كالی المذكورة فی الساعة الحادیة عشرة و أربعین دقیقة، و هناك دعوت علی هذا البحر بأن یسلط الله علیه العفاریت النجلیزیة یحفروا فی أسفله طریقا دهلیزیة، یمر الناس فیها من تحته و یزهدون فی ركوب فراشه و تخته. و هناك ودع الباشدور الترجمان المذكور* بعدما أسلمنا فی ید ترجمان الدولة الفرنصویة ذلأنه قدم من باریس* لاستقبال الباشدور و أصحابهذ، و عند نزولنا أخرجوا المدافع و رفعوا سنجق الإسلام أیضا فی مدینة كالی.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 318

الدخول إلی مدینة باریس‌

و بعد مرور نصف ساعة من زوال شمس هذا الیوم، ركبنا فی بابور البر قاصدین قاعدة باریس، فمر بنا أیضا علی مزارع و أنهار و بساتین و أشجار، و لم یزل یقطع بنا تلك الأنهار و الأشجار و یمر بنا علی القری و الأمصار، حتی حطت المحبوبة النقاب، و رفعت عن محیاها الجلباب، فأشرفنا علی طلعتها مستبشرین، و نودی ادخلوها بسلام آمنین، و خرجنا من ضیق القبور إلی فضاء القصور و طابت الأنفس و انشرحت الصدور. و كان دخولنا إلیها فی الساعة السادسة و نصف من مساء الیوم المذكور. فاسترحنا من التعب مع أنه لم یمسنا- و الحمد لله- فی ذلك نصب، و أنزلتنا الدولة الفرنصویة أیضا فی أوطیل الذی كنا فیه عند مرورنا، و قامت بالضیافة أتم قیام علی العادة من الاحترام و جزیل الإكرام.
و فی یوم الأحد منتصف رجب ركبنا الأكداش فی مسائه، و خرجت بنا إلی أطراف البلد فمررنا علی أجنة ذات أشجار و أنهار و فلك جاریات، أسرت غزلانا و أقمار متكلم مع الحادی و أشیر إلیه بالنزول بشاطئ الوادی، بقصد الاستراحة هناك.
فجدیر أن تجد یا لبیب مقصودك و مناك، فنزلنا هناك هنیئة من الزمان و سرحنا الأبصار فی المرائی الحسان، و قلت عند نزولنا فی هذا المكان.
بالله عرج علی تلك الجنان و لاتحید عنها فما علیك من حرج
فلج معاهدها و اقصد حدائقهاذات ابتهاج بقرب نهرها الهائج
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 319 بالله قف بالرفاق و اغتنم لذةفالنفس حقا غدت بذاك تبتهج
و انظر إلی الفلك فی الانهار سابحةتصید ریم البیدا نضئ كالسرج
و انظر لأشجارها بالشاطئین غدت‌تهدی السلام بمیل غصنها البهیج
یا لائمی حسدا جرب و إلا قمت‌حزنا فما أنت إلا من ذوی العرج
و لما اطلع علی هذه الأبیات بعض رفقائنا. قال: قد أحسنت إلا أنك لم تذكر الأناس الذین كانوا فی الماطشات ، كل رجل مع زوجه فی ماطشة یطیشان بها منفردین، فقلت إن أحببت ذلك فزد فیه.

القبة التی تطیر بمن یعلو بها

و عند رجوعنا فی تلك العشیة، رأینا جرما مستدیرا عظیما مرتفعا غایة فی الهواء، و له رأس مستطیل إلا أنه معكوس إلی جهة الأرض، یقال إن أناسا یركبون فی مجالس محیطة بذلك الرأس نحو العشرة. و ذلك الجرم المستدیر منفوخ بالغاز من شأنه الصعود، فیطیر بالجالسین بتلك المجالس بعدما یتفهمون علی كیفیة حركتی الصعود و النزول و مدتیهما. و كنا نسمع بأن أناسا یركبون فی قبة تطیر بهم و تنزل بهم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 320
فی محل آخر، لكن الذی نقل إلینا أن الأناس یكونون خارجین عن جرم القبة، لأنها مملوءة بالغاز و هم بالمجالس المحیطة بها من أسفلها، و أنهم یكتبون مكاتب و یرمونها من أیدیهم، بعدما یجعلون بها خیطا رقیقا و ورقات كبار من الكاغد مصبوغة بالسواد لتری عند نزولها، و یخبرون فی تلك الكتب بما یرونه من أحوال الجو و المدن و غیر ذلك، و یختارون لذلك یوما لا ریح فیه، و أنهم ینتهون فی صعودهم إلی محل یفقدون فیه الهواء و تضیق أنفسهم و یشتد بهم البرد،/ 276/ حتی أنهم لا یرون إذ ذاك إلا الفلك من فوقهم و من تحتهم، و لا یرون أرضا و لا بحرا و لا مدنا و لا غیرها. و ربما مات بعضهم من شدة البرد و ضیق النفس، و كان یقال إن هؤلاء الصاعدین یقبضون علی الصعود مالا معتبرا. فقیل لنا هم الذین یدفعونه لأجل الصعود و الفرجة و نیل تلك الرتبة و الافتخار بها.

الدار التی تصنع الخبز للعسكر

فی یوم الثلاثاء السابع عشر منه، خرجنا إلی دار یصنعون فیها الخبز للعسكر، وجدنا فیها بیوت النار عدیدة و خناشی كثیرة مملوءة بالدقیق الخالص الصافی، و خزانات فیها خبز كبیر موضوع. قسمت واحدة بسكین فإذا هی من ذلك الخالص، و أما الرحی التی تطحن الزرع بالمكینة، فقیل إنها عندهم بمحل آخر، و وجدنا بعضا من العسكر یفتحون صنادیق من العود مثل صنادیق الكبریت فی الجرم، و یخرجون منها الفجماط یزیلون الغبرة التی به و یمسحونه و یردونه إلی تلك الصنادیق، لیكون موجودا وقت الفیرة ، و قیل إن ذلك الفجماط یصیر فی تلك الصنادیق ثمانیة عشرة شهرا، و أن تلك الدار یصبخ فیها من الخبز ما یكفی خمسین ألفا من العسكر إذا احتیج إلی ذلك.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 321

فابریكات الكور و غیره و العدة التی فی الخزین‌

ثم خرجنا إلی دار فیها فابریكة صنع رویضة الكراریط من العود، فابریكات صنع الخفیف للمكاحیل و الكور المستطیل ، مثل ما تقدم بیانه فی بعض مدن اللوندریز، إلا أن تلك الخدمة أقوی و أكثر بكثیر منها فی باریس، ثم إلی خزائن العدة فیها مكاحیل مصطفة فی أسرّة عود طولا و عرضا من الأرض إلی السقف، و كذلك الكوابیس و السیوف، و لم نسأل عن عدد ما فی هذا الخزین من العدة، غیر أنی وجدت فی طوله مائة خطوة و عشر خطوات بین كل ست خطوات سریران، أحدهما عن الیمین و الآخر یسارا، كل سریر ممتد مع الأرض بنحو ثمانیة أذرع، مرتفع إلی السقف و فیه ست طبقات، بین كل مكحلتین نحو سدس ذراع، فیكون فی اللوحة السفلی من/ 277/ المكاحیل، من أحد الأسرة التی عن الیمین ست و تسعون مكحلة، تضرب فی ستة عدة طبقات السریر الواحد، یكون فیه خمسمائة و ست و سبعون مكحلة، تضرب فی ستة عشر، عدة صفوف الأسرة طولا التی عن الیمین، یكون فیها من المكاحیل واحد و ستون ألف و ست و خمسون، و مثلها یكون فی صفوف الأسرة التی عن الیسار، یكون جمیع ما یسعه هذا الخزین من المكاحیل مائة ألف و اثنین و عشرین ألف و مائة واحدة و ثنتی عشرة مكحلة، لكن بعض الأسرة فارغة قیل إن مكاحیلها بید العسكر تمسح، و كلها فی غایة النظافة كأنها خرجت الآن من قوالب صنعها، و كلها من العینة التی تعمر من الخزنة، و وجدنا هناك كبابیط من ورقات الحدید، كل كبوط ینفصل إلی ورقة إحداها تجعل علی الظهر و الأخری علی البطن و یجمع بینهما، وزن كل كبوط كما قیل ثمانیة كیل، نحو خمسة عشر رطلا بالعطاری، و فی بیت آخر كورة صغیرة مستطیلة علی هیئة الجوزة الكبری، و قد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 322
رصفت بمسامیر، قیل هی مما كان یرمی علیهم البروصیا، و أن واحدة منها نزلت فی طریق طویل عریض و تفرقعت هناك فقتلت خمسین منهم، و طفئت الفنارات التی كانت فی ذلك المحج، و سقطت سراجیمه، و أصاب طرف منها الجلنار كان مع السلطان فی كروصة فقتلته، هكذا ذكر ترجمانهم، ثم إلی بیت آخر وجدنا فیه عینات من المكاحیل مهما ظهرت عینة جدیدة عند جنس من الأجناس، یوتی لهم بعدد منها فیسلمونه للمعلمین المهندسین یختبرونها و یقلبونها و یخبرونهم بما یظهر لهم منها، و بینوا لنا عینة أحدثها الفرنصیص یفتح خزنة الجعبة و یجعل فیها عمارات من البارود، فتكون العمارات مدفوعة فی طول السریر من قرب رأس الجعبة إلی الخزنة، فإذا تمت عمارتها یجدب القرص فتخرج العمارة الأولی، و بنفس خروجها تدفع جعبة السلك العمارة الثانیة إلی الخزنة، ثم بفتحها فتلفظ الخزنة الجعبة التی كان فیها البارود و تطیر منها بجهد، و عند ذلك/ 278/ تستقر العمارة الثانیة فی الخزنة، فی الموضع الذی خرجت بدفع السلك الملتوی بها إلی الخزنة، و هكذا العمل بها حتی تخرج العمارات الثمان، قیل إنهم یدركون بهذه العینة خروج أربعین عمارة فی الدقیقة الواحدة.

سكویلة العسكر و الخروج من باریس إلی الیون‌

ثم أدخلونا إلی سكویلة من سكویلات العسكر، و معناها الدار التی یتعلمون فیها العلوم الحربیة، فوجدناها مملوءة بفئة من العسكر كانوا جالسین علی الأسرة من عود،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 323
و كل واحد قدامه كتاب و كبیرهم مقابل لهم، فعند إشرافنا علی الدخول علیهم تكلم معهم الكبیر فوقفوا و أشاروا بالسلام، و ذكر أنهم یأتون إلی هذه الدار فی الساعة الخامسة من صباح كل یوم ، و لا یخرجون منها حتی تصل الساعة الحادیة عشرة لیلا، فیكون مدة مقامهم بهذه الدار ثمان عشرة ساعة، و تبقی لهم من الیوم بلیلته ست سوائع للنوم و الاستراحة، و لهم فی هذه الدار مطابخ عدیدة و مواضع للأكل و طوابل و شوالی علی عادتهم، و فی بعض المواضع موسیقا حیث دخلنا إلی تلك المواضع تقدم بعض المتعلمین إلی تلك الموسیقا و صار یخدم بها هنیئة بنغمات عجیبة لطیفة.
و فی الساعة التاسعة عدا ثنتی عشرة دقیقة، ركبنا فی بابور البر من باریس قاصدین مدینة الیون، للمرور علیها إلی بر إیطالیا، ذلك من لیلة الجمعة العشرین من رجب ، و خرج معنا ترجمان الدولة الفرنصویة مع ترجمانهم الذی كان طلع من طنجة.

زیارة رأس بعض جبال لیون‌

و كان دخولنا إلی لیون فی الساعة الثامنة من صباح یوم الجمعة، فتكون مدة السفر بینهما إحدی عشرة ساعة و ثنتی عشرة دقیقة، باعتبار مقام البابور و وقوفه فی بعض المدن التی بینهما لنزول بعض الناس فیها و حمل آخرین منها علی العادة، و هذه المدینة یحیط بها الجبال من بعض الجهات و هی معمورة أی الجبال، و مع ذلك تصعد الكراریس إلی أعلا جبالها فی طرق بها/ 279/ ارتفاع یسیر ینطوی فی طول هذه الطرق ارتفاع تلك الجبال، و تكون الخیل التی تجر الكراریس فی هذه الطرق المرتفعة تسیرا سیرا مهلا.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 324
و فی مساء یوم الجمعة المذكور أوتی إلینا بالأكداش و ركب الباشدور مع الترجمان الذی طلع من طنجة، و نحن فی أثره و توجهت بنا إلی بعض تلك الجبال المسكونة، فوصلنا إلی رأس جبل، فخرج إلینا رجل و استدعانا للدخول لقبة هو فیها هناك مع بعض عیاله، و هی مربعة صغیرة نحو عشرة أذرع طولا و مثلها عرضا، و فیها سراجم بالزاج بجدرانها یشرف منها علی المدینة، و علی ما وراءها من الجبال حتی علی جبال إیطالیا كما بینها لنا صاحب القبة المذكورة. و له فی هذه القبة أثاث و حوائج بقصد بیعها كالمراءات التی یری بها ما بالبعد مختلفة فی الكبر و الصغر. منها ما هو أصغر من الأنملة لكن لا یری بها بعین واحدة. و یری فیها بعض الصور و الأشكال، و له هناك صنیدقات من العود صغار فی كل واحدة زاجة و فی وسطه ورقات كاغد، فی بعضها صور طرق لیون و كیفیة بناء دیارها و قببها و القناطیر التی یمر البابور فوقها و الماء یجری تحتها، و غیر ذلك من الهیئات، و ثمن هذا الصندوق خمسة و أربعون من الافرنك، أعنی تسع ریالات، فمن كان عنده هذا الصندوق فكأنه یری مدینة الیون عیانا، ثم خرجنا منها و رجعنا مع أطراف المدینة بین أشجارها كأشجار الغابة، و طرقها منسقة و الوادی جار فیها، و بقرب شاطئه أماكن مزروعة بالنوار فیها حیاض
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 325
عجیبة علی عادتهم، و عبرنا علی قناطر عدیدة علی ذلك الوادی، و رجعنا إلی نزولنا بعد ما غربت الشمس.

فابریكات خدمة الحریر و الدیباج به‌

و فی یوم السبت الواحد و العشرین منه توجه بنا الترجمان المذكور فی ضحاه إلی دار فیها فابریكة صبغ الحریر الأسود فقط، فوجدنا فیها صنادیق من عود مجلدة بالنحاس معمرة بماء الصباغة، و مدجات الحریر تجعل علی أعواد و ترسل فی ذلك الماء و تنصب/ 280/ علی حرفی الصندوق طولا، و رأینا صندوقا ینصب فیه ماء الصباغة من جعبة طویلة قطر دورها یقرب من ربع ذراع. و ذكر أن هذه الدار تصبغ خمسمائة ألف كیلو فی السنة، و أن فیها ثمانمائة من الخدمة.
و بعد صلاة الظهر توجهنا إلی بعض فابریكات صنع الدیباج و الحریر، و توجه معنا عامل البلد، و عند دخولنا إلیها وجدنا أولا رجلا قدامه منسج و هو ینسج فیه بوضربة من الحریر الأحمر و الأخضر من العینة التی تأتی للغرب، و ما یری فی بوضربة و غیره من التوریق و التشجیر، ینسجونه فی خیوط و یلفونه فیها، و یركبونها فوق المنسج فی لوحة تمسك فیها و ترسل إلی أسفل، و تمر بین خیوط السدا التی ینسج فیها و تخرج منها حتی تقرب إلی الأرض، فیربطون بطرف كل خیط كالخیط من الرصاص لیبقی نزول كل خیط مستقیما من السدا إلی الأرض، و أما بقیة كل خیط من فوق السدا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 326
إلی اللوحة التی تمسكه، فیكون منحرفا فیه تعریج، و المعلم الذی ینسج أسفل رجله الیمنی خشبتان كالجائزتین، تارة ینزل رجله علیهما معا و تارة علی إحداهما فقط، و عند الخدمة تارة ینزل بعض تلك الخیوط المثقلة بالخفیف و تارة ترتفع، و هو یخدم بنزق واحد، فیرسله بیده الیسری فیمر بین خیوط السدا ثم یجذب خیطا بیمناه فی ناعورة، فوق المنسج و فی وسطه، فیرجع ذلك النزق وحده بین خیوط السدا من الیمین إلی الیسار، و بعض المعلمین یخدمون النزق من الجهتین بتلك الناعورة، و یكون قابضا بإحدی یدیه القنبة المعلقة فی تلك الجرارة، و بالأخری الدقاق الذی یدق به عند النسج، و كلما جذب تلك القنبة إلی جهة یأتی النزق إلیها، و وجدنا رجلا آخر یخدم الموبر البرانیة، و له سداوات ثلاث فی منسج واحد إحداها حریر صافی، و الأخریان من قطن، و هو یجعل بین السدا ثلاثة قضبان من السلك الرقیق مجعوبة و مشقوقة، و یصلها بمحل النسیج و یرسل النزق ثلاث مرات/ 281/ ثم یأخذ حدیدة لطیفة أرق من المیزق، و یشق برأسها الحریر الذی التوی علی ذلك السلك المشنوق، فیقطع الحریر و یلقی المیزق ذلك الشق الذی فی السلك، ثم یخرجه، و هكذا فیشق ذلك الحریر تطلع الوبرة علی وجه الموبر، و هناك أناس آخرون یخدمون ثیابا فاخرة مشجرة بالذهب و بالحریر علی أشكال و ألوان لا تكاد تحصی كثرة. و طولعنا بعینات منها عندهم مهیئة یرسلونها لمن یرید شراء شی‌ء منها، فمنها ما ثمنه یزید علی أربعین ریالا للقالة. و منها ما دون ذلك إلی أقل من ریال واحد للقالة.
و وجدنا هناك مكینة فیها مناسج عدیدة، عرض كل منسج خمسة أمتار تخدم ثوب المسوس، و آلات النسج تخدم بحركات المكینة لا یمسها أحد إلا من یقابلها لمباشرة ما، كوصل خیط عند انفصاله أو شبه ذلك. و وجدنا طرفا منها منسوجا فی غایة اللطافة و الرقة و اللیونة، و ظننا أنه منسوج من الحریر، فأخبر كبیر الفابریكة أنه من الحریر و شعر المعز أنصافا، و خیطه مبروم أرق من الشعرة بأضعاف، ة حتی قیل إن وزن أوقیة من هذا الخیط یكون طوله ثلاثین ألف متر، و أیضا فالثوب الذی وجدته منسوجا عرضه خمسة أمتار، و طوله سبعة عشر مترا، قیل وزنه كیلو واحد، و ثمنه أربعون ریالا، فإذا قسم هذا المنكب الذی طوله خمسة أمتار، و هی تعدل تسعة أذرع تقریبا، علی قالة و نصف یكون فیه ستة مناكب، و إذا قسمت هذه القطعة نصفین
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 327
عرضا صارت ثنتی عشرة شقة، طول كل واحدة أزید من خمسة عشر ذراعا، و المنكب من نحو ذراع و نصف، فیكون ثمن الشقة حینئذ ثلاث ریالات و ثلث، و هو إذن أرخص بكثیر من المسوس المصنوع من الخیط الذی یجلب للغرب، غیر أن شعر المعز الملفق مع الحریر فیه ما فیه من/ 282/ توهم عدم تزكیة المعز التی یأخذون شعرها لذلك.

مستملحة استظرفتها هنا

مستملحة جرت بینی و بعض رفقائی مداعبة، اقتضتها المرافقة و المصاحبة، و ذلك حیث طال بنا السفر و صرنا كالمقیمین بلظی أو سقر، و الأیام تمتد و تطول، و اللیالی، تبخل بالنوم و تصول، فذكرنی ما سلف من الغرائب، و ما شاهدناه فی دیار الطیاطیرو من العجائب، و بلسان الحقیقة نصحنی و وعظنی، و كان بلسان الغرور بستر تلك الزلة وعدنی، و قال كیف بك یا رفیق حتی سلكت ذلك الطریق، و ولجت تلك الدیار، و هتكت الأستار، و خلعت بها العذار، و غرست فی أرض قلبك بذر هذا النبات، و سرك دوران رقص تلك البنات، مع أنك لدی القاضی من العدول المبرزین، و الاخلاء المغربین، و لا بدّ لی أن أكشف له عن حالك، و أبین له ما صرت إلیه فی مثالك، و أودّی لدیه بذلك شهادتی، و لا تأخذنی لومة لائم فیما فیه سعادتی،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 328
فأجبته و وفیت له بالمكیال الكبیر، و لم یكن قلقی فی هذا المیدان قصیر، و ما ظلمته و الله أعلم، و لكن الخیر بالخیر و البادی أكرم. أما علمت أنك كنت لذلك طالبا مشتاقا، و متشوقا إلیه و فیه راغبا، و توجهت إلیه بقلبك، بعدما أخذ حبه بمجامع قلبك، و كنت تتأمل فی ذلك تأمل المشتاق، و تتمایل طربا تمایل العشاق، و تتصدر فی المواضع التی لها اشراف، و جاوزت فی تلك حد الاشراف، و أكدت ذلك بالاستحسان و زكیته بالثناء و طول اللسان، حتی كأنك تثنی علی مریم و آسیة، و یسلیك ما انطوت علیه تلك القلوب القاسیة، و تتلذذ به مساء و صباحا، و كأنك ارتكبت أمرا مباحا، و ما غضضت عن ذلك النظرة و سلكت مسلك أولائك النفر، و لأنشرن خبرك فی الأوطان، و أشرح حالك فی حضرة مولانا السلطان/ 283/ فیعرف منزلتك بین التجار، و یعطل تجارتك بخدمته الشریفة فی الأقفار و البحار، أو یدنیك من قربه و هذا جزاؤك و المرء مقتول بما قتل به، و أما ما رمیتنی به من الفجر، و الأفك و ببّنات الزور، فإن القاضی له عقل حاد، من الأذكیاء النقاد، لا یسمع منك تلك الدعوی، و ربما تجر علیك البلوی، فإن من الهوی و الفضول، اتباع العورات لا سیما تجریح العدول، و قد علمت أنی توجهت معكم جبرا، و لم یكن لی بذلك خبر ، و مع ذلك كنت ممن تركوا بدارهم القلوب و الأرواح، و توجهوا بالأجسام و الأشباح، و تأخرت باختیاری فی ذلك المجلس إلی وراء، و نبذت ما هناك بالعراء، و لم یكن لی لذلك التفات، و لم تصحبنی نظارة و لا مرءاة، و أخذتنی هناك سنة من النوم، حتی استغرب ذلك الترجمان من القوم، و لا منی علی نومی، مع أنی ظللت نائما جل یومی و ها أنا أشرح للقاضی قصتی لینصفنی و أستریح من غصتی، و أبینها فی بحر خفیف ذی قافیة، فإنه ممن یراقب من لا یخفی علیه خافیة، و هذا أوان رقم تلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 329
الدعوی فی الأسطار، و ترتیب فصولها فی هذه الأشطار :
قد رفعت إلیك یا علم الوقت، و مفتی الأنام قاضی القضاة
قصتی، فاستمع و بالحق فاحكم‌و ارحم ضعفی، و فیض ذی العبرات
قاسنی من رفیقی ظلم و جورلكن كان مقصوده مسرّاتی
كلفونی دخول دار (الطیاطرو)أوقفونی مواقف الشبهات
فامتنعت، و قلت ذاك حرام‌فاتقوا الله عالم الخفیات
ثم جاءوا و قد تمالاوا طراعلی ظلمی بباطل الدعوات
/ 284/ زعموا أنه یسرنی- جورا-مثل ما سرهم من رقص البنات
أوعدونی برفع ذلك للقاضی‌لیری ذاك ساقطا شهاداتی
لیس للقوم حجة و لا رسم‌لا برهان لهم، و لا بینات إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار ؛ ص329
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 330 لست أبغی وكیلا عن هذه‌الدعوی إذ شأنه المیل للفلیسات
و حلفت یمینا عن صدق قولی‌و استوفاها منی أخو الترهات
فاستمع نصها و علمه للعدل‌المزكی، لردع كل البغاة
فبحق سهام تلك الجفون‌و قسیّ كرمی الرماة
و بهز القرود عند التثنی‌و بحق احمرار تلك الوجنات
و بلثم الوقوح تلك الشفاه‌فازمن زعمه بتلك اللذات
بالصدور، و ما بها من رمان‌بانكشاف الذوات لا العورات
ما نظرت إلا بناظر عینی‌لا بقلبی لا بضوء المرآة
لا تقل أن الحكم یجری علی‌الظاهر ، دون التفات للخفیات
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 331 فقد بان صدقی، و عندی فتاوی‌إن ذاك من معفو العترات
و افتح بابا إلی التأویل ... و إلافلنا رب یغفر السیآت
ثم أن سیدنا الرئیس اطلع علی ما هنا من الدار النفیس، و تأمل هذه القضیة نظما و نشرا، و فاح لدیه طیب شداها صنعا و نشرا، و تأمل فی فصول ذلك القسم، و سره حتی ضحك و ابتسم، فقال لا تثریب علیك و لا ضیر، فاستصلح بینكما و الصلح خیر، و لا ترفع/ 285/ ذلك لأحد من الولاة، و لا تطالع به الوشاة، و صنه صینة النفس الشحیحة بما لها، و استره ستر الحسناء العفیفة بجمالها، فرجعت القهقرا، و تأخرت إلی وراء ثقة بعدله كما وعده و صرت لا أبالی بعد بمن قام أو قعد، و لا أرفع رأسا لمن أبرق أو أرعد، و لكن شرطت علیه أن یحضر خصمی، و یشترط علیه عدم تمزیق رسمی، لأن فی تمزیق الرسوم تضییع الحقوق، إذ ربما ینشئ عنها الإنكار و العقوق، فكان بذاك كفیلا، و كفی بالله وكیلا، ثم المطلوب من الواقف علی هذا الجمل الواهیة الأساس المركبة علی غیر قیاس، أن لا یبادر إلی الإنكار، بما تبدیه بدیهة الأفكار، فإنك إن جلت فی غربتی، و تبین لك حالی و كربتی، و لخرجت من فرقة الإنكار، إلی فرقة من یلتمس الأعذار، و صرت لی من خیر الفرقتین، و قلت عذرا لك یا من جسمه برومة و القلب بالعدوتین.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 333

الجزء السادس‌

أخبار بعض بلاد الطالیان

و كان خروجنا من لیون فی الساعة الثامنة لیلا من لیلة الأحد الثانی و العشرین من رجب ، و خرج مع الباشدور ترجمان الدولة الفرنصویة مع ترجمانهم بطنجة، و ركبا معه فی بابور البر فی عربة منتخبة و قطعنا اللیل كله سفرا، و فی الساعة الرابعة صباح الأحد المذكور، وصلنا إلی مدینة تسمی رمضان ، و هی الحدادة بین الجنسین الطالیان و الفرنصیص، و یقال إنها مشتركة بینهما فی الحكم كل جنس منهما یحكم فی نصفها الذی من جهته، و هناك تلقی للباشدور نائب الطالیان، و هو
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 334
القونصو و هو رجل ذو عقل و أدب یحسن النطق باللغة و القلم العربی، و كذا غیرها من اللغات و له خلق حسن و له مكانة معتبرة عند الدولة، و وجدناه قد هیأ عربة أنیقة كبیرة، فیها عشر شوالی/ 286/ كبیرة مبطنة بثوب حریر أحمر فیه تشجیر، و بین كل شیلیتین مائدة مستدیرة قائمة علی كرسی من عود، علیها أشكال من الحلواء و العنب و البطیخ و غیرهما من فواكه الوقت، و كذلك من الحلیب و القهوة و أوانی الماء من البلار الرفیع المدفون فی وسطه الثلج، و فی العربة سراجم ثمانیة بالزاج من الجهتین كبیرة، علی كل سرجم ستر من ذلك الحریر المذكور طویل مع مجادیل غلاظ منه، فی كل واحد كبالة كبیرة من الحریر لربط ذلك الستر به، و ستر آخر من حریر أزرق یرسل تارة علی الزاج وقایة من شعاع الشمس، و سقفها و بقیة ما بین السراجم منها كله مبطن بذلك الحریر، و بداخل هذه العربة بیت الخلاء، و الماء یجری بحلابة عند إدارة تنظیفه و بها حلاب آخر فی الجهة الیسری عند الدخول لبیت الخلاء ینزل الماء إلیه من بزبور فوقه عند الاحتیاج إلیه. و لم یقصر هذا القونصو فی البرور و التعظیم و الترحیب.
ثم سافر البابور بنا بعدما رجع ترجمان الفرنصیص الذی كان طلع من طنجة، و بقی معنا ترجمان الدولة الوارد من باریس، و توجهنا إلی مدینة طورین ، و هی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 335
مدینة عظیم الدولة، و ما بین هاتین المدینتین جله من جهة مضان، جبال شاهقة مرتفعة فی الهواء تطاول السحاب طولا و تجاوزه وصولا و علی رؤوسها من الثلج عمائم لا یزال حتی فی أیام السمائم ، فكان البابور یمر بنا فی مواضع ضیقة بین تلك الجبال و قد شمخت بالفضاء و التوسعة فی ذلك المجال، و تارة تعارضنا الجبال الشاهقة، فیمر البابور تحتها حتی لا یدری من الجهات الغاربة من الشارقة، فمنها ما یطول سیره تحتها نحو ثلاثین دقیقة، و منها ما هو أقل من ذلك، و تارة یتلاقی بابوران تحت تلك الجبال فیمر كل علی طریقه/ 287/ فتحدث أصواتا مرهبة، و العربات تمر كالبرق باختلاف حركتیها بین مقبلة و مدبرة، و حین قربنا من مدینة طورین المذكورة، تركنا تلك الجبال وراءا و خرجنا إلی التوسعة و الفضاء، فوجدنا هناك بساتین و أنهارا و مزارع و أشجارا، و اتصل ذلك فی الجهتین إلی أن وصلنا إلی تلك الدیار.

الدخول إلی طورین‌

و كان وصولنا إلیها أی مدینة طورین فی الساعة الثامنة و خمسین دقیقة من یوم الأحد المذكور، و تلقی هناك للباشدور عامل تلك البلد و شیخها و الجلنار، بالفرح و البرور و التعظیم و السرور، و ذكروا أنهم مامورون من قبل أمیر الدولة بالوقوف معه و البرور به و التوسعة علیه و علی من معه و تنفید جمیع ما یحتاج إلیه من الضروریات و المقضیات، اعتناء بجانب مولانا الشریف و اهتماما بشأنه المعظم، فجازاهم الباشدور عن ذلك بلین الكلام، ثم ركبنا فی الأكداش و دخلنا البلدة المذكورة، أنزلونا بأوطیل معتبر، فیه فرش عدیدة و كنابیس و شوالی من الموبر و الحریر، و كانت علی أیدینا فیه قبب عدیدة، كل قبة مخالفة للأخری فی الهیئة و الزخاریف و الفرش، إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 336
و كان بقربنا بیوت الماء عدیدة فی كل بیت صندوق من حدید أو غیره، ینزل إلیه من بزبوزین الماء الحار و البارد، و لم نر مثله فی موضع إلا فی أوطیل باریس، لكن الذی فی باریس تسد تلك البیوت فی اللیل كله، و علیها حراس موكلون بها بخلاف البیوت التی فی أوطیل طورین، فإنها مباحة لا تسد لا لیلا و لا نهارا. و لم یكن أحد موكلا بها، و هذا الأوطیل یشرق منه علی فضاء متسع كالمشور، قدامه دار أمیر الدولة، و كان قبل وصولنا خارجا عن هذه المدینة فی نواحیها، یقصد الأماكن الباردة لشدة حرارة الوقت، و حیث كنا باللوندریز أتی إلی الباشدور یوم دخولنا إلیها قونصو الطالیان بها، و أخبره أن كبیر دولتهم بصدد الخروج/ 288/ إلی نواحی بلده، و أنه لا یرجع إلیها حتی تمر نحو خمسة و عشرین یوما من شهر غشت العجمی، و كان مقصوده بذلك أن یبین له فی أی یوم یكون خروجه من اللوندریز، و كان أجابه إذ إذاك بأن الزائر فی قبضة المزور، و أنه لم یدر فی أی یوم یكون خروجه منها، و لم یكتف بهذا فقال له: إن خرج أمیر دولتكم للصید فی تلك الجبال فإنی أتوجه إلیه بها بحول الله، لأنی مولع بالصید ، و لی به شغف كبیر فسر بذلك سرورا عظیما، و قال فی هذه الساعة یتكلم مع دولتهم فی طریق السلك بما أجابه به الباشدور، و قد بالغت هذه الدولة فی الإكرام و بسط موائد الأنعام بسطا كبیرا، لم نعهد مثله فیما تقدم، و یتوالی ذلك منهم بتوالی الأوقات، و مع هذا كله یتفقد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 337
القونصو المذكور أحوالنا و یتردد إلینا و یسألنا هل نحن محتاجون لشی‌ء، و أخبر أنه مأمور من قبل الدولة بالتوجه بنا إلی بعض مدنهم كرومة و فرینسی و غیرهما، بقصد رؤیة ذلك و بسط الباشدور و كمال الفرح و السرور، و أقمنا هناك فی مدینة طورین المذكورة.

مدینة فرینسی و ما رأیناه فیها

إلی الساعة السابعة عدا خمس دقائق من مساء یوم الاثنین الثالث و العشرین من رجب، و فیها ركبنا فی بابور البر فی تلك العربة الموصوفة، و ركب معنا القونصو المذكور و صحب معه أنواعا من الحلواء و الفواكه و الماء أیضا، و من هناك رجع ترجمان الدولة الفرنصویة بعد ما سافر البابور شیئا یسیرا، و هذا البابور كان یقف فی بعض المدن التی فی طریقه فینزل منه أناس، و یحمل آخرین علی العادة، و فی كل مدینة یقف نحو خمس دقائق فأقل، و مهما وصل وجد الناس مهیئین للركوب لیلا، و كذلك المكلفین بالبابور فی تلك المواطین و الأماكن لا یغفلون عن أشغالهم لیلا و نهارا، و لكن یخلفهم فی تلك الخدمة غیرهم فی بعض الأوقات، ففی الساعة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 338
السابعة و خمسین دقیقة، وقف البابور فی مدینة اقس و فی الثامنة و ثلاث و ثلاثین دقیقة وقف فی بلدة تسمی سكندریة ،/ 289/ و طلع إلی الباشدور عامل البلد و بعض أعیانها، و رحبوا به غایة الترحیب، و فی التاسعة و نصف وقف فی مدینة طرطونه ، و فی التاسعة و الإحدی و الخمسین دقیقة وقف فی بفیر ، و فی العاشرة و العشرین دقیقة وقف فی اسطردیلا ، و فی الحادیة عشرة عدا خمس دقائق وقف فی ابیاجنصا ، و فی منتصف اللیل و زیادة عشرین دقیقة وقف فی طالما ، و فی الساعة الأولی و ثلاثین دقیقة وقف فی موظنا ، و فی الساعة الثانیة و ثلاثین دقیقة وقف فی بلونیا ، و كان سلط الله علی فی هذه اللیلة ذمیا یخبرنی بهذه المدن بعد ما یبحث عنها، و مهما كادت تأخذنی سنة من النوم لسعنی كالبرغوت حتی ضاق خاصری من ذلك، و لم یجمل بی نهره عن ذلك و تدرعت بالصبر الجمیل، فصرفه الله عنی بعد ذلك، و خرج من تلك العربة و ما رجع إلیها حتی وصلنا إلی مدینة فرینسی فی الساعة السابعة صباح یوم الثلاثاء الرابع و العشرین من رجب، و هذه المدن التی كنا نمر بها هی مدن عظیمة، و كنا نشاهد حالة السفر ضوءا كثیرا فی مدن أخری بعیدة عن طریق البابور عن الیمین و الیسار، و عند وصولنا لمدینة فرینسی المذكورة، تلقی للباشدور عامل البلد و شیخها عند النزول من البابور، ثم ورد كبیر الجلنار و آخران معه من كبراء العسكر، ثم إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 339
خلیفة وزیر الأمور البرانیة، و شاهدنا من أدبهم و برورهم و شدة فرحهم ما تعجبنا منه، ثم أنزلونا فی أوطیل متسع مزخرف غایة أیضا، و بالغوا فی الإكرام و البرور و الاحترام.
و فی مساء هذا الیوم أتوا بالأكداش فركب الباشدور و نحن فی أثره، و توجهوا بنا إلی دار قدیمة البناء بهذه المدینة، یقال أنها بنیت قبل نحو ثنتی عشرة مائة سنة كانت تعرف عندهم بدار الحكومة ، فصعدنا إلی قبة مربعة فی طولها نحو ستین خطوة، و فی عرضها نیف و أربعون، فیها خزانات من الزاج فیها أوانی كبیرة من الطاوس، قیل إنه من عمل إیطالیا فی القدیم، ثم إلی أخری فیها خزانات زاج أیضا فیها صور آدمیین و غیرهم من العاج، و فی أسفل إحدی الخزانات عظم سرج من العاج شبیه بعظم سرج الغرب، و قبة أخری فیها/ 290/ صور عبید سود من نحاس مختلفی الأحوال، ثم إلی طبقة فوق هذه وجدنا فی قبة كساوی مرصة بالذهب و الأحجار، و فی بعضها تصاویر مرقومة بما ذكر و بالحریر قیل ذلك مرقوم بالإبر، و فی قبة أخری صور من الودع لاصقة الجدران، و فی أخری فی جدرانها ستر من الحریر مرسوم فیها صور آدمیین أیضا، و فی أخری خزانات بالزاج فیها قوالب و طوابع سكك قدیمة من ذهب و غیره، ثم خزین بأسفل الدار فیه سلاح قدیم و فیه مدفع نحاس عظیم، قیل هو فی الأصل من عمل إیطالیا، و كان أهداه لهم بعض ملوك تونس، و بقرب خزنته الغبر رقم سبعمائة و أربعة قیل ذاك تاریخ صنعه.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 340

الدخول إلی دار المهندسین و الفلكیین‌

و فی یوم الأربعاء الخامس و العشرین منه أی رجب، توجهنا لدار العلماء المهندسین و الفلكیین. فصعدنا إلی قبة بها فتلقانا كبیرها بالتعظیم و الترحیب و وجدنا فی جدرانها خزانات من الزاج فیها إسطرلابات عدیدة ذات أشكال مختلفة و متفاوتة فی الكبر و الصغر، و رأیت فیها إسطرلابین من عمل المسلمین ، أحدهما لعرض ست و ثلاثین و نیف، و الآخر لعرض ثمانیة و ثلاثین و نیف، فذكر أنهما صنعا قبل تاریخه بأزید من خمسمائة عام، فتناولت أحدهما من ید و وضعت حرف المضادة علی أول درجة من الحمل، فوافقت الیوم الخامس عشر من مارس، فقلت له هذا الإسطرلاب صنع قبل بأزید من ستمائة سنة عجمیة، و أشرت له بأن أول الحمل كان إذ ذاك فی خامس عشر من مارس، و أما الیوم ففی السادس منه تقریبا، فسلم ذلك، و هناك آلات أخر من نحاس، و مرءاة لعلها للرصد، و دخلنا إلی قبة وجدنا فیها دوائر لعلها من حدید بعضها داخل بعض، و عددها إحدی عشرة دائرة و هی مختلفة الوضع، منها ما هو من المشرق إلی المغرب، و منها ما بالعكس و منها ما هو بین ذلك، و فی وسطها كرة مركزها خارج عن مركز/ 291/ الدائرة الثامنة، و هم یحكون بذلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 341
صورة الأرض و الأفلاك المحیطة بها و محور الدائرة الثامنة مار بالدوائر السبع التی فی جوفه، عدا الأرض فهی خارجة عن ذلك المحور، و بدوران الدائرة الثامنة تدور الدوائر السبع التی بداخلها. و فی هذه القبة جعبة صفر صغیرة طولها نحو ذراع و نصف، و قطر دورها نحو ثمن ذراع، و بأحد طرفیها زاجة مستدیرة قطرها نحو ذراع غیر ربع، و هما مرفوعان من الأرض نحو نصف قامة الإنسان، و وراء الزاجة ید حدید عمد إلیها بعضهم و اشتغل بتدویرها، و أتی آخر و قرب یده منها فخرج منها شرار نار زرقاء، و لصقت بالجعبة فتعجبنا من ذلك فقیل لی ادن منها و قرب یدك إلی تلك الجعبة فقربت منها، فخرجت من یدی شرر من تلك النار الموصوفة، و جذبتها الجعبة و عند خروجها من یدی أحسست بمثل لسع البرغوث، ثم وضع یده رجل منهم علی تلك الجعبة، فصارت ذاته تجذب النار عند ما یقرب یده إلی یده، أو إلی أنفه بمشاهدتنا لذلك، كما كانت تجذبه الجعبة بواسطة وضع یده علیها تسری فیه تلك الكهرباء، و تكسبه قوة الجذب التی تجذبه هی.
ثم أدخلونا إلی قبب الأطباء و علماء التشریح ، فوجدنا صورة امرأة متجردة ملقاة علی سریر كأنها میتة، یحكون أنها مثال امرأة ماتت نفاسا، و فی جدران هذه القبة صور الجنین الذی یكون فی الرحم من بعد ثمانیة عشر یوما، إلی الأربعین إلی شهرین، و ثلاثة و أكثر، إلی تسعة أشهر، و كل صورة منفردة بمحل وحدها. ثم صورة امرأة بقر عن بطنها و المولود الذی فیه قد نكس رأسه كأنه یرید الخروج، و فی محل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 342
آخر صورة التوءمین كیف یكونان فی البطن رأس أحدهما عند رجل الآخر، ثم صورة آدمیین كبار فتح علی بطونهم، و صوروا صورة الأمعاء و القلب و الكبد و الرئة و غیر ذلك، و تبینوا جمیع العروق التی فی البدن القویة و الضعیفة و كیفیة تشابكها/ 292/ فی بدن الإنسان، و فتحوا حتی علی الرقبة و الصدر و رسموا فیها، مثال ما هو فی باطن الإنسان من العروق و العصب و اللحم، ثم صورة آدمیین آخرین رسموا فیها العظام لا غیر و كیفیة التئام بعضها ببعض من الرأس إلی القدم، و كشفوا عن صورة العینین و الأذنین و الرأس و غیر ذلك، ثم وجدنا صورة آدمی واقفة لم یبق منها إلا العظام ملتئمة بعضها ببعض، و هی عظام حقیقیة لیست مصورة، تركوها مثالا لیتحقق الناظر أن ما صوروه هو موافق عندهم للواقع فی ذات الآدمی، و لم یكتفوا بهذه بل صوروا كبشا مسلوخا برأسه و قرنیه موضوعا علی سریر مذبوحا، فلو أوتی به بدیهة لمن لا خبرة له به فربما یتمنی غذاءه منه، ثم صوروا أنواعا من الحوت علی أشكال مختلفة لا تكاد تحصی، و فی قبة أخری صور طیور غریبة الخلقة و السباع العادیة و الحیات العظیمة و التمساح و الطیور الصغیرة التی فی جرم البلوطة إلی النعامة المعروفة، و كذلك الجراد فما دونه من الحیوان الذی علی شكله، كبوقفاز منه أشكال فی مرءات خاصة بهذا النوع، و جل هذه الصور من الطیور و السباع كانت بوصف الحیاة و بعد موتها حشیت و سقیت بالكافور، و تركت فی هذه الأماكن و جعل لها من یتعهدها و یتفقدها فی تلك القبة العظیمة، و انظر ما ألجأهم إلی ذلك و ما جعلهم علیه و- «لو شاء ربك ما فعلوه».
ثم خرجنا من هذه الدار و توجهوا بنا إلی دار من دیار المخزن، ینزل فیها كبیر دولتهم حیث یكون فی هذه المدینة، و هی دار عظیمة كأنها حومة فی مدینة لأنهم لم یكتفوا فی وضعها فی تربیعة واحدة و محل واحد، بل عمدوا إلی مواضع مربعات و بنوا فیها قصور و قببا، و تركوا الطریق لناس من بینها، و أشركوا بعضها ببعض من إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 343
أعلاها بقناطر و قیسی فی بعض المواضع لا غیر، بحیث یمكن للإنسان الطواف بجمیعها، و ینتقل من تربیعة إلی تربیعة بواسطة القسی الجامعة بینها/ 293/ و مما یدلك علی عظمة هذه الدار، أنی سألت عن عدد القبب التی فیها حیث رأیت كثرتها و عدم إمكان إحصائها فی الوقت، فقیل مائتا قبة و ثلاث و ثمانون قبة، و لا تكاد تری قبة علی شكل أخری بل لا بد من مغایر و اختلاف فی الوضع و الهیئة و اختلاف السقف، و كذلك اختلف فراشها أی شوالیها و كنابیسها فی الألوان، فمنها ما هی من الحریر الأحمر المشجر أعنی تبطینها و تبطین جدرانها، و منها ما هو من الأخضر و من الأصفر و من جل الألوان مع تمویه الشوالی و جوانب المرایات العظیمة، و فی قبة من تلك القبب إحدی عشرة ثریة من البلار، و أخری بها كرسی الملك یصعد إلیه بأربعة درج مبطنة بالموبر الأحمر، و فوق الكرسی كالمظل مبطن به أیضا، و أخری فیها فراش علی ناموسیة علیها ستر من الحریر، و فی قبتها كالمظل مبطن به أیضا، مع ترییش بالحریر و الذهب و فیها ثریتان عجیبتان أسفلهما كأسفل القصعة، فی قبة أخری خزانة من العود البرازیل مرصعة بالحجر الیمانض علی ألوان مورقة به، و خزانة أخری من ذلك العود مرصعة بألوان المرمر، و أخری مرصعة بالعاج، و فیها مائدة مبسوطة من رخام مرمر، و حواشیها مرصعة بتوریق حجر المرمر من ألوان، بحیث حفر فی الرخامة أولا ذلك التوریق و اتخذ مثله من ألوان المرمر، و دفن فی حفر التوریق و صار مبسوطا مع الرخامة، فمن حیثیة النظر یری ذلك التوریق كأنه طلاء لطیف، و إذا مرت علیه الید فلا تحس بشی‌ء من أثر حفر ذلك التوریق، و كنت تكلمت مع الترجمان، فقلت هذا التوریق أصله طین یحل و یورق به و یطل علی الجمیع حتی یصیر كأنه ذات واحدة، فقال لا بل هو حجر المرمر مورق مدفون فی ذلك المرمر الآخر، و عند خروجنا من هذه الدار، و شروعنا فی المرور فی اسطوان طویل
).
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 344
فی بعض الطبقات، وجدت فی هذا الاسطوان أربعمائة خطوة و خمسین خطوة علی ست/ 294/ واحد، و عند خروجنا منها طلب من الباشدور بواسطة الترجمان، التاجر القائم بصنع تلك الموائد من المرمر لیری كیفیة النقش و التوریق، لعله أراد بذلك دفع ما كنت أتوهمه من أن ذلك التوریق إنما هو طلاء، فساعده و توجهنا معه إلی دار و صعدنا طبقة بها، فوجدنا أناسا ینشرون المرمر بخیط من السلك معقود بین طرفی عود مقوس كقوس الرباب، و عند النشر یأخذ یسیرا من الماء بقصبة كالقلم و ذلك الماء مختلط بشی‌ء علی لون الرماد، فسألت عنه ما هو، فقیل هو حجر الدیمانط الذی یتساقط منه یدق و یحل فی هذا الماء و یدهن به محل النشر، و لولاه ما أثر فی هذا المرمر شی‌ء، ثم أناسا آخرین یورقون هذا الحجر بالمخرطة، بحیث یركبون فی المخرطة مغزلا، و رأسه كروی یجعل به شی‌ء من ذلك الدهن، و یحرك المخرطة و یأخذ من المرمر برأس ذلك المغزل عند دورانه الكیفیة المرادة من التوریق، و أمامه مغازیل كثیرة رقیقة و غلیظة، كل واحد منها یخدم به فی محله من التوریق، و وجدنا رخامة من المرمر قد حفر فی وسطها محل التوریق، و صار بعضهم یضع فی تلك الحفر الحجر من المرمر المورق، و یركب واحدة فوق واحدة، حتی رأینا كیفیة ترصیف ذلك التوریق فی المرمر، ثم صعدنا إلی طبقة أخری فوجدنا فیها موائد من المرمر علی ألوان تامة الصنعة مورقة، منها ما هو علی شكل البیضة طولها ستة أشبار، و لون مرمرها أسود و التوریق بوسطها و بالحواش بألوانه، و منها ما هی مستدیرة، و منها ما هی مربعة مستطیلة، إحداها فیها سبعة أشبار ناقصة طولا و ثلاثة أشبار و زیادة عرضا، و بقربها ورقة معلقة بخیط مبین فیه ثمنها قدره مائة ألف من الافرنك و سبعة عشر ألفا منه و ستمائة، و منها ما هو دون هذا الثمن إلی خمسة آلاف من الافرنك، فاستحسن الباشدور عملهم و شكر صنعتهم، و خرجنا راجعین إلی/ 295/ محل النزول.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 345

التوجه إلی رومة

و فی لیلة الخمیس السادس و العشرین من رجب ، سافر بنا بابور البر من فریسنی قاصدین رومة بحول الله و قوته، و خرج لوداع الباشدور عامل البلد و الجلنار كبیر العسكر بها، و توجه معنا ترجمان الدولة السابق ذكره، و صحب معه أنواعا من الحلواء و فواكه الوقت و الماء المدفون فی الثلج، و كان سفرنا فی العربة التی تقدم وصفها و لم یكن بها إلا الباشدور و الأمین و كاتبه، و لم یكن معنا الیهودی الذی طلع ترجمانا مع الهدیة من طنجة إلی هذا الجنس المحب، فحیث كان یقف البابور فی بعض المواضع كنت لم أجد من یخبرنی عنها، و قوی عزمی علی تقییدها عند رجوعنا بحول الله، و إن رجعنا علی هذا الطریق، ثم نادتنی النفس الأمارة، و قالت قد ظهر علیك من التكاسل كم من أمارة، فخذ حظك من النوم فقد ظللت متعوبا فی هذا الیوم، فقلت كیف یمكننی النعاس مع هذا الارتعاش الذی لیس للنفس معه راحة و انتعاش، فقالت اقرن بین شیلیتین فاتكئ علی إحداهما و ارسل علی الأخری الرجلین فملت إلی ذلك، لكن كان فیه شبه محظور بسبب القرب من الباشدور، فقلت له یا سیدی لو قربت هذه الشیلیة لسیادتك من أختها و مددت رجلیك علیها لأصابك من الاستراحة شی‌ء یسیر، فإن المدة طویلة و البابور جاد فی المسیر، ثم قرنت له ما بینهما و اضطجع علیهما، و كأنه استحسن هذه الحالة علی الأخری، و هی كذلك بل من باب أولی و أحری، و قال: قد فطنت إلی الدسیسة التی قصدتها و علمت النتیجة التی ركبتها و رصدتها، فقلت: و كیف یا بحر الدرر و النفائس الذی لا تخفی علیه المقاصد و الدسائس، فقال: إنك أتحفتنی بهذه التحفة و لكن لأمر ما جزع قصیر أنفه، لأنك أردت النوم علی هذه الهیئة فمنعك الأدب، فاصنع لنفسك مثلها یا شریف النسب، فمنت كذلك طول لیلتی، و حمدت نتیجة حیلتی، فاستیقظت فی وقت الغلس، فوجدت الباشدور قد/ 296/ قام و جلس، فحییت سیادته علی العادة، و قال: كیف لیلتك، قلت: دون غطاء و وسادة، ثم سرحنا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 346
الأبصار عن الیمین و الیسار، فوجدنا بساتین و أنهارا و أجنة و أشجارا، و بعدنا عن الجبال و حافاتها، و سلمنا المولی سبحانه من آفاتها، ثم أشرفنا علی مدینة رومة الكبری التی شاعت ذكرا و خبرا، فبان طرف من سورها القدیم و به قسی عالیة مما بنی فی تلك الأیام الخالیة، و قد أبلاه مرور الأعوام و الشهور و أبقت علیه توالی الدهور، و لم یبق له إلا السقوط و السجود، للملك الحق المعبود، و كان دخولنا إلیها فی الساعة السادسة و نصف من صباح یوم الخمیس المذكور، و تلقی كبراء البلد للباشدور بالترحیب و التعظیم و التبجیل و التكریم، و أنزلتنا الدولة فی أوطیل ذی منافع و مرافق و قبب و قصور ذات فراش و ستور، و ما قصروا فی بسط موائد الطعام و توالی الفواكه و الأنعام.

الملاقات مع وزیر الأمور البرانیة و كبیر الوزراء

و فی یوم السبت الثامن و العشرین من رجب ، خرج الباشدور و نحن معه إلی ملاقاة وزیر الأمور البرانیة بداره، فتلقانا بالتعظیم و الترحیب، و هیأ إكراما كبیرا من الطعام علی مائدة عظیمة من أنواع الحلواء و الفواكه و الحلیب حتی الأتای، فشكر الباشدور صنعه مع ما صدر من الدولة من مثل ذلك، فقال إنهم مامورون من قبل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 347
أمیرهم بالإكرام و التوسعة و بسط موائد الأنعام، و أن فی ذلك إشارة إلی تعظیم الجانب الشریف و كمال الاعتناء بشأنه الفخیم، و أنه سیبذل غایة الجهود فی كل مراد و مقصود، و بعد رجوعنا ورد علی الباشدور عامل البلد و معه أعیانها یهنئون سیادته و یحمدون سلامته و عافیته.
و فی لیلة الأحد التاسع و العشرین منه توجه الباشدور و نحن معه إلی دار الفرجة و كان معه عامل البلد، ثم أتی و جلس معنا هنیئة و كان معنا الترجمان الذی طلع من طنجة ، فسألته عن بانی رومة، فقال: هو/ 297/ رجل كان یسمی روم، فقلت هل هو ملك أو حكیم. قال: لم یكن ملكا و لكن كان كبیر آیة الأربعین، و سألته عن تاریخ بنائها، فقال: وجدوا تاریخها عند روم المذكور، یقول أن بعد بنائها بأربع عشرة مائة سنة، ببعث نبی العرب سیدنا محمد، هكذا نطق به بلفظ السیادة بواسطة الترجمان، علی نبینا أفضل الصلاة و السلام، فقلت: و هل دخلها نبی الله سیدنا عیسی علی نبینا و علیه الصلاة و السلام، أو أحد من أصحابه الحواریین، فقال: أما هو فلم یدخلها، و یقال إن رجلا من الحواریین دخلها و ان مسجونا بها،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 348
و أراد أهل البلد قتله فقال إنه ولد رومة، و كانت عادتهم أنهم لا یقتلون من ینتسب إلی رومة، و سألته هل فی هذا البلد قبر أنبیاء، قال: لا یعرفون بها قبر نبی. لكن بعض الناس یقولون إن فی هذه المدینة قبر راهب كان من أصحاب سیدنا عیسی علی نبینا، و علیه الصلاة و السلام، و بعض الناس ینكرون ذلك.
و فی یوم الأحد المذكور توجه الباشدور إلی كبیر الوزراء قاطبة، و نحن معه بحیث وصلنا إلی داره و دخلنا لبراحها، وجدنا فیه أزبالا و نباتا فی بعض المواضع، و لم نعهد ذلك فی مطلق أماكنهم، و صعدنا إلیه فی درج لم نجد فیها زرابی علی العادة، و فیها أزبال أیضا بحیث انتهینا إلی القبة وجدناه واقفا فیها و معه أناس و هو رجل مسن، و فی تلك القبة شوالی بالیة و فیها زربیة صغیرة بالیة، و حاله حال أهل التقشف، فسلم علی الباشدور و رحب به غایة، و جری بینهما كلام بالسؤال عن الأحوال و خبر البلد، و خرجنا إلی قبة أخری وجدنا فیها كنابیس كثیرة و موائد الكتابة و آلاتها.
ثم خرجنا من عنده فأخبر الترجمان أن هذا الوزیر عندهم من الزهاد، و أنه لم یتزوج قط و أن له راتبا وافرا لكن یأخذ منه قدر الكفایة، و الباقی یتصدق به علی فرقة من الضعفاء، و أنهم یتشاورون/ 298/ معه فی الشادة و الفادة، و أنه ملحوظ معتبر عندهم فی المهمات و جمیع الملمات، و عند رجوعنا رجع هذا الوزیر فورا إلی الباشدور، و تلاقی به فی القبة المخصوصة بالملاقاة مع أعیانهم. إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 349

دار المرضی بها

و رجع علی العادة فی ذلك، ثم طلب من الباشدور الخروج إلی دار السبیطار، أی المرضی فساعد و خرجنا معه، فلما انتهینا إلیها تلقت للباشدور امرأة راهبة من راهبات تلك المدینة، علیها جبة صوف و لها قب من صوف ینزل إلی ظهرها منفصل علی الجبة و تحته مثله من ثوب أبیض، و هی مغطیة رأسها فرحبت غایة، و هی امرأة جمیلة تمیل للصغر ذكرت أنها من جنس الفرنصیص، و أنها سلمت فی زوجها و أهلها و حبست نفسها علی خدمة المرضی الذین بهذه الدار، و معها ثلاث نسوة هی مقدمتهن، فدخلت بنا إلی قبة أرضیة وجدنا فیها نساء كبارا و صغارا مرضی، من أعینهن فمنهن من تبصرت لا تبصر شیئا، و منهن من یبصرن قلیلا، ثم أدخلتنا إلی خزین بقربها وجدنا فیه خزانات بجدرانه فیها كساوی هؤلاء المرضی من الصوف و من القطن للحر و البرد، و أخرجت تقاشیر خشینة من صوف و طاكیات منها، ذكرت أنها من عمل بعض المرضی یشتغلن بصنع ذلك، و یكتسین منه. و ذكرت أن زوجة ولد أخ السلطان، هی القائمة بالصائر علی من بهذه الدار من المرضی، ثم إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 350
أدخلتنا إلی قبة أخری فیها كنانیش الصائر علی هذه الدار بخط یدها كما ذكرت، و فیه الصائر الیومی ملخصا كل یوم علی انفراده، لصائر أضلاع من اللحم بأنواعه و الإدام و الدقیق و غیر ذلك، و كناش آخر فیه تقیید تلك الكساوی و عدد كل نوع من أنواعها، و حصر داخلها و خارجها، ثم مرت بنا بوسط هذه الدار فوجدناه مربعا انباح كبیرة فی كل ربع ثمانیة/ 299/ قسی علی أسوار عظام، و بوسطه ریاض ذو أشجار كبار و صغار و نبات ذو أنوار، ثم دخلت بنا إلی محل أكلهم فی قبة أخری، فوجدنا موائد ممتدة مع الجدران بینها و بین الجدران مواضع الشیلیات التی یجلس علیها للأكل، و علی الموائد قدام كل شیلیة طبسیل و زیف و كأس للماء، و المواضع الموصلة إلی هذا المحل نصب خشب مع جدرانها علی مسامیر خارجة من الجدران، فإذا وضعت أوانی الطعام للبصری علی تلك المواضع و یوذن لهم فی الطلوع إلی ذلك المحل، یضعون أیدیهم علی تلك الخشبة و یمرون معها حتی ینتهوا إلی ذلك المحل الذی فیه غذاؤهم، ثم یأخذون فی الدخول واحدا بعد واحد قابضین علی تلك الخشبة و یعدون المسامیر التی تلقاهم، و بها یعرف كل واحد شیلیته، بحیث یكون المسمار نمر كذا هو محل جلوس فلان، و قدامه مائدته ثم یخرجون إلی مواضع غسل أیدیهم و قد جعلوا حلالیب مدفوفة فی مصطبة. فوق كل واحدة بزبوز ینزل منه الماء و بقربه زیف، ثم یرجعون إلی محلهم ثم إلی مواضع نومهم، كل واحد له بیت صغیر خاص به فیه مضربتا صوف فوق أعواد من حدید كالناموسیة الصغیرة و غطاء من ثوب قطن نظیف، و وسادتان لینتان، و محل آخر فیه فراشات متعددة واحد حذاء الآخر، فقال الترجمان لهذه الراهبة: أین محلك، فهل هو منتخب، قالت له لا، فراشها كفراشهم بلا فرق، نعم أدخلتنا إلی بیت فیه سراجم و موائد علیها غطاء نظیف، و فیه زربیة و شوالی ذكرت أن ذلك المحل معد لقدوم زوجة ولد أخ السلطان المذكورة، و أنها تأتی مرة واحدة فی كل جمعة إلی هذه الدار، و تتفقد بنفسها أحوال المرضی، و تأتی إلی ذلك المحل المذكور و تحضر لها الكنانیش و تحاسبها علی الداخل و الخارج، ثم أتت بنا إلی محل آخر یطبخ فیه لهم أكلهم فوجدنا ثلاثة طناجیر منصوبة، لكن لیس فیها إلا الماء إذ لم یكن ذلك الوقت وقت الطبخ، و بمحل آخر حطب كثیر، و هناك میزان قیل لأی شی‌ء هذا المیزان، قالت: نقسم به الطعام عند تفریقیه/ 300/ فی الأوانی،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 351
وقت الأكل ثم أتت بنا إلی رجال فی قبة أخری مرضی أیضا من أعینهم و هم جالسون قبالة ریاض آخر فیه أشجار و نبات و أنوار، و ذكرت أن بعض المرضی توجهوا یغسلون فی البحر، و دخلنا أیضا إلی بیت آخر وجدنا فیه خزانة فیها مطارب و فیها ماء علی ألوان، قالت ذلك محل الطبیب الذی یأتی لمداواة المرضی، ثم خرجنا من هذه الدار.

المحل القدیم البناء برومة

و توجه بنا الترجمان إلی محل فیه بناء قدیم مستدیر علی هیئة البرج ، و جدرانه مرتفعة جدا و الجدار المحیط به خارجا فیه أبواب عدیدة باب قرب باب لیس بینهما إلا الجدار الفاصل بینهما، غلظه نحو خمسة أذرع، و كل باب فوقه قوس یدخل إلیه لوسط هذا البرج كالأسطوان، و فی الجدران نطاقات من بارات الحدید غلظ كل بارة نحو ثمن ذراع و عرضها نحو ثلثه، و اختلفت فی الطول و القصر، و هی كالنطاقات فی الجدران طولا و عرضا، و قطر دائرة هذا البرج نحو ثلاثمائة خطوة، و بداخله بیوت متصاعدة بعضها فوق بعض من أعلاه إلی أسفله، و كان معنا ترجمان یهودی، فأتی إلیه رومی حین رأی فی یدی القلم و القرطاس و أنا أقید تلك الآثار، فقال للیهودی: إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 352
قل لهذا الكاتب إن هذا المحل بناه الملك ططوس الذی خرب بیت المقدس و أتی بعشرة ءالاف من الیهود أساری، هم الذین كانوا یخدمون فی بناء هذا المحل، فتبسم الیهودی و أخبرنی بذلك و زادنی أن هذا الرومی لیس عنده تحقیق الخبر لأن ذلك الملك كان أتی بعشرة ءالاف من بیت المقدس كما ذكر، و ثلاثة ءالاف أخری من غیرهما، و لم یومنوا به لأنه كان یدعی الربوبیة، و عاش مائتی سنة و إحدی و أربعین سنة. و إن هذا المحل كان عنده فیه سباع و أسد فی مغارات بنیت لأجلها و أن من لم یؤمن به، كان یدخله إلی وسط ذلك البرج و یرسل علیه السباع و تكون تلك البیوت التی به مملوءة بالناس یتفرجون فی ذلك/ 301/ الذی ترسل علیه السباع، و أنه من أحد الملوك الذین ملكوا الدنیا بأسرها شرقا و غربا، و أنه أوتی إلیه ذات یوم برجل ممن لم یؤمن به فأمر بإلقائه للسباع فألقی إلی سبعین، فحین خرجا إلیه و الناس یتفرجون فی تلك المواضع فرا منه و رجعا إلی محلهما، ثم أرسل علیه ثلاثة سباع أخری، فحین رأوه تأخروا و رجعوا، فأخبروا الملك بذلك فأمر بإتیانه فأوتی به إلیه، فسأله عن ربه و دینه فأخبره أنه مومن بالله عز و جل لا یشرك به شیئا، و أنكر ربوبیته. فأمر بإحراقه فأخفاه الله عنهم، و لم یجدوا له أثرا هكذا أخبر ذلك الیهودی حیث غاظه ما كان تكلم به ذلك الرومی فی شأن أسراهم، ثم قلت للیهودی: و هل تدرون من الرجل الذی فرت منه السباع، قال: نعم هو من أصحاب نبی الله سیدنا إبراهیم الخلیل علی نبینا و علیه الصلاة و السلام.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 353
ثم توجه بنا إلی جبل مرتفع غایة، فصعدناه راكبین الأكداش حتی انتهینا إلی رأسه فوجدنا هناك قبة مبنیة و محیط بها دربوز من حدید بقربه شوالی عدیدة.
فخرجنا من القبة إلی الدربوز و جلسنا علی الشوالی و أشرفنا علی من تحتنا، فوجدنا فئة من العسكر من أصحاب الموسیقا و هم دائرون كالحلقة و واحد منهم فی وسطها یشیر لهم بكیفیة الخدمة بالموسیقا، و هم یتبعونه و معهم من الخلق عدد كثیر نساء و رجالا و صبیانا، و أتوا إلینا هناك بموائد من الحلواء عدیدة و من الأشربة الطیبة علی أشكال، و قد أشرفنا من تلك الجهة علی أشجار كالغابة، من أسفل القبة بل الجبل إلی ما وراءه إلی الجبال التی فی ذلك الأفق، و الأبنیة من بینها و الدیار، ثم أشرفنا من جهة أخری علی مدینة رومة، فقابلنا نحو الثلث منها فذكر بعض القواد الذین كانوا معنا أن شكل مدینة فاس المحروسة بالله أعظم من هذا القدر الذی یری من رومة، ثم رجعنا إلی محل النزول مع ترجمان الدولة، و هذا من فرحه/ 302/ و اعتنائه لأننا شاهدنا منه برورا عظیما و هو یخبر أنه مأمور بذلك من قبل عظیم دولتهم، و هو القونصوا عندهم بحلب و اسمه بوزیوا، و هو یحسن اللغة العربیة نطقا و كتابة، و كذلك التركیة، و غیرهما من الألسن.

قدوم أصحاب الطرب علی الباشدور و كیفیة خدمتهم‌

و فی لیلة الاثنین الثلاثین من رجب ، قدم علی الباشدور للدار التی كان نازلا بها برومة، جماعة من أصحاب الطرب بنحو أربعة عشر رجلا بأیدیهم كثرات و أعواد مثل الآلة التی تستعمل فی الغرب، و صاروا یخدمون فی براح الدار بعد ما وضعت لهم الشوالی، فقدم ذلك الترجمان علی الباشدور و أخبره بهؤلاء و أشار علیه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 354
بالإذن لهم بالطلوع للقبة الكبیرة، لأنه ینبغی الاعتناء بهم كما ذكر، فأذن بذلك فطلعوا و طلع معهم جماعة من النسوة اللواتی كن جالسات فی براح الدار، و أخذ كل واحد من المعلمین موضعه و أخذت النساء مواضعهن من تلك القبة، و صاروا یخدمون بتلك الآلات بنغم مستعذبة تشبه النغم التونسیة، و صار خدمة هذه الدار یتواردون بموائد الحلواء و الثلج و الأشربة الطیبة الملونة، و یطوفون بذلك علی الجالسین واحدا بعد واحد، ممن كانت له شهوة فی شی‌ء من تلك الأطعمة و الأشربة فأخذ منها ما أحب و من لم تكن له شهوة فی شی‌ء منها یشیر لصاحب المائدة إشارة من لا غرض له فیها، فیمر و هكذا ضیافتهم و إكرامهم فی هذه البلدة و فی غیرها فیما شاهدناه فی بعض بلاد الروم، و بقی أصحاب الطرب فی تلك القبة نحو ساعتین و انفصل ذلك و خرجوا شاكرین إحسان الباشدور و جزیل إنعامه.

الفرجة التی أنشأت إكراما للباشدور و فرجة الطیاطرو

و فی لیلة الثلاثاء فاتح شعبان المعظم، أتی القونصوا بالأكداش و طلب من الباشدور التوجه هو و رفقاؤه إلی فرجة أنشأها المخزن إكراما و فرحا بقدومكم، فركبنا الأكداش و توجهت بنا إلی براح متسع قرب ذلك البرج الذی تقدم وصفه، فوجدنا هناك خلقا كثیرا و جماعات/ 303/ من أصحاب الموسیقا متفرقین كل جماعة فی موضع، و كلما مررنا بجماعة منهم أو بقربهم اشتغلوا بخدمة الموسیقا إعلانا بالفرح و التعظیم، حتی قربنا من ذلك البرج المذكور، و وقفنا هناك فاشتغل أصحاب الموسیقا بخذمتها فی كل موضع، و كانت عندهم قنادیل كالحسك موضوعة فی فرج بجدار ذاك البرج، فی الجهة المقابلة لنا و فی الاسطوانات الموصلة إلی داخل ذلك البرج، و فی مواضع قدامها و كنا نری ذلك المحل مظلما غایة، فحین وقفنا فی ذلك المحل
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 355
صاروا یطلقون الحراقیات علی ألوان و أشكال، و بنفس خروج الحراقیات جعلت تلك القنادیل فی مواضعها المذكورة، فكان بعضها له لهب أحمر كالدم یخرج معه دخان كثیر فحیث انشر و بلغ إلی جدارات ذلك البرج صارت تلك القطعة من ذلك الجدار حمراء علی لون ذلك الضوء و لهیبه، و كذلك طرف من الأرض التی قدامه، حتی أن من یمر بها یعلوه ذلك اللون، فیتخیل كأن نارا توقد فی ذلك الموضع، و الذی یمر به كأنه یحترق هناك، و بعض تلك القنادیل لهبها أخضر إلی البیاض یخرج منها دخان أخضر، ینتشر كذلك فی الجدارات و المواضع القریبة منها فیری كأن نارا خضراء توقد فی تلك الجدارات، من یمر بتلك المواضع یتلونون بذلك اللون، و یظهرون من البعد كأنهم بقرب من البعید عنهم، و كأن نارا خضراء تشتعل فی ذلك الموضع جمیعه فوقفنا هناك نحو ربع ساعة و أصحاب الموسیقا یخدمون، و لا یكاد یحصی من كان هناك من الخلائق فی هذه الفرجة، و حیث أخذنا فی الرجوع و استدبرنا ذلك البرج، و استقبلنا بناء آخر هناك قدیما مرتفعا، أطلقت حراقیات أخر فأوقدوا فی تلك الجدارات نارا ذات لهب أحمر و أخضر مثل النارین الموصوفتین فوقفنا هنا حتی قرب إنطفاؤها ثم أخذنا فی المسیر و كلما مررنا بمحل قامت الموسیقا/ 304/ علی ساق، و اشتغلت بالخدمة علی ذلك النسق، فبینما نحن مارون بتأن و مهلة إذ رأینا شعاعا عظیما خارجا من كوة عالیة فی جدار مرتفع، جرم تلك الكوة مستدیر فیما یظهر كجرم الشمس و الشعاع كشعاعها، إلا أنه أبیض یمیل إلی الخضرة، و یمكن للإنسان إمعان النظر فیه، و بانتشار ذلك الشعاع انتشر الضوء علی جمیع تلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 356
الخلائق الذین كانوا هناك حتی كأنه النهار، و یری البعید منهم كما یری القریب، و یری ظلال المارین علی الأرض و بالجدران كما تری الظلال بالنهار، و تعجبنا من عقول هؤلاء الشطار كیف تخیلوا و صیروا اللیل كالنهار، و لیس ذلك من قبیل قلب الأبصار و الأعیان، بل هو محقق الوجود ظاهرة للعیان، و بقی ذلك الشعاع منتشرا نحو خمس دقائق فقط، ثم أخذ فی النقص و الرجوع فتقدمنا إلی أمام فوجدنا جماعة أخری من أصحاب الموسیقا اشتغلوا بخدمتها عند وصولنا إلیهم ثم أرسلوا شعاعا آخر من جدار آخر كالشعاع الذی تقدم وصفه، و أشرف علی الأرض و أضاءت به و استنارت كما وصف، و أخبر الترجمان أن هذه الفرجة لا یصنعها أهل هذا البلد إلا عند حلول الأمیر بها فرحا به، و قد أمرهم المخزن بصنع هذه الفرجة لتعلموا من ذلك ما انطوت علیه قلوب الدولة من محبة سلطان الغرب سیدی حسن نصره الله، و تعظیم جانبه الشریف و فرحا بقدومكم، و لم نزل راجعین و نحن نجد فی الطرق جماعة بعد جماعة من أصحاب الموسیقا.
حتی وصلنا إلی دار فیها فرحة الطیاطرو، فطلب الترجمان من الباشدور الدخول إلیها هنیئة ما، فساعده فدخلنا فوجدنا جماعة من أصحاب الموسیقا ببراح اسطوان الدار، فصعدنا فی درج عدیدة و كلما انعطفنا مع الدرج إلی جهة سمعنا جماعة أخری تخدم الموسیقا حتی وصلنا إلی بیوت الفرجة، فدخل الباشدور لبیت مع الترجمان، و دخل باقینا لبیوت غیرها، فحین استقر بالباشدور/ 305/ فی محله و نحن قدامه، أعرض الناس الذین هناك عن فرجة الطیاطروا و أقبلوا بالتصفیق علی الباشدور و علینا، یشیرون بذلك إلی فرحهم و انبساطهم و سرورهم بدخول الباشدور علیهم، و تلك عادتهم مهما استحسنوا شیئا و طابت به نفوسهم أخذوا فی التصفیق إعلانا منهم بما یجدونه من الفرح و السرور و بموجبه الذی حملهم علی ذلك، و أتوا إلینا هناك أیضا بموائد الحلواء المعقودة علی الثلج و الأشربة الطیبة، فتناولنا منها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 357
یسیرا ثم نهضنا للرجوع، فأخذ الناس قاطبة فی التصفیق كأنهم یطلبون زیادة الجلوس معهم، ثم رجعنا إلی محل النزول و شكر الباشدور للترجمان صنیع أهل البلد فی هذه اللیلة ما دل علی كمال محبتهم و تمام اعتنائهم.

قدوم أصحاب الطرب علی الباشدور و كیفیة خدمتهم‌

و فی لیلة الأربعاء الثانی من شعبان ، قدمت جماعة كبیرة من أصحاب الطرب أیضا للدار التی نحن نازلون بها، و عددهم خمسة و ثلاثون رجلا، و قیل ستة و ثلاثون، و هم ممن یخدمون بالطرنبطات علی أشكال فی الهیئة و فی الكبر و الصغر و بالمزامیر و غیرها، و لم یكن الإذن لطلوعهم لتلك القبة لكثرتهم، و لأنهم یخدمون واقفین یصنعون دائرة منهم، بوقوف واحد قرب واحد مع انعطاف ما بقدر ما یقتضیه عددهم، حتی یتصل آخرهم بأولهم كحلقة المداح، و كل واحد منهم ینصب قدامه ثلاث أعمدة تجتمع رؤوسها قدامه، فینصب علی رأسها أعوادا رقاقا مربعة الشكل لیضع علیها الأوراق التی تبین له فیها خدمة طبائع الموسیقا التی یخدمون بها، فإذا نصبت تلك الأعمدة قدامهم و وضعت الأرواق فوقها علی أعوادها، و وقدت لكل واحد شمعة قدامه، فیتقدم واحد منهم و یقف فی وسط الحلقة، و ینصب ثلاث أعمدة كذلك قدامه، و یوقد له الضوء و یأخذ بیده قضیبا و یشتغل بالنقر به علی رأس تلك الأعمدة نقرا خفیفا لا یسمع له أثر، و إنما فیه إشارة ... .

وصف مدینة رومة

/ 310/ ... متعددة، منها ما هو مستقیم كالذی فی وسطها، و منها المنحرف و هو ما
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 358
قرب من الوسط لأن المحل الذی فی وسط الخصة كهیئة كسكاس من النحاس، ثقب وسطه مستقیمة و غیرها اختلف انحرافها، فإذا خرج الماء من تلك الثقب كل واحد متوجه إلی سمت من السموت و انحدر إلی الخصة یكون رائی هیئة ذلك الماء كهیئة ثریة من بلار عظیمة، و تارة یجعلون حوضا متسعا و صور سباع باركة بحافاته و الماء ینبع من أفواهها إلی ذلك الحوض، و تارة یجعلون للماء مخارج یفجرونها من بین معادن الحجر كالماء الذی یشاهد تفجیره من بعض أسفل الجبال، و یجعلون أسفله حوضا متسعا، ینزل إلیه و یدیرون به صورا من رخام أو حجر علی هیئة الحیوان الآدمی و غیره، و یشق هذه المدینة وادی عظیم جل بعض طرقها، و ینصبون علیه قناطیر محكمة البناء و الإتقان، و لون هذا الماء متغیر كلون ماء بوفكران بل أشد تغییرا فی رأس العین حین مروره فی الوادی، و أما الماء الذی یوتی به إلینا فنجده صافیا لا أثر تغییر به، و بعض الناس ینصبون شبكة الاصطیاد فی هذا الوادی علی شكل المیزان، بحیث یتخدون عمودا طویلا جدا، و یعلقونه من وسطه كعمود المیزان، و یجعلون كفتیه من خیط الشبكة، و یكون فیها استرحاء، و شاهدنا هذا المیزان من بعد، و رأینا إحدی الكفتین تنزل و تنحذر إلی الماء قیل حتی تصل إلی قعر الوادی و ترتفع فإذا صادفت شیئا من الحوت مارا یعلق بها، ثم تصعد و بصعودها تنزل الكفة الأخری و هكذا، و فی هذه البلدة نعم كثیرة. فالإجاص فیها قریب من البادنجنة الصغیرة و العنب المسكی كعنب الغرب، و كذلك الدلاح كله أحمر یباع عندهم مقسوما، كل واحدة تقسم نصفین لیشتری كل واحد ما تمیل إلیه نفسه، و كذلك من التین و البطیخ و الخضر ماطیشة و غیرها، و جل الحوانیت تباع فیها هذه/ 311/ الخضر و الفواكه، و بعضها فیها حوائج لباسهم و أثاثهم، و أما التجارة فأمرها ضعیف هناك و الله أعلم.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 359

الرجوع من رومة إلی فرینسی‌

و فی الساعة الحادیة عشرة عدا عشر دقائق من یوم الأربعاء المذكور، و هو ثانی شعبان شرع بابور البر بالسفر بنا من رومة إلی بلد فرینسی بحول الله، و كان خرج لوداع الباشدور عامل البلد و خلیفة وزیر الأمور البرانیة و الجلنار، و كان ركوبنا فی تلك العربة الملوكیة الموصوفة، و أتی الترجمان بكوب كبیر فیه حجر الثلد و دفن فیه إبریقا من بلار مملوءا ماء، ثم سلة فیها أنواع من الحلواء لكنا لم نحتج إلی شی‌ء منها، و مررنا علی بلاد كثیرة لها سیاج من الخشب كهیئة المامونی یجعلونه- و الله أعلم- حدودا بینها و بین البقر الذی یرعی هناك، و البقر الذی هناك جله أبیض اللون أو رمادی و قلیله أسود. و فی الساعة الحادیة عشرة و إحدی و أربعین دقیقة، وقف البابور فی مدینة تسمی باص و كریزی سبع دقائق، و فی منتصف اللیل و زیادة ست عشرة دقیقة وقف فی شملیانوا (2) دقیقة أو أقل، و فی تسع و أربعین دقیقة وقف فی أطی (2) سبع دقائق، و فی الساعة الأولی و أربعین دقیقة، وقف فی كاسطی الیونی (2) سبعا و عشرین دقیقة انتظارا لمرور البابور الآتی علی طریقه، و فی الساعة الثانیة و سبع و عشرین دقیقة وقف فی أربیدی (2) ثلاث دقائق، و فی الساعة الثالثة و خمس و عشرین دقیقة وقف فی ادیوسی (2) تسع دقائق، و فی الخمس و أربعین دقیقة مررنا بمرجة عظیمة (2) هناك، كأنها بحر و الجبال محیطة بها شرقا و بقیت مصاحبة لنا نحو ثلث ساعة، و فی الساعة الرابعة و عشر دقائق وقف فی طرنطلا (2) أربع دقائق، و فی الخمس و ثلاثین دقیقة وقف فی اسطبون فلرنطن (2) خمس دقائق، و فی الخامسة و دقیقتین وقف فی الریشدا (2) خمس دقائق، و فی السادسة وقف فی صان اجوانی (2) خمس دقائق، و فی ثمان و عشرین دقیقة وقف فی بنط الرنیالوا (2) أربع دقائق، و فی الساعة السابعة وصلنا إلی فرینسیة (2)/ 312/ و الحمد لله. فمدة السیر إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 360
بین رومة و فرینسیة ثمان سوائع و عشر دقائق، فإذا أسقط منها مدد وقوف البابور و مجموعها ساعة واحدة و ست عشرة دقیقة، تبقی مدة السیر سبع سوائع عدا ست دقائق، و عند وقوف البابور و وصوله إلی فرینسیة طلع إلی الباشدور عامل البلد و أعیانها، و تلقوه بالتعظیم و الترحیب، و نزلنا إلی المدینة فی الأكداش التی كانت مهیئة هناك، و أنزلونا بأوطیل الذی كنا فیه إذ لیس عندهم أفضل منه و لا أنظف كما قیل، و عند دخولنا إلیه وجدنا الموائد منصوبة و علیها أنواع فواكه الوقت و أنواع شتی من الحلواء و ثریات عظام توقد بالشمع، لكل فریق مائدة تخصه علی هذه الصفة، فبتنا بها لیلة الخمیس ثانی شعبان المذكور، و أقمنا بها ذلك الیوم فی غایة الإكرام و البرور و الاحترام.

الرجوع إلی طورین‌

و فی الساعة السابعة و خمس و أربعین دقیقة من لیلة الجمعة ، شرع بابور البر فی السیر بنا من فرینسیة (2) قاصدین طورین للقاء عظیم دولة الطالیان بها، فی تلك العربة التی تقدم وصفها، بعد أن خرج لوداع الباشدور عامل البلد و أعیانها، و فی الساعة الثامنة و خمس عشرة دقیقة وقف البابور فی مدینة ابرلطوا (2) دقیقتین، و فی الأربعین دقیقة وقف فی بسطویا (2) تسع دقائق، و فی التاسعة و العشرین دقیقة وقف فی لطیتوا (2) خمس دقائق، و فی العاشرة و ست دقائق وقف فی راكنا (2) خمس دقائق، و فی العاشرة و ست عشرة دقیقة وقف فی ارشا (2) ثمان دقائق، و فی الحادیة عشرة و عشرین دقیقة وقف فی بركاتوا (2) دقیقتین، ثم خرج الترجمان من هذه العربة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 361
إلی غیرها، فلم أجد بعد من یخبرنی بالمدن التی كان یقف فیها البابور بعد.
و فی الساعة الثامنة و خمسین دقیقة من یوم الجمعة المذكورة، وصلنا إلی مدینة طورین و وجدنا أهلها فرحین مسرورین، و وجدنا بالمحل الذی وقف فیه البابور جما غفیرا من العسكر متهیئین للقاء الباشدور خیلا و رماة، و طلع إلیه للعربة عامل البلد و الجلنار و أعیانها مهنیئن له فی السلامة و العافیة،/ 313/ و عند نزولنا من العربة أخذ أصحاب الموسیقا یخدمون بها، و وجدنا الطرق قد سدت و امتلأت بازدحام الناس و مسابقتهم كأنهم یتسارعون إلی رؤیة ملكهم أو أعظم، و امتدت الطرق التی مررنا علیها علی هذا الازدحام، حتی وصلنا إلی المحل الذی أنزلونا به، فوجدنا هناك فئة أخری من العسكر و معهم أصحاب الموسیقا، فاشتغلوا بخدمتها حتی صعدنا إلی المواضع التی هیأت للنزول، و كان هذا المحل الذی أنزلونا به مقابلا لدار عظیم دولتهم، بینهما براح متسع كالمشور مربع منعطف كهیئة أكدال، و امتد مع جدراته أعمدة قائمة من نحاس كأنه مخروط مورق جعل علی رؤوسها فنارات خمس توقد لیلا، و هذا المشور دائما یمر الناس به راجلین و فی الأكداش و عربات الوسق و غیرها.

اللقاء بعظیم دولة الطلیان و ببعض الأمراء

و بعد نزولنا تقریبا ورد الإعلام للباشدور بالطلوع للملاقاة مع عظیم الدولة غدا،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 362
أعنی یوم السبت فی الساعة العاشرة منه، فعند ذلك أحضرت صنادیق الهدیة و فتحت و تفاوض مع الترجمان فی تقدیمها لدار عظیم الدولة قبل اللقاء به، فاستأذن فی ذلك و استحسن هذا الرأی، فوجهها فی عشیة ذلك الیوم. و فی یوم السبت الرابع من شعبان ، فی الساعة السابعة و نصف من صباحه، أخذ العسكر فی التهیی‌ء للملاقاة و صاروا یأتون أفواجا أفواجا من كل طریق من الطرق التی توصل لذلك المشور خیلا و رماتا، و كل طنبور معه أصحاب الموسیقا و یصطفون بذلك المشور صفا وراء صف حتی أخذ كل واحد و كل طنبور موضعه، و امتدت الصفوف من باب الدار التی كنا بها إلی باب دار عظیم الدولة، و عند وصول الساعة العاشرة أتت عربات ثلاث، كل عربة یجرها أربعة من الخیل و معها أربعة من العسكر لابسین ثیابهم الفاخرة، فخرج الباشدور و ركب العربة الأولی و معه الترجمان، و ركبت مع الأمین الثانیة و معنا/ 314/ كبیر المخازنیة، و ركب المخازنیة الأربعة العربة الثالثة، لكن أذن للعساكریة الأربعة الذین یسوقون العربة التی نحن فیها بالتقدم، فتقدمت
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 363
و تبعتها عربة الباشدور و تأخرت عربة المخازنیة، و تقدمت فئة من فرسان العسكر قدامنا فی أحسن ما یكون من الزی و التهیی‌ء، و من خروجنا و الموسیقا تتكلم عند كل طنبور نصل إلیه، و العسكر یشیر بالسلام متأدبا علی عادته، حتی وصلنا إلی باب دار عظیم الدولة ، فنزلنا و وقفنا حتی تقدم الباشدور و تبعناه و المخازنیة وراءنا، و صعدنا قبب هذه الدار و وجدنا قلیلا من العسكر بالدرج التی مررنا بها حتی قابلتنا القبة التی فیها عظیم الدولة، و كان واقفا بالباب أحد كبراء العسكر ففتح باب القبة و تقدم الباشدور للدخول و تبعه الترجمان فقط، و كان عندنا الإذن بالوقوف بباب القبة عند دخول الباشدور، حتی یؤذن لنا بالدخول و عند دخولهما سد ذلك الباب، و وقفنا نحو ست دقائق ثم فتح ذلك الباب و أذن البواب لنا بالدخول، فتقدم مقیده- عفا الله عنه- و تبعه الأمین وفقه الله، و فی أثره كبیر المخازنیة و بعده باقیهم، فلم یكن فی تلك القبة إلا عظیم الدولة و الباشدور و الترجمان لا غیر، فبادر عظیم الدولة بالإشارة بالتحیة فأجبناه، ثم عرفه الباشدور بكل واحد منا و بمرتبته، و مهما عرفه بواحد أعاد التحیة أیضا لكل واحد بخصوصه، و أجیب بمثلها و ظهر فیه من الفرح و السرور ما لم نره من غیره، و كذلك من كبراء دولته و أهل بلدانه و خصوصا أهل هذه البلدة أعنی طورین.
ثم خرجنا من عنده و رجعنا، فوجدنا العسكر لا زال كل واحد بمحله، و توجهنا إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 364
إلی دار ولده للملاقاة معه و هو الذی كان سلطانا عند دولة الصبنیول حین تقاتلت تلك الدولة مع عظیمها، ففرح بقدومنا علیه فرحا كبیرا، و كذلك توجهنا فی هذا الیوم لدار خال عظیم الدولة/ 315/ و هو رجل مسن یستخلفه عظیم الدولة فی سفره، ففرح كذلك فرحا عظیما و عند رجوعنا إلی محل النزول، أخبر الباشدور أن من جملة ما تكلم به عظیم الدولة مما یدله علی تعظیمه للجانب الشریف- أسماه الله- و اعتنائه به، أن قال له أنه كان مسافرا فی بعض نواحی بلده و أنه إنما قدم لأجل الملاقاة به، و أنه غدا أی یوم الأحد راجع للمحل الذی كان فیه و أنه أذن لولده یصنع لنا ولیمة إكراما و فرحا منه بقدومنا، و یكون ذلك بداره أی عظیم الدولة، فلأجل ذلك طلب منه اللقاء بولده فأذن به و سره ذلك سرورا كبیرا.
و فی منتصف هذا النهار أتی الترجمان و معه كاتب سر عظیم الدولة بتحف ،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 365
و قال إنها من عظیم الدولة و دفع كل تحفة منها لكل واحد منا بیده فتلقیناها بالقبول، ثم تركت ما كان دفعه لی منها الترجمان علی مائدة بیت الباشدور، و توجه كل واحد بتحفته لمحله، فقال لی مالك تركت حوائجك هنا، فقلت لا ینبغی لی حیازة شی‌ء منها حتی یعرض ذلك علی حضرة مولانا العالیة بالله أدام الله عزها، و هو أعزه الله یجود عنا برضاه الذی هو الكیفیة العظمی، و هو الإكسیر الأكبر و الكبریت الأحمر، فسر بما سمعه منی، و قال: إنه لكذلك و أذن لی بحوزها حتی نعزم علی الخروج و تجمع فی صندوق یخصها.

الفرجة التی أنشأها عامل طورین‌

ثم إن أهل هذا البلد أنشأوا فرجة عظیمة فی اللیلة القابلة بعد هذا الیوم، و هی لیلة الاثنین و ذلك بأنهم عمدوا إلی جداری الركنة الخارجة فی هذا المشور، و جعلوا فی أحد جداریها خاتما كبیرا من المصابیح الصغیرة، و جعلوا فیها ماء علی ألوان و جعلوا الزیت فیها و جعلوا فی وسط الخاتم حروف الاسم المفرد من تلك المصابیح و جعلوا فی الجدار الآخر صورة كرونة عظیم دولتهم من المصابیح، فی وسط تربیعة من المصابیح أیضا، و جعلوا صفا ممتدا لدخول الغاز مع جدرات المشور، و نصبوا مائدة مثمنة بوسط المشور قریبة من الدار التی نحن بها و هی من/ 316/ العود، و هی متسعة فی طولها و عرضها نحو اثنی عشر ذراعا، و مثلها فی كل جهة من جهات التنمیق، و نصبوا أعمدة دائرة مع هذه المائدة، و فی رأس كل عمود خمس وردات حمر من الورد المصنوع، كل وردة فی الكبر مثل جرم كرة أربعة و عشرین، و كان بقرب تلك الركنة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 366
الخارجة من المشور أشجار ممتدة معها، نصبوا بین أغصانها و أوراقها كواغد علی شكل المخروط كالمكب، و هی علی ألوان أضا و حیث قرب الغروب أوقدوا تلك المصابیح و الفنارات الممتدة مع جدران المشور، و جعلوا سرجا بداخل ذلك الورد المصنوع الذی علی رؤوس الأعمدة المحیطة بتلك المائدة، و فی الأشجار المذكورة فی وسط الكواغد الملونة، ثم أتی أصحاب الموسیقا و أحدقوا بتلك المائدة و دخل واحد منهم وسطها علی عادتهم، و صاروا یخدمون و امتلأ ذلك المشور لیلا بالخلائق رجالا و نساء و صبیانا، و أتت فی ذلك الوقت جماعة من أعیان أهل البلد، و تلاقت بالباشدور و أخبروه أن فرحهم بقدومه و اعتناءهم بجانب مولانا الشریف هو الذی حملهم علی إنشاء هذه الفرحة، فشكرهم علی ذلك ثم قال الترجمان للباشدور، ینبغی لك أن تخرج إلی ذلك السرجم و تقابل الناس الذین اجتمعوا هناك و تشیر لهم بالترحیب، فخرج و خرجنا معه، فحین أشرفنا علیهم أخذوا فی التصفیق جمیعا و تلك عادتهم إذا كانوا مجتمعین فی موضع و رأوا ما یسرهم، ثم جلسنا هنیئة علی الشوالی بین الدربوز و جدار الصالة التی كان فیها الباشدور، و كلما قام الباشدور و رام الدخول یأخذون فی التصفیق، یریدون بذلك الرجوع إلی الجلوس، فیجلس حتی تكرر ذلك منهم مرارا فقام و أشار لهم بالسلام و دخل لمحله فتفرقت الناس و راح كل لمحله.
و فی یوم الأحد الخامس منه، أتی الترجمان بالأكداش و خرجنا معه إلی عرصة لعظیم الدولة قریبة من داره، و لعلها متصلة بها من بعض الجهات فوجدنا/ 317/ أنواعا من السباع فی أقفاص من الحدید، لا حاجة إلی إعادة ذكرها و بیانها لتقدم ذلك و بیانه غیر ما مرة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 367

زیارة سجن مدینة طورین‌

ثم خرجنا من تلك العرصة و ذهب بنا إلی سجن هذه البلدة، فدخلنا إلیه فوجدناه مستدیرا كالبرج، و قد أحدقت به بیوت صغیرة بعضها فوق بعض، و لعلها خمس طبقات و لكل طبقة سراجم و درابیز من قضبان الحدید، و الضوء منتشر فی جمیعه حتی قیل لهم من ضاقت علیه المعیشة منهم یرتكب جریمة فیدخل لهذا السجن فلعله یجده أفضل من محله، فانبسطوا لذلك ثم سرحت بصری فی قطر دائرة هذا السجن، إذ فیه طرق متقابلة هی أقطار دائرته، و ظننت أن قطرها یكون نحو ثلاثمائة متر، و لم أكتف بهذا فسألت الترجمان فاستفهم عنه كبیر السجن، فقال إما یزید علی ثلاثمائة متر أو ینقص. و هناك أناس یخدمون منهم النجارة یستخدمونهم بعض الناس، و السجان یقبض لهم أجرتهم و لا یدفع لهم إلا ما یتوقفون علیه من النزر القلیل. و عند خروجهم یتحاسبون معه، و یدفع لهم ما یجتمع عنده، و منهم أناس یغزلون الخیط كأن القیطان فی نواعیر علی هیئة الشراطة فسئل أحدهم عن سبب سجنه، فقال إن رجلا سرق سرقة و أخفاها عنده، فسجن لأجل ذلك و حكم علیه بالسجن ثلاثة أعوام، و قد مر منها عام و نصف، و منهم أناس یصنعون صنیدقات من الكاغد للوقید، قیل یخرج كل یوم من هذا السجن سبعون ألفا من تلك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 368
الصنیدقات، و فی هذا السجن مطبخة یقوم بها المخزن عندهم للمسجونین، و به عراصی محدقة به فیها أشجار و أنوار و خضر، و فی كل عرصة یبنون فی وسطها دائرة كالبرج الصغیر یكون قطرها نحو ستة أذرع، و قد فتح فی جدار دائرتها شراریف، یقال أن المساجین یخرجون كل یوم لتلك العراصی و عند خروجهم یدخل بعض العساكریة لتلك الدائرة التی فی وسط العرصة بالمكاحیل، فإذا رأوا أحدا من المساجین یتنازع مع آخر یصربه بالبارود/ 313/ هكذا الحكم عندهم.

الإكرام بدار عظیم الدولة

و فی الساعة السابعة و نصف من لیلة الاثنین سادس شعبان ، توجهنا لدار السلطان للولیمة التی كان وعد بها، و أنه كلف بها ولده فحین طلعنا لقبب الدار و وصلنا إلی القبة التی فیها ولد عظیم دولتهم، وجدنا معه جماعة كبیرة من الوزراء و الأعیان، ثم أدخلونا إلی قبة الإكرام و هی مستطیلة سقفها نصف دائرة مموه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 369
بالتذهیب و التوریق، و فی السقف خمس ثریات عظیمة من البلار توقد بالشمع، و جدران هذه القبة فیها مرایا عظیمة، و بین كل مرءاتین ثریات صغیرة من صفر، بعضها فوق بعض توقد بالشمع، و فی وسط هذه القبة مائدة قائمة علی أعمدة ممتدة من مدخل القبة إلی قرب منتهاها، و جعلوا علی هذه المائدة ثلاثا و عشرین حسكة من المعدن، كل حسكة فیها ثنتا عشرة شمعة و منها ما فیه أقل، و فی وسط كل حسكة مشموم من ألوان النوار قد رصف علی نسب عجیبة و أشكال غریبة، و لكل حسكة طاس تستقر علیه كالطبقة الكبری، رصف أیضا بالنوار كأنها زربیات، و بین كل حسكتین مشموم عظیم من النوار أیضا، منصوب علی حسك أخری، و وجدنا هذه المائدة قد حفت بالشوالی، و علی المائدة قبالة كل شیلیة ورقة فیها اسم الرجل الذی یجلس فی تلك الشیلیة و قدامه طبسیل من الطاووس العجیب و كؤوس بلار عدیدة، و جنوی و فیجكة و معلقة كلها مموهة بالذهب، فجلس كل واحد منهم فی شیلیة، و أجلسوا كل واحد منا بمحله و كان جلوس الباشدور عن یمین ولد عظیم دولتهم، و عن یمینه الترجمان و نحن فی الجهة الأخری مقابلون له، ثم أخذوا یأتون بأطعمتهم علی عادتهم، فما تناولنا منها إلا الخبز و الزبدة و أنواع الحلواء، و كانوا یعرضون علینا أنواع الطعام التی یطوفون بها علیهم، فكنا نشیر إلیهم بالامتناع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 370
منها فیعرضونها علی غیرنا، و كل واحد منهم یأخذ منها حاجته، و فی آخر الإكرام أخذ الخدمة یطوفون بأوانی الحلواء فی احكاك صغار/ 319/ مثل بیضة بلارج، و منها ما هو مستدیر فكان منهم من یأخذ حكا واحدا، و منهم من یأخذ حكین، فحین وصل إلی الذی یطوف بها أشرت له بعدم الأخذ منها، فمر و أخذ الذی كان عن یمینی بل یساری حكما وضعه قدامه، و حیث رآنی لم آخذ منها، أحذ حكا آخر و وضعه قدامی، ثم قام الناس فأخذ كل واحد حكه و وضعه فی جیبه، فقمت و تركت الحك الذی كان قدامی فلحقنی به الذی كان وضعه قدامی، و أشار إلی بأن جمیع الناس أخذوا حككهم، و أشار إلی بوضعه فی جیبی فقلبته إذ ذاك، فمن هذا الاحكاك ما هو من زاج و منها ما هو من الكاغد، و بها تزویق و تذهیب و الحلواء التی بداخلها كالحبوب ملونة، و هی إنما تلیق للعب الصبیان، و هم یأكلون ذلك فی مواضعهم افتخارا و رفعة لهم، ثم خرجنا من تلك القبة إلی غیرها، و صار الناس واقفین بها و ولد عظیم الدولة یقف مع كل واحد منهم هنیئة و یكلمه بانبساط و تبسم، حتی وصل إلی الباشدور فتكلم معه بما یناسب و تشكر عن اعتنائهم بالجانب الشریف أسماه الله، ثم أخذ الوزراء یأتون إلی الباشدور واحدا بعد واحد و یرحبون به حتی مروا عن آخرهم، و خرجنا و انصرفنا إلی محل النزول.

الخروج لی الصید مع ولد عظیم الدولة و الوزراء

و فی صباح الاثنین المذكور أتی الترجمان إلی الباشدور، و أخبره أن ولد عظیم الدولة یحاول الخروج للصید فی الغابة حول المدینة، و أنه یأذن لنا فی الخروج معه للصید، و یخرج معنا الطباخ الذی یطبخ لنا لیهی‌ء لنا الغذاء هناك، لأنه ذكر أنه رءانا لم نأكل شیئا من طعامهم فی تلك الولیمة، و ألمه ذلك غایة لكنه سره عدم أكلنا منه من جهة محافظتنا علی شرعنا، فخرجنا فی الساعة العاشرة من یوم الاثنین المذكور، و لم یكن من المخازنیة إلا قائدهم، فسرنا فی الأكداش نحو ساعة فی طریق محفوفة بالأشجار عن الیمین و الیسار، حتی انتهینا إلی دار
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 371
عظیمة كأنها قصبة، فدخلنا إلی قبة بأسفلها مرفوعة علی أربع سوار عظیمة، و فیها حیاض و أنوار و محابیق، ثم خرجت مع الأمین إلی باب هذه القبة، فوجدنا ولد عظیم الدولة قد أتی راكبا كرسی الكدش و بیده سوط، و هو الذی/ 320/ یزجر الخیل التی تجر الكدش الذی فیه أتی معه من أعیانهم، فتعجبنا من سیاسته و لطافته ثم دخلنا و أتی بنا إلی قبة أخری فیها مائدة أكلهم، فجلس كل واحد منهم علی شیلیته و جلسنا نحن كذلك، و كان الطباخ قد هیأ لنا الغداء هناك، و بعد الغداء ركبنا الأكداش و ذهبنا إلی الغابة، فوصلنا إلیها فإذا هی كالأجنة و الطرق ممتدة فیها طولا و عرضا، و هی خاصة بعظیم الدولة، و لا یصطاد أحد فیها شیئا، و قیل هی مربعة تكسیرها خمسة و عشرون میلا، و عند خروجنا إلیها كانوا دفعوا لكل واحد كاغدا مستدیرا قدر جرم الریال، فی كل واحد حرف أو حرفان من حروف الغبار، لیقف كل واحد فی الموضع الذی فیه النمر الذی فی الكاغد الذی دفع إلیه، ثم نصبوا أعمدة ممتدة مع تربیعة من تربیعات هذه الغابة، و فی رأس كل عمود لوحة جعل فیها حرف أو حرفان من حروف الغبار، و بین كل عمودین نحو أربعین خطوة و أقل و أكثر، و كل واحد منهم یقف مع النمر الذی فی كاغده، فإذا وقفوا یتكلم واحد ببوق فیدخل العسكر إلی تلك التربیعة بأیدیهم العصی، و یتشغلون بضرب الأشجار
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 372
فتطیر الطیور فیحشرونها إلی جهة الرماة، فمن مر فی طریقه طیر أخرج فیه مكحلته، حتی یصل العسكر إلی الرماة، ثم انتقلنا إلی تربیعات أخری، واحدة بعد واحدة، و كل واحدة یعملون فیها مثل العمل الأول، فضربوا طیورا كثیرة، و كان الباشدور أكثرهم إصابة، و فی كل تربیعة یضرب فیها طیرین أو طیرا، فتعجبت النصاری من رمایته و إصابته، و كان جملة ما أصاب من الطیور إما سبعة أو ثمانیة، و شاع هذا عندهم و جملة الطیور التی أصیبت فی هذا الصید قیل نیف و خمسون طائرا، و أرنب واحدة.
ثم رجعنا إلی تلك الدار التی خرجنا منها، فوجدنا قد نصبت موائد فی البراح الذی قدام بابها، و علیها أوانی شرابهم فدخلنا إلی الدار./ 321/ ثم خرج ولد عظیم الدولة إلی ذلك البراح الذی فیه تلك الموائد، و كانت قد هیأت للعسكر الذی كان یحشر الطیر للرماة، فجلس معهم علی تلك الموائد حتی شرب معهم ثم رجع إلی الدار و جلس مع الباشدور و أوتی بأنواع من حلواء الثلج و غیرها، فتناولنا منها ما تیسر ثم ركبنا الأكداش راجعین إلی المدینة، فنشأت غبرة كثیرة فی الطریق من جری الخیل التی تجر الأكداش، فقلت فی سری زد هذه علی حرارة الشمس التی ظللنا نتقلب فیها من مكان إلی آخر، و قیدت إذ ذاك حین الرجوع هذه الأبیات :
فما الصید فی وقت الربیع و لا الصیف‌من دأبی و لا أبغی التقلد بالسیف
و لكن أحب الصید فی غسق الدجاببیت غزال ناعم الكف و الردف
تعاطینی كأس الشوق صاف شرابه‌و تمزجه عتبا و تسمح بالعطف
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 373 و قبل انصداع الفجر یحلو تهجّدی‌و ما أنا ممن یعبد الله عن حرف
ولی قلم یبری إذا هاج غیظه‌یراعی ذمام السیف من شدة الخوف
ففیه اكتسابی و افتخاری و رفعتی‌و نعم الرفیق فی الشتاء و فی الصیف
و كان ولد عظیم الدولة أمر الطبجیة یخرجون لرمی الإشارة بالمدافع، و یجربون الرمی بمدفع عظیم أحدثوه وزنه ثمانیة و ثلاثون طنا، و طلب من الباشدور الخروج للحضور معهم فی ذلك الرمی.

الخروج لرمی الإشارة مع الطبجیة

فخرجنا فی الساعة الثامنة من یوم الثلاثاء ثامن شعبان، راكبین الأكداش و فی الساعة الثامنة و نصف ركبنا فی بابور البر متوجهین إلی الموضع الذی یرمون فیه الإشارة، فمر البابور بنا علی أرضین مربعة لیس فیها إلا الربیع الأخضر لسریان الماء فی حدود هذه الأرضین، و قد غرست الأشجار فی الحدود و سویت صفوفها و تقاطعت طولا و عرضا، ثم مر/ 322/ بنا علی أجنة العنب، و هم ینصبون مع كل ساق دالیة خشبة برأسها أعمدة تنزل علیها أغصان الدالیة، لما یرون فی ذلك من المصلحة لها فتخلخل الریح و الهواء فیما بین الأغصان و ما بتحتها، و إشراق أشعة الكواكب علیها، بخلاف الدالیة التی فی بعض مدن الغرب، فإنهم یتركون أغصان الدالیة یترامی بعضها فوق بعض حتی یلتئم غالبها، و لا یمكن السلوك بینها إلا بمشقة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 374
لا سیما فی الصباح بعد نزول الندی، و یبقی غالب عناقید العنب إذ ذاك منحجبا بین الأغصان و الأوراق عن تمام نفود الهواء و الأشعة، و ربما یكون تتولد آفة للعنب من ذلك و الله أعلم.
و فی الساعة التاسعة و ثلث نزلنا فی المحل الذی یرمون فیه الإشارة بالمدافع، فوجدنا هناك بعض كبراء طبجیة العسكر فتلقوا الباشدور بالتعظیم و الترحیب و غایة الأدب، و وجدنا هناك مدافع الجر صغیرة من العینة التی تعمر من وراء، و مدفعا آخر عظیما جدیدا هو الذی أحدثوه و أرادوا تجریب الرمی به فی هذا الیوم، و هو كذلك من العینة التی تعمر من رواء لكن علی كیفیة أخری، لأن قعره مبسوط مستو لیس فیه انعطاف داخلا و خارجا، و المحل الذی یعمر منه فیه و شك كوشك خزنة المكاحیل، لكن قسموا دائرة هذا الوشك، و هی الباب التی یعمر منه إلی ستة أقسام و أسقطوا و شك سدسها حتی صار مستویا مع الخزنة، و تركوا و شك سدسها الثانی بارزا علی حاله و أسقطوا و شك السدس الثالث كذلك، و تركوا الرابع كما ذكر، و أسقطوا الخامس كالأول و تركوا السادس علی هیئته، فصار فم الخزنة بهذا فیه أی فی دائرته ثلاثة أسداسها، وشكها بارز و الثلاثة الأسداس الأخری أزیل وشكها و سویت مع الخزنة، و اتخذوا جرما من الحدید اسطوانی الشكل، و جعلوا فیه و شكا/ 323/ مثل و شك الخزنة مقسوم علی ستة أجزاء أسقطوا و شك ثلاثة أجزاء، و تركوا بینها و شك الأجزاء الثلاثة الباقیة، و بهذا الجرم الاسطوانی یسدون الخزنة علی عمارة هذا المدفع، لأنه أی هذا الجرم المذكور، مقبوض بحلقة من حدید من طرفه الذی یبقی بارزا عن الخزنة عند السد به، و لهذه الحلقة طرف حدید ناتئ منها ممتد إلی جرم خزنة المدفع من جهة الیمین، و وصل هذا الطرف المذكور بجرم الخزنة بهیئة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 375
البزكرات، و فی جرم الخزنة أیضا فوق تلك البزاكرة ناعورة من حدید فی جرفها درج بها یفتحون الخزنة و یخرجون منها ذلك الجرم الذی تسد به، و بها تسد، فإذا عمروا هذا المدفع و أرادوا سده یدفعون بأیدیهم ذلك الجرم حتی یقابل رأسه فم الخزنة لأنه ممسوك بتلك البزاكرة، و عند مقابلة رأس ذلك الجرم لفم الخزنة و عزمه علی الدخول إلیها یكون وشكه و وشك الخزنة متغایرین، أعنی تكون الأجزاء الساقطة من وشك الخزنة مقابلة للأجزاء الساقطة من وشك الجرم، و البارزة منها مقابلة للبارزة الأخری، فلا یمكن السد به علی هذه الحالة فعند ذلك یدیرون تلك الناعورة و بدورانها یأخذ الجرم فی الدوران حتی تسامت الأجزاء الثلاثة الساقطة من وشكه الأجزاء الثلاثة البارزة من وشك الخزنة، فعند ذلك یدخلون طرفا من رأس الجرم فی فم الخزنة، ثم یدیرون تلك الناعورة فیصیر الجرم یدور داخلا فی الخزنة لتطابق الوشك إذ ذاك بعضه مع بعض حتی یصل إلی منتهاه، هذه كیفیة فتح خزنة هذا المدفع و سدها علی حسب ما ارتسم فی خیال مقیده و سامحه مولاه.

كیفیة عمارة هذا المدفع‌

و أما كیفیة عمارته، فإنه أتی رجلان من العسكر كل واحد منهما حامل علی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 376
ظهره برمیلا فیه خنشة من البارود، و وزنهما معا كما ذكروا ثمانیة و ستون كیلوا، و هی تعدل قنطارا و ستة و ثلاثین رطلا تقریبا،/ 324/ و وضعوهما بین أیدی الطبجیة قرب المدفع، ثم أتوا بكورته فی كدش و هی مستطیلة محددة الرأس، و رفعوها بالبوجی المتصل بكریطة هذا المدفع، و أداروا البوجی عند رفعه لها حتی سامت فم الخزنة و دفعوها إلیها حتی حلت محلها من الخزنة، ثم ألحقوا بهاتینك الخنشتین من البارود، و سدوا الخزنة علی الجمیع بالكیفیة السابقة، و سغنسوا أی تقبوا خنشة البارود من ثوب الخیش علی الكیفیة المعهودة، و ركبوا النیشان الذی یحققون به الإشارة التی یرمونها فی الجهة الیسری من خزنة المدفع لا فوقه أو وسطه، و حققوا به مسامتة الإشارة، و ركبوا فی الخبش حلقة النار التی بها یخرجون عمارته، بعد ما ركبت فیها قنبة طویلة، ثم تكلم واحد منهم بالبوق للإعلام بخروج هذا المدفع لیكون منه علی بال من جهة الإشارة من الناس، و بعد ذلك أخرجوه، فكان له صوت مرهب لم أسمع مثله قط، و حسست بشی‌ء یروم الخروج من أذنی و بقی بهما طنین كثیر مدة من الزمان، و حریق مؤلم كما تتألم العین بالفلفل، و سبب هذا أنی كنت عن یمین المدفع مسامت لفمه، و بانتشار صوت المدفع لتلك الجهة أصابنی ما أصابنی و الحمد لله علی السلامة، و أما من كان وراء هذا المدفع بعیدا عنه أو قریبا فإنما تعجب من ذلك الصوت الهائل و تشكی بأذنیه أیضا، و قالوا إن هذه الكورة أصابت رأس اللوحة التی كانت منصوبة إشارة، لكنی لم أر أثرا لذلك لأن بینهما و بین المدفع اثنتا عشرة مائة متر، و كانوا أخرجوا عمارات بمدافع الجر الصغیرة قبل هذا و رموا بها ألواحا أخری منصوبة، و قالوا إنها كانت تصیبها تلك الكنبرة، و الذی كنت أشاهده أن تلك الكنبرة عند وصولها للوحة الإشارة تتفرقع هناك، لأنها مملوءة بالخفیف المصنوع من روح التوتیة كما قیل، أو منهما معا، فحین رأونا وقع لنا الشك فیما یقولونه من إصابة إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 377
الإشارة، طلبوا منا الانتقال إلی قرب/ 325/ الألواح المنصوبة إشارة لنری إصابتها معاینة، و أتوا بالأكداش فركبنا حتی وصلنا إلی قربها و نزلنا و وصلنا إلی تلك الألواح المنصوبة، و هی متفرقة فی مواضع متعددة، و طول كل لوحة نحو ثمانیة ذروع و عرضها نحو ستة ذروع و غلظها أزید من بلكاطة، و هی كهیئة الدفة و كل لوحة بكل طرف من أعلاها خشبتان نازلتان منه إلی الأرض لتنفد منها الكونبرة، و تبقی واقفة أی اللوحة، و رأینا فی اللوحة الأولی فورمة ثمان كونبرات كأنها نزعت منها بالبریمة، فالفورمات المتباعدة علی هذه الكیفیة و المتقاربة تكسر العود الذی بینها، لأجل المقاربة و منها فورمة واحدة علی رأس السواد الذی فی وسط اللوحة، و فیها تقب عدیدة بالخفیف الذی رمته الكونبرات التی كانت تتفرقع هناك، و منه الذی لا زال مغروسا فی جرم اللوحة، و هذا الأثر الذی فی هذه اللوحة هو ضرب مدافع الجر، ثم سرنا إلی اللوحة التی رموها بالمدفع الكبیر، فرأینا كونبرة الضربة الأولی خرقت وسطها، و الضربة الثانیة أخذت طرفا من أعلاها، فحین وقفنا علی ذلك و شاهدناه معاینة، تأخر بنا ما كان معنا من النصاری و ترجمانهم عن تلك الألواح، و كانوا قد نصبوا السلك من المحل الذی فیه المدافع إلی محل الإشارة، فتكلم أصحاب السلك بمحضرنا الذین بمحل الإشارة مع الآخرین و أعلموهم بأن الباشدور و أصحابه قد رأوا ذلك و تأخروا، فعند ذلك تكلم الآخرون بالبوق و أجابوهم الذین معنا یعلمون بذلك بعزم خروج المدفع، ثم رأینا دخان الخبش قد صعد و شاهدنا أثره تلك الكونبرة العظیمة قاصدة تلك اللوحة كأنها قربة ماء، و أصابت تلك اللوحة و رحلت بها و طارت، و لها صوت بین الجبال كالصاعقة، و نزلت بحجر جبل و ارتفعت منه غبراء كثیرة/ 326/ فتقدمنا إلی تلك اللوحة التی سقطت، فرأینا الضربة فی السواد الذی فی وسطها.

هیئة السواد الذی فی وسط لوحة الإشارة

و أما هذا السواد الذی فی وسطها، فهو شكل مربع غیر مستطیل بل متساوی الأضلاع و لعله- و الله أعلم- یمكن أن یكون هذا المربع محیطا بدائرة خزنة المدفع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 378
الكبیر، هكذا ترجم عندی، و دلیله الخط المفتوح علی رق الشعرة الذی فی وسط النیشان الذی یركبونه عن یسار خزنة المدفع، إذا توهم نزول هذا الخط المفتوح إلی الأرض، یكون مماسا لدائرة خزنة المدفع عمودا علی الخط الخارج من نقطة التماس المار بمركز دائرة الخزنة، و حیث یكون النیشان مركبا علی هذه الكیفیة، فالناظر فی الخط المفتوح فی النیشان حالة تحقیق مسامتته للإشارة، بحیث یكون تحریك الكریطة و دورانها یمینا أو یسارا، إنما ذلك لعدم انطباق الشعاع الخارج من بصره النافد من الخط المفتوح فی النیشان علی الضلع الأیسر من المربع الذی فی وسط لوحة الإشارة المصبوغ بالسواد، و لا یكون یطلب إلا مسامتتهما لأنه لو كان یطلب غیر مسامتتهما لكان إما أن یطب وقوع خط النیشان علی السواد أو خارجه، و فی ذلك من الخلل ما لا یخفی، و أیضا فعند مسامتة الخطین مسامتة حقیقیة و انتصاب المدفع انتصابا لا میل له إلی جهتی الارتفاع و الانخفاظ، یكون قطب دائرة فورمة المدفع مسامتا لقطب الدائرة المتوهمة فی سواد لوحة الإشارة، المماسة لأضلاع مربعة، لأنه لا یمكن مسامتة قطبی الدائرتین المذكورتین إلا بمسامتة خط النیشان لخط الضلع المقابل له من أضلاع مربع السواد المذكور و الله أعلم. هذا ما ظهر لی فی ذلك و العلم لله، و لم یتقدم لی عمل مع الطبجیة فی علم رمایتهم، لكن كان منهم من ینتمی إلی، و یأخذ عنی قواعد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 379
حسابیة یستعین بها علی خطته، فكان ینتفع بها/ 327/ لكنهم سامحنا الله و إیاهم، یبخلون عن متعلمیهم بكشف دسائس الرمایة، و إظهار علل أعمالهم، «و لو صدقوا الله لكان خیرا لهم» . و قد خرجنا عن الموضوع و لكن للحدیث شجون، و لیس ذلك بممنوع، رجع اللوحة التی سقطت عند نفود الكنبرة فی سواد وسطها، كانت منصوبة وسطا و عن یمینها لوحة و عن یسارها أخری، كل منهما مثل الوسطی طولا و عرضا، و هما غیر متصلتین بالوسطی بل بینها و بین كل واحدة من اللوحتین نحو نصف أصبع، و الوسطی لیس لها خشبتان من ورائها بخلاف الأخریین، فلذلك حین أصابتها الكونبرة رحلت بها بتمامها، و بقیت اللوحتان الأخریان فی مكانهما، ثم انتقلنا إلی ألواح آخر منصوبة إشارة أیضا قریبة من الألواح الأخر لكن جعلوها علی كیفیة صفوف العسكر، بحیث نصبوا ألواحا متصلة بعضها ببعض فی صف واحد وراء ألواح أخر مثلها فی صف آخر، ثم ألواح أخر جعلوها كالصف الثالث و طول الصف نحو ثلاثین خطوة، و صاروا یضربون هذه الصفوف بالكونبرات بمدافع الجر.
فضربوها أولا بأربع كونبرات واحدة إثر أخری بینهما مقدار قراءة سورة الإخلاص مرة واحدة، ثم ضربوها أیضا بأربع أخری ثم كذلك مرة ثالثة و رابعة و خامسة، و فی كل مرة یكون تتاربع الكونبرات أقل مدة من تتابعها فی المرة قبلها، و غالب هذه الكونبرات كان یتفرقع بین صفوف تلك الألواح و الناذر منها كان یتفرقع بقربها أو بعد مجاوزتها بقریب، و فی المرة الأخیرة أخرجوا المدافع كلها فی لحظة واحدة فتفرقعت كونبراتها بین الصفوف كخروج الحاضرون، ثم تقدما إلی تلك الألواح التی كانوا یضربونها، فوجدناها كالغرابیل من/ 328/ شدة نفود خفیف الكونبرات فیها، و بعضه لم ینفد و بقی مدفونا فی وسطها، و هذه الألواح مدعمة بالخشب من وراء فبذلك لم تسقط، فتعجبنا من ذلك غایة العجب، و ذكر الترجمان إذ ذاك أن بعض العسكر الذین كانوا معنا یقولون عند رؤیتهم نفود الخفیف فی تلك الألواح، هكذا تكون ذوات بعضهم عند الحرب، و العجب الكبیر إنما هو من إصابة الكونبرة الكبری بالمدفع
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 380
الكبیر السواد الذی فی وسط لوحة إشارته، مع البعد الذی بینهما، و هو ثنتا عشرة مائة متر، أزید من میل واحد بكثیر.
ثم رجعنا إلی الطبجیة و شكر الباشدور حسن رمایتهم و شدة إتقان قواعدها فتأدبوا معه أدبا كبیرا، و قالوا قد أسعدهم الله به و بقدومه لهذا المحل و حضوره لتجربة الرمی بذلك المدفع الكبیر، و قد سخر الله لهم فیه بسببه، هكذا ذكر ترجمانهم عنهم فأجابهم بما یقتضیه الحال و ودعوه متأدبین مع سیادته، ثم رجعنا فی الأكداش و فی بابور البر إلی طورین، بعدما دخلنا لأوطیل فی الطریق كان خرج إلیه الطباخ و خدام آخر یهیئان لنا فیه الغداء، و تغدینا هناك، و ذلك المدفع الكبیر ذكروا أن كورته وزنها ثلاثمائة كیلو و خمسون كیلو، و هی تعدل سبعة قناطیر إلا نزرا یسیرا، و أنها تخرق بوردول المركب من الحدید، إذا كان فی عرضه أن البوردول تسع بلقاضات، و لو كان فی مراسی مولانا السعیدة منها شی‌ء فی أبراجها، لكان ذلك من الاستعداد بالقوة الظاهرة فی الوقت بحسب الاستطاعة، لا بحسب العناد بحیث تكون العدة التی عندنا مماثلة للعدة التی عند النصاری كیفیة و عددا، لأن فی ذلك حرجا و مشقة، و المولی جل علاه سلك بهذه الأمة المحمدیة/ 329/ مسلك اللطف و الفرج . فقال عز و جل وَ ما جَعَلَ عَلَیْكُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ و إنما أمرنا سبحانه بالاستعداد بحسب الاستطاعة، فقال تعالی وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ و لم یقل مثل استعدادهم لطفا بهذه الأمة و رحمة بها، فله الحمد علی هذه المنن الواقیة و الألطاف الخافیة أدی الله عنا شكرها بفضله آمین، آمین، آمین.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 381

الخروج لفابریكات الحریر بطورین‌

و فی یوم الأربعاء التاسع منه، توجهنا فی الأكداش لفابریكات الحریر، فدخلنا أولا لدار یبیعون فیها الحریر شعرة خام، لكن رقة شعرته أظن مقدار ست شعرات منها إذا فتلت تكون كرقة شعرة الإنسان، و هو یمیل للبیاض قد رأیت مثله فی مدینة من مدن غربنا، و كل مدجة منه علیها میزانها و طول شعرتها و هم یزنونه بمیزان الرمانة ، و غایة ما یزن بهذا المیزان مائتی كیلو، فحین رأونا نتأمل ذلك المیزان أخذوا خمسة اكرام و هو من الصروف الرقیقة عندهم، یقال أن الأوقیة فیها مائة و خمسون من الأكرام، وضعوا تلك الأكرام الخمسة فی طرف العمود الذی یضعون فیه السلع عند وزنها، و فی طرفه الآخر موری یمر رأسه بدائرة رسم فیها عدة الاكرام لتحقیق الوزن عند وقوف صرف الوزن الكبیر بین شرطتین من خطوط العمود، و لم یدر نسبته القدر الزائد الذی وقف فیه الصرف خارجا عن الخط، فهذا الأكرام یبینه تحقیقا، و عند وضع تلك الأكرام الخمسة فی طرف العمود صار ذلك الموری یدور حتی وقف فی رقم خمسة، علامة وزن ذلك الصرف الصغیر الذی وضع فی طرف العمود، و هذا الحریر لا یبیعون شیئا منه ییبسونه بالنار اللطیفة، و كیفیة یبسه أنهم صنعوا صنادیق من ورقة النحاس و جعلوا تحتها نارا لطیفة ینصبون/ 330/ فوق كل صندوق میزانا له عمود یجعلون بأحد طرفیه خیطا یربطون فیه مدجة من الحریر، و یرسلونها إلی الصندوق من فرجة فی وجهه، و فی الطرف الآخر من العمود صرف فیه وزن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 382
تلك المدجة من الحریر، فإذا مرت علیه مثلا ساعة واحدة و هو مرسل بداخل الصندوق یعرفون كم نقص بسبب یبسه، و إذا مرت علیه ساعتان زاد النقص، و یجعلون لكل عینة من الحریر ثمنا علی حسب طول مكثه فی ذلك الصندوق، ثم وجدنا نساء مشتغلات بتحویل الحریر و یجعلونه مدجات متساویة، و شعرات الحریر حین تمر من الناعورة الكبری إلی النواعیر الأخر، تمر علی قضبان رقاق من البلار معكوفة الرؤوس كهیئة رأس البریمة الصغیرة، و بقرب الناعورة مجانة تخبر بقدر طول الخیط من الحریر الذی مر عند التدویر، فإذا مر منه طول أربعمائة متر و خمسین مترا، تقطع الخیط وحده فتزال تلك المدجة و تستأنف أخری، و هكذا و الغرض منه لیكون النساج علی بال من طول شعرات المدجات كما قیل، ثم أوقفونا علی میزان یعرفون به قوة الحریر و صحته، و ذلك أنهم یأخذون شعرة منه طولها نحو ربع ذراع، و تمسك فی لوحة من حدید و یجعلون فی طرفیها تقالة و یدیرون ناعورة صغیرة، فتأخذ تلك الشعرة تمتد إلی أسفر و تطول حتی تتقطع، فعند ذلك ینظرون الدرجة التی تقطعت فیها، و منها یعرفون قوة ذلك النوع من الحریر/ 331/.
ثم توجهوا بنا إلی دار فابریكة نسج الحریر، فوجدناها علی الهیئة التی ذكرناها فی مدینة لیون، و فیها من ألوان الكمخة عینات شتی، منها ما فی عرضها أزید من قالتین، و كذلك من أنواع المشجر منه ما هو من لون واحد و منه ما هو من ألوان.
ثم دخلوا بنا إلی دار یبیعون فیها الثیاب المنسوجة من الحریر، و صاروا یفتحون الشقق و الأطراف المیشطرات و ینشرونها أمامنا، فقیل لهم إننا لم نأت بقصد التجارة لكن دخلنا إلی هذه الدار بقصد رؤیتها فلا تتعبوا أنفسكم، فقالوا أنهم فرحوا بدخولنا لدارهم و من حقهم و اعتنائهم أن یبینوا لنا جمیع العینات التی عندهم. ثم یطوی ذلك و یرد لمحله فكانت تلك العینات لا تكاد تحصی، لكنها من الحریر فقط، أو حریر أو قطن لا شی‌ء فیها من الصقلی.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 383

الدخول لمیلان‌

و عند الغروب من هذا الیوم، خرجنا من طورین و ركبنا فی البابور، ذو خرج عامل البلد لوداعنا مع جماعة من أعیانهمذ، قاصدین مدینة میلان، فقطعنا اللیل كله سفرا و وصلنا إلیها فی الساعة الثامنة نهارا، من یوم الخمیس عاشر شعبان و أنزلونا بأوطیل من الأماكن المعتبرة فی هذه البلدة، فوجدنا الفرش منصوبة، لكل فراش یخصه فی محله، و فیه ما یحتاج إلیه من الضروریات مثل الماریو لوضع حوائجه، و طبلة الكتابة و شوالیها و المرایا العظیمة، و أوانی الماء و الزیوف النقیة، و وجدنا موائد الفطور منصوبة/ 332/ مهیئة علی العادة، و بعد ما تناولنا من تلك الأطعمة ما دعت الحاجة إلیه، أتوا بالأكداش و طلبوا منا الخروج و الركوب فیها،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 384
فساعدناهم فمررنا علی كنیسیة عظیمة ، ما رأینا مثلها فی الكبر و لطافة البنیان و النقش البدیع و الشكل الرفیع و القبب اللطیفة المحیطة بها، و التی فی وسطها، و یقال إنه لیس فی بلاد الروم مثل هذه الكنیسة، فی الرقة و اللطافة، و كذلك الدیار التی تبنی بها الآن فهی أفضل و ألطف حتی من بناء دیار باریس، و قیل إنه یحیط بها وادی عظیم و هو یشقها طولا و عرضا بمواضع متعددة، و فیه فلك كبیرة ینقلون فیها بعض الأمتعة من مكان إلی مكان، فإذا كان الفلك مارا مساعدا لجریان الماء، فیكتفی بدفع الماء للفلك، و عند الرجوع یربطون الحبال فیها، و یعلقونها فی أشراك الخیل فتجرها فی الشاطئ.

فابریكات الفخار

ثم توجهوا بنا إلی دار فابریكة صنع الفخار ، فحین دخلنا إلیها وجدنا الحجر
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 385
موضوعا صلبا كأنه رخام، یفرشونه و تدور علیه الأرحاء علی حرفها فتسحق ذلك الحجر سحقا حتی یصیر غبراء، ثم یجعلونه فی برامیل مصفوفة عندهم فی خزین آخر، و یجعلون فیها الماء، و فی وسط كل برمیل خشبة من حدید رأسها الذی فی البرمیل فیه ریشات حدید، و الرأس الآخر صاعد إلی قناطیر منصوبة أسفل السقف طولا و عرضا،/ 333/ و رؤوس الخشب من الحدید المذكور، كلها مسمرة فی تلك القناطیر و هی أی القناطیر بسبب اتصال بعضها ببعض، صارت كذات واحدة و المكینة تدیرها دورانا رحویا، و بسببه تدور رؤوس الحدید ذات الأریاش التی فی داخل البرامیل، و بذلك یتحرك الماء و التراب الذی فیها حتی ینحل ذلك التراب و یلین، ثم تقدموا بنا إلی محل آخر وجدنا فیه مثال ساری مجعوبة منصوبة علی الأرض، و فی أحد طرفیها فرجة مواجهة إلی نحو السقف، و أتوا بالطین المعجون و رموه فی باطن تلك الساریة من تلك الفرجة فصعد من باطن الساریة قطع من الحدید، و صارت تجدب ذلك الطین المعجون و تدكه فی باطن الساریة إلی الطرف الآخر، و فیه فرجة أخری یخرج منها ذلك الطین عند دكه و یتصاعد، فیفصلونه بخیط قطعا قطعا و یرمونها فی الفرجة الأخری، فتدكه المكینة ثانیا و ثالثا، و هلم جرا، هذه هیئة عجن الطین عندهم، فإذا تم عجنه و طاب یرفعونه إلی المتعلمین فیعجنون شیئا یسیرا علی الهیأة المعهودة فی غربنا، ثم یناولونه للمعلمین فوجدناهم یصنعون منه طباسی كبیرة إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 386
و صغیرة، و طباسی كؤوس الأتای علی نواعیر یدیرونها بأیدیهم، و منهم من یدیرها بأرجلهم علی الكیفیة المعروفة إلی غیر ذلك من الكیفیات، و وجدنا أناسا آخرین یصنعون الغراریف الكبیرة التی یكون فمها منعطفا إلی أسفل، و لها قوالب لكل واحد قالبان قد حفر فیهما نصف/ 334/ الغراف بنصف فیه، و كیفیته ذلك أنهم یأخذون قطعة من الطین و یبسطونها حتی تصیر كالرغیف الكبیر، و یأتون بنصف القالب و یرمون فیه یسیرا من غبرة كالرماد، و یجعلون فیه ذلك الطین المذكور، و یلصقونه بداخله و بسائر جوانبه و بفمه ثم یدلكونه حتی یصیر مستویا، و یفعلون بنصف القالب الآخر مثل ذلك، یم یؤلفون القالب و یجمعونه نصفا لنصف و یشدونه شدا محكما، هذا ما رأینا من صنعة هذه الغراریف.

كیفیة تزویق الفخار

ثم أتوا بنا إلی محل آخر، وجدنا فیه نساء كثیرات مشتغلات بتزویق الطباسی التی خرجت من النار، و كیفیة ذلك أن النقش و التزویق الذی یكون فی الطباسی، من لون واحد یكون منقوشا عندهم فی لوحة من حدید، و یجعلون علیها طلاء من اللون المراد، ثم ینشرون فوقها ورقة كاغد لطیفة ألطف من العنكبوت، و لهم ناعورة فیها لولبان كبیران، قد لف علیهما بل علی كل واحد منهما بحدته لبدة الصوف، و یجعلون تلك اللوحة بورقتها بین اللولبین، و یدیرونهما بالید المعدة لذلك، فتمر الورقة من الحدید من بینهما فیضعونها فوق صندوق من حدید، فی داخله نار لینة و بوضعها علیه یأخذ أحدهم طرفی ورقة الكاغد، و یرفعها بلطافة من ورقة الحدید فتنفصل عنها و قد رقم فیها ذلك التوریق الذی فی لوحة الحدید، و لا یتمزق شی‌ء منها مع شدة لطافتها و لعله بواسطة النار التی فی داخل ذلك الصندوق/ 335/ ثم یدفعه لبنت صغیرة، فتأخذ القدر الزائد من الورقة بمقراض، و تدفعها لأخری فتبسطها علی الطبسیل و تدلكها بقطعة من عود حتی تنبسط كلها، ثم تضع هذا الطبسیل علی یمینها حتی تزید علیه نحو أربعة أو خمسة، فعند ذلك تأتی متعلمة أخری، و ترفع تلك الطباسی و توصلها إلی امرأة أخری، و تضعها فی كوب عن یمینها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 387
فیه ماء، و تأخذ واحدا بعد واحد و تزیل منه الكاغد بشطابة، فیزول الكاغد و یبقی التوریق بحاله لاصقا فی الطبسیل، ثم تجمع هذه الطباسی و یوتی بها إلی آخرین فیرسبونها فی كوب فیه ماء أحمر، و لعلهم یردونها بعد ذلك إلی بیت النار، و ذلك لتزلیجها و به یزید ضیاؤها و لمعانها، و أما الأوانی التی تكون فیها ألوان كثیرة فبعدما یفرغون من اللون المفرد الغالب، و یبقی فیها مواضع الألوان یتولی أناس أخر وضع تلك الألوان فی الأوانی بشطیطبات صغیرة علی عادة الزواقة، هكذا شاهدنا بعضهم یزوق بعض الأوانی، و الألوان بین یدیه، ثم مروا بنا علی فرینتی بیتی النار التی یطبخون فیها الأوانی، فوجدناهم یخرجونها من إحداهما فی أحكاك من فخار، كل حك یرصفون فیه أوانی قدر ما یسع، و یجعلون علیه غطاء علی قدره من الفخار كشقفة مبسوطة، و هم یخرجونها حكا بعد حك، ثم صعدوا بنا إلی طبقة هذه الدار، فوجدونا فیها عینات من الأوانی التی لا تكاد تحصی، منها الأبیض الذی لا تزویق فیه، و منه ما فیه لون واحد أسود منه ما فیه ألوان و هو قلیل، و وجدنا علی مائدة آنیة كبیرة كهیئة الجلاسیة، و تزویقه كتزویق أوانی الطاووس، فقالوا أنها من عمل تلك الدار ثم خرجنا منها بعدما شكر الباشذور عملهم و استعظمه لهم، فسروا بذلك غایة السرور و رجعنا إلی محل النزول، فبتنا فی هذه المدینة ذلك الیوم .
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 388

التوجه إلی جنوة

و فی یوم الجمعة بعد صلاة ظهرها فی الساعة الثانیة عدا ثلاث عشرة دقیقة و هو الحادی عشر من شعبان سافر بنا بابور البر من میلان إلی جنوة بعد ما خرج عامل البلد و الأعیان للوداع علی العادة، و كثر وقوفه فی الطریق فی مدن لأجل الوضع و الحمل علی عادته، و أحصیت عدة وقوفه فكان تسع عشرة مرة و جمعت مدد الوقوف بعضها ببعض فكانت ساعتین غیر دقیقتین، و كان وصولنا إلی جنوة فی الساعة التاسعة من لیلة الأحد بل السبت الثانی عشر منه فمدة سیرة البابور علی هذا خمس سوائع و ربع.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 389

ناذرة من نواذر الزمان ترشد إلی اتخاذ الحذر فی بلاد الأمان‌

و ذلك أننا لما رجعنا إلی مدینة طورین فی یوم الجمعة الرابع شعبان ، و بنفس وصولنا و وصول صنادیق حوائجنا إلی محل النزول، أذن الأمین الحازم الضابط الطالب السید بناصر غنام أحد الخدمة بفتح الصندوق الذی فیه مال المخزن، و ذلك من حزنه كما هو دأبه مهما غاب عنه هنیئة ما یرجع و یفتحه لیطمئن خاطره،/ 337/ فحین أزال الخدام الذی كان شده، القنبة التی كانت مشدودة علیه، و رام الأمین فتح قفله بمفتاحه وجد القفل مفتوحا، فرفع غطاءه و بحث عن الخنشة التی كانت فیه فلم یجد إلا محلها فی وسطه فارغا، فطار لبه و اضطرب قلبه و اعترته ألوان و تقصلت منه الشفتان، فقلت هذا العارض الذی غیرك و أی شی‌ء حدث فحیرك، فقال:
فقدت خنشة من المال علی التمام و الكمال، فیها ألف لویز و ضرب الیمین بالشمال، فتكدرنا لذلك غایة الكدر مع أنه لم یكن منه تقصیر فی الحزم و الحذر، و من العجب أنه كان بهذا الصندوق خنشة أخری علی وجهه مفتوحة فیها تسعون لویزا، فوجدها بمحلها، و التی كان مدفونة فی وسطه لا زالت علی شدها هی التی فقدها، و كانت العادة مهما عزمنا علی الخروج من بلد لأخری، یأتی نائب المخزن و تسلم إلیه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 390
الصنادیق و سائر الحوائج و لا یبقی لنا التفاة إلیها، و یتولی حراستها و حفظها حتی یدفعها لأمناء سكة البابور، فیتولون حراستها حتی یأتوا بها إلی محل النزول فی البلد التی ننزل بها، ثم إن الأمین تكلم مع الخدام الذی كان شد ذلك الصندوق بتلك القنبة. ثم كیف وجده، هل علی شده كما شده بیده أو تغیر شده، فقال: لا وجدته علی شدة كما شددته بیدی، فقال: لا بد من تقلیب حوائجكم ظنا منه أن النصاری لا یمدون الید لمثل ذلك، فقال: سمعا و طاعة، و قلب بمحضر مقیده/ 338/ حوائج الجماعة فلم یجد لذلك أثرا و لا وقف له علی خبر، ثم أخبر بذلك الباشدور فقال: أعد البحث فی الصندوق الكبیر، ففتحه و أخذ یضع منه الحوائج التی فیه علی الأرض، فدخل ترجمان دولة الطلیان علینا و نحن فی تلك الحالة، فهاله ما رأی و سأل عن الأمر المهم و الخطب الملم، فقال له الباشدور: حدث لنا أمر غریب و شی‌ء عجیب لكن لم یكن فی ظنی أننا نخبرك به، و لكن حیث قدمت علینا بغتة و عثرت علی هذه الفلتة، فلا بأس بإخبارك بما وقع فأخبره الخبر من أوله إلی آخره، و قال له إنی لا أشك فی أحد و لا أتهم أحدا و لا أشكوا لأحد بشی‌ء، و الخلف علی الله سبحانه، فقال الترجمان: اتركوا ذلك الصندوق مفتوحا علی حاله، و خرج غاضبا، فلم یكن إلا یسیر و إذا به أتی و معه رجلان ، أحدهما قیل من عدولهم و الآخر من خاصة عامل البلد، فرأوا ذلك الصندوق و قلبوه و تكلم معهم الباشدور بم تكلم به مع الترجمان المذكور، فانصرفوا و قال الترجمان ما مضمنه، لا تخافوا و لا تحزنوا بل ابشروا و بشروا فسیقبض السارق و لو كان یطیر كالبارق، ثم تبعهم و بقینا متكدرین محزونین متغیرین، فغاب عنا الباشدور هنیئة من الزمان، و رجع متهللا كأنه ما به فزع، و قال: ما بالكم قد أسرفتم فی الكدر دعها سماویة تجری علی قدر، فسیظهر الفرج و یجعل الله من هذا الضیق المخرج، فإن باطنی قد سكن و عادته إذا سكن
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 391
/ 339/ باطنی من أمر مهم تكون عاقبته محمودة، و استقرأت ذلك من أحوالی مرارا، و حتی أنه إذا لم یظهر هذا المال فما یفید الحزن و الكدر، فالمصیبة فی المال نعمة عظیمة بالنسبة للمصیبة فی الأبدان، ففرج عنا بعض الفرج، ثم إنی خرجت قاصدا محل الوضوء بعد أذان الظهر، فصادفت یهودیا كان خرج من طنجة ترجمانا أیضا، فأخبرنی أنه ورد الخبر فی السلك بقبض واحد من السراق فی مدینة مضان، و بیده بعض المال ما یزید علی ثلاثمائة لویز، و أقر بسرقته و أن معه رجلین آخرین، و هم أمناء البابور الذین كانوا یحرسون صنادیق الباشدور لیلة السفر، و كانت مرت تلك اللیلة كلها مطرا و رعدا و برقا، و أنهم جادون فی البحث عن الرجلین الآخرین، فأدخل علی سرورا عظیما، و رجعت إلی الباشدور و الأمین فأخبرتهما بذلك، فقال لو كان هذا الخبر حقا لأخبر به ترجمان الدولة، إذ هو الذی طاف برجله علی ثلاثین دارا من دیار السلك، و وقف علی ذلك حتی انتشر الخبر فی جمیع المواضع، و أخبر بانتصاب العیون و الجواسیس علی هؤلاء السراق، و لكن نرجو الله أن یحقق ذلك، ثم توضأت و صلیت ظهر الجمعة، و سألت الله تعالی بإضطرار كبیر أن یكشف عنا ما نحن فیه، ثم إن ترجمان الدولة لم یرجع إلی الباشدور حتی فاتت المغرب، و عند دخوله بشره بظهور المال و قبض أحد السراق كما أخبر ذلك الیهودی، و قال: فی الغد بحول الله یظهر الباقی/ 340/ إن شاء الله، و فی صباح یوم البت الخامس منه ، شاع الخبر بقبض الثانی من السراق فی محل لم أثبت علیه، فحین طلعوا علیه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 392
لقبضه تردی و رمی بنفسه علی رأسه من كوة إلی الأرض، ثم أقر الثالث الذی كان معهم و عرف به و مات بعد ذلك، و فی وقت الضحی ورد الترجمان و أخبر الباشدور بهذا الخبر، و إن جملة ما وجد عند هذا الثانی خمسمائة لویز و زیادة، و مجموع هذا مع ما وجد عند الأول ثمانمائة لویز و ثمانیة و ستون لویزا، و بقی لتمام الألف مائة لویز و اثنان و ثلاثون، فأجابه الباشدور بقوله: لا أقبل منكم شیئا من هذا حتی تأتوا بالخنشة التی كان فیها المال، فإن ظهرها مرقوم فیه عدد ما كان فیها من اللویز و وزنه بخط نائب مولانا بطنجة، فقال: سیبحثون عنها و تأتی بحول الله، ثم بعد ذلك قبضوا الثالث الذی كان أقر به الآخران، فأنكر فسجنوه و بحثوا فی داره غایة البحث، فوجدوا العدد الباقی من اللویز قد أخفاه مع كواغد أخر فی جعبة الدخان، و بعد ظهور هذا الحق و وضوحه و إقرار ما أقر من السراق، أتی وكیل المخزن و وكیل السراق و عدل واحد، و سمعوا من الأمین المذكور دعواه و قیدوا جمیع ما سمعوه منه، و سألوه عن اسمه و نسبه و بلده و سنه، و هل هو متزوج أو لا، و هل له أولاد، و طلبوا منه رؤیة الصندوق الذی كان فیه المال، فأخذوا قیاس طوله/ 341/ و عرضه و ذهبوا و طلبوا من الترجمان أن یحلف یمینا علی أن الباشدور سرق له الألف لویز، فقلنا له ما معنی هذا بعد إقرار بعض السراق و وجود العدد المسروق بتمامه دون زیادة و لا نقص، فقال: إنهم یقولون ربما یكون من أقر خرج عقله و أنه لا بد له من الحلف برومة- و الله أعلم، ثم تحیر هذا الترجمان من قول الباشدور: لا أقبل الدراهم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 393
إلا إذا حضرت الخنشة ، و من طلبه بالحلف و هو نعم الرجل ذو أخلاق حسنة یحسن اللغة العربیة نطقا و كتابة و التركیة و غیرها من لغات الروم، و هو القونصو عند هذا الجنس بحلب، و أتی منها عند إذن عظیم دولتهم للقاء الباشدور فی الحدادة فی مدینة مضان كما تقدم، ثم إنه ذهب إلی السجن و سأل المسجونین عن الخنشة التی كان فیها المال، فقالا حین اقتسموه ألقوها فی الوادی لیلا یعثر علیها، و بعد ذلك أتوا بالعدد الذی كان عند الأولین، و دفعاه للباشدور و تأخر دفع الباقی بعد ذلك بنحو أربعة أیام، حتی قیدوا الدعوة فی الكنانیش علی وجهها و كیفیة فصلها، بعد ذلك أتوا بتلك البقیة و دفعوها، و حازوا خط ید الأمین برد الألف لویز له علی التمام و الكمال، و حین كنا دخلنا السجن بطورین تلاقینا مع الحباسة ، و وجدنا لهم عدة كنانیش فی خزائن فی ذلك المحل، ففتحوا كناشا و وجدنا فی وسطه تقیید المسجونین فی أی یوم دخلا للسجن، و سبب سجنهما، و سن أحدهما ست و ثلاثون سنة و الآخر نیف و أربعون سنة./ 344/ .
... فی تلك المدة حتی یئس من الدراهم التی كان أعطاها له، و تیقن أنه أفسدها، و بعد ذلك قدم علیه لمصر، و دفع له دراهمه بتمامها و أضعافها من واجبه فی ربحها، فامتنع من قبولها منه و تركه عنده فی حكایة یطول ذكرها علی حسب ما ذكره لنا،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 394
و حین تأملت فی حاله و قضیته قلت فی ذلك من البحر الطویل.
تیقن بأن الله یعطی و یمنع‌و یخفض أحیانا و تارة یرفع
له الفضل و الإحسان فی كل حالةفسلم ففی التسلیم فضل موسع
و كن واثقا بالله فی نیل رزقه‌و خل سبیل الحرص إذ لیس ینفع
و لا تترك الأسباب منك توكلاو باشر و لكن بالتی هیّ أرفع
و إن ضاف عنك الرزق یوما فی بلدةفدعها لعل الرزق عنك مخبع
و سارع إلی أخری فلست ممجداو خیرها مصر طالبت فیه المزارع
تحل بوصف الصدق فی كل موطن‌نصحتك فاقبل منی إن كنت تسمع
و إن فتحت أبواب الرزق تكرماعلیك فكن للشكر دائما تفزع

زیارة مدینة بیلی‌

و فی یوم الأحد الثالث عشر منه ، توجهنا فی بابور البر إلی مدینة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 395
بیلی بجوار جنوة من جهة غربیها بینهما نحو ساعة غیر ربع بمسیر بابور البر و هناك جبال مشرفة علی البحر، فلما وصلنا إلیها طلع بنا القونصو، أی الترجمان الذی معنا إلی أوطیل، صعدنا إلیه فی درج من الرخام طول كل درجة نحو أربعة أذرع، و أتی لنا بشی‌ء من الفواكه و حلواء الثلج، ثم خرجنا منه إلی سطح مربع طوله/ 345/ ستون خطوة و عرضه ثنتا عشرة خطوة، و هو مفرش بالرخام رخامة بیضاء و أخری زرقاء و هكذا، و له دربوز من الرخام الأبیض محیط بجهاته الثلاث، له شراریف من الرخام مخروطة الشكل من الوسط خرطا فیه تعریج، و أطرافها مبسوطة و القناطیر التی توضع علی هذه الشراریف من الرخام طول كل قنطرة تسعة عشر شبرا بشبر مقیده، فوقفنا هناك هنیئة تارة مستشرفین علی البحر، و تارة علی الجبال المقابلة له و العراصی و البساتین التی بها و القبب المبنیة فیها، ثم نزل الترجمان و طلب من الباشدور الدخول إلی إحدی تلك العراصی التی فی تلك الجبال القریبة إلینا، فساعده فمشینا راجلین فی طرق متسعة فتحت فی هذا الجبل، و غرس عن الیمین و الیسار أشجار كأشجار البلز متصاعدة مع الجبل بعضها فوق بعض، فانتهینا فی الطریق إلی قبة مربعة فی كل ربع نحو عشرة أذرع، فی كل ربع باب كبیر دفتاه من الزاج المورق بالألوان، و أحاط بربعها نبحان فی كل واحد قوسان علی ساریة من الرخام، و قد نقشت هذه القبة و النبحان نقشا رقیقا لطیفا كنقش الجباصة بفاس، فسئل الترجمان عن هذه العرصة لمن هی، فقال: لتاجر من التجار، و أن هذه القبة بناها صاحب هذه العرصة اعتناء بملكة النامسة كانت دخلت لهذه العرصة، و جلست للاستراحة فی ذلك الموضع الذی بنیت فیه القبة و ذلك قبل بنائها، و بعد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 396
خروجها شرع ذلك التاجر فی بناء تلك/ 346/ القبة احتراما لذلك الموضع و تعظیما له. ثم تقدم بنا إلی قبة أخری شبیهة البناء بالأخری، غیر أنها مثمنة الشكل فی كل ثمن زاجة من الزاج الملون المورق، منها زاجة ذهبیة تقابلها أخری مثلها، و كان أصابها شعاع الشمس، فیكون الناظر فیهما معا یری وراء الزاجة المقابلة كأنه یلتهب نارا، و علی كل زاجة شبكة من السلك الرقیق مظفورة ظفرا عجیبا محافظة علی الزاج، ثم ذهب بنا إلی جبل صنعوه باختیارهم و نصبوه علی وفق مرادهم، فحین وصلنا إلیه دخلنا فی مغارات فی وسطه واحدا إثر واحد، و الشمع موقود فی الطرق و سقف هذه المغارات و طرقها من الطین قریب من ررؤوسنا، و فیه طین بارز صغیرا و كبیرا كأنه كان یتقاطر منه الماء، و كل ذلك من مبانیهم و أعمال المهندسین منهم، یحكون بذلك كهوف بعض الجبال و مغاراتها و طرقها، فساروا بنا حتی وصلوا إلی طرق فی وسطه قد غمرها الماء، و فی هذا الماء فلكان صغیران فركب الباشدور و الترجمان فی فلك، و ركبنا نحن فی الآخر و المخازنیة معنا، و أخذ أصحاب الفلكین یدیرونهما بالمقادیف بین الطرق و المغارات، لأن الطرق لیست علی سمت واحد بل تنعطف یمینا و یسارا، و هذا كله و نحن فی وسط هذا الجبل المصنوع، و هم یسیرون بنا فی وسطه علی تلك الحالة حتی خرجوا بنا إلی بركة كبیرة من الماء راكض فیها لا یتحرك، و لم نر له مخرجا فنزلنا من الفلكین/ 347/ إلی العرصة المذكورة، فدخل بنا إلی قبة صنعت من أعواد الشجر مستدیرة الشكل، و قد غرس بأسفلها نبات كاللوایة ، فالتوت أوراقها علی القبة بأجمعها، و سقفها علی شكل البیضة، فدخلنا إلیها فصار الماء یتقاطر علینا من القبة كالظل حتی ظن بعضنا أنه مطر مع أنه لم یكن سحاب ، و لم ینزل شی‌ء من هذا الظل خارج هذه القبة، فتأملنا فیها فوجدناهم أجروا إلیها الماء فی جعبات من الحدید قائمة مع القبة و متصاعدة فی سقفها، و فیها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 397
ثقب رقیق جدا، فإذا أرادوا إرسال الماء بداخل القبة بقصد الفرجة أرسلوه إلیها من خارجها، ثم یصرفونه عنها باختیارهم، و لم یكن الباشدور بداخل القبة وقت إرسال الماء إلیها، و لعله كان خارجا عنها ینظر من بعد، و فی هذه العرصة حیاض فیها نوار علی ألوان و أشكال، و فیها شجرة كشجر الرمان الصغیر مثل قامة الإنسان، و لها أوراق خماسیة كل ورقة من الورقات الخمس رقیقة مستطیلة محیطة بشق المنشار إذا ضرب الإنسان بأصبعه رأس إحدی ورقة من الورقات الخمس تلتوی كلها، و تنحدر إلی الأرض حتی تكاد تسقط من أصلها، ثم توضأنا وصلینا الظهرین هناك، و رجعنا فی الأكداش إلی جنوة، إلی محل النزول.

ملاقات رئیس الفركاطة

و كان أتی رئیس الفركاطة التی هیئت لسفرنا فیها إلی الباشدور، و تلاقی به مع كبرائها و أخبروه أنهم مأمورون بامتثال أمره، یسافرون فی البحر بنظره بحیث إذا أحب المرور علی الجرنة أو غیرها،/ 348/ من المدن یساعده و یقف هناك حتی یأمره بالسفر، فشكرهم علی ذلك، و أخبر القونصوا أی الترجمان أنه لا بد من إقامتنا بجنوة إلی الأربعاء القابل، بقصد الاستراحة فأقمنا بها یوم الاثنین و یوم الثلاثاء منتصف شعبان المذكور.

الخروج من جنوة

و فی یوم الأربعاء السادس عشرة منه ، فی الساعة التاسعة منه، خرجنا من
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 398
جنوة و خرج لوداع الباشدور عامل البلد و كبراؤها، و تهیأ العسكر بشاطئ البحر مع أصحاب الموسیقی، و هیأوا أربعة من الفلك لركوبنا فیها إلی الفركاطة، و تبعتنا فلك عدیدة فیها نصاری رجال و نساء بقصد الفرجة علی عادتهم، و أخرجوا المدافع من أبراج المدینة علی حسب القانون فی ذلك، و عند طلوعنا إلی الفركاطة وجدنا الرئیس و كبراءها متهیئین للقاء، فتلقوا بفرح و سرور و أدب و برور، و حملوا ما فیه الكفایة من الفریشك الدجاج و الضأن و الخضر و الفواكه الموجودة فی الوقت.

مكینة صنع ماء الثلج‌

حتی من الثلج بقصد تبرید الماء. و المكینة التی یصنع بها الثلج فی نحو ربع ساعة، بحیث إذا تم ذلك الثلج تكون هذه المكینة مهیئة لصنعه، و طلبت من الرئیس ذات یوم الحضور لصنع هذه الثلج فی تلك المكینة، فساعدنی و أحضرنی إلی بیته فوجدت هذه المكینة، كهیئة زنبیل الأتای المستدیر الذی یسع نحو رطلین من الأتای، و هو مبسوط الطرفین و له یدان بوسطه ینزلانه علی وقافتین ناتئتین/ 349/ من كرسیها الذی یوضع علی الأرض أو علی طبلة عند الخدمة بها، ثم نزع هذا الزنبیل و هو من العود و وضعه علی الطبلة، و فتح فاه و أفرغ فیه كأسا من حجر الشب و كأسین من النشادیر و كب علیهما الماء، و بوسط هذا الزنبیل حاجز بداخله، ثم سده سدا محكما و ركبه من یدیه علی تلك الوقافتین، و كان فی غطاء الزنبیل عروة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 399
بها یخدمه بحیث یقبضه منها، و یأخذ یجدبه إلیه و یدفعه أمامه، و الشب مع النشادر ینحل كل منهما فی الماء بسبب حركة الخدمة، و بعدما مرت ربع ساعة مجانیة فتح الزنبیل من الجهة الأخری، و أفرغ منها ماء أصفر علی لون الأتای القاطع، و له رائحة كریهة، لأنی شممته قصدا فصعدت فی جعبتی أنفی رائحة كریهة و معها حرارة قویة، ثم أفرغ هذا الماء فی البحر، و فتح الجهة الأخری ذات العروة، فإذا فیها ماء كأصفی ما یكون فأفرغ منه كأسا و ناولنیه فبقیت كالمتردد فی قبضه منه، فتبسم و شربه كله، ثم أفرغ آخر و دفعه إلی فشربته فوجدته كالماء الذی كنا نضع فیه الثلج فی البرودة، و ترددی فی شرب الأول لكونی استقدرته من ذلك الماء الذی خرج منه و قبح رائحته، و لم أدر هل ذلك صفی منه أو كان هناك علی حالته قبل وضع الشب و النشادر و الماء فی الجهة الأخری، و هذا كان بعد تمام الثلج الذی كان صحب معه فی البابور. من جهة الفریشك لكن حیث أنجر الكلام علی الفریشك
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 400
و من جملته الثلج و مكینته ناسب ذكرها هنا و بسط ما شاهدته من خدمتها/ 350/ و كیفیتها. و فی الساعة العاشرة من یوم الأربعاء المذكو، شرعت الفركاطة فی السیر قاصدة سمت ثغر طنجة المحروسة بعنایة الله، من غیر تعریج لبلدة أخری، حیث تبین للرئیس أن الباشدور لیس عنده غرض فی الجرنة و لا فی غیرها، و ذلك بعدما استقر الباشدور فی المحل المنتخب من القامرة، و تعیین بقیة بیوتها لأصحابه و لمن معه من المخازنیة و الخدمة. لكل واحد بیت یخصه، ثم جدت فی السیر من ذلك الوقت لیلا و نهارا، و نحن فی عافیة و بسط من فضل الله و سعادة مولانا المنصور بالله.

الوصول إلی مدینة طنجة

إلی یوم الاثنین الواحد و العشرین من شعبان، و تبین أنه الثانی و العشرون منه، فأرست الفركاطة المذكورة بنا بمرسی طنجة فی الساعة العاشرة منه، فطلع منها إلی الباشدور التاجر الأخیر الطالب السید الحاج محمد باركاش لكونه أوجده الحال بها لغرض له هناك، و معه كاتب والده نائب مولانا المؤید بالله الفقیه السید الجلالی السلوی و غیرهما من الأعیان، فعند ذلك تهیأ كبراء البحریة و الرئیس و لبسوا ثیابهم الفاخرة المرصعة بالذهب، و علی كل واحد نیشان مرتبته، و خرج الباشدور و ودعوه و ودعونا كذلك، و نزل الباشدور إلی الفلك الأول و تبعناه فی أثره، ثم تعلق أولائك البحریة فی درج قنانیب الفركاطة واحدا بعد واحد، و نزعوا شماریرهم و صاحوا صیحة واحدة بصوت واحد ثلاث مرات، و هم یشیرون بشماریرهم من رؤوسهم إلی أسفل،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 401
و ذلك منهم وداع خاص یفعلونه للخاصة و الأعیان من الدول./ 351/ ثم التفت إلیهم الباشدور أشار إلیهم بیده للوداع علی حسب عرفهم، و حیث قرب الباشدور إلی البر أخرجت المدافع القانونیة من أبراج طنجة، و عند النزول بساحلها قرب المرسی وجدنا هناك نائب مولانا المذكور و خدیمه القائد الجلالی بن حم، و الأمناء و أعیان البلد متهیئین للقاء الباشدور، فتلاقوا به هناك و نحن كذلك و طلعنا إلی محل النزول بدویرة ریاض القصبة التی هناك، فنزلنا بها و حمدنا الله سبحانه حق حمده علی ما أسدی إلینا من العافیة و السلامة اللتین هما للعاقل غایة مطلبه و قصده، و سألناه من جوده و كرمه أن یختم لنا هذه السیاحة المباركة بالطلوع إلی حضرة مولانا الشریفة، و التمتع بالنظر إلی طلعته السعیدة المنیفة، بقصد أن نلتمس من سیادته أعزه الله صالح الدعاء، و جلب رضاه و زیارة الأولیاء الأموات منهم و الأحیاء، عسی ربنا سبحانه یكفر عنا بذلك ما اقترفناه من السیئات، و یستمر عنا بكرمه ما اجترمناه من الزلات و قبیح العترات، فإنه علی ذلك قدیر و بالإجابة جدیر.
تمت الرحلة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 403

ملاحق‌

اشارة

إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 405

ملحق 1 ترجمة للأعضاء المرافقین للرحالة فی السفارة

ترجمة الحاج محمد الزبیدی (1220 ه- 1302 ه)

«... ح محمد ابن الحاج الطاهر ابن أحمد الزبیدی الأندلسی الأصل الرباطی، كان رحمه الله من الوجهاء و أكابر الأمناء، ولد بالرباط عام 1220 ه و كان فی أوائل أمره یتعاطی التجارة و حج مرتین و ولاه مولای عبد الرحمان عاملا علی الرباط عام 1260 ه ...» و قد ذكر المؤرخ الناصری تفاصیل الطریقة السلمیة التی سلكها الزبیدی لإزاحة عامل الرباط الحاج محمد السوسی، و توحید رأی أهل الرباط علی تقدیمه مكانه، و تصلبه فی موقفه حتی أرغم السلطان مولای عبد الرحمان علی تزكیة تعیینه مؤقتا عاملا علی الرباط بظهیر شریف بتاریخ 23 رمضان عام 1261 ه، و بعد ستة أشهر نزل السلطان بالرباط و قبض علی الزبیدی و رفاقه و بعث بهم إلی فاس، فسجنوا بها ثم سرحوا بعد حین، و عفی عنهم و قربه إلیه «... ثم أسند له بعد أمر المالیة و الأشغال الخارجیة التی ترد من النائب السلطانی بطنجة إلی الأعتاب الشریفة، و كان وجهه السلطان سیدی محمد لمباشرة قضیة تطوان مع الإصبنیول ...
كنائب سلطانی بجانب محمد الخطیب بتاریخ 14 ربیع الأول عام 1276 ه لتفادی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 406
قیام الحرب، و قد علق الزبیدی عن مهمته هذه فی كناشة توجد عند نجله الحاج أحمد الزبیدی.
یقول «و لما وصلت لطنجة وجدت سفیر الإصبنیول ركب البحر فی مركبه، و أن النائب محمد الخطیب قد سلم المطالب الأربعة التی كان یطلب الإصبنیول التی وجهنا سیدنا أیده الله لأجلها، و ظهر لی من المصلحة موافقة الخطیب علیها، ثم إن النائب الإصبنیولی بعد دخوله لطنجة أمر جمیع من هو من جنسه مغادرة طنجة و الركوب حالا فی البحر، و أعلن الحرب من غیر مفاوضة ... خلافا لبعض المؤرخین كالناصری فی «الاستقصا»، و ابن زیدان فی «الإتحاف».
و قد تنبه الزبیدی أن الجیش المخزنی المتواجد بتطوان بقیادة مولای العباس كان قلیل العدد و العدة «... و قد أعلمت الوزیر بعدد العسكر الذی أنزل العدو بسبتة حسبما وصلنی تفاصیله من جبل طارق و قدره ستون ألفا، و طلب منه التعجیل بتوجیه عدد وافر من المقاتلین و استنفار القبائل و التعجیل ...» .
و بعد هزیمة حرب تطوان عین «... أمینا لاختیار الكنانیش و مراقبة الحسابات التی ترد الحضرة العالیة من قبل أمناء المراسی ...» .
بعد تولیة السلطان الحسن الأول الحكم عین الزبیدی علی رأس مصلحة تقوم بتخلیص القوائم الواردة من المراسی و غیرها و تسجیلها بالدفاتر المعدة لها فی إطار إصلاح هیاكل الدولة المغربیة، بعدها مباشرة اختاره سفیرا رغم كبر سنه لأربعة دول أوربیة، و قدمه لعظماء هذه الدول «... و قد اخترناه من أحظی خدام داخلیة عتبتنا العزیزة و كبراء حاشیتنا حیث اقتضت خدمته و نصیحته تمییزه لما عرف به من السبقیة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 407
فی الخدمة أیام سیدنا الجد و مولانا الوالد قدس الله روحیهما ...» . و بعد عودته من أوربا أسند إلیه عدة مهام مخزنیة كالإشراف علی التشاور مع سفراء الدول لضرب الریال الحسنی، و استیراد الأسلحة و غیر ذلك. كما سیرد بتفصیل فی الدراسة .
و ختم دینیة الرباطی ترجمة الأمین أبو عبد الله الزبیدی فی كتابه «... و لما كبر سنه طلب من السلطان المذكور الإنعام علیه بالاستراحة. و إسناد وظیفته إلی ولده الطالب العربی، فولاه عند ذلك أمینا بمرسی الرباط عام 1302 ه، و ولی مكانه فی وظیفة المذكور ولده المذكور، توفی المترجم صبیحة یوم الجمعة 1 ربیع النبوی عام 1304 ه و دفن بالعلو ...».
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 408

ملحق 2 ترجمة أمین السفارة ابن ناصر (بناصر) ابن أحمد غنام (1262 ه، 1334 ه).

ولد بالرباط حوالی 1262 ه من أسرة منحدرة من قبیلة الغنانمة المغربیة التی تمتد مواطنها ما بین سوس و إقلیم التوات، و من یرجح أن یكون أصلها أندلسیا حسب رسوم عدلیة، و والده أحمد تولی نظارة الأحباس بالرباط سنین طویلة، فلما توفی فی ذی الحجة عام 1290 ه، تولی ابنه محمد النظارة بدله و صار مترجمنا بناصر خلیفة له، سرعان ما عینه السلطان الحسن الأول فی عام 1292 ه بتزكیة من السفیر الزبیدی عضوا برتبة أمین رفقة سفارته، ثم عینه أمینا للمال، ثم ترقی فی أوائل سنة 1300 ه إلی رتبة أمین الاختیار، و كانت تعنی مفتش المالیة و فی سنة 1315 ه نقل أمینا لمرسی طنجة، ثم عین بدار النیابة سنة 1318 ه مستشارا للنائب السلطانی الحاج محمد بن العربی الطریس، و من أعماله هناك تفاوضه سنة 1318 م علی ضرب الریال و كسوره بأنجلترا، و ذهابه سنة 1319 م فی سفارة إلی فرنسا و روسیا صحبة عبد الكریم ابن سلیمان وزیر الخارجیة المغربی آنذاك، ثم أرسل سنة 1320 م إلی الجزائر موفدا من قبل السلطان مولای عبد العزیز لتحیة رئیس الجمهوریة الفرنسیة بمدینة و هران مجاملة، ثم عین فی اللجنة المكلفة بالتعویضات المتعلقة بالخسائر التی لحقت بمدینة الدار البیضاء سنة 1907 م، و بعد ثورة السلطان مولای عبد الحفیظ علی أخیه حاول أن یعینه خلیفة لمحمد الجباص نظرا لخبرته و تجربته الطویلة، لكن السفارة الفرنسیة ثارت علی هذا الترشیح بدعوی عدم استشارتها، و وصفته أنه رجل متعصب من قبل الأجانب، فأرسله مولای عبد الحفیظ عضوا فی سفارة أحمد ابن المواز إلی إسبانیا. ثم استراح المترجم بعد تأسیس الحمایة إلی أن توفی یوم الخمیس 15 صفر عام 1334 ه/ 22 دجنبر سنة 1915 م، و قد رثته جریدة السعادة «... كان
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 409
كثیر الحذر شدید الانتقاد، صادق الوطنیة لحد المبالغة فی بعض الأحیان، و كان فیه نزعة للساسة الفرنساویة ... و لعل تلك النزعة كانت مستمدة من نصائح الوزیر عبد الكریم بن سلیمان ... لكنه كان یضطر غالبا لإظهار غیر ما یضمر نظرا للحالة المخزنیة و اختلاف آراء رجالها فی ذلك الوقت، و سعایتهم ببعضهم البعض، و قد جمع ثروة طائلة خلفها لأولاده ... مات مأسوفا علیه و دفن بعد صلاة العصر فی الزاویة الناصریة ...» .
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 410

ملحق رقم 3: اعتذار من مقیده للمحب الصادق الأمین الطالب السید عبد القادر غنام‌

اشارة

یا فرید الإحسان صدقا و وداو حفیظ العهود قربا و بعدا
قد أتانی منك ألف سلام‌و شذاه یفوح مسكا وندا
فعلیك السلام فی كل حین‌و ثناء علیك شكرا و حمدا
لكن فی ذلك السلام عتاب‌فاق لطفا وراق قدحا و هجدا
أنت مولای عبد القادر غنام الأمین الشهیر صدقا و جدا
فبما لك عندنا من أیادو وداد و فضل لا یحصی عدا
قد ملكت قلبی یا قرة العین فصرت إذاك رقا و عبدا
كیف أنساك و الفؤاد شهید؟منك سله یفدك شوقا و وجدا
ما سهوت و لا تغافلت إلارد بی الخوف من عتابك ردا
أو تظن؟ فالظن بعضه إثم‌حسن الظن، فهو أجمل رقدا
فلولا الفضل منك ما كنت عنی‌سائلا، و قصدتنی به قصدا
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 411 و إلا فما قیمتی و ما قدری‌مع ضعفی حتی تجاوزت حدا
غیر أنك ذو أیاد فحلیتنی‌من أنفس التحیة عقدا
فتجاوز، و سامح بالفعل عنی‌لا ترانی مغیرا لك عهدا
قد أرخته قائلا فی الدعاء:دم یا قرة العین صادقا جدا
44+ 911+ 160+ 166+ 12- 1293 ه مجموع الأرقام لعله یشیر إلی تاریخ نظم القصیدة و هو أواخر المائة الثالثة بعد الألف.

تقییم القصیدة من حیث الشكل‌

حاول المؤلف فی قصیدته أن یصوغ مشاعره الجیاشة تجاه أخ عزیز علیه- صیاغة شعریة مهما كان حالها. فاختار لها إیقاع الخفیف، لكن نظمها جاء مختلا فی جل أبیاتها، الأمر الذی یدل علی أن المؤلف قاصر فی نظم الشعر، و لا سیما فی تعامله مع التفاعیل العروضیة الخلیلیة.
فالقصیدة یطغی علیها تكسیر الإیقاع، فی جل أبیاتها علاوة علی بساطة أسلوبها تركیبا و تعبیرا، مما یفید أن ناظمها لم یكن له إلمام واسع بفن الشعر، و لا بأدواته الضروریة.
و یبدو هذا جلیا فی بعض تركیباته اللغویة، و صیاغاته النظمیة التی هی أقرب ما تكون إلی النثر منها إلی الشعر، و ذلك لخلوها- فی الغالب- من الممیزات و الخصائص الفنیة التی یتسم بها هذا الفن الأدبی الرفیع.
غیر أن المؤلف له عذره، و من غیر أن نلتمسه له. فهو لم یكن شاعرا بالمعنی الأدبی المفهوم من الشعر الیوم. و إنما كان- علی عادة أهل زمانه- مشاركا فقط
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 412
و یمارس شعره علی ما هو علیه كتعبیر ثانی إضافی، یستعین به علی تسجیل ما یقع تحت ألحاظه من مشاهد و وقائع و أحداث، بعد أن ینتهی من تسجیلها بنثره المسجوع، دون اكتراث بما یقع فیه- أثناء النظم- من محظور فی صیاغته الشعریة.
و یمكن أن یطرد هذا الحكم علی سائر ما نظمه فی هذا المجال. لهذا لا أری فائدة فی تصید هفواته العفویة المتكررة، و الملحوظة فی تضاعیف القصیدة، ما دام عذره فی ذلك واضحا و مقبولا (انظر دراسة أحمد الطریس، الشعر المغربی فی ق 19 م» بكتاب الإصلاح و المجتمع المغربی فی ق 19 م. ص 373).
ملحوطة: توجد هذه القصیدة بالصفحة الأخیرة من رحلة الجعیدی. ربما كان الجعیدی ینوی إهداء هذه النسخة لسیدی عبد القادر غنام الذی نبهه إلی جانب أحمد الناصری السلوی علی ضرورة كتابة رحلته هذه السفاریة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 413

ملحق رقم 4: بعض قصائد إدریس الجعیدی التی لم ترد فی الرحلة

لما عاد الجعیدی من الوجهة الفرنجیة صحبة السفیر الزبیدی، مدح السلطان الحسن الأول بقصیدة جیدة فیها إحدی و ستون بیتا كما صرح به ناظمها فی كتاب كتبه لأحمد الناصری ، ذكر له منها الأبیات الثلاث الأول و ستة أبیات من الأخر (الاستقصا، ج 7: 151) و قد نقلها عن الناصری العباس بن إبراهیم المراكشی (الاعلام، ج 3: 39) حرفیا بدون زیادة أو نقصان.
لكننی وجدت بعض أبیات هذه القصیدة فی كناشة أحمد الصبیحی «الفالودج» رقم 1 ب خ. ع. ص بسلا تحت رقم 426 تزید ب 13 بیتا عما ذكره الناصری.
أسالم دهری فی المرام و فی القصدفینقض ما أبرمت للصلح من عقد
و اسأله الرحمی فیبدی ازوراره‌و نفرته عنی فیأعظم ما یبدی
و كم لی أسترضیه و هو مغاضب‌و لا یرعوی عما جناه علی عمد
انتهی ما ذكره الناصری، و یضیف أحمد الصبیحی:
لی الله كم لاقیت فی طرف الهوی‌لی الله كم جرعت من غصص الصد
لی الله كم قاسی الفؤاد من النوی‌و شدته حتی بلغت إلی الحد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 414 لی الله ما جملت فی الحب من ضنی‌و ما بی حب فی سعاد و لا دعد
فیالیت شعری هل أری الدهر منصفی‌فیذهب عنی ما برانی من وجد
و اطرح عنی عتبه و شكاته‌و انزع عنی ما لبست من الجهد
صبرت و إن الصبر صبر مذاقه‌و لكن مثال الصبر أحلی من الشهد
لئن لم أنل من ذا الزمان لبانتی‌فإنی علیه ما حییت لمستعدی
و من ینصف المظلوم منه و یكتفی‌به غیر من یسعی إلی الأجر و الحمد
سأقصد مأوی العدل و الحلم و الندی‌عسی عطفة تبدو من الطالع السعد
و من لی بلقیاه و بینی و بینه‌كمثل الثریا و التراب من البعد
بلی بابه المقصود كل یؤمه‌فیظفر بالمطلوب فورا و بالرفد
علیك به فانهض سریعا مبادراو سابق إلی ظل من العدل ممتد
شریف اسمه منه اقتبس كل مطلب‌تساعدك الأقدار بالنجح و الرشد
یعود أحمد الناصری لذكر ستة أبیات من الأخر:
و هذی بنات الفكر منی هدیةإلی الملك المنصور ذی الجود و الرفد
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 415 فإن أهملت عدلا فإنی مهمل‌و إن صادفت وقت القبول فیا سعدی
و ما كنت فی باب القریض مبرزاشهیرا و لكن تعاطیته جهدی
لأجل امتحانی لذت فیه بربنافأصبحت ذا وجد و قد كنت ذا فقد
فها أنا ضیف زائر لحماكم‌و حسبی رضاكم فهو نفس المنی عندی
و یا ربنا اعط الأمیر مرامه‌و ظفره بالمطلوب منك و بالقصد
كما ذكر أحمد الصبیحی فی كناشته العلمیة- الفالودج بعض القصائد الأخری لسیدی إدریس الجعیدی السلاوی لم یذكرها المؤرخ الناصری و لا غیره:
القصیدة الأولی: یجیب فیها الشیخ الجلیل سیدی، الحاج العربی بن مولانا بنداوود الشرقاوی العمری (بزاویة أبی الجعد) رسالة جواب:
دعونی إلی من قد هویت أسیرو لو أنی فی قید الذنوب أسیر
و خلوا سبیلی إن شوقی زائدو من شدة الأشواق كدت أطیر
و لا سیما و الحب أعلن معلمابشوق إلی ذی النظم و هو حفیر
و جاد بمجد لست أهلا لنیله‌و لكنه بالصدق منی خبیر
فلبیك یا مولای إن عزیمتی‌تبشرنی صدقا بأنی أزور
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 416 رجال أبی جعد إلیكم تشوقی‌و للقطب بنداوود قلبی شكور
و فی تلكم الأعتاب یحلو تطارحی‌و یشفی سقام ضاق منه صدور
و یجمع شملی بالخلیل و سیدی‌مولای العربی فالشأن منه كبیر
فیا أیها الحبر العلی جنابه‌لكم مدد یتلی و فضل شهیر
و یا من حوی جل المحامد و الثناو من لعلاه الخلق طرا یشیر
حباكم إلاه العرش كل فضیلةلكم عزة من أجلها و هور
و أسراركم معهودة و جلیةلنا من ذكراها غبطة و سرور
فعطفا علی عبد كسیر جنابه‌وجد بعلاج القلب فهو نفور
و سل نی من القطب الشهیر أبیكم‌صلاحا و سترا فالنوال كثیر
القصیدة الثانیة: ذكرها أحمد الصبیحی فی مخطوطه (كشكول الصبیحی) ج 3 رقم 428 ب خ. ع. ص بسلا یقول فی ص 35:
قصیدة لأبی العلاء الجعیدی.
الحمد لله طلب بعض الأدباء من الأدیب الشریف أبی العلا سیدی إدریس الجعیدی السلاوی كتاب المنیة لابن غازی فوجهه له و كتب علیه ما نصه و من خطه نقلت.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 417 قد وصلت إلی دیار التهانی‌و ارتقیت إلی مقام التدانی
فابشری بالمنی یا نفس فإنی‌صرت من خدم الأدیب ابن دانی
هذه منیتی تزوره شوقاكل ما یشتهی بها متدانی
فهی قائمة مقام أنیس‌و هی غانیة عن صوت الأغانی
كم شربت من ثغرها كأس رائع‌و سلوت بها عن نقر المثانی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 418

ملحق، رقم 5: خزانة الكتب التی تركها سیدی إدریس الجعیدی السلاوی حسب التریكة

اشارة

(خزانة نجله سیدی عبد القادر الجعیدی بسلا) نسخة من الشفا بالمطبعة المصریة (القاضی عیاض).- إحیاء علوم الدین (الإمام الغزالی) فی أربعة أسفار.- الإتقان فی علوم القرآن (الإمام السیوطی).- شرح جسوس علی عقیدة الرسالة (أبی زید القیروانی) شرح سیدی عبد القادر الفاسی.- حسن المحاضرة للسیوطی.- حاشیة الدسوقی علی الدردیر (شارح الشیخ متن خلیل) فی أسفار.- القاموس فی سفرین (البحر المحیط فیرزبادی).- سعود المطالع فی سفرین (الفلك و التوقیت).- تذكرة الشیخ داوود فی سفرین (الأنطاكی).- شرح الطرابلسی علی المرشد المعین.- حكم بن عباد (الصوفیة).- حیاة الحیوان فی سفر (الكبری الدمیاری).- میزان الشعرانی فی سفر و العمود أیضا و الطبقات الكبری.- نزهة الصفوری.- المستضرف (من كل فن طرف).- ریحانة الألباء للخفاجی.- الجغرافیة.- اختصار السویدی للشعرانی.- تألثف تفسیر الرؤیا لابن سیرین حسن.- كتاب ابن معشر الفلكی.- النصف الثانی من كشف الغمة للشعرانی.- تبصرة بن فرحون و بهامشه ابن سلمون.- سفران فی علم التنجیم لابن البنا.- منهاج الطالب فی التوقیت و التعدیل.- مقامات الحریری بخط مغربی.- شرح بنیس علی الهمزیة بالمطبعة الفاسیة.- سلوانات ابن ظفر.- كتاب القرطاس.- روضة الأزهار.- حاشیة التسولی علی التحفة.- التاودی.- ابن حجر علی الهمزیة الجزء الأول و الثالث من سیدی الخرشی و كتب أخری.- ثلاثة أجزاء من الخطاب و من الذكاء إلخ.- نسختان من المصباح.- البیرونی فی التنجیم.- مجموعة فی عمل الاسطرلاب.- كتاب فی الصلاة علی النبی.- كراریس 20 من القاموس.- كراریس مختلطة فی التنجیم.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 419

كما ترك سیدی إدریس الجعیدی العدید من آلات الرصد الفلكیة

- كرتان للتعدیل رومیتان.- قوس الارتفاع من صفر.- میزان الهواء.- مجانة قزدیر مستدیرة و مجانة مستدیرة.- شاخص بمدفع و بیت الابرة.- ءالة المساحة.- اصطرلاب من صفر.- كابوسان رومیان و الكثیر من الأسلحة الأخری و الأثاث و الحلی و المجوهرات.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 421

كشاف حضاری و فهارس‌

اشارة

إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 423

كلمات و عبارات عامیة و أجنبیة وردت فی الرحلة

- أ-

- الأجناس: جمع جنس و یطلق علی الشعب الأجنبی فیقال جنس الطلیان مثلا، و یجمع علی جنوس أو علی أجناس كما جمعه الجعیدی و هو استعمال فصیح و تعنی كل الشعوب الأجنبیة.
- أخرجت المدافع: بصیغت التفعیل بمعنی أطلق أی جعل المدفع یرمی قذیفته و تستعمل لكل الأسلحة الناریة.
- الإشارة: جمع الإشارات و هو ما یتخذ هدفا و یشار إلیه لیضرب خصوصا فی التداریب العسكریة.
- إصبانیا: إسبانیا.
- الإقامة: ما یقام به الشی‌ء من مواد و غیرها مثل إقامة البناء و المدافع و الشای.
- الأمین: أی المؤتمن علی مال الدولة، و قد كان هذا اللفظ فی النظام الإداری المالی بالمغرب یطلق علی الموكل بالخزینة و بكل ما یرجع للمال قبضا و صرفا.
- الأوقیة: نصف ثمن الرطل أی 1 من 16 منه- 349، 28 غ حسب الأحوال.

- ب-

- البابور: تعنی الباخرة و هی مشتقة من كلمة فابورVaPor الإسبانیة أی البخارBabord . إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار ؛ ص423
بانیو: حمام‌Ba ?no .
- البراح: المتسع من الأرض لا شجر فیه و لا بناء.
- البرانیة: أی الخارجیة و الكلمة عربیة (برا) و قد تنطق (بره) تعنی خارجا فی معظم الدارجات العربیة، و البرانی بالمغربیة الغریب عن البلد.
- البرمة: فی اللغة قدر من حجارة، و برمة الحمام تطلق علی الحوض الذی یصب فیه الماء الحار.
- بطّن: جعل ثوبا للتدفئة أو للتقویة داخل اللباس، و هذه اللفظة فصیحة إلا أنها
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 424
تعمم فیقال بطن الحائط بالخشب مثلا.
- بقرج: وعاء القهوة و هی كلمة تركیة معناها الغلایة.
- البلاغی: الأحدیة المغربیة المحلیة.
- البلجیق: بلجیكا.
- البوجی: الرافعة.
- البوط: مكیال للخمر أو غیره سعته 933 لتر.
- بونبة: مأخوذة من الكلمة الإسبانیةBomba و هی القذیفة التی تجعل فی المدفع.
- بیت النار: مفرد بیوت النار هو المحل من الفرن الخاص بطبخ الخبز، یطلقه المغاربة علی محل النار من الأسلحة.

- ت-

- التبریم: التدویر، و أصل الكلمة من البرم الذی هو الفتل.
- التصاویر: جمع تصویرة أی صورة و قد یقصد بها أحیانا التماثیل.
- تقاشیر: الجوارب مفردها جورب.
- التوریق: هو التزویق فی عمل الجبس و النقش علی الخشب.
- ترییش: منسوج من الخیط أو الحریر، نسجا فنیا مزخرفا تنمق به أطراف الأروقة و حواشیها.

- ج-

- الجعبة: فی الأصل «كنانة النشاب» ثم استعیرت لكل ما كان كالقناة و منه جعبة البندقیة.
- الجلنار: یعنی الجنرال‌Ge ?ne ?ral ضابط عسكری.
- الجمعة: تعنی الأسبوع.
- جنان: مفرد أجنة و من خصائص العربیة المغربیة إطلاق الجمع علی المفرد فی كلمات كثیرة، كریاض بمعنی روض و قبور بمعنی قبر و آفات بمعنی آفة. و الجنان تعنی الحدائق و البساتین.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 425
- الجنوی: السكاكین التی كانت تصنع فی مدینة جنوة الإیطالیة ج. جناوی و تصدر إلی المغرب تسمی الجنوی فتطلق علی كل سكین.
- الجوائز: مفردها الجائز خشبة معترضة بین حائطین، ج. جوائز و جوزان و جیزان و اجوز (الكایزة).

- ح-

- الحبة: أو بوحبة، كریات صغیرة من الخفیف تجعل الواحدة منها تحت الزناد فی البندقیات القدیمة فعندما تدق تشتعل فینفجر البارود.
- الحركة: تحرك الجیش من جهة لأخری و یقصد بها الغزوة أو الحملة لتأدیب العصاة و المتمردین.
- الحسك: الشمعدان أی ما یثبت فیه للإنارة.
- حوائجنا: جمع حاجة و المراد بها متاع الرجل و ما یأخذه معه أثناء السفر.
- الحوانیت: جمع حانوت و هی الدكان.
- الحوت: تعنی السمك (كما ورد فی القرآن فی سورة الكهف و سورة القلم) صغیرة كانت أو كبیرة، و هی عربیة فصیحة و یسمی صائد السمك و بائعه بالحوات.

- خ-

- الخابیة: جرة ضخمة من طین.
- الخدمة: مفردها خدام أی الخادم فی الاستعمال الدارجی و هو الشخص الذی یتدرب علی مهنة ما و لم یرتقی بعد إلی مستوی المعلم، أو الصانع و بالتالی یمكنه أن یستقل بنفسه.
- الخرصة: دائرة حدیدیة أو نحاسیة تلصق عادة بأبواب الدیار لتدق بها و تطرق.
- خصة: و تجمع خصص و خصات و معروفة فی الشرق العربی بالفسقیة.
- خناشی: جمع خنشة، و تجمع كذلك خنشات، و هی وعاء من ثوب لحمل الدقیق أو القمح أو البارود و غیر ذلك، و الأصل العربی الخشاش، حل الادعام فی العامیة و عوضت الشین الأول بنون- مثلا اجاص بتشدید الجیم الذی صار انجاص.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 426
- الخنقاطرة: الحیلة.

- د-

- دارموزی: یقصد المتحف.
- الدرابیز: جمع دربوز دخیل معناه الحاجز الحامی فی السطح أو الدرج أو الشرفة و قد وضع له مجمع دار العلوم مقابلا عربیا الجلفق.
- دفف: جمع دفة و هی الباب أو دفة الكتاب مثل الغلاف.
- دویرة: تصغیر دار أو منزل، و بویبا تصغیر باب، و بویت تصغیر بیت.

- ذ-

- الذراع: ما بین المرفق و الأصبع الوسطی أی نحو نصف متر تقریبا (48، 0 متر) و تقدیراته خاطئة و مختلفة، و قد بطل العمل به فی آخر القرن الماضی.

- ر-

- الرابوز: الكیر و هو من أرابوز البربریة حسب دوزی (المستدرك علی المعاجم العربیة).
- الربیعة: صندوق صغیر و تطلق أیضا علی الصندوق الكبیر و هی الربعة فی الفصیح، تحفظ فیه الأشیاء و غالبا ما تصنع من الخشب.
- الرجلیة: تعنی الرجالة فصیحة لجمع راجل أی الذی لا مركوب له و یمشی علی قدمیه، و كذلك یقول رجلهم أی أرجلهم.
- الرحی: الطاحونة.
- الرزمة: بالكسر عربیة فصیحة و معناها ما شد فی ثوب واحد و یقال رزم الثیاب ترزیما شدها و هی تطلق مجازا علی كل الكتل التی تجمع كما هنا.
- الرطل: جزء من مائة من القنطار، و لكنه أتقل من الرطل الأنجلیزی الذی لا یزن إلا 453 غراما. القنطار- 100 رطل أی 54 كلغ).
- الرمی: هنا هو مدی ما تبلغه القذفة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 427
- الروز: الأرز.
- الریال: كلمة إسبانیةReal معناها ملكی، اسم عملة أدخلت فی النظام المالی المغربی.

- ز-

- الزاج: الزجاج اختصارا فی اصطلاح المغاربة.
- الزكروم: المزلاج.
- الزناد: زند- زندا أی قدح النار و أخرجها من الزناد أو البندقیة، و الزنایدی هو المشتعل بصناعة البنادق التقلیدیة و إصلاحها بالمغرب.
- الزنجفور: الزنجفر أو الزنجفر معدن متفتت بصاص أحمر یصبغ به و یدهن به الحدید لیسلم من الصداء.
- الزیار: فی الفصیح خشبتان یضغط بهما بشدة.
- زیوف: منادیل، ج. مندیل.

- س-

- ساباط: سقیفة بین دارین تحتها طریق تجمع سوابیط و ساباطات.
- الساج: شجر عظیم صلب الخشب ج سیجان الواحدة (ساجة).
- ساعة مجانیة: أی 60 دقیقة للتعریف بین ساعة بمعنی الوقت الحالی مطلقا، و ساعة بمعنی وحدة زمانیة. و الثلث 20 د، و الربع 15 د و القسم 5 د.
- سامته: قابله و وازاه.
- سبنیة: خرقة من حریر و نحوه تغطی به عادة الرسائل السلطانیة.
- سراجم أو سراجب جمعها سراجیب و أصلها فی العربی الفصیح شرجب (بالشین) و هی النافذة، و شرجب كلمة فارسیة أصلها جها رجوب.
- سریر: فی الاصطلاح المغربی ما یحمل علیه مطلقا.
- سكویلة: یقصد المدرسة و بالإسبانیةEscuella .
- السلك: یقصد به ما نسمیه الیوم البرق أی التلغراف.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 428

- ش-

- الشب: ملح معدنی أشبه بالزاج الذی هو ملح یستخدم فی الصباغة.
- الشبر: ما بین طرف الإبهام و الخنصر ممتدین بالتفریج المعتاد.
- شمریر: مفرد شماریر و هو القبعة و أصله من الإسبانیةSombrero .
- شواقیر: جمع شاقور و هو سكین عریض یقطع به الخشب و نحوه و یستعمل كذلك فی الحروب، و فی الفصیح الساقور بالسین المهملة أو ساطور (المقدة).
- الشوالی: جمع شیلیة تعنی الكرسی و الكلمة إسبانیةSilla .
- الشیطت: الفرشات.

- ص-

- الصائر: النفقة یقال صیر أی نفق و هو المصروف أیضا.
- صالة: أو صالات مفردها صالة، كلمة فرنسیة تعنی القاعة الكبیرة.
- الصبنیول: تعنی الشعب الإسبانی.
- صغار: صغیرة.
- صینیات: ج صینیة كان النحاس مشهور باسم الصینی و منه جاء اسم صینیات الشای النحاسیة.

- ط-

- طبسیل: الآنیة كلمة من الدارجة المغربیة.
- طبلة: ج طوابیل، كلمة فرنسیة تعنی‌Table و هی الطاولة أو المائدة التی یتناول علیها الطعام.
- طرونبة: المضخة.
-- الطنابریة: هم قارعوا الطبول المصاحبون للجوقة الموسیقیة استعمال دارجی عند المغاربة.
طناجیر: جمع طنجرة أو طنجیر و هی لفظة تركیة معناها قدر من نحاس.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 429

- ع-

- العاج: أنیاب الفیل.
- العساسة: مفرد العساس و الجمع العسة أو العساسة و یقصد من یعس أو یحرس باللیل.
- عمارته: ما یعمر به جوف المدفع أو البندقیة مرة واحدة.

- غ-

- الغار: المغارة أو الكهف.
- غانجوا و مخطاف: آلة حدیدیة عبارة عن قضیب معوج الرأس تجتدب به أشیاء بعیدة أو صعبة الملمس لحرارتها أو نحو ذلك.
- غراف: جمع غراریف اسم آلة الشرب.
- الغرب: من معانیها المغرب.
- الغربال: المنخل.
- غلالة: الحلزون (القشرة).

- ف-

- فابریكة: كلمة إسبانیةFabrica المصنع.
- الفرجیة: (تشبه الجلباب و تنسب إلی القائد فرجی مملوك السلطان أحمد المنصور السعدی) و هی للشخصیات و الخواص، و فی الغالب لباس المخازنیة و العوام.
- الفردی: و الفرد أیضا یعنی مسدس ذو طلقة واحدة.
- الفركاطة: سفینة حربیة تسمی بالإسبانیة.Fragata .
- الفرنصیص: الفرنسیین و یقال الفرنسویة أی الفرنسیة.
- فورمة المدفع: عیارة أو شكله‌Forma كلمة إسبانیة.
- فریشك:Fresco وrefresco كلمة إسبانیة معناها الطری من المواد الغذائیة التی یتزود بها البحارة من المراسی التی تقف بها سفنهم.
- الفصالة: تعنی تصمیم.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 430
- فلك: مفردها فلوكة تعنی زورق صغیر و هی كلمة عربیة فصیحة. فلك- بضم الفاء و سكون اللام-.
- الفنار: مشكاة بداخلها مادة منیرةFarial كلمة إسبانیة و أصلها من الیونانیة فانوس التی استعیرت نفس المعنی بالمشرق ج. الفنارات.
- فیجكة: مخطاف صغیر یشبه الغانجو.

- ق-

- قائد المشور: تطلق علی الشخص الذی یقدم الزائرین للسلطان فهو بمثابة رئیس التشریفات.
- القاع: القعر.
- القالب: ما تفرغ فیه الأشیاء المنصهرة لیكون مثالا لها لما یصاغ منها.
- قالة: و هی تماثل إجمالا ذراعا و أصبعا، و قیاسها مختلف حسب نوع الثوب المراد قیاسه.
- القامرة: كلمة إسبایةCame ?ra و هی المكان الرفیع فی المنزل أو الباخرة.
- القامة: من الإنسان: قده.
- قبا البناء: یقبوه جعله علی هیئة القبة و قبا الشی‌ء قوسه.
- قدم: حیث فسر القدم بخطوة الرجل المتوسط أی نحو 70 سنتم و المعروف أن القدم فی اصطلاح الأنجلیزFoo - 4، 30 سنتم.
- القربة الوطب: أی وعاء یجعل فیه اللبن أو الماء و غیره.
- القرطوش: یطلق علی قذائف الرصاص التی تجعل فی المسدسات و البندقیات و هی من الإسبانیةCartcecho .
- قریقیات: أقفال خشبیة أو حدیدیة تربط بین قطعتین من الخشب أو غیره.
- القصبة: القلعة المحصنة أو المدینة أو القریة.
- قطب الرحی: محورها.
- قناطر: ج. قنطرة تطلق فی اللغة علی الجسر و كل ما یعبر علیه، و لها دلالة أخری عند المغاربة، مثلا: تطلق علی عماد غلیظ من خشب یوضع فوق جدارین
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 431
متوازیین و یبنی علیه.
- قنطار: یساوی 100 رطل أی حوالی 54 كلغ.
- القونصو: القنصل.

- ك-

- الكابوس: المسدس متعدد الطلقات جمعها كوابیس.
- الكاغد: جمع كواغد أی الورق، فی العامیة المغربیة الكاغیط.
- كبوط: جمعها كباببیط و تعنی المعطف.
- كرت بریطن: بریطانیا العظمی.
- كدش: جمعها أكداش تعنی كوتشی‌Coche بالإسبانیة أی العربة التی یجرها الخیل أو البغال.
- كدیة: الأرض الصلبة الغلیظة أو الهضبة الصغیرة.
- الكروصات: مفردها كروسة و هی كلمة إسبانیةCarroza تعنی عربة خشبیة تجرها الدواب و لكنها تستعمل فی الغالب لنقل البضائع.
- كریطة: جمعها كراریطCarreta بالإسبانیة هی عربة ذات عجلتین لحمل الأحجار أو الأسلحة الثقیلة كالمدافع.
- الكمخة: نسیج حریری سمیك تبطن به حواشی الأروقة و الستر و الملابس الرفیعة.
- الكنابی: ج كنبیات تعنی أسرة للاستراحة أو متكأ متسع‌CanaPe ?.
- كناش: مفرد كنانیش و هو الدفتر.
- الكنطردة: معناها العقد أو اتفاق یعقد بین شخصین أو أشخاص.
- الكوفری: الصنیدیق من الخشب.Coffret
- الكیر: زق ینفخ فیه الحداد.

- گ-

- الكنبورة: جرة أكبر من الطنجیة یخبع فیها السمن أو العسل و نحوهما، شبه
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 432
شكل قذیفة المدافع بها.
- الكیرة: تعنی الحرب‌Guerra .

- ل-

- لانبات: المصابیح الغازیة ذات الشكل الأنبوبی.
- اللقاط: الملقط و هو ما یلقط به كملقط الحداد. ج ملاقط.
- اللوایة: كل نبات تطول أغصانه و تتلوی علی الأشجار و الأعمدة و تطلع مع الجدران و نحوها.
- اللوندریز: مدینة لندن، مأخوذة من لوندریس الإسبانیة.

- م-

- ماریو: الدولاب أو الصوان أو الخزنةArmoir .
- المبرد: آلة البرد.
- المجانة: الساعة و أصل الكلمة من الیونانیةMagganon مكانون، فحرفها المغاربة إلی مجانة، الآلة التی تعرف بها ساعات الیوم.
- مجدول: جمعها مجادیل و هو حبل مفتول من الحریر أو غیره تقبض به الأروقة و الحجب.
- مخازنیة: أعوان أحد ممثلی المخزن یبلغون أوامره أو یوجهون لتنفیدها و خدمة من یعملون تحت إمرته.
- مركان: نوع من القماش كان یسمی‌Americanos .
- المسوس: الثوب المخرم و المثقب.
- مشموم: و هی باقة من الزهور.
- مضرب: اصطلاح مغربی كاللحاف و هی تعنی فراش محشو بالصوف أو القطن و نحو ذلك.
- مطیشة: أرجوجة أو خسدعة.
- المعلم: الخادم الصغیر أو المبتدئ و عكسه المعلم.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 433
- مقبو: مغطی سقف مقوس و یطلق خاصة فی المغرب علی السرداب المقوس السقف.
- مقرج: أو بقرج و هو إناء یغلی فیه الماء لتحضیر الشای و الكلمة تركیة الأصل (مرجل).
- المكحلة: لها معنیان فی العامیة فهی الوعاء الذی یوضع فیه الكحل و هی البندقیة أیضا.
- المكینة: لفظة إسبانیةMaquina و هی الآلة.
- الملف: ثوب ناعم من صوف كان أساس لباس المغاربة فی فصل الشتاء و یظهر أن أصل الكلمة من أمالفی‌Amalfi و هی مدینة إیطالیة.
- مموه: اصطلاح فی الزخرفة المغربیة.
- المنشار: آلة ذات أسنان ینشر بها الخشب و نحوه، ج. مناشیر.
- منشار الدور: مصدر الحركة (تحرك و عاد إلی حیث كان أو إلی ما كان علیه) بمعنی دوره أی جعله مدورا.
- مهاریس: جمع مهراس أو مهراز، و هو فی الأصل الهاوون الآلة التی تدق فیها الحبوب و نحوها.
- المواجیر: القمطر.
- الموبر: ثوب مصنوع من الوبرای الثوب المشعر.
- الموسكو: یقصد مدینة موسكو عاصمة الإمبراطوریة الروسیة.
- الموسیقات: جمع موسیقی مفرد موسقة و یقصد بها الآلات الموسیقیة.
- المون: یقصد رصیف المیناء.
- مید: هو دوار البحر أی ما یصیب راكب السفینة من انزعاج من المزاج و غثیان.
- المیل العادی أی 1609 متر أما المیل البحری 1853 متر.

- ن-

- الناعورة: آلة لرفع الماء فیها دولاب و قوادیس.
- ناقوس: مفرد نواقیس و هو الجرس و یسمی أیضا الجلجل.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 434
- نبح: ممر أو معبر.
- نشان: أو ینشان كلمة تركیة لها معان، و تعنی الوسام.
- نمیر أو نمرا: أی رقم‌Nume ?ro .
- النوارة: الزهر (واحدته نوارة).
- النون: فی العربیة هو الحوت، و یطلق فی المغرب علی الحوت النهری الذی یشبه الحنش.
- النیلة: غبرة لونها أزرق تصبغ بها الثیاب و الجدران و غیر ذلك.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 435

فهرس الأعلام البشریة

- أ-

آدم (علیه السلام): 94، 230، 233
أبراهام سكس: 222
إبراهیم (علیه السلام): 352
أجو سطینو دی بریتیس: 348
الأحبابی: 22
أحمد الأخضر غزال: 37
أحمد بنانی الفاسی: 22
أحمد بورقیة: 22
أحمد حلمی إبراهیم: 172، 256، 274
أحمد الزبیدی: 114، 406
أحمد السویری: 22
أحمد شمس الدین الحجاجی: 64
أحمد الصبیحی: 12، 23، 25، 36، 104، 401، 413، 415، 416
أحمد الطریس: 412
أحمد العماری: 26، 43، 174.
أحمد الكردودی: 11، 35، 49، 99
أحمد محمد عبد الخالق: 179
أحمد معنینو: 93
أحمد مفتاح البقالی: 277، 367
أحمد بن المواز: 408
أحمد المنصور الذهبی: 284
أحمد الناصری: 12، 20، 23، 26، 27، 31، 35، 36، 54،
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 436
66، 79، 83، 102، 104، 106، 219، 401، 405، 412، 413، 414
إدریس بنعلی: 81
إدریس الجعیدی: 11، 12، 13، 15، 16، 19، 20، 21، 23، 24، 28، 30، 31، 32، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40، 45، 46، 47، 48، 49، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 79، 80، 81، 82، 84، 85، 88، 89، 90، 91، 92، 93، 94، 95، 102، 103، 131، 139، 145، 146، 150، 159، 180، 198، 199، 213، 214، 216، 218، 227، 238، 240، 242، 244، 248، 249، 263، 275، 283، 297، 298، 302، 303، 310، 314، 316، 317، 323، 328، 330، 340، 346، 362، 384، 391، 393، 401، 412، 413، 415، 416، 418، 419
إدریس الشاوی: 22
إدریس العمراوی: 28، 49، 124، 192، 325
إدوار غالب: 179، 180، 181
الأمیر إدوارد: 278
إدوارد ستانلی دربی: 280
أدولف تییرا: 170
أرسططالیس: 195
أرمان سادوان: 242
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 437
أرنیست دالون: 33، 53، 207، 208، 211، 215
أستور: 71
أفا عمر: 187
إقلیدس: 22، 36، 66، 160
الأمیر ألبیرت: 287، 291، 292، 303، 307، 308
إلیزابیث الأولی: 284
أندروكلیس: 352
إیزابیلا الثانیة: 364
إیمی داكان: 113

- ب-

برادة ثریا: 51، 56، 219، 315، 375
بركش بن سعد: 129
البستانی: 190
بسمارك: 31، 47، 166، 170
القدیس بطرس: 347
أبو بكر بن محمد عواد السلاوی: 21
ابن البنا: 418
بناصر غنام: 30، 32، 35، 102، 109، 327، 389، 408
بنسعید السلاوی: 11، 32، 58
بنیامین دزرائیلی: 287
بوزیو: 334
القدیس بولس: 347
البیرونی: 418
بییر نوفان: 31، 51
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 438

- ت-

التاودی: 418
تاوریوت: 43
التسولی: 418
السفیر تمیم: 91
تیاریس: 30
تیتو لیفیو: 347
تیودور ویبر: 47، 48

- ج-

جاك كیلی: 31، 42، 44، 109، 234، 400
جان لوی مییج: 113
الجباص: 58
جبرائی جبور: 352
د. جبور عبد النور: 398
جرمان عیاش: 27
جعفر أحمد الناصری: 20
جلاد ستون: 287
جلال یحیی: 31، 51
الجلالی السلوی: 400
جون های: 203
جون هوب: 306
جیل مونج: 347، 391
الجیلالی البخاری: 115
الجیلالی بن الحاج: 300
الجیلالی بن حمو: 108، 133، 401
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 439
الجیلالی رابح: 30
الجیلالی الرحالی: 21

- ح-

الحریری: 418
الحسن الأول: 12، 21، 22، 23، 27، 28، 30، 31، 32، 33، 34، 36، 40، 45، 47، 48، 51، 53، 56، 59، 68، 78، 80، 82، 83، 86، 88، 89، 99، 101، 103، 108، 113، 114، 176، 190، 207، 221، 244، 276، 278، 290، 314، 356، 378، 406، 408، 413
أبو الحسن علی بن مسعود الجعیدی: 16
الأمیر الحسن بن محمد: 30
د. حسین محمد فهیم: 71
(الثائر) أبو حمارة: 58
حواء: 94، 230، 233

- خ-

خالد بن الصفار: 147
خدیجة الصابونجی: 18، 24
الخفاجی: 418
ابن خلدون: 49، 69، 198
خلیل بن إسحق: 190

- د-

داروین: 284
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 440
اللورد دربی: 29، 44، 281، 292، 297، 316
دریموند های: 33، 53، 54، 55، 56، 72، 78، 81، 82، 84، 86، 87، 99، 113، 276، 278، 290
ده فیرنوبی: 113
الدور دیكاز: 155، 156، 170، 205
دی أمیسیس: 34
دیزرائلی: 33
دیكان: 229

- ر-

روبرت های: 55، 203، 272
روجرز: 33، 82، 84، 276، 278
- ز-
زكی مبارك: 192
أبو زید القیروانی: 418
ابن زیدان: 16، 22، 26، 31، 42، 43، 44، 45، 48، 52، 54، 56، 70، 86، 87، 94، 106، 108، 115، 145، 154، 177، 178، 190، 206، 207، 214، 217، 229، 240، 290، 301، 400، 401، 405، 406، 407

- س-

ستیفانوسكو فاصو: 57
سكیرج: 38، 78
ابن سلمون: 418
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 441
السلطان سلیمان: 16، 26، 80
سلیمان بن حمزة: 174
د. سهیل إدریس: 398
ابن سودة: 12
سوزان میلار: 147
ابن سیرین: 418
الإمام السیوطی: 418

- ش-

شارل أندری جولیان: 26
شارل جوزیف تیسو: 113
الشعرانی: 418
شكسبیر: 284
شیفر: 124

- ص-

الصفار التطوانی: 11

- ط-

الطاهر الأودی: 88
الطاهر الفاسی: 86، 99، 273، 287، 289، 293، 296، 309
الطهطاوی: 49، 50، 64
الطیبی ابن هیمة: 48، 256
السفیر طیسو: 30، 99، 154
الملك طیطس: 352
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 442

- ظ-

ابن ظفر: 418

- ع-

عائشة أم المؤمنین (رضی الله عنها): 105
عباس بن إبراهیم: 22، 23، 401، 413
السلطان عبد الحفیظ: 408
السلطان عبد الحمید: 16
السلطان عبد الرحمن: 26، 28، 49، 108، 378، 405
عبد الرحمن العاجی: 28، 43
عبد الرحمن بن عبد العزیز عواد: 22
عبد السلام بن الخیاط الجعیدی: 16، 19
عبد السلام بن سودة: 18
عبد السلام بن طلحة: 21
عبد السلام السائح: 38
عبد السلام العلمی: 21، 340
عبد العزیز بن عبد الله: 26، 50، 58، 408
عبد القادر أشعاش: 28
عبد القادر الجعیدی: 12، 13، 16، 19، 20، 21، 24، 25، 36، 60، 105، 158، 198، 199، 200، 228، 230، 233، 369، 380
عبد القادر غنام: 35، 103، 410، 412
عبد القادر الفاسی: 418
عبد الكریم بن سلیمان: 408، 409
عبد الكریم بن محمد بریشة: 93
عبد الله أحمد: 115
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 443
عبد الله البرنوی: 105
عبد الله الجراری: 12، 18، 23، 36، 104
عبد الله بن خضراء: 23
عبد الله بن سعید: 101
عبد الله صبری: 222
عبد الله بن محمد: 30
عبد الله محمد بن الطیب القادری: 16
عبد المجید بن جلون: 116
السلطان عبد الملك بن إسماعیل العلوی: 43، 156
عبد الهادی التازی: 30، 33، 47، 256، 304
عبد الهادی بن القاید: 106
عبد الوهاب بن منصور: 27، 43، 44، 45، 106، 408
ابن عثمان المكناسی: 76
العربی بریشة: 48
العربی بن داوود: 415
العربی بن سعید: 101
علال الفاسی: 50
علی حسین عاصم: 191، 193
ابن علی الدكالی السلاوی: 13، 60
علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه: 105، 112
علی بن عبد الله الریفی: 112
علی بن العروسی: 30
علی بن محمد العرائشی: 106
علی المسفیوی: 278
علی الملیح: 25
العمروی: 11
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 444
القاضی عیاض: 418
عیسی (علیه السلام): 347، 348

- غ-

ابن غازی المكناسی العثمانی: 358
الغسال: 11، 49، 273، 282، 305
الغزال: 35، 52
الإمام الغزالی: 418
غلیوم الأول: 48، 256
غلیوم الثانی: 47
الأمین غنام: 91، 92
الغیغانی: 38

- ف-

الفاسی: 11
فاطمة بنت الأمیر الحاج محمد عواد: 18، 24
فاندن بوش: 268
السلطان فاندی: 307
ابن فرحون: 418
الملك فكتور إیمنویل الثانی: 349، 363، 364، 368، 371
الملكة فكتوریا: 46، 279، 287، 291، 292، 307، 308
الأمیر فلیب: 220
فلیب الثانی: 232
د. فلیب حتی: 347، 352
فؤاد مسعود: 248، 260، 261، 263، 264
الفیروز أبادی: 190
البارون فینطال: 207
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 445

- ك-

كولیش: 47

- ل-

لبیب رزق: 33، 82، 84، 276، 278
لسان الدین بن الخطیب: 195
لویز الثالث عشر: 190
لویس الرابع عشر: 165، 188
لیلی أبو زید: 79
لیوبولد الأول: 206
لیوبولد الثانی: 206

- م-

ماك مهون: 31، 51، 153، 155، 169، 170
ماكلین: 54
النبی محمد صلی اللّه علیه و سلم: 97، 98، 105، 115، 209، 347، 366
محمد أحمد السویدی: 9
محمد أحمد الناصری: 20
محمد الأمین البزاز: 68، 89
محمد بركاش: 28، 30، 31، 44، 54، 78، 103، 109، 110، 111، 113، 114، 116، 146، 156، 203، 217، 400
د. محمد أبو بكر إبراهیم: 222
محمد البوزیدی: 26
محمد الحاج بوعراقیة: 112
محمد التریكی الرباطی: 22
محمد تطوان: 16
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 446
محمد الجباص: 408
محمد الجعیدی: 12، 16
محمد الجیلالی الحمادی: 21
محمد بن حسن الحجوی: 50، 58
محمد الحلوی: 229، 233
محمد الخطیب: 111، 405، 406
محمد داود: 27، 93، 106، 406
محمد الدباغ الفاسی: 105
محمد دعی ابن إدریس: 25
محمد دینیة: 405، 406، 407
الأمیر محمد الرابع: 22، 83
الحاج محمد الزبیدی الرباطی: 12، 25، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 34، 35، 36، 37، 40، 42، 43، 44، 45، 47، 48، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 59، 78، 84، 85، 86، 87، 92، 93، 95، 100، 107، 110، 112، 114، 124، 132، 146، 154، 155، 156، 201، 205، 207، 208، 211، 214، 217، 219، 220، 221، 222، 230، 236، 240، 245، 246، 249، 253، 256، 257، 258، 268، 278، 281، 286، 290، 292، 297، 315، 316، 336، 337، 349، 361، 362، 364، 367، 371، 383، 384، 385، 387، 388، 393، 401، 405، 406، 407، 408، 413
محمد بن سعید السلاوی: 28، 32، 101، 124
محمد السنوسی التونسی: 304
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 447
د. محمد السید عبد السلام: 184
محمد بن الشریف الصونجبی: 24
محمد الصفار: 49، 50، 52، 64، 76، 89، 99، 147، 151، 199، 318
محمد الطاهر الفاسی: 28
محمد بن طلحة الصباحی: 21
محمد عابد الجابری: 69، 198
السلطان محمد بن عبد الرحمن: 43، 47، 48، 80، 101، 108، 218
محمد بن عبد العزیز محبوبة السلاوی: 21
محمد عبد الكریم الشرقی: 28، 101، 124
السلطان محمد بن عبد الله: 16، 19، 79، 84، 141، 185، 271، 405
محمد عبد الله عنان: 195
محمد العربی الطریس: 111، 408
محمد العربی الفاسی: 106
محمد العلو السلاوی: 21
محمد علی باشا: 49، 193
محمد بن علی الدكالی: 78، 139، 228
محمد الفاسی: 52، 55، 273، 405
محمد القائد أحمد زنبیر: 106
محمد بن الكعاب الشرقی: 241
محمد المامون بن عمر الكتانی الحسنی: 79، 141
محمد مخا التازی: 103
محمد المختار السوسی: 301
محمد بن المدنی: 103، 108
د. محمد مصطفی أنور: 222
د. محمد مصطفی صفوت: 33
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 448
محمد المصوری الطنجی: 133
محمد المنونی: 53، 54، 70، 83، 190، 241، 246، 340
السید المختار الرغای: 22
مسعود بن تكال بن یجعد: 20
مصطفی بو شعراء: 101، 111، 124، 206، 222، 310
ابن معشر الفلكی: 418
ابن المكی: 30
اللورد ملبورن: 287
موسی بن أحمد البخاری: 44، 53، 54، 78، 115، 146، 217، 240، 337
موسی حییم نطیفیوری: 48
موسی مونج: 114، 132
الوزیر میلیكاری: 346، 361

- ن-

نابلیون: 7، 26، 101، 124، 157، 165، 166، 167، 168، 184، 232، 283، 322
نوح (علیه السلام): 228

- ه-

هارون الرشید: 195
الحج الهاشمی عواد: 17
الملك هنری السابع: 284، 308

- و-

ولیم الرابع: 287

- ی-

یعقوب سكس: 222
الملك الیوبولد الثانی: 72
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 449

فهرس الأماكن الجغرافیة و المدن‌

- ا-

ابروسیا: 47، 51، 52، 166، 170، 256، 283، 322، 338 إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار ؛ ص449
روكصیلا: انظر بروكسیل
الإثمد: 244
أثینا: 113
أنجرة: 244
إنجلترا: 11، 27، 28، 29، 32، 33، 44، 45، 46، 52، 55، 56، 57، 61، 86، 87، 89، 114، 157، 196، 205، 207، 221، 232، 245، 256، 266، 278، 281، 284، 287، 297، 299، 317، 321، 334، 336، 340، 408
إسبانیا: 11، 27، 28، 29، 34، 93، 99، 118، 207، 221، 232، 408
أسترالیا: 181
أسطانذ: 268
إسطنبول: 113
أسفی: 48
الإسكندریة: 233
إفریقیة الغربیة: 166، 207
أكدال: 361
أكرای: 207
ألمانیا: 29، 33، 47، 99، 166، 170، 222، 256
أم درمان: 217
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 450
أمریكا: 69، 81، 340
الأندلس: 101، 163، 233، 296
أنفیرس: 54، 258، 303
أنطاكیا: 347
أوروبا: 11، 12، 22، 23، 26، 27، 28، 29، 31، 32، 35، 36، 37، 40، 41، 45، 46، 49، 50، 51، 59، 62، 63، 66، 69، 70، 71، 72، 77، 84، 86، 88، 89، 95، 98، 99، 111، 113، 114، 160، 170، 207، 267، 277، 314، 322، 348، 376، 407
إیطالیا: 22، 28، 29، 32، 33، 34، 47، 48، 58، 65، 73، 90، 92، 93، 114، 232، 324، 333، 336، 337، 338، 339، 340، 344، 346، 348، 349، 361، 363، 368، 371، 385، 387

- ب-

باب حساین: 12، 19، 21، 36، 105
باریس: 14، 15، 43، 49، 51، 57، 62، 64، 67، 69، 70، 72، 75، 84، 85، 87، 91، 110، 113، 114، 123، 124، 125، 132، 143، 144، 145، 146، 147، 152، 155، 156، 157، 171، 192، 195، 196، 200، 201، 204، 205، 206، 207، 209، 210، 231، 257، 285، 290، 292، 297، 301، 303، 304، 317، 318، 321، 323، 334، 336، 340، 384
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 451
بحر الشمال: 268، 269
بحر المانش: 317
البحر المتوسط: 110، 120
البرازیل: 29
البرتغال: 99، 221
برسلونة: 303
برالفرنصیص: 14
برلین: 33، 34، 41، 166، 256
برمنكهام: 86
بروكسیل: 46، 52، 53، 63، 69، 73، 156، 206، 208، 209، 212، 213، 214، 221، 230، 236، 246، 247، 249، 252، 256، 266، 303
بریطانیا: 33، 48، 69، 82، 170، 203، 217، 274، 278، 284، 287، 292
البلاد الحجازیة: 23
بلاد السودان: 29
یلاد الصین: 163
البلاد العربیة: 33
بلجیكا: 28، 29، 32، 33، 46، 47، 52، 53، 54، 57، 88، 114، 206، 207، 211، 214، 222، 229، 241، 256، 321
بوهیمیا: 292
بیت الله الحرام: 23، 105
بیت المقدس: 352
بیروت: 179، 347، 352، 398
بیلی: 394، 395
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 452

- ت-

تانجنیقا: 129
تركیا: 34، 49، 366
تطاوین: 20
تطوان: 16، 19، 27، 31، 103، 108، 405، 406
تفیلالت: 211
تنزانیا: 129
تونس: 113، 195، 339، 366، 388
تیوت: 43

- ج-

جامع قرطبة: 297، 301
جبال الألب: 334، 343
جبل ألتیسیمو: 343
جبل البلاتین: 353
جبل طارق: 33، 72، 110، 111، 118، 278، 406
جبل الفاتیكان: 347
الجدیدة: 116
الجزائر: 26، 29، 43، 47، 51، 62، 72، 153، 156، 174، 388، 408
جنوة: 29، 34، 336، 388، 395، 397، 398

- ح-

حلب: 334، 393
حومة العیون: 16، 19
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 453

- د-

الدار البیضاء: 35، 99، 111، 116، 408
دار السلام: 129
دمشق: 34
دوبلن: 303
دوفر: 268، 271، 272
الدول الأوروبیة: 42، 81، 84

- ر-

الرباط: 22، 27، 30، 32، 38، 42، 44، 49، 50، 56، 58، 64، 69، 70، 79، 81، 89، 100، 101، 104، 108، 111، 114، 116، 125، 141، 147، 180، 187، 190، 195، 200، 211، 219، 277، 315، 324، 367، 375، 405، 407، 408، 409
روسیا: 170، 408
روما: 29، 34، 65، 69، 70، 331، 337، 338، 345، 346، 347، 348، 349، 351، 352، 353، 356، 357، 358، 359، 360، 363، 368، 392

- ز-

زنجیبار: 129
جزیرة سانت هیلین: 166، 283

- س-

سبتة: 28، 244، 406
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 454
سدنی: 303
سراین: 241، 246
سردینیا: 334، 363
سلا: 12، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 24، 25، 32، 35، 36، 58، 100، 101، 105، 125، 139، 158، 200، 378، 401، 413، 416
سوران: 77
سوریا: 352
سوس: 69، 244، 297، 301، 408
سویسرا: 346

- ش-

شارلروا: 260
الشام: 21، 334
شرق إفریقیا: 129
شولی: 207
شیكاكو: 303

- ص-

صفرو: 16
الصویرة: 116، 203، 244، 271
الصین: 236

- ط-

طامیر: 264
طرنی: 207
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 455
طنجة: 14، 16، 26، 28، 30، 31، 33، 35، 44، 47، 53، 56، 57، 63، 68، 78، 86، 93، 99، 101، 102، 103، 104، 105، 107، 108، 109، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 121، 123، 132، 133، 145، 190، 192، 203، 207، 218، 219، 222، 244، 256، 271، 272، 316، 324، 333، 334، 345، 347، 391، 392، 400، 401، 405، 406، 408
طورین: 47، 57، 74، 90، 93، 334، 335، 336، 337، 360، 361، 363، 365، 367، 374، 380، 381، 383، 389، 391، 392، 393

- ع-

العرائش: 106، 116
العین الصفراء: 43

- غ-

غرناطة: 195

- ف-

الفاتیكان: 363
فاس: 16، 19، 22، 26، 30، 32، 33، 34، 44، 37، 56، 58، 99، 102، 103، 109، 111، 112، 114، 114، 115، 176، 195، 276، 296، 353، 388، 395، 401، 405
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 456
فانطی: 266
فرانكفورت: 31، 51
فرنسا: 11، 21، 22، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 34، 38، 42، 43، 44، 47، 49، 50، 51، 52، 56، 57، 64، 76، 84، 86، 87، 89، 99، 101، 109، 110، 112، 113، 114، 124، 133، 144، 147، 155، 157، 162، 166، 170، 175، 185، 188، 190، 193، 194، 196، 217، 221، 241، 256، 295، 317، 321، 322، 331، 338، 347، 363، 400، 408
فرینسی: 337، 338، 342، 345، 359، 360
فكیك: 26
فلسطین: 352
فیلادلفیا: 303
فیینا: 303

- ق-

قادس: 207
القاهرة: 21، 64، 179، 185، 190، 195، 222
القسطنطینیة: 34
قسنطینة: 176
قناة السویس: 40
قناة مرسیلیا: 136، 137
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 457

- ك-

كالی: 206، 317
كرومة: 337
الكونغو: 211
كیفی: 207، 208

- ل-

لاكن: 206
لبنان: 352
لندن: 29، 44، 46، 57، 64، 68، 69، 74، 76، 85، 94، 113، 196، 272، 276، 285، 290، 292، 297، 304، 308، 316، 334، 336، 371، 399
لوفایر: 235
اللوندریز: 272، 273، 276، 286، 297، 303، 308، 316، 321، 336
لیزانفلید: 69، 165، 167، 231
لیون: 322، 323، 324، 333، 382
لییج: انظر الیاج‌

- م-

المحیط الأطلسی: 110، 211
المحیط الهندی: 129
مدرید: 27، 28، 45، 93، 111، 195، 316
مراكش: 22، 23، 31، 32، 56، 81، 108، 109، 246، 413
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 458
مرسیلیا: 14، 68، 80، 107، 113، 116، 118، 120، 121، 123، 124، 125، 132، 136، 143، 144، 145، 146، 148، 149، 152، 153، 206، 346
مصر: 7، 21، 26، 49، 50، 70، 80، 81، 106، 192، 193، 233، 366
مضان: 333، 335، 391، 393
المغرب: 11، 19، 26، 27، 28، 29، 30، 33، 34، 43، 45، 47، 48، 50، 51، 53، 54، 55، 56، 58، 59، 66، 67، 68، 69، 70، 78، 79، 80، 81، 82، 83، 84، 89، 90، 93، 99، 100، 102، 111، 113، 114، 116، 118، 124، 141، 144، 151، 156، 163، 190، 192، 203، 205، 206، 207، 214، 221، 229، 230، 233، 240، 244، 245، 246، 256، 281، 290، 292، 304، 310، 315، 366، 375، 381، 388
مكناس: 21، 106، 358
مكة: 198
ملبورن: 303
المملكة المغربیة: انظر المغرب
میلان: 383، 388
میونخ: 303

- ن-

نابولی: 29، 76، 388
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 459
النجف: 112
النمسا: 363
نهر التیمز: 304، 308
نهر الرون: 136، 324
نهر الساؤون: 324
نهر السین: 166
نهر لادیرانس: 136
نیویورك: 303

- ه-

الهند: 46، 72، 81، 167، 199، 233، 236، 237، 254، 276، 278، 281، 285، 286، 294، 305، 307
هولندا: 195

- و-

وادی إیسلی: 26
وادی الخضر: 106
وادی الشبیكة: 211
وجدة: 43
الوریورا: 207
وهران: 43، 222، 408
الولایات المتحدة الأمریكیة: انظر أمریكا
ویندسور: 304، 306، 307، 308
وینزه: 308

- ی-

الیاج: 45، 234، 238، 241، 242، 246، 249، 267
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 460

فهرس المصادر و المراجع‌

- أ-

- إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار مكناس، لعبد الرحمان ابن زیدان، المطبعة الوطنیة الرباط، 1929- 1933 م، خمسة أجزاء. و العز و الصولة فی معالم نظم الدولة، المطبعة الملكیة بالرباط، 1962 م، فی جزئین.
- الاستقصا لأخبار دول، المغرب الأقصی، لأحمد بن خالد الناصری، الجزء التاسع، طبعة دار الكتاب، الدار البیضاء، 1956.
- الإعلام بمن حل بمراكش و أغمات من الأعلام، لعباس ابن إبراهیم المراكشی، تحقیق عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكیة بالرباط، 1974- 1983، عشرة أجزاء.
- الإتحاف الوجیز بأخبار العدوتین، لمحمد بن علی الدكالی، تحقیق مصطفی بو شعراء، من منشورات الخزانة العلمیة الصبیحیة، سلا، 1986 م.
- الإصلاح و المجتمع المغربی فی القرن 19 م، منشورات كلیة الآداب بالرباط، سلسلة ندوات و مناظرات، رقم: 7، 1986 م. (مشكلة النقود و محاولات الإصلاح فی مغرب ق 19 م، بقلم أفا عمر، 1973 م. (منشورات كلیة الآداب بالرباط، رقم 6. 1993 م الدار البیضاء). (الشعر المغربی فی القرن 19 م، بقلم أحمد الطریس، 373.
- الاستیطان و الحمایة بالمغرب 1863- 1894 م، لمصطفی بوشعراء، المطبعة الملكیة بالرباط، جزءان. و التعریف ببنی سعید السلاویین، الرباط، 1991 م، جزآن.
- الاغتباط بتراجم أعلام الرباط، لبوجندار محمد، مخطوط خ. ع، رقم: د، 261.
- إیلیغ قدیما و حدیثا لمحمد المختار بن علی السوسی، الرباط، 1966 م، و المعسول، الدار البیضاء، مطبعة فضالة، 1983 م.
- الإحاطة فی أخبار غرناطة، للسان الدین ابن الخطیب، تحقیق عبد الله عنان، الطبعة الثانیة 1973 م، الشركة المصریة للطباعة و النشر.
- اختصار الابتسام عن دولة ابن هشام، لمحمد الحجوی، مخطوط بالخزانة العامة
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 461
بالرباط رقم: 144 ج؛ و الرحلة الوجدیة، مخطوطة بنفس الخزانة، ج 123؛ و رسالته إلی الوزیر الجباص تحت رقم 204.
- أعمال ندوة ابن خلدون، منشورات كلیة الآداب بالرباط، سنة 1989 م.
- إبستیمولوجیا المعقول و اللامعقول عند ابن خلدون، لمحمد عابد الجابری، ص.
73.
- أسبوع فی باریز، محمد بن عبد السلام السائح، مخطوطة الخزانة الحسنیة بالرباط، رقم 161.
- أدب الرحلات لحسین محمد فهیم، (عالم المعرفة: 138)، دراسة تحلیلیة من منظور إنثوجرافی، الكویت، 1989 م.
- أدب الرحلة عند العرب، لمحمد حسین حسینی، مصر، 6791 م.

- ب-

- البخار و الآلات البخاریة لمجموعة من الأساتذة، عبد الله صبری، و محمد مصطفی نور و محمد أبو بكر إبراهیم، المطبعة الأمیریة بالقاهرة، 1957 م.
- البدر السافر لهدایة المسافر إلی افتحاك الأساری من ید العدو الكافر لمحمد بن عثمان المكناسی، مخطوطة الخزانة العامة بالرباط، رقم ح 52. و الخزانة الحسنیة رقم 12523.

- ت-

- تخلیص الإبریز فی تلخیص باریس، لرفاعة الطهطاوی، طبعة بولاق، القاهرة، 1844 م، و طبعة 1905، كانت رحلته عام 1241 ه.
- تاریخ الأدب الجغرافی العربی، للمستعرب كراشكوفسكی أغناطیوس یولیانوس، نقله إلی العربیة صلاح الدین عثمان هشام، نشر الإدارة الثقافیة ی جامعة الدولة العربیة 1957 م.
- تاریخ سوریا و لبنان و فلسطین و ظهور المسیحیة فی العصر الیونانی الرومانی لفلیب حتی، ترجمة جبرائیل جبور، دار الثقافة، بیروت، 1958 م.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 462
- تاریخ العلاقات المغربیة الأنجلیزیة حتی سنة 1900 لروجز، ترجمة لبیب رزق، دار الثقافة، الدار البیضاء، 1981 م.
- تاریخ تطوان، لمحمد داوود، طبعة تطوان، 1966، القسم الثالث من المجلد الأول.
- تاریخ العلاقات الدولیة من 1815 إلی 1914 م لبییر انوفال، تعریب جلال یحیی، دار المعارف، 1980 م.
- التاریخ الدبلوماسی للمغرب من أقدم العصور إلی الیوم، لعبد الهادی التازی، المجلد 10، 1989 م، و كتاب «رسائل مخزنیة» تتعلق بأمین الأمناء محمد (مخا) التازی، 1975 م.
- التحفة السنیة للحضرة الشریفة الحسنیة بالمملكة الإسبنیولیة، لأحمد بن محمد بن عبد القادر الكردودی، نشرها عبد الوهاب بنمنصور، المطبعة الملكیة، الرباط، 1963 م.
- تحفة الملك العزیز بمملكة باریس، لإدریس العمراوی، ترجمها إلی الفرنسیة و نشرها زكی مبارك مع النص العربی، تطوان، طبعة 1989 م.

- ج-

- جولات فی مغرب 1872، لعبد المجید بن جلون، مكتبة المعارف، الرباط، 1974.
- الجیش المغربی و تطوره فی ق 19 لبرادة ثریا، دبلوم الدراسات العلیا بكلیة الآداب بالرباط، مساهمة فی دراسة الإصلاحات العسكریة بالمغرب.

- د-

- الدبلوماسیة أو البروتوكول (الإتیكیت المجاملة) لأحمد حلمی إبراهیم، عالم الكتب، القاهرة، 1976 م.

- ر-

- الرحلة إلی فرنسا، لأحمد بن العیاشی سكیرج، مخطوطة بالخزانة الحسنیة رقم 12499.
- الرحلة إلی فرنسا، لمحمد حسن الحجوی، مخطوطة بالخزانة العامة، ح 115.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 463
- الرحلة الإبریزیة إلی الدیار الأنجلیزیة، لمحمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسی، طبعها محمد الفاسی، منشورات جامعة محمد الخامس، فاس، 1967 م.
- الرحلة إلی باریس، لعبد الله محمد بن عبد الله الصفار (1945- 1946 م) مخطوطة بالخزنة الحسنیة رقم 113، ترجمتها إلی الانجلیزیة سوزان میلار، جامعة هرفارد.
- الرحلات المغربیة فی القرنین الحادی عشر و الثانی عشر للهجرة، لمحمد مكمان، دبلوم الدراسات العلیا بكلیة الآداب بالرباط، 1987.
- الرحلة فی الأدب المغربی لفاطمة خلیل، بحث لنیل دكتوراه الدولة فی اللغة العربیة و آدابها، كلیة الآداب بالرباط، 1988 م.
- رحلة حجازیة، لإدریس بن محمد بن إدریس الجعیدی السلوی، مخطوطة الخزانة العلمیة الصبیحیة عام 1348 ه، رقم 475 بفهرس الخزانة (نشرتها جریدة السعادة، عدد 1135 سنة 1915 م).
- رحلة سفاریة إلی فرنسا لمحمد بنسعید السلوی سنة 1866 م. جزء منها بخزانة الحاج العربی بنسعید، نشره مصطفی بو شعراء، التعریف ببنی سعید السلاویین.
و جزء آخر بخزانة الحاج أحمد معنینو بسلا.
- رحلة إلی أنجلترا، لابن علی الحسن بن محمد الغسال، مخطوطة فریدة بالخزانة العامة بالرباط، رقم 1496 م، نشر عبد الهادی التازی، مجلة البحث العلمی، العدد 29- 30، الرباط، 1979 م.
- رحلة الغیغائی الحجازیة، لمحمد بن عبد الله بن مبارك الفیغائی الوریكی، مخطوطة الخزانة العامة، الرباط، رقم: ح 90.
- الرحلة فی العصر المرینی لشاهدی الحسن، دبلوم الدراسات العلیا بكلیة الآداب، الرباط، 1985 م.

- س-

- السفارة و السفراء لعبد العزیز بن عبد الله، منشورات وزارة العدل، الرباط، 1985 م.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 464

- ط-

- الطباعة الحدیثة لعلی حسین عاصم، القاهرة، 1958 م.

- ع-

- العلاقات المغربیة البریطانیة خلال ق 19 (1886- 1856 م)، منشورات كلیة الآداب بالرباط رقم 34، لخالد بن الصغیر، سنة 1997 م.
- عالم التكنولوجیا لمحمد السید عبد السلام، رقم 50: 177.
- عالم الطیر لأحمد محمد عبد الخالق، القاهرة، 1962 م، ث: 67.

- ف-

- الفالودج، لأحمد الصبیحی، مخطوطة بالخزانة العلمیة الصبیحیة بسلا تحت رقم 436 (كشكول الصبیحی، ج 3، رقك 428).

- م-

- مشكلة الحمایة القنصلیة بالمغرب من نشأتها إلی مؤتمر مدرید سنة 1880 م، لعبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكیة، 1977 م. و كتاب أعلام المغرب العربی فی جزءین.
- مرآة المحاسن، من أخبار الشیخ ابن المحاسن، لمحمد العربی بن أبی المحاسن یوسف الفاسی، المطبعة الحجریة بفاس 1906 م.
- مؤتمر برلین سنة 1878 م و أثره فی البلاد العربیة، محاضرات محمد مصطفی صفوت، جامعة الدول العربیة، القاهرة، 1957 م.
- مجالس الانبساط بشرح علماء و صلحاء الرباط، لمحمد بن علی بن أحمد دینیة، الرباط.
- المجلس الصحی الدولی بالمغرب من 1792 م إلی 1929 م، لمحمد الأمین البزاز، دبلوم الدراسات العلیا بكلیة الآداب، الرباط، 1980 م.
- مؤسسة السجون فی المغرب، لأحمد مفتاح البقالی، الرباط، 1979 م.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 465
- المقدمة لابن خلدون عبد الرحمان بن محمد المغربی، مطبعة دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

- ن-

- نتیجة الاجتهاد فی المهادنة و الجهاد، لبو العباس أحمد بن المهدی الغزال، مخطوطة خ. ح. 39216 حققها أخیرا إسماعیل العربی، نشر دار المغرب الإسلامی، 1982 م.

- و-

- وثائق و مخطوطات من خزانة نجل صاحب الرحلة سیدی عبد القادر بن إدریس الجعیدی، بمنزله الكائن بباب حساین، سلا.
- وثائق آل الجعیدی بالخزاة العلمیة الصبیحیة بسلا، و خزانة الحاج العربی بنسعید بسلا، و خزانة الحاج أحمد معنینو بسلا. و خزانة تطوان، محفظة 33، رسائل وزاریة.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 466

الموسوعات و المعاجم:

- الموسوعة فی علوم الطبیعة لإدوار غالب، بیروت، 1966، (فی جزءین).
- موسوعة عربیة عالمیة مصورة بالألوان، مطبوعة بمدینة جنوة بإیطالیا- (21 ج).
- الموسوعة العسكریة، المؤسسة العربیة للدراسات و النشر، بیروت، (3 أجزاء).
- معجم الفصحی فی العامیة المغربیة لمحمد الحلوی.
- سلسلة معاجم المركز الوطنی للتعریب بالرباط. منها معجم الأصول العربیة و الأجنبیة للعامیة المغربیة، الرباط، 1964 م.
- قاموس المنهل (فرنسی- عربی)، لجبور عبد النور و سهیل إدریس، و المنجد الكبیر فی اللغة و الآداب و العلوم.
- دائرة المعارف الحدیثة لأحمد عطیة الله، الناشر مكتبة الأنجلو المصریة، فی جزءین (موسوعة عامة).
- جریدة السعادة لسان المندوبیة السامیة الفرنسیة، عدد 1135 بتاریخ 23 و 24 شتمبر 1915 الخزانة العامة بالرباط.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 467

الدوریات‌

* مجلة دعوة الحق:

- «اوراقة المغربیة» القسم الأول بالعدد 16، سنة 1970، ص. 37 و القسم الثانی بالعدد 18 سنة 1971، ص 136، بقلم محمد المنونی.
- تحفة الملك العزیز بمملكة باریز، العدد 31 أكتوبر، 1980. و العدد 32، نوفمبر 1981 بقلم: زكی مبارك.
- الإكسیر فی فكاك الأسیر، العددین 4، 5، السنة 2، بقلم محمد زنیبر.
- جوانب الأزمة المالیة فی المغرب بعد حرب 1860 م، العدد 4- 4، السنة 1965، ص 200، بقلم جرمان عیاش.
- مجلة كلیة الآداب
- المثقف المخزنی و تحدیث الدولة، العدد 10 مارس، 1984، ص 52، بقلم سعید بنسعید، الرباط.
- الرحلة المغربیة صلة علم و حضارة، العدد 8، سنة 1986، بقلم عبد القادر زمامة، فاس.
- مجلة تطوان: «السفارات و البعثات المغربیة إلی فرنسا»، العدد 6 عام 1961، مترجمة عن مجلة:HesPe ?ris -Tamuda ، سنة 1960 م.
- مجلة البیئة: «الرحلات السفاریة المغربیة السنة الأولی»، العدد 6، سنة 1962 م، بقلم محمد الفاسی.
- مجلة الثقافة المغربیة: «العلائق السیاسیة للدولة العلویة»، العدد 8 أبریل 1942 م، بقلم مولای عبد الرحمان بن زیدان.
- مجلة آفاق: «صواب العامیة و خطأ الفصحی، العدد 3، السنة 1، بقلم محمد ابن تاویت.
- المجلة المغربیة للقانون و السیاسة و الاقتصاد: «علاقة بعض المغاربة بالتجارة الخارجیة»، بقلم إدریس بنعلی.
- مجلة أبحاث: «تصورات مغربیة للعلاقات الدولیة خلال القرن 19»، نموذج الرحلات المغربیة لأوربا خلال ق 19»، عبد اللطیف حسنی، العدد 8، السنة 2، 1985، ص. 5.

* مجلة الوثائق:

- مدیریة الوثائق الملكیة بالرباط، بأعدادها الستة.
- مجلة عالم الفكر، وزارة الإعلام، العدد الخاص «بأدب الرحلة».
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 468

المراجع الأجنبیة

1- الكتب الأجنبیة:

عرّب الدراسة خالد بن الصغیر، منشورات كلیة الآداب بالرباط، رقم 2، 1995 م «صدفة اللقاء مع الجدید رحلة الصفار إلی فرنسا».
- Thornton( Michael )," The British Rooyal Family Since Queen Victorio Royal Feud", Cowdon.
اعتمدنا فی الموافقة بین التواریخ الهجریة و المیلادیة علی كتاب:
- Cattenoz( H. G ), Table de concordance des e? res chre? tienne et he? giriene, Casa (. Ed. Technique Nord- Africaine.
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 469

2) الموسوعات و المعاجم:

3) الوثائق و الجرائد الأجنبیة مع الاختزالات المستعملة:

إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 470
- جریدة جنوة بخزانة عبد الهادی التازی، الرباط.
- وثائق المحفوظات البریطانیة (خ. خالد بن الصغیر).
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 471

المحتویات‌

استهلال 70
المقدمة 11
دیباجة المؤلف 97
نص الرحلة 107
الجزء الأول: 107
ذكر الدخول لثغر طنجة و مدة المقام فیها إلی الوصول لمرسیلیة 107
دخول الرئیس و مرافقیه لطنجة 109
ورود الفركاطة للسفر 113
الخروج من ثغر طنجة و الركوب فی البحر إلی الوصول لمدینة مرسیلیة ... 116
طلوع الباشدور للفركاطة 118
علة عدم خروج المدافع ... 119
مدة السفر فی البحر إلی مرسیلیة 121
الجزء الثانی: 123
أخبار مرسیلیة و باریس 123
طلوع الكبراء من مرسیلیة لملاقات الباشدور 123
ذكر الدخول لمرسیلیة و المقام فیها و الخروج منها 124
صفة الدار التی نزل بها الباشدور و أصحابه 125
صفة الصالة المعینة للباشدور 127
كراء هذه الدار فی السنة 132
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 472
بعض أوصاف مرسیلیة 133
هیئة رأس الماء الجاری علیها 136
فابریكة صنع السكر القالب 138
نشر قوالب السكر و تقریضه 142
الخروج إلی باریس 145
بعض أوصاف الطریق بینهما 146
وصف الدار المعینة للنزول 148
الحمامات 149
أوصاف هذه الصالات 150
صائر هذه الدار و تحفها 151
بعض أوصاف باریس 152
الخروج لملاقات عظیم دولتهم 153
فرجة المسابقة 156
فابریكة أوانی المعدن 159
صفة تذهیب بعضها 161
الدار التی تباع فیها أوانی البلار 162
فابریكة صنع الماریوس 164
قشلة مرضی العسكر و قبر نابلیون 165
قبر نابلیون 166
صور المحاربین و آلات الحرب فی سالف الزمن 167
الحضور لتسراد العسكر و كیفیته 168
ضیافة عظیم الدولة للباشدور 171
الطلوع بالهدیة لعظیم الدولة 176
جنان الوحوش 178
بعض أوصاف دار السكة 185
دار المطبعة 190
دار الكتب المطبوعة 194
بعض صفات دیار الفرجات 195
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 473
صفة طرق باریس و أحوال الخدمة 200
الجزء الثالث: 205
الإكرام الذی وجهته الدولة للباشدور و أصحابه 205
الخروج من باریس إلی جنس البلجیق و ما رأیناه فی بعض مدنهم 206
صفة الدار التی نزلنا بها فی ابروكصلاص 209
الملاقات مع الوزیر 210
بعض أوصاف هذه المدینة 211
الملاقات مع عظیم دولتهم 214
فابریكات المدافع و الرمایة بها 215
الملاقات مع أخ عظیم الدولة و عامل البلد و صفة داره 220
توجهه مع الباشدور لمحل صنع الغاز و شرح كیفیته 222
دار الوحوش المیتة 227
دار فابریكة النحاس و الصفر 230
الحوائج المصونة عندهم فی بعض الأماكن 231
صور آدم و حواء علی ما زعموا 233
التوجه إلی مدینة الیاج لرؤیة فابریكاتها 234
الدار القدیمة بها و بعض صفاتها و ما فیها 236
فابریكة الصفر و النحاس 237
فابریكة صنع الفلایل 238
دار فابریكات صنع المكاحیل و غیرها 239
الفابریكة العظمی فی مدینة سراین 241
مكینة البلار و الزاج 247
فابریكة صنع الملف 249
القبة العظیمة القریبة من دار عظیم الدولة و الأثاث و عینات الحوائج التی فیها 252
ما رأیناه فی ساقیة الماء الجاری فی البلد 254
الطلوع للضیافة لدار كبیر دولة البلجیق 255
دار العدة و آلة الحرب 258
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 474
شكل السلم الذی توضع علیه المكاحیل 258
فابریكات المرایا الكبار من الزاج فی مدینة شارلروا 260
ورقات الزاج العظام التی تصنع فی طامیر 264
مدینة فانطی و الفابریكة التی فیها 266
الجزء الرابع: 271
أخبار بلاد النجلیز 271
ملاقات كبراء مدینة دوفر للباشدور 271
محل النزول باللوندریز 272
قدوم كبراء البلد علی الباشدور للتهنئة 273
بساتین النوار التی فی الطرق و فی العراصی 274
صفة سجن بحومة اللوندریز 276
«الكونبطی» أی كرامة فی عرصة ولد السلطانة 278
الملاقات بالوزیر 280
إكرام زوجة وزیر الأمور البرانیة بالهند للباشدور 281
الدار التی فیها صور الآدمیین و الخروج لدار العلماء 282
دار الفرجة و أخری فیها السلاح القدیم و الهدایا 284
دار البانكة و ضرب السكة 287
النهوض لملاقات مع عظیمة دولتهم 291
صفة دار البلار و بعض ما رأیناه 292
مثال جامع قرطبة 295
الرجل الذی یغوص بصهریج الماء و كشف الحیلة فی ذلك 297
طیاطرو دار البلار و لعبة الأفیال به 299
لعبة الكلاب و وصف الریاض المجاور لها 302
التوجه إلی مدینة ولت لرؤیة دار بها 304
التوجه إلی مدینة ونزه 308
الحیلة المستنبطة لتغریق المراكب فی البحر 311
كیفیة خدمة الخفیف 312
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 475
كیفیة صنع الكور 313
كیفیة صنع المدافع العظام 314
وصف هذا المدفع 315
إكرام بعض التجار للباشدور باللوندریز 316
الجزء الخامس: 317
الرجوع إلی بر الفرنصیص و التوجه منه للطلیان 317
الدخول إلی مدینة باریس
القبة التی تطیر بمن یعلو بها الدار التی تصنع الخبز للعسكر 320
فابریكات الكور و غیره و العدة التی فی الخزین 321
سكویلة العسكر و الخروج من باریس إلی الیون 322
زیارة رأس بعض جبال الیون 323
فابریكات خدمة الحریر و الدیباج به 325
مستملحة استظرفتها هنا 327
الجزء السادس: 333
أخبار بعض بلاد الطالیان 333
الدخول إلی طورین 335
مدینة فرینسی و ما رأیناه فیها 337
الدخول إلی دار المهندسین و الفلكیین 340
التوجه إلی رومة 345
الملاقات مع وزیر الأمور البرانیة و كبیر الوزراء 346
دار المرضی بها 349
المحل القدیم البناء برومة 351
قدوم أصحاب الطرب علی الباشدور و كیفیة خدمتهم 353
الفرجة التی أنشأت إكراما للباشدور و فرجة الطیاطرو 354
قدوم أصحاب الطرب علی الباشدور و كیفیة خدمتهم 357
وصف مدینة رومة 357
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 476
الرجوع من رومة إلی فرینسی 359
الرجوع إلی طورین 360
اللقاء بعظیم دولة الطلیان و ببعض الأمراء 361
الفرجة التی أنشأها عامل طورین 365
زیارة سجن مدینة طورین 367
الإكرام بدار عظیم الدولة 368
الخروج إلی الصید مع ولد عظیم الدولة و الوزراء 370
الخروج لرمی الإشارة مع الطبجیة 373
كیفیة عمارة هذا المدفع 375
هیئة السواد الذی وسط لوحة الإشارة 377
الخروج لفابریكات الحریر بطورین 381
الدخول لمیلان 383
فابریكات الفخار 384
كیفیة تزویق الفخار 386
التوجه إلی جنوة 388
ناذرة من نواذر الزمان ترشد إلی اتخاذ الحذر فی بلاد الأمان 389
زیارة مدینة بیلی 394
ملاقات رئییس الفركاطة 397
الخروج من جنوة 397
مكینة صنع ماء الثلج 398
الوصول إلی مدینة طنجة 400
ملاحق 403
كشاف حضاری و فهارس 421
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 477

صدر فی سلسلة ارتیاد الآفاق‌

اسم الكتاب/ المؤلف/ المحقق/ المحرر
تذكرة بالإخبار عن اتفاقات الأسفار 1182- 1185/ محمد بن جبیر الأندلسی/ علی أحمد كنعان
الذهب و العاصفة. رحلة الیاس الموصلی إلی أمیركا، أول رحلة شرقیة إلی «العالم الجدید» 1668- 1683/ إلیاس الموصلی/ نوری الجرّاح
رحلتان إلی سوریا 1908- 1920/ الشیخ محمد رشید رضا «صاحب المنار»/ زهیر أحمد ظاظا
رحلة الحبشة .. من الأستانة إلی أدیس آبابا 1896/ صادق باشا المؤید العظم/ نوری الجرّاح
الدیوان النفیس فی إیوان باریس أو «تخلیص الإبریز فی تلخیص باریز»/ رفاعة رافع الطهطاوی/ علی أحمد كنعان
رحلة إلی أعالی النیل الأبیض 1839- 1840/ البكباشی سلیم قبطان/ نوری الجرّاح
رحلة إلی أوروبا 1912/ جرجی زیدان/ قاسم وهب
الرحلة الشامیة 1910/ الأمیر محمد علی باشا/ علی أحمد كنعان
الارتسامات اللطاف فی خاطر الحاج إلی أقدس مطاف 1929/ شكیب ارسلان/ أیمن حجازی
رحلة باریس 1867/ فرنسیس فتح الله المراش/ قاسم وهب
الرحلة التتویجیة إلی عاصمة البلاد الإنجلیزیة 1902/ الحسن بن محمد الغسّال/ د. عبد الرحیم موذن
رحلة الوزیر فی افتكاك الأسیر 1690- 1691/ محمد الغسّانی الأندلسی/ نوری الجرّاح
خطرة الطیف .. رحلات فی المغرب و الأندلس 1347- 1362/ لسان الدین بن الخطیب/ د. أحمد مختار العبادی
رحلة ابن خلدون 1352- 1401/ تحقیق محمد بن تاویت الطنجی/ نوری الجرّاح
رحلة ابن فضلان إلی بلاد الترك و الروس و الصقالبة 921/ أحمد بن فضلان/ شاكر لعیبی
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 478
اسم الكتاب/ المؤلف/ المحقق/ المحرر
رحلة الغرناطی .. تحفة الألباب و نخبة الإعجاب و رحلة إلی أوروبة و آسیا/ أبو حامد محمد الغرناطی/ قاسم وهب
رحلة إلی الهند 1899- 1900/ مار أثناسیوس أغناطیوس نوری/ نوری الجرّاح
رحلة أفوقای الأندلسی .. مختصر رحلة الشهاب إلی لقاء الأحباب 1611- 1613/ أحمد بن قاسم الحجری «أفوقای»/ د. محمد رزوق
رحلة المقدسی .. أحسن التقاسم فی معرفة الأقالیم 985- 990/ محمد بن أحمد المقدسی/ شاكر لعیبی
سیاحتی فی بلاد الهند الإنجلیزیة و كشمیر 1913- 1914/ الأمیر یوسف كمال/ جمال ملحم
النزهة الشهیة فی الرحلة السلیمیة 1855/ سلیم بسترس/ قاسم وهب
رحلة الشتاء و الصیف 1629/ الشیخ محمد عبد الله الحسینی/ سامر الشنوانی
الرحلة الأوروبیة 1919/ محمد بن الحسن الجحری الثعالبی/ د. سعید الفاضلی
رحلة المكناسی .. إحراز المعلم و الرقیب فی حج بیت الله الحرام و زیارة القدس و الخلیل و التبرك بقبر الحبیب 1785/ محمد بن عبد الوهاب المكناسی/ د. محمد بوكبوط
الواسطة فی معرفة أحوال مالطة. كشف المخبأ عن فنون أوروبا 1834- 1857/ أحمد فارس الشدیاق/ قاسم وهب
الرحلة الأمریكیة/ الأمیر محمد علی باشا/ علی أحمد كنعان
الرحلة الیابانیة/ الأمیر محمد علی باشا/ علی أحمد كنعان
رحلة شیخ الأزهر إلی أوروبة ..
مذكرات مسافر 1909- 1914/ الشیخ مصطفی عبد الرازق/ أشرف أبو الیزید
خمس رحلات إلی الجزائر 1904- 1932/ محمد الخضر حسین و آخرون/ د. محمد صالح الجابری
رحلة ابن حمادوش الجزائری المسماة لسان المقال فی النبأ عن النسب و الحسب و الحال 1743- 1748/ ابن حمادوش/ د. أبو القاسم سعد الله
رحلة محمد الكبیر .. بای الغرب الجزائری إلی الجنوب الصحراوی الجزائری/ أحمد التلمسانی/ د. محمد عبد الكریم
إتحاف الأخیار بغرایب الأخبار، ص: 479
اسم الكتاب/ المؤلف/ المحقق/ المحرر
بیروت- برلین- بیروت .. مشاهدات فی أوروبا و ألمانیا اثناء الحرب العالمیة الثانیة/ كامل مروة/ كریم مروة
رحلة إلی صحراء لیبیا/ محمد حسنین باشا/ علی كنعان
اسبوع فی بارس 1922/ محمد بن عبد السلام السائح/ د. سلیمان القرشی
البرنس فی باریس- رحلة إلی فرنسا و سویسرا 1913/ محمد المقداد الورتتانی/ د. سعید الفاضلی
سیاحتی فی بلاد التیبت الغربیة و كشمیر 1915/ الأمیر یوسف كمال/ جمال ملحم
اتحاف الأخیار بغرائب الأخبار 1876/ ادریس الجعیدی السلوی/ د. عزّ المغرب معنینو
المطالع البدریة فی المنازل الرومیة (904- 984 ه)/ بدر الدین بن محمد العامری الغزّی الدمشق/ المهدی عید الرواضیة
الرحلة المعینیة 1938/ ماء العینین بن العتیق/ د. محمد الظریف

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.